أقلام وأراء

توفيق أبو شومر: أين إسرائيل من النظرية الروسية الجديدة؟!

توفيق أبو شومر: أين إسرائيل من النظرية الروسية الجديدة؟ 2022-10-26

ما يجري اليوم في الساحة الأوكرانية ليس حربا بين دولتين، بل هو بداية تغيير جذري على خارطة العالم السياسية والاقتصادية والفكرية، إنه صياغة جديدة تجري في مصانع إنتاج السبائك الدولية، غايتُه الرئيسة التحررُ من الهيمنة الأميركية على العالم.

 

من يتابع الأحداث يدرك أن روسيا بوتين تضطلع بهذه المهمة، هذه حقيقة يعرفها كثيرون، غير أن تفصيلاتها لا تزال غامضة.

تابعت آخر تصريح لوزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، وهو عضو بارز في طاقم مصنع إنتاج سبيكة حكومة عالم جديدة، حين قال يوم 19-10-2022: «ستُقلل روسيا عدد دبلوماسييها في الغرب، بسبب انتشار ظاهرة (روسيافوبيا)، فالأوروبيون لا يقبلون بالروس، فرضوا علينا الحظر، نحن لا نُجبرهم على حُبنا، هم لا يرغبون في وجودنا بينهم».

بدأت روسيا الجديدة خطواتها العملية في هذا الاتجاه قبل سنواتٍ عديدة وذلك بتشجيع دول التجمع الآسيوي، CICA في الأمم المتحدة المكون من 27 دولة على تأسيس كُتلة مؤثِّرة في العالم، بدأت روسيا تسير وفق عقيدتها الجديدة؛ التحرُّر من هيمنة الكنيسة الكاثوليكية الغربية على الكنيسة الأورثوذكسية الشرقية، فالروس هم حاملو مفاتيح الأرثوذكسية الشرقية، هم القوة الجديدة، هم حماةُ (روما الثالثة) في مقريها موسكو، وكييف، وهذا يتوافق مع (النظرية الرابعة) للمفكر الروسي، ألكسندر دوغين، النظرية الرابعة الجديدة التي ستقام على حطام النظريات التقليدية الثلاث؛ الليبرالية، والشيوعية، والنازية، سقطت النظرية النازية في الحرب العالمية الثانية، وانتهت الشيوعية بانهيار الاتحاد السوفييتي 1991، ولم يبقَ سوى النظرية الليبرالية (الرأسمالية) بزعامة أميركا، وهي اليوم ستزول على يد النظرية الروسية الرابعة، وهي نظرية (الأوراسيا) أي أوروبا وآسيا، نظرية التحرر الذاتي من طغيان الحضارة الليبرالية التكنولوجية، ما يعني عودة روسيا لموقعها الحضاري المدافع عن القيم الخلقية وعن حقوق الإنسان، وليس الخاضع لقيم التكنولوجيا الغربية!

اكتشف الإسرائيليون البراغماتيون منذ زمنٍ بعيد خطة روسيا الجديدة، اكتشفوا أيضا أن مستقبل العالم مرهونٌ بالصين حليف روسيا الصامت، لذا فقد استعانوا بالشركات الصينية وعقدوا الصفقات معها، هذا التعاون الصيني الإسرائيلي دفع الأميركيين إلى الاحتجاج عليه. أدركوا أيضا أنَّ هذا التغيير سيقلب موازيين إسرائيل كلها، لذلك فهم اليوم كامنون، يمارسون طقسهم الزائف (الحياد)، كثيرون منهم يعتقدون بأن مشروع بوتن الجديد سينجح، لذا فهم يطبقون البراغماتية السياسية ببراعة! هم اليوم يجهزون لمواجهة قوة إيران في الحلف الروسي الجديد، لأن إيران لا تدعم روسيا في أوكرانيا فقط، بل هي شريكٌ في مشروعها!

أما عن الموقف الإسرائيلي الرسمي فهو كما ورد على لسان رئيس وزرائهم، يائير لابيد في مقابلة مع رئيس تحرير صحيفة» جروسالم بوست»، يعقوب كاتس، سوف تُنشر المقابلة كاملة بعد نشر هذا المقال، يوم 28-10-2022  قال: «نحن نُجري التقييم ثم نفعل ما تقتضيه الظروف، نحن شجبنا ضم روسيا للأقاليم الأوكرانية الأربعة، وزودناها بالدعم المدني وأنشأنا مستشفيات فيها، أما عن الدعم العسكري فإننا ننطلق من سياستنا الأمنية، وهي أن هناك اتفاقا مع روسيا على أن تواصل إسرائيل قصف المواقع الإيرانية في سورية»!

أما الإعلام الإسرائيلي فقد عمد إلى تشويه زعيمي نظرية الأوروآسيا، الرئيس بوتين، ولافروف اتهمهما باللاسامية لهدف زيادة عدد المهاجرين اليهود لإسرائيل، نشروا أقوال لافروف في مؤتمر صحافي، حينما قال: «روسيا تحارب النازيين في أوكرانيا» سأله صحافي: «كيف تقول ذلك ورئيس أوكرانيا يهودي؟!» رد عليه لافروف: «لا تنسَ أن الدماء اليهودية كانت تجري في شرايين هتلر»!

لم يكتفوا باتهام لافروف بأنه لا سامي، بل إنهم قالوا، على لسان الصحافي، ألكسي بايار، يوم 20-10-2022: «إن النظام الروسي كلَّه يُنكر (اللاسامية) في روسيا ويطويها تحت البساط، ولا يعترف بقتل ستة ملايين يهودي، ويدعي أن القتلى كانوا روسيين ومن أجناس أخرى، إن معاناة الروس من النازيين تشبه معاناة اليهود»!

إن الدول التي أعلنت انضمامها الصامت إلى هذا الحلف كثيرة، وعلى رأسها باكستان والهند وتركيا وماليزيا، بالإضافة إلى كثير من الدول الأخرى مثل فنزويلا وكثير من الدول الإفريقية!

أما دولنا العربية التي أدركت حجم الخداع الأميركي لها خلال عقود طويلة، أعادت هي الأخرى التفكير في مصالحها، فحين أقدمت المملكة العربية السعودية على تخفيض إنتاج النفط كانت ترسل رسالة في هذا الاتجاه، كما أن زيارات وفود الأحزاب الفلسطينية إلى موسكو تصب في هذا المجرى وأبرز الخطوات هي إعادة علاقة حركة حماس بالرئيس السوري حافظ الأسد، كل ما سبق يصب في مجرى نهر هذا التوجه الجديد بقيادة روسيا!

غير أنَّ مصير هذا المشروع محكومٌ بانضمام (التنين) الصيني إليه، كما أن انضمام الصين عسكريا سيبدأ باستعادة جزيرة تايوان بالقوة، وهذا سوف يُحدد مصير العالم كله!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى