توفيق أبو شومر: استعدادات إسرائيل لمواجهة الاعترافات!

توفيق أبو شومر 24-9-2025: استعدادات إسرائيل لمواجهة الاعترافات!
يستعد الإسرائيليون لمواجهة اعترافات دول أوروبا بالدولة الفلسطينية، لعل أبرز تلك الاستعدادات هي أولا الاستعدادات العسكرية، يتوقع خبراؤهم اشتعال الضفة الغربية بموجات من المقاومة الفلسطينية بعد خطاب الرئيس، أبو مازن في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وفي هذا الإطار فإن اللواء، آفي بلوت من قيادة الجبهة الداخلية حذر من مضاعفات خطاب الرئيس في الجمعية العمومية على الساحة الإسرائيلية، وهو وفق تصريحاته في صحيفة جروسلم بوست يوم 22-9-2025 يتوقع أن تشتعل الضفة الغربية بالمقاومة الفلسطينية، لذلك فإنه أمر بنشر قوات عسكرية كبيرة في الضفة الغربية، وكثَّف حراسة أماكن التسوق، ومفارق الطرق، ولا سيما أن المقاومين الفلسطينيين سيستغلون فرصة الأعياد اليهودية لينفذوا مخططاتهم!
ما سبق هو فقط الرد الإسرائيلي العسكري الأسرع، غير أن الساسة في إسرائيل ومراكز الدراسات والأبحاث كلهم كانوا يتوقعون اعترافات عالمية بدولة فلسطين، مثل بريطانيا، وفرنسا، وكندا، وأستراليا، والبرتغال وغيرها من الدول الأوروبية، وهم قد جهزوا ردودا على هذا الاعتراف، ومن أبرز الخطوات الإسرائيلية الفورية لمواجهة هذه الموجة، أن تعمد إسرائيل إلى تنفيذ عمليات اغتصاب واستيطان الأرض الفلسطينية، وكانت خطوتها الأولى هي إعلان نتنياهو يوم 11-9-2025 تنفيذ مشروع (إي 1) قال نتنياهو: «لا يمكن إقامة دولة فلسطينية»!
أما الخطوة الثانية فجاءت على لسان نتنياهو نفسه: «بعد عودتي من اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة سوف أقرر موقفي من إعلان الدول الأوروبية، الاعتراف بدولة فلسطين» ومن أبرز الخطوات المتوقعة ضم منطقة غور الأردن لإسرائيل، وضم مناطق أخرى من الضفة الغربية!
أما، غدعون ساعر وزير الخارجية الإسرائيلي، فقد وصف الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية بأنها ارتكبت فعلا فاحشا وخطيرا، وهي قد كافأت الإرهابيين والسلطة الفلسطينية، وأكد أن مستقبل إسرائيل سيتحدد في القدس فقط! وهو قد تحدث مع، زعيمة المعارضة البريطانية، وهي من أشد المعارضين لقرار الحكومة البريطانية بالاعتراف بدولة فلسطين!
أما، داني دانون سفير إسرائيل في الأمم المتحدة فقال: «إن هذه الاعترافات بالدولة الفلسطينية جوفاء تتجاهل الواقع، ولن تحقق الهزيمة لحركة حماس»!
أما، مايك هوكابي سفير أميركا في إسرائيل، فقد نشر على صفحته نتيجة استطلاع رأي اقتبسه من، أميحاي شكيلي وزير الدياسبورا أبرز فيه أن 87% من الجمهور البريطاني، وكذلك 71% من الفرنسيين يعارضون اعتراف بريطانيا وفرنسا بالدولة الفلسطينية وأضاف إن زعيمي الدولتين، ستارمر وماكرون هما أضعف زعيمين في أوروبا!
ومن أبرز مواقف اللوبي الصهيوني في أميركا تصريح، جمعية، الإيباك اليهودية التي قالت: «كان يجب على أوروبا أن تدعم الديموقراطية الإسرائيلية، بدلا من أن تكافئ إرهاب حماس»!
أما المؤتمر اليهودي الأميركي (AJC) فقد نشر في موقعه موقفه من الاعتراف بدولة فلسطين: «إن الاعتراف بفلسطين هو دعوة صريحة لارتكاب القتل والاغتصاب»!
أما اللوبي الجمهوري واليهودي في الكونغرس فقد عبر عنه النائب الجمهوري، لندسي غراهام حين قال: «منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية أُبيد ستة ملايين يهودي في المعسكرات النازية لأنهم يهود، ها هم زعماء العالم المتحضرون يكافئون النازيين الجدد (حماس) باعترافهم بدولة فلسطين، إن اعترافهم بالدولة الفلسطينية هو اعتراف بأن هناك دولة فلسطينية بلا قيادة، وأخرى بلا حدود وبلا عاصمة، وكلاهما تهدد أمن إسرائيل، إن الاعتراف بفلسطين مكافأة لأكبر مجزرة ضد اليهود منذ الحرب العالمية الثانية، إن حماس وحزب الله والحوثيين لا يرغبون في دولة ثنائية القومية، بل يرغبون في إغراق إسرائيل في البحر»!
أحد المسؤولين المقربين من الرئيس، ترامب رفض ذكر اسمه لوكالة الأنباء الفرنسية قال: «إن تركيزنا سيبقى على الدبلوماسية، وليس على التصريحات الإعلامية الفارغة (الاعتراف بفلسطين)»!
أما الصحافي، جدعون ليفي الكاتب في صحيفة هآرتس فهو قد أشار إلى أن الاعترافات بفلسطين اعترافات شكلية، ومراوغة جاءت بديلا عن فرض العقوبات على إسرائيل، فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية عليها، وهو عقوبة إعلامية فقط، كما أن بحثنا في إطار الدولة الفلسطينية يجعلنا نتساءل عن هذه الدولة، ما شكل هذه الدولة الفلسطينية؟ ومن سيُجلي المستوطنين ويبعد الاحتلال عن حدودها؟ وهل هذا الاعتراف هو موقف جوهري من القضية الفلسطينية؟ وما موقف العرب من هذا الاعتراف؟ وهل سيتطور الاعتراف مثلما فعلت كولومبيا عندما قطعت العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، أو مثل موقف النرويج عندما سحبت عشرات المليارات من استثماراتها في إسرائيل؟ كما أن هذه الدولة مرهونة بشرطين، أولهما إصلاح السلطة الفلسطينية وإقصاء حركة حماس عن السلطة، لأنها نقيض المشروع الوطني الفلسطيني!
إن في تاريخ إسرائيل أحداثا مشابهة لنجاحها في فن متابعة الأحداث والتصدي لنتائجها، فقد نجحت إسرائيل في قرار تقسيم فلسطين، رقم 181 يوم 29-11-1947، وتمكنت من الحصول على نسبة أكبر من الأرض في قرار التقسيم، فقد حصلت على 55% من الأرض، على الرغم من أن اليهود كانوا أقلية في ذلك التاريخ، بينما حصل الفلسطينيون على 43% على الرغم من أن الفلسطينيين يشكلون 70% من السكان! لم يكن ذلك عشوائيا، بل كان مُخطَّطَا له من اللوبي اليهودي في العالم، فقد تابع مسؤولو الوكالة اليهودية، حتى قبل تأسيس إسرائيل، اللجنة الأممية المكلفة بقرار التقسيم، (اليونسكوب) تغلغلوا فيها، ضغطوا على الدول المشتركة في اللجنة، وهي إحدى عشرة دولة.
وضعت لجنةُ اليونسكوب ثلاثة حلول للمشكلة الفلسطينية: إما دولة ذات أغلبية عربية. أما الحل الثاني فهو حل الدولتين. أما الحل الثالث، فحل دولة واحدة ثنائية القومية، بعد حوالى تسع سنوات من قرار التقسيم، وبعد أن سوَّقت إسرائيل للعالم؛ بأن الفلسطينيين رفضوا القرار، نشر رئيس الوزراء الأسبق، ووزير الخارجية، موشيه شاريت، نص رسالة سرية كان قد بعثها إلى بن غوريون، قبل التصويت على هذا القرار وقبل تأسيس إسرائيل كدليل على دقة المتابعة قال: «ستصوت مع قرار التقسيم 25 دولة من دول العالم، وسترفضه 13 دولة، وستمتنع 17 عن التصويت، وستغيب دولتان».
كانت النتيجة النهائية بعد متابعة الوكالة اليهودية للجنة وللدول المشاركة فيها كما توقَّع، موشيه شاريت، ما يدل على الكفاءة في فن المتابعة، وليس على قراءة الغيب في السياسة كما يحدث في الدول النامية أو(النائمة)، فقد ألغت كثيرٌ من دول العربُ منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وحتى في الألفية الثالثة مشاريع الخطط المستقبلية، في مجالات التعليم والثقافة والفنون، واقتصرت اجتهاداتهم المستقبلية على الأنشطة التجارية الصناعية والعلاجية في إطار محدود!
أخيرا، دائما أعود إلى ذكرى حفظتها العام 1975 عندما نجح الفلسطينيون للمرة الأولى في تجنيد الرأي العام الدولي في الجمعية العمومية للأمم المتحدة يوم 10-11-1975م، ليُصدروا قرارا باعتبار الحركة الصهيونية هي أحد أشكال التمييز العنصري المحظور في العالم، رقم 3379، وافقت على هذا القرار اثنتان وسبعون دولة، ورفضت خمس وثلاثون دولة هذا القرار، وقد استند الداعمون للقرار على قرارات سابقة صدرت العام 1963، نصت على دعوة العالم لرفض الحركات العنصرية كلها، وقد طبَّل ورقص الفلسطينيون وكثير من دول العرب وبعض دول العالم على وقع هذا القرار، سأظل أتذكر ما فعله، حايم هرتسوغ سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، وهو والد اسحق هرتسوغ رئيس دولة إسرائيل الحالي، حين مزَّق القرار الورقي وألقاه على الأرض وهو يقف على منصة الجمعية العمومية، وقال: «إن هذا اليوم يماثل ليلة، الكرستال المشؤومة، حين حرق هتلر معابد اليهود في ألمانيا العام 1938»!
كان صعبا التصديق، أن الفلسطينيين أنفسهم قبلوا إلغاء القرار بعد ست عشرة سنة، بعد أن اشترطت إسرائيل على الفلسطينيين ممن أجروا مفاوضات السلام في أوسلو أن يوافقوا على إلغائه، نظير استمرار إسرائيل في المباحثات معهم، ففي يوم 16-12-1991 ألغت الجمعية العمومية هذا القرار، وقد وافق على إلغاء القرار مئة وإحدى عشرة دولة!