شوؤن عربية

تقدير موقف … مستقبل الحرب في اليمن

بسام أبو عكر – 5/3/2020

مقدمة

تَصَاعَدَ القتال وتزايد التوتر على مختلف الجبهات بين الأطراف المتصارعة في اليمن، وانتَقَلَ الصراع من الداخل ليطال الأبعاد الحيوية في الجوار، عبر مهاجمة السفن في البحر الأحمر، وضرب المنشآت السعودية، كشركة أرامكو، بالصواريخ والطائرات المسيرة، والقتال على الحدود وداخل العمق السعودي، إلى جانب احتراب المكونات الجنوبية فيما بينها في شبوة وأبين وحضرموت وعدن، وتباين الأهداف الإستراتيجية ومصالح دول التحالف في اليمن، وتحديدًا المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

زادت هذه الأحداث المشهد اليمني تعقيدًا، ما فتح المجال للتدخلات الخارجية الإقليمية والدولية، وإثارة الصراعات والتناقضات المختلفة داخل اليمن، التي استطاعت الثورة تحييدها إلى حد ما في بداياتها، لتقع بعدها اليمن كلها في حرب داخلية أهلية، دُوّلت وموّلت لتصبح حربًا تتداخل فيها العوامل الداخلية وصراعات المصالح بين الدول والمحاور في الإقليم والعالم.

أسباب الحرب

أسباب داخلية

لا يمكن النظر إلى المشهد الداخلي اليمني بمعزل عن الصراعات والتناقضات العميقة بين مكوناته الاجتماعية والقبلية والطائفية والجهوية، والحكم الاستبدادي، وانعكاساته السياسية في السعي نحو التوريث، وحروب صعدة والتفجيرات والاغتيالات والخلافات داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية، وتواجد تنظيمات مثل “داعش” و”القاعدة” على أرض اليمن، والخلاف حول مسودة الدستور ونظام الأقاليم، فضلًا عن البطالة والفقر وغياب العدالة في توزيع الثروة.

أدت هذه العوامل وغيرها، لا سيما بعد تأزم الانتقال السلمي للسلطة بعد ثورة العام 2011، وسيطرة الحوثيين العسكرية على العاصمة صنعاء في العام 2014، إلى اتساع دائرة تشظي اليمن وتمزقه، الأمر الذي شكّل مدخلًا لتأثير دول الجوار والقوى الإقليمية والدولية على مجريات الأحداث.

أسباب خارجية

يتميز اليمن بموقع إستراتيجي يربط الشرق بالغرب عبر بحر العرب ومضيق باب المندب، ويعدّ ممرَ التجارة الدولية البحرية الأهم في العالم، وهذا جعله محط أطماع وتدخلات دول الجوار والإقليم، وصراع القوى الدولية والاستعمارية؛ بهدف السيطرة على الموقع والممر المائي لتأمين وحماية مصالحها الحيوية والإستراتيجية، فالذي يسيطر على اليمن، يتحكم، عمليًا، بخطوط الملاحة البحرية وممرات التجارة العالمية، ويفرض ويحدد شروطه داخل اليمن والإقليم والعالم. ومن هنا، لا يمكن اعتبار اليمن كغيرها من دول العالم بسبب هذا العامل الذي يدفع الدول الكبرى إلى التدخل تحت ضغط وتأثير مصالحها وأهمية اليمن من الناحية الجيوإستراتيجية.[1]

خرج الشعب اليمني إلى الساحات والميادين في ثورة سلمية للمطالبة برحيل النظام، ومن أجل الحرية والكرامة وإصلاح مؤسسات الدولة. وشكَّلَ المسار السياسي للأحداث التي مرت فيها الثورة، مع طول العامل الزمني في عدم حسمها، الخيارَ الأمثلَ لتدخل نفوذ القوى الدولية والإقليمية، الحاضر بقوة أصلًا ودومًا في اليمن، إذ رأى بعض المحللين أن من أهم أخطاء الثورة موافقتها على استبدال الرئيس علي عبد الله صالح بنائبه، في الرئاسة والحزب الحاكم، عبد ربه منصور هادي، المدعوم خليجيًا ودوليًا، كونه من رموز النظام السابق، إلى جانب احتواء المبادرة الخليجية التي أُطلِقت في نيسان/أبريل 2011 للثورة الشعبية.[2]

أدت الأسباب السابقة إلى اختطاف القرار السياسي والسيطرة على المشهد برمته، والتحرك والعمل للمرحلة الانتقالية، والإشراف الى حد كبير على مجريات الأحداث، بما فيها الحوار الوطني، تحت غطاء رعاية الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية (وهي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وأعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية عدا قطر)، بهدف تمرير حزمة من الأجندات والأهداف الإقليمية وتنفيذها، ومنها تأمين الملاحة البحرية، وضمان عدم نجاح الثورة، وانتقالها إلى دول الإقليم، بعيدًا عن معاناة الشعب اليمني.[3]

تطور الأحداث

اتسعت رقعة الأزمة الداخلية بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء وأجزاء مهمة من اليمن، واحتجاز الرئيس هادي، وتوقف الحوار. وتعثّرت الوساطة الدولية، وانخرطت غالبية مكونات اليمن في الحرب، التي امتدت نحو الجوار والإقليم، حتى أصبحت القضية اليمنية قضية إقليمية ودولية بامتياز، لعب فيها العامل الخارجي دورًا رئيسًا ومحركًا فعليًا وممولًا لأحداثها، التي خلقت ارتدادات على الفاعلين الإقليميين والدوليين.[4]

فوّض مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من تباين مواقف دوله من الصراع في اليمن، بعد فشل المبادرة الخليجية وسيطرة الحوثيين على صنعاء، في آذار/مارس 2015، السعودية بقيادة تحالف عسكري لمساندة القوات الحكومية في مواجهة الحوثيين، غير أن خمس سنوات من الحرب في اليمن لم يتحقق فيها غير تعقيد المشهد، وتعزيز قدرات الحوثيين، حتى باتت الحكومة أكثر ضعفًا على الإمساك بزمام الأمور على الأرض بعكس الحوثي.[5]

ومع بداية العملية العسكرية لقوات التحالف، ازدادت الانشقاقات والانقسامات في معسكر الحوثيين، لا سيما بعد تقدم القوات اليمنية المدعومة من التحالف، وانهيار جبهات القتال التابعة لهم بعد قصف مواقعهم. ومع عدم وجود أفق قريب للحسم العسكري لصالح القوات الحكومية، أصبحت حالة التشظي والانقسام هي الحالة السائدة في كل اليمن، لتطال وبشكل أوسع القوات الحكومية ذاتها، إضافة إلى تباين الأهداف والمصالح الإماراتية السعودية في اليمن، كما أشار التقرير السنوي لفريق خبراء لجنة العقوبات الدولية على اليمن، الذي كشف العديد من الحقائق عما يجري داخل التحالف، ومنها فشل الرئيس هادي في عدن، وأن التناقض في المصالح المشتركة داخل التحالف قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة ويهدد بتجزئة اليمن.[6]

وفي هذا السياق، دعا الرئيس هادي السعودية إلى إيقاف تدخل الإمارات ودعمها لقوات المجلس الانتقالي في جنوب اليمن، وإيقاف الغارات الجوية التي تشنها ضد قوات الحكومة اليمنية في عدن وغيرها. وأشار مراقبون إلى أن ما قامت به الإمارات في عدن أحدث شرخًا وتباينًا في الأهداف والمصالح بين الرياض وأبو ظبي.[7]

معركة الحُديدة واتفاق استوكهولم

عُقِدَ اتفاقٌ بين الحكومة اليمينة والحوثيين، في العاصمة السويدية استوكهولم، بتاريخ 13/12/2018، برعاية الأمم المتحدة. ورَكَّزَ الاتفاق على الحُديدة، المدينة الساحلية على البحر الأحمر، ذات الميناء الأهم، ونقطة الدخول الأساسية للبرنامج الإنساني في اليمن.

أدى الاتفاق وفق مارتن غريفيث، المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، إلى تجنيب الحُديدة معركة مروعة كان متوقعًا حدوثها، إلا أنه أوضح بإمكانية القيام بعمل أفضل لتنفيذ الاتفاق، فبعد مرور عام على الاتفاق، ما زالت الحُديدة أكثر المحافظات خطرًا بالنسبة إلى المدنيين، حيث سقط فيها ربع إجمالي الضحايا الذين قتلوا خلال العام 2019 في اليمن، على الرغم من أن وقف إطلاق النار في المحافظة ومينائها، يُعدّ بندًا جوهريًا وأساسيًا في الاتفاق، إلا أن المعارك تطوّرت في الحديدة التي شهدت سقوط حوالي 800 ضحية من المدنيين منذ توقيع الاتفاق[8]، الأمر الذي يشير إلى استمرار تعقيد المشهد، وفشل المبادرات والاتفاقات الدولية والأممية في وقف القتال في اليمن.

ومن جهتها، سارعت السعودية في الآونة الأخيرة إلى تقديم تنازلات للحوثيين، جراء قصفهم المستمر لأهداف ومنشآت حيوية سعودية بالصواريخ الحديثة والطائرات المسيرة، وفتح قنوات اتصال مباشرة وغير مباشرة معهم. وتوّجت بمباحثات وفود عسكرية سعودية حوثية، في الرياض وصنعاء، خلال الفترة القصيرة الماضية، فضلًا عن أنباء تفيد بلقاء الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي، بوفد حوثي، في العاصمة العُمانية مسقط.[9]

كما التقطت الرياض مبادرة مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى لجماعة الحوثي، وسارعت الخطى نحو التواصل مع الحوثيين لترتيب وضعها، بعيدًا عن الحكومة اليمنية التي تقيم في الرياض.[10]

وجاءت مبادرة مهدي المشاط لوقف القتال والمعارك في اليمن، حالها كحال الكثير من المبادرات الأممية والإقليمية منذ بداية الأزمة اليمنية، بعد سلسلة هجمات نفذها الحوثيون ضد قوات التحالف داخل اليمن وخارجها، ولم تساهم عمليًا في تغيير الوقائع على الأرض، إلا بعض اللقاءات مع وفود أممية ودولية وإقليمية وسعودية، وهذا الأهم، وغيرها من المبادرات، لم يتمخض عنها حتى الآن سوى تبادل للأسرى مرتين بين الأطراف. أما باقي الملفات الأساسية الأخرى، مثل الحديدة ووقف القتال فيها، وفتح مينائها للمساعدات، وتحقيق اختراق لوقف القتال على مختلف الجبهات، ووضع أسس لتسوية شاملة، وإطلاق حوار جادّ؛ فلا يزال بعيدًا في ظل المعطيات القائمة حاليًا.[11]

وفي ذات السياق، كشفت الصحافة العالمية عن تحرك أميركي سعودي للتفاوض مع إيران، وهذا ما يؤكده حديث محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، بأن الظروف والمعطيات قد تغيّرت، ربما لاعتقاد السعودية بعدم وقوف الولايات المتحدة الأميركية ورئيسها دونالد ترامب إلى جانبها في أي حربٍ يمكن إشعالها ضد إيران، فحسابات ولي العهد بعد خمس سنوات على الحرب في اليمن، وخشيته من بقاء السعودية منفردة، اضطره إلى الإعلان عن حلٍ تفاوضي مع إيران.[12]

كما أن تداعيات مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، أثرت سلبًا على الحرب في اليمن، وتماهى الموقف الحوثي إلى حد كبير مع الموقف الإيراني، وأظهر أنهم جزء من المنظومة والمشروع الإيراني. وفي هذا السياق، أشار علي العبسي، الباحث في العلاقات الدولية، إلى دخول مرحلة جديدة من المواجهة الشاملة بين الولايات المتحدة وإيران بعد مقتل سليماني، وأن احتمال التصادم المباشر قائم، واليمن أحد أبرز وأهم ساحاته، وهذا ما دعا السعودية إلى البحث عن مخرج من المأزق اليمني، وهذا يعززه غياب الموقف الواضح والرغبة الأميركية المعلنة في عدم الدخول في حروب جديدة بالمنطقة.[13]

خاتمة

دخلت الحرب اليمنية مرحلة مستعصية على الحل، فليس هناك في المستقبل المنظور حسم عسكري، ولا إمكانية لتسوية سياسية، أو حتى هدنة شاملة أو جزئية تخفف من حدتها. ويرجع ذلك إلى طبيعة الحرب، التي هي خليط غير متوازن من الحرب الأهلية والإقليمية والتدخلات الدولية. فالصراع القائم في اليمن والعمليات العسكرية والمبادرات الديبلوماسية الجارية ليست تعبيرًا عن صراع داخلي مستقل قائمًا بذاته، وإنما يمثل وجهًا من وجوه صراع مركب متعدد الأطراف، تتداخل فيه مصالح إيرانية وأميركية وسعودية وإماراتية وخليجية وغيرها، كما تتداخل فيه عوامل طائفية وثقافية وسياسية وجهوية من جانب آخر.

يمكن القول إن أي بلد محافظ وفقير ويمر بصراعات داخلية وحروب أهلية شبيهة، يصبح عرضة للتدخلات الإقليمية والدولية، حيث تستخدم القوى الدولية التي لها أطماع استعمارية، القوى الداخلية المتصارعة، من أجل تمرير مشاريعها الخاصة، لذلك أصبحت بعض أطراف النزاع المسلح في اليمن مجرد أدوات لهذه الأطماع الإقليمية والدولية، ولا تمتلك قرار إيقاف الحرب.

لا تزال هذه الحرب – التي كلفت السعودية وحدها أكثر من 100 مليار دولار حتى الآن وفق بعض التقارير – في تصاعد متزايد ومستمر، بينما حكومة هادي في المنفى، والحوثيون يسيطرون على العاصمة صنعاء، إلى جانب ما خلفته الحرب من تفكك اليمن، ومقتل وجرح الآلاف، وتهجير وتجويع الملايين.

أصبح اليمن مرهونًا برسم الحسابات والصراعات الإقليمية والدولية، وهو نوع من الحروب الذي يمكن أن يطول على أرض اليمن، في وقت يبدو فيه السلام المنشود بعيدًا. ومع تزايد الصراعات الداخلية، وتباين المصالح بين الرياض وأبو ظبي، والصراع السعودي الخليجي الأميركي مع إيران، فسيظل الوضع يستنزف اليمنيين والعرب والمسلمين ومواردهم، وكلها مؤشرات تستبعد احتمال التوصل إلى حلول جدية قريبة تنهي الحرب في اليمن.

*تأتي هذه الورقة ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج “التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات” الذي ينفذه مركز مسارات – الدورة السادسة 2019-2020.

** ما يرد في هذه الورقة من آراء تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعكس بالضرورة موقف مركز مسارات.

الهوامش

[1] سلمان العماري، اليمن من الثورة إلى الحرب الأهلية، مجلة البيان، العدد 348، 5/5/2016. bit.ly/32HUYOL

[2] مجلي أبو رافد، أسباب الثورة الشعبية في اليمن وآفاقها، صحيفة الثورة، 2/1/2018. bit.ly/2wv4XKZ

3 سلمان العماري، اليمن من الثورة الشعبية إلى الحرب الأهلية، نون بوست، 12/6/2016. bit.ly/2uROErr

[4] ما الذي تخبئه مآلات الحرب في اليمن للإقليم والمنطقة، إندبندنت عربية، 4/9/2019. bit.ly/2Iew1ky

[5] في ذكراها الرابعة: هل حققت “عاصفة الحزم” أهدافها؟، بي بي سي عربي، 6/3/2019. bbc.in/2PPWIAh

[6] تقرير أممي: وحدات مدعومة إماراتيًا تدعم الانفصال بجنوب اليمن، الجزيرة نت، 16/1/2019. bit.ly/2VKYjuT

[7] ما الذي تريده الإمارات من اليمن؟، بي بي سي عربي، 1/9/2019. bbc.in/2InawxO

8 مارتن غريفيثس يشيد بالتحول نحو السلام في اليمن رغم العثرات، أخبار الأمم المتحدة، 13/12/2019. bit.ly/38qNIbg

[9] آدم يحيى، المحادثات السرية بين السعودية والحوثيين .. إلى أين ستفضي؟، صحيفة الاستقلال، 15/11/2019. bit.ly/2wykSbr

[10] خالد الحمادي، السعودية تجري محادثات “غير رسمية” مع الحوثيين، القدس العربي، 14/11/2019. bit.ly/2IjKUSq

[11] وفد اليمن المفاوض يناقش مع السفير البريطاني سبل التهدئة في مسقط، موقع إضاءات، 7/10/2019. bit.ly/2vIKKBB

[12] هذا ما أرغم السعودية وإيران على تخفيف التوترات، الأناضول، 18/12/2019. bit.ly/2InrXOM

[13] تداعيات مقتل سليماني المحتملة على المنطقة وتأثيرها على الوضع في اليمن، موقع بلقيس، 5/1/2020. bit.ly/38p3Gmb

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى