توفيق أبو شومر: نضال الفلسطينيين الصامدين منذ عام 1948

توفيق أبو شومر 8-10-2025: نضال الفلسطينيين الصامدين منذ عام 1948
سيظل الفلسطينيون الصامدون في أرضهم منذ عام 1948 شوكة في حلق إسرائيل، وستظل تسعى لإضعافهم تمهيداً للخلاص منهم، فقد حاولت تجريدهم من صفتهم كفلسطينيين بمنحهم لقب (عرب إسرائيل)، حتى أن بعض الإسرائيليين حاولوا تهويد البدو الفلسطينيين في زمن بن غوريون غير أنهم فشلوا، وأن سكان قرية العراقيب أعادوا بناء قريتهم 242 مرة بعد هدمها حتى تموز 2025.
عمدت سلطات الاحتلال إلى إقصاء الفلسطينيين من قراهم، ومنعهم من دخول الوظائف المهمة في إسرائيل، وفرضت عليهم أبشع قانون عنصري وهو قانون كمينتس الصادر عام 2018، والذي يمنح إسرائيل حق هدم بيوت الفلسطينيين بشرط أن يدفع الفلسطيني المهدوم بيتُه ثمن عملية الهدم! كذلك لم ينجحوا في تمرير قانون برافر في النقب الصادر عام 2013، الذي كان مقرراً أن يصادر بيوت 150 ألف فلسطيني بدوي، بحجة تطويرهم وإسكانهم في مدن مرخصة حكومياً!
صدر عام 2011 كتاب تحريضي على الفلسطينيين الصامدين في أرضهم بعنوان «فلسطينيو إسرائيل أقلية ضد الدولة اليهودية»، للبروفيسور دان شفتان، رئيس مركز الدراسات في جامعة حيفا!
هذا المؤلف كان يحرض على الفلسطينيين من منطلق عنصري، فهو يتهم الفلسطينيين بأنهم لا يقبلون أن يعيشوا في إسرائيل كأقلية، وهم كذلك أعداء الدولة اليهودية، لذلك فهم يسعون لإنشاء دولة فلسطينية داخل إسرائيل، وهم يشبهون طائفة الحريديم اليهودية؛ فهم كسالى يتمتعون بالمزايا فقط! يرصد الكتاب تصريحات السياسيين الفلسطينيين المعادية لإسرائيل!
لا يرى المؤلف في الأفق سوى حلَّين لا ثالث لهما، الأول: أن يعترف الفلسطينيون بأنهم أقلية في دولة إسرائيل، يشاركون في كل أنشطتها، مع بقائهم محتفظين بثقافتهم وهويتهم، وعليهم أن يمتنعوا عن القيام بأنشطة معادية لإسرائيل.
أما الحل الثاني: إذا رغبوا في تحقيق هويتهم في دولة أخرى عليهم أن يتركوا إسرائيل مع تخليهم عن الادعاء بملكية الأرض، وهو يعني تهجيرهم إلى دول أخرى!
لم يكتفِ دان شفتان بكل التحريض في الكتاب، بل إنه اتهم اليساريين الإسرائيليين المتعاطفين مع الفلسطينيين بأنهم السبب في فشل إدماجهم في مؤسسات دولة إسرائيل، وهو يتهم عدداً كبيراً من الجمعيات اليسارية التي تناصر الحق الفلسطيني، وأبرزها، «جنود يكسرون الصمت»، و»عير عميم»، و»سيكوي»، و»زوخروت» وغيرها من الجمعيات التي ترصد التمييز العنصري ضد أهل الأرض ومالكيها الفلسطينيين.
لم يقتصر التحريض على هذا الكتاب العنصري، بل وصل التحريض إلى المؤسسات العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية التي لا تزال تحاول تفكيك بنية هذا المجتمع الفلسطيني وتقسيمه، بإحداث الفتنة ونشر عصابات القتل المدربة في كل قرى ومدن الفلسطينيين، بادعاء أن المجتمع الفلسطيني الصامد يدمر نفسه بنفسه، وقد أقرتْ شرطة إسرائيل بأن 76% من ضحايا جرائم القتل في إسرائيل بين عامَي 2021 – 2025 هم من الفلسطينيين. بلغ عدد المقتولين في هذه الجرائم 891 فلسطينياً خلال أربع سنوات، وبلغ عدد القتلى الفلسطينيين 16 قتيلاً في كل مائة ألف، مع العلم أن نسبة القتلى اليهود في هذا العدد في المجتمع الإسرائيلي هي فرد واحد فقط!
سأظل أتذكر كتاباً آخر أصدره الباحث المنصف، يائير بويمل، عرضه الأستاذ سعيد عياش في ملحق المشهد بصحيفة «الأيام»، يوم 25/12/2007، وفيه رصدٌ مُنصفٌ لأوضاع الفلسطينيين الصامدين في إسرائيل. يعرض الكتاب الأفكار التالية: استمرت خطة التهويد ومصادرة أراضي الفلسطينيين، فقد حوّلت خطط التهويد 80% من السكان العرب إلى لاجئين بعيدين عن قراهم، وكانت نسبتهم بالقياس بنسبة اليهود 15% عام 1948، وبعد الهجرات اليهودية الكثيفة صارت نسبتهم 12%.
يلخص الكتاب أيضاً نظرة السياسيين الإسرائيليين للعرب في إسرائيل فيما يلي: العرب هم جزء من العرب خارج إسرائيل، وبالتالي فهم خطرٌ من الأخطار، ولأجل ذلك طبقت عليهم إجراءات عدة، منها: استثناء المدن العربية من خطط التطوير. تجاهل وجودهم في الخطاب الإعلامي الإسرائيلي، تعميق الانقسامات الدينية والطائفية بينهم، عزلهم عن السكان اليهود، إقصاؤهم عن مؤسسات الدولة مثل الجيش والإعلام والقضاء والمؤسسات الأكاديمية والشركات الحكومية، ومصادرة أراضيهم.
يضيف المؤلف: «إن النظرة إليهم قد تغيرت بعد عشرة أعوام على قيام إسرائيل، فأصبحوا أمراً واقعاً؛ لأن الطرد ومذبحة كفر قاسم، في تشرين الأول 1956، لم يفلحا في إبعادهم، ونتيجة لذلك فقد ظهرت أُطر سياسية إسرائيلية للتعامل مع هذا الواقع العربي، ومنها إطار لجنة الحزب اليساري، «ماباي» لشؤون العرب الذي أسس عام 1957، وكان شعار هذا الإطار كيف يتم إدماجهم بأقل قدر من الخسائر، ويقتضي ذلك منع قيام إطارات مستقلة في الوسط العربي تربوية واقتصادية وسياسية، مع العلم أن إطار مستشار رئيس الحكومة للشؤون العربية ظلَّ يختص بالمتابعة الأمنية لضبط اتصالاتهم بمحيطهم العربي، وأن إطار الجهات الحكومية مثل الوزارات والهستدروت، والقطاعات الأمنية المختصة بالعرب الفلسطينيين ألغتْ الحكم العسكري عام 1967، وصار العرب أعضاء في الهستدروت والخدمات الطبية، وسمح للطلاب العرب بدخول الجامعات، وكان الهدف العام تحسين ظروف الحياة. أما الإجراءات المناهضة للعرب فقد سارت في ثلاثة مسارات، المسار الاقتصادي الذي يشمل مصادرة أكثر من 60% من الأراضي المملوكة لهم بوساطة سن القوانين التي حققتْ المصادرة، وهذا أدى إلى حرمان العرب من الزراعة، وهي المهنة الشعبية الكبيرة لهم، فأصبحوا عمالاً بالأجر، وقد حُرموا أيضاً من إقامة صناعة.
أما مسار التعليم، فقد اضطر العرب إلى تأسيس تعليمهم الخاص المسيّر من قبل إسرائيل، وغايته طمس الهوية العربية، وإعداد معلمين لهذه الغاية، ومُنع العرب من تحديث تعليمهم، وأيضاً من تأسيس أحزاب عربية منذ عام 1948، وأسس عام 1959 حزب عربي هو «حزب الأرض»، ثم أُخرج هذا الحزب من القانون.
إذاً فالباحث يائير بويمل شخَّص أزمتهم، كما أنه وضع إصبعه على الجرح في جسد الفلسطينيين الصامدين.
لن أنسى التمييز العنصري بين السكان اليهود والفلسطينيين الصامدين في أرضهم في مجال القضاء والمحاكمات، فقد طلبت إدارة المحاكم الإسرائيلية إعداد دراسة ما بين عامَي 1996 – 2005 تجيب عن سؤال، هو: هل هناك تمييز في القضاء بين محاكمات اليهود ومحاكمات الفلسطينيين؟
درس الباحثون المختصون 1500 قضية، كانت النتيجة صادمة في قضايا العنف وتهريب المخدرات واقتناء السلاح، فقد كانت نسبة المُدانين العرب الفلسطينيين 48% من مجموع تلك القضايا، بينما كانت نسبة المدانين من اليهود على نفس التهم السابقة 33% فقط، كما أن أحكام المدانين اليهود كانت السجن 9 أشهر، بينما كانت أحكام المُدانين العرب الفلسطينيين 14 شهراً!
سيظل ملف القوانين الجائرة هو الأشد عنصرية، لا سيما في بند حق العودة لليهود وجمع الشمل للفلسطينيين، فاليهودي يتمتع بحق العودة لإسرائيل دون قيود والحصول على جواز سفر إسرائيلي مع إعفائه من الجمارك، بينما لا يُمنح الفلسطينيون حتى حق جمع شمل الزوج بزوجته، على الرغم من أن الزوجين من أصحاب الأرض!
أما فيما يتعلق بمحاكمات الأسرى من الفلسطينيين الصامدين في أرضهم، فإن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي هو الذي يُقرر المحاكمات، ويتغلب على أحكام القضاء ومطالب المحامين القانونية!