ترجمات أجنبية

توماس فريدمان: خطة لإنهاء الاحتلال وإنقاذ الديمقراطية اليهودية بمساعدة السعودية والعرب في إسرائيل

نيويورك تايمز 15 -7-2022، بقلم توماس فريدمان،

شيء عظيم أن يزور الرئيس بايدن الشرق الأوسط، فقد لعبت أمريكا دوراً حيوياً في دفع العملية السلمية هناك. وكواحد يتابع المنطقة منذ عقود، فأخبركم أنني أرى شيئا جديدا، هناك أمر مثير للمفارقة، مثلما مثير للدهشة: فقط السعودية والعرب في إسرائيل قادرون على إنقاذ إسرائيل كدولة ديمقراطية- وليس أمريكا”. وهذا لأن الناخبين العرب داخل إسرائيل، والسعودية، قادرون على إجبار إسرائيل كي تختار. فتستطيع إسرائيل أن يكون لها دولة ديمقراطية في إسرائيل والضفة الغربية، ولكن مع مرور الوقت، وبنسبة الولادة العالية بين العرب فربما لن تكون يهودية. ويمكنهم الحصول على دولة يهودية وليس ديمقراطية، ولكنها لا تستطيع مواصلة احتلال الضفة الغربية وللأبد.

هذه أسئلة وجودية تواجه إسرائيل منذ 1967 عندما احتلت الضفة الغربية والقدس الشرقية. لكن إسرائيل رفضت وبشكل متزايد أن تختار، بدرجة، أن الأحزاب السياسية من اليمين إلى اليسار اختارت في الانتخابات الأربعة الأخيرة تجاهل “المسألة الفلسطينية، وهذا أمر مثير للقلق”. ويجب ألا يكون الوضع نفسه عندما يذهب الإسرائيليون في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، للانتخابات وللمرة الخامسة في أقل من أربعة أعوام. وفي الوقت الذي تعبت فيه الولايات المتحدة من محاولات إقناع الفلسطينيين والإسرائيليين بحل الدولتين، يرى فريدمان أن العرب داخل إسرائيل، إلى جانب السعودية، يمكنهم لعب دور مهم في دولة يهودية ديمقراطية.

وأين المنطق في هذا الكلام؟ الجواب واضح للعيان، فلن تصبح إسرائيل ديمقراطية قابلة للحياة ما دامت تحتل وللأبد 2.7 مليون فلسطيني في الضفة الغربية. ويعني الاحتلال تطبيق القوانين الإسرائيلية على اليهود الذين يعيشون في الضفة الغربية ومعاملة الفلسطينيين بناء على قوانين عسكرية أخرى، بحقوق أقل أو فرص لامتلاك الأراضي وبناء البيوت وتجارة والتواصل والسفر أو التنظيم السياسي. وربما لم يكن الاحتلال مشابها لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ولكنه قريب قبيح، ويعمل على تآكل أخلاقية إسرائيل، وكذا الديمقراطية اليهودية. وأصبح الاحتلال منفراً، وبخاصة بين اليهود الليبراليين في أمريكا، ولو استمر الوضع بهذه الطريقة، فلربما كان جو بايدن آخر رئيس ديمقراطي مؤيد لإسرائيل.

إسرائيل بأنها ليست الوحيدة المسؤولة عن هذا، بل والتقدميين ومن أسماهم الدعائيين الفلسطينيين الذين يروّجون لهذا في حرم الجامعات، ويتهمهم بعد الصدق.

إن الانتفاضة الفلسطينية الثانية دمرت معسكر السلام، وهي التي اندلعت بعد “رفض” ياسر عرفات عرضاً من إيهود باراك دولة فلسطينية منزوعة السلاح على معظم الضفة الغربية والقدس الشرقية، وأدت صواريخ حماس وعملياتها الانتحارية لزيادة حس فقدان الأمن لدى إسرائيل. وأضاف أن الكثيرين من مؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة احتفظوا بالصمت خلال 12 عاماً من حكم بنيامين نتنياهو، والذي فعل كل شيء لنزع المصداقية عن السلطة الفلسطينية، كشريك في السلام. وبدون أن ينسب إليها الفضل وما تقوم به من جهود للحد من العنف الفلسطيني. وعمل على جعل حل الدولتين مستحيلاً، من خلال بناء المستوطنات في عمق الضفة الغربية، وأبعد من جدار الفصل الإسرائيلي، وفي المناطق التي ستقوم عليها الدولة الفلسطينية في المستقبل.

إن الفلسطينيين أطلقوا النار على أقدامهم من خلال انقسامهم بين الضفة وغزة، وتخلّصهم من رئيس الوزراء سلام فياض، “المخلص والفعال والموثوق” والذي عمل ما بين 2007 -2013. ولهذا السبب تجاهلت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التهديد الوجودي للدولة اليهودي من خلال مواصلة احتلال الضفة الغربية، والسبب أن الاحتلال كان بعيدا عن النظر والفكر. ولهذا السبب انسحبت الولايات المتحدة من المشاركة النشطة، حتى جاء دونالد ترامب وأعطى صهره جارد كوشنر اليد المطلقة للدفع بخطته. وهي قصة طويلة، وباختصار رفض الفلسطينيون ونتنياهو خطة ترامب.

ومن هنا جاء دور الإماراتيين وزعيمهم الشيخ محمد بن زايد والسفير في واشنطن يوسف العتيبة، فبدلا من السماح بانهيار العملية، اقترحوا سلاما شاملا وتجارة وسياحة مع إسرائيل لو وافقت الأخيرة على عدم اتخاذ قرار أحادي بضم مناطق في الضفة منحتها خطة ترامب لها. ومن هنا ولدت اتفاقيات إبراهيم عام 2020. ويعلق فريدمان بأن الإمارات لعبت دورا مهما في تحفيز الصفقة، فكلما أصبح الشرق الأوسط مثل الاتحاد الأوروبي، وأقل شبها بالحرب الأهلية في سوريا، كلما كان أفضل. لكن الإمارات والدول التي وقعت اتفاقيات التطبيع، السودان والمغرب والبحرين ترددت في المشاركة بالقضية الفلسطينية، فلديها فكرة سيئة عن القيادة الفلسطينية، ولا تريد الخوض في فوضى القضية. وكل ما يريدونه هو التجارة مع الشركات التكنولوجية الإسرائيلية وتقوية أنفسهم. وهو ما يقود الكاتب للحديث عن الدور السعودي في هذا السياق، فالسلام مع السعودية هو جائزة كبرى، وسيفتح الباب أمام السلام مع كل العالم الإسلامي، ومنفذ على كم هائل من الاستثمارات. و”لكن المسؤولين السعوديين البارزين أخبروني أن دعمهم لن يأتي مجانا”، فالملك سلمان، مرتبط عاطفيا بالقضية الفلسطينية، ويعرف ابنه محمد بن سلمان، ولي العهد، أن السعودية لو عقدت صفقة رخيصة مع إسرائيل، فستتفح المجال أمام عدوتها إيران لشن حرب إعلامية ضد السعودية في العالم الإسلامي. وستكون حربا قبيحة”.

ورغم هذه المخاوف، إلا أن إسرائيل والسعودية ناقشتا سرا شروط تطبيع العلاقات. ويرى الكاتب أن السعوديين، حسبما يعتقد، يريدون أن تأتي العملية على مرحلتين. وينقل هنا عن المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط، دينس روس قوله إن السعوديين ربما عرضوا، كبداية، فتح مكتب تجاري في تل أبيب يقوم بالتعامل مع المصالح الاقتصادية السعودية، “وتحرك نفسي كبير باتجاه إسرائيل”. ومقابل هذا قد تطالب السعودية بأمر أكبر: يجب على إسرائيل وقف كل عمليات البناء الاستيطاني في شرق الجدار الأمني الإسرائيلي في الضفة الغربية. والموافقة على المبادرة السعودية- العربية التي تشترط المفاوضات بناء على حل الدولتين. ويقول روس إن التزام إسرائيل في مجال المستوطنات يعني أن الإسرائيليين سيتوقفون عن البناء على نسبة 92% من الضفة الغربية، مشيرا إلى أن نسبة 80% من المستوطنين يعيشون غرب الجدار.

وتأتي المرحلة الثانية مع نهاية الاحتلال الإسرائيلي واتفاقية سلام مع الفلسطينيين. وربما وعد السعوديون بفتح سفارة في تل أبيب وأخرى في رام الله أو في القدس الغربية، حسب اختيار إسرائيل، ولكن يجب أن تكون هناك سفارات في الطرفين، وتعد إسرائيل بالحفاظ على الوضع القائم في الأقصى. ولمساعدة بايدن الذي يصل إلى السعودية، الجمعة، ولكي يعود حاملا بيده شيئا أعلن السعوديون عن فتح مجالهم الجوي لكل الطيران بمن فيه الطيران الإسرائيلي. ولا يتوقع الكاتب من إسرائيل القفز على هذه المقترحات، لكن لو تبنى السعوديون هذه الأفكار وجعلوها سياسة للعبوا دوراً في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر وأسهموا في إثارة نقاش حول طبيعة الديمقراطية في إسرائيل.

وهنا يأتي دور العرب في إسرائيل، فدفعة من السعودية قد تطلقهم للمشاركة في الانتخابات. وهنا حسبة بسيطة، فلا يسار الوسط في إسرائيل قادر على تحقيق الغالبية، ولا اليمين المتطرف، ولهذا تستمر الجولات الانتخابية. والعرب في إسرائيل يمثلون 21% من السكان، ويحصلون على 12 مقعدا في العادة، وحلّوا محل الأحزاب اليهودية الدينية ككتلة مرجحة. ولم يكن نفتالي بينيت، رئيس الوزراء السابق، قادرا على تشكيل ائتلاف حكومي بدون دعوة حزب عربي “راعم”. وأعلن الحزب العربي مشاركته في حكومة يهودية بشرط استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بناء على المبادرة العربية. ولهذا السبب يناقش فريدمان أن السعودية والعرب في إسرائيل لديهم القدرة على إنقاذ الديمقراطية اليهودية.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى