شؤون فلسطينية

توجّه الحكومة الفلسطينيّة إلى الانفتاح التجاريّ على مصر قد يصطدم بحائط صلب

موقع المونيتور – بقلم أحمد ملحم  * — 18/10/2019  

رام الله، الضفّة الغربيّة — أنهى الوفد الوزاريّ الفلسطينيّ، في 11 تشرين أول/أكتوبر، زيارته الرسميّة لمصر، التي استمرّت لمدّة 3 أيّام وتعدّ الأكبر من نوعها، بتوقيع عدد من الاتفاقيّات الاقتصاديّة بين البلدين. وترأس رئيس الوزراء محمّد اشتيّة الوفد الفلسطينيّ، الذي ضمّ 11 وزيراً وتأتي زيارته ضمن خطّة الحكومة الفلسطينيّة لتفعيل العلاقات الاقتصاديّة مع الدول العربيّة للانفكاك الاقتصاديّ عن إسرائيل، وعقد الوفد محادثات بشكل جماعيّ مع الحكومة المصريّة. كما عقد الوزراء بشكل منفصل عشرات الاجتماعات مع نظرائهم المصريّين للبحث في التعاون المشترك.

وكانت الحكومة بدأت خطّتها للانفكاك عن بعد اقتطاع اسرائيل في شباط/فبراير جزء من أموال المقاصة الفلسطينية، تمثل قيمة ما تدفعه الى عائلات الشهداء والاسرى.

انطلاقاً من الأردن، حين وقّع وفد حكوميّ برئاسة محمّد اشتيّة في الأردن في 7 تمّوز/يوليو 3 مذكّرات تفاهم مع الأردن في مجالات الطاقة والصحّة والنقل. ونفّذت الحكومة الخطوة الثانية من خطّتها، بزيارة العراق، في 15 تمّوز/يوليو، للبحث في إمكانيّة استيراد الوقود العراقيّ للضفة الغربية وإبرام تفاهمات في مجال التعاون الاقتصاديّ بين الجانبين.

وتعوّل الحكومة على فتح أبواب التعاون مع مصر في مجالات عدّة، إذ أشار اشتيّة في بيان صحافيّ عقب لقاء جمعه بنظيره المصريّ مصطفى مدبولي في 9 تشرين الأوّل/أكتوبر إلى أنّ الزيارة لمصر “فتحت أبواب التعاون في التعليم والصحّة والزراعة والتبادل التجاريّ”، وقال: “نريد الاستفادة من التجربة المصريّة في العديد من المجالات، لا سيّما التجارة والزراعة والاستثمار، والتجربة الشخصيّة لرئيس الوزراء في إنشاء المدن الجديدة والمساكن الشعبيّة”، في اشارة الى منازل العائلات ذات الدخل المنخفض.

ومن المتوقّع أن تشهد الفترة المقبلة تدفّق المنتجات المصريّة إلى الأسواق الفلسطينيّة، إذ قال وزير الاقتصاد خالد العسيلي، في تصريحات لوكالة “وفا” بـ8 تشرين الأوّل/أكتوبر: “سنرى قريباً منتجات وبضائع مصريّة في الأسواق الفلسطينيّة، بدلاً من الإسرائيليّة، وسنرى أيضاً بضائع فلسطينيّة في الأسواق المصريّة”.

ولم يغب قطاع غزّة وملفّاته عن جدول أعمال الوفد، إذ قال اشتيّة خلال لقائه مع أعضاء مجالس إدارة المؤسّسات الفلسطينيّة العاملة في القاهرة، بـ8 تشرين الأوّل/أكتوبر: على رأس أولويّات الزيارة لمصر، البحث في إمكانيّات تسهيل حياة المواطنين بغزّة وتوفير احتياجاتهم الأساسيّة من عناية صحيّة وكهرباء وسهولة الحركة من مصر.

ولعلّ أحد الأهداف التي تسعى الحكومة إلى تحقيقها هو الاستفادة في الفترة المقبلة من أموال الجمارك التي تجبيها “حماس” من البضائع التي تدخل إلى القطاع عبر مصر لتعزيز إمكانيّاتها الماليّة، وهو ما ألمح إليه وزير الماليّة شكري بشارة في تصريح لوكالة “وفا” بـ9 تشرين الأوّل/أكتوبر.

وذكرت صحيفة “الأخبار” اللبنانيّة، في 10 تشرين الأوّل/أكتوبر، أنّ زيارة وفد حكومة اشتيّة لمصر تهدف إلى زيادة الضغط الاقتصاديّ على حركة “حماس” وتجفيف إيراداتها الماليّة التي تجبيها من خلال البضائع التي تمرّ عبر معبر رفح من مصر إلى غزّة.

وأوضحت الصحيفة أن حكومة اشتية تدرس خيارين للاستفادة من من هذه العائدات، الخيار الاول هو جباية السلطات المصرية لهذه الضرائب ومن ثم تحويلها الى السلطة، او سماح السلطات المصرية للسلطة الفلسطينية بانشاء مكاتب جمركية لجباية الضرائب في الجانب المصري قبل دخول البضائع الى قطاع غزة عبر معبر رفح، علما ان وزارة المالية في قطاع غزة التابعة لحماس قالت في أيلول/سبتمبر 2019 أن حجم التبادل التجاري بين غزة ومصر لا يتجاوز المليون دولار فقط.

وعن العلاقات التجاريّة مع مصر، لفت المدير العام للسياسات الاقتصاديّة في وزارة الاقتصاد عزمي عبد الرّحمن خلال حديث لـ”المونيتور” إلى “أنّ حجم الاستيراد من مصر يبلغ 69 مليون دولار سنويّاً ” حسب عبد الرحمن، بينما هناك ضعف كبير في الصادرات التي لا تتجاوز قيمتها مئات آلاف الدولارات، مشيراً إلى أنّ الحكومة تسعى إلى إقامة استثمارات مشتركة، وزيادة حجم التبادل التجاريّ مع الأردن لتصل إلى مليار دولار، علماً بأنّ حجم التبادل التجاريّ مع الأردن (استيراد وتصدير) يبلغ 230 مليون دولار سنويّاً.

وأكّد عزمي عبد الرّحمن أنّ مجال الكهرباء والطاقة هو الملف الأكثر أهميّة بالنّسبة إلى الحكومة في الفترة المقبلة، خصوصاً أنّه يشكّل الحصّة الأكبر من فاتورة الشراء من إسرائيل، والتي نطمح إلى تحويلها للدول العربيّة، لافتاً إلى أنّ حجم الواردات بشكل عام من إسرائيل يقارب الـ3.28 مليار دولار سنويّاً.

وتأتي التحرّكات الحكوميّة، في ظلّ التوقّعات السلبيّة للاقتصاد الفلسطينيّ على المدى القصير، إذ ذكر تقرير مؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة (الأونكتاد)، الذي نشر في 10 أيلول/سبتمبر، أنّ الأزمة الاجتماعيّة والاقتصاديّة الفلسطينيّة بلغت نقطة الانهيار، وإسرائيل تواصل عزل الفلسطينيّين عن الأسواق العالميّة من خلال سيطرتها على أكثر من 80 في المئة من إجماليّ الصادرات الفلسطينيّة للخارج (حجم الصادرات الفلسطينيّة لإسرائيل 875 مليون دولار سنويّاً)، أبرزها في في قطاع الحجر الطبيعي والرخام والمنتجات البلاستيكية ومنتجات التعبئة والتغليف والخضراوات والفواكه.

وتبدو خطّة الحكومة الفلسطينيّة في الانفتاح التجاريّ على مصر فكرة جيّدة من الناحية النظريّة، لكن تطبيقها ليس سهلاً، في ظلّ عدم سيطرتها على المعابر الحدوديّة (بين الاردن والضفة الغربية وبين الضفة الغربية وقطاع غزة) التي تتحكّم بها إسرائيل، وكذلك سيطرة “حماس” على قطاع غزّة،الذي يشترك في الحدود البرية مع مصر، إذ لم يتم الكشف عن آليات تنفيذ التفاهمات، لكنه بكل الأحوال يتطلب من الحكومة الفلسطينية التنسيق مع السلطات المصرية واسرائيل على أقل تقدير من أجل السماح بمرور البضائع، والطلب من الجانب المصري الضغط على الجانب الاسرائيلي لعدم عرقلة ذلك.

وأشار أستاذ الاقتصاد في جامعة “النّجاح” بكر اشتيّة خلال حديث لـ”المونيتور” إلى أنّ استراتيجيّة الحكومة في الانفكاك عن الاحتلال خطّة جيّدة من الناحية النظريّة، لكن تنقصها الخطوات العمليّة لتنفيذها، وقال: إنّ تنفيذ هذا الانفتاح على مصر في حاجة إلى تنسيق مع الجانب الإسرائيليّ، حتّى يسمح بإيصال المنتجات من الضفّة الغربيّة إلى غزّة، ثمّ إلى مصر، وكذلك عمليّة الاستيراد، في حال قرّرت الحكومة أن تكون عمليّة التصدير والاستيراد من مصر وإليها عن طريق غزّة.

وشدّد على أنّ نجاح هذه الجهود يحتاج من الحكومة التوصّل إلى تفاهمات مع حركة “حماس” والحكومة المصريّة حول معبر رفح ومن سيديره، في ظلّ تحفّظ مصر على التعامل مع “حماس” على معبر رفح، وكذلك مع إسرائيل لخلق ممرّ آمن للمنتجات بين الضفّة وغزّة، أو عدم وضع اسرائيل عراقيل في حال كانت ستستورد وتصدّر بواسطة الأردن، وبالتالي استجابة الأطراف (حماس، مصر، وإسرائيل) غير مضمونة.

ورغم الحماسة التي تبديها الحكومة إزاء الانفتاح على الأسواق العربيّة، إلاّ أنّ النجاح يبقى رهينة القدرة على إنجاز التفاهمات على الأرض بشكل عمليّ، خصوصاً أنّ منظّمة التحرير وقّعت سابقاً اتفاق تجارة مع مصر في 28 نيسان/إبريل من عام 1998 بهدف تنمية التبادل التجاريّ بين البلدين، لكنّ هذا الاتفاق لم يفعّل بالشكل المطلوب، وبقي حبراً على ورق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى