ترجمات عبريةشوؤن عربية

معهد INSS – الاسرائيلي – الخلاف بين السعوديّة والإمارات يُهدِّد مصالح تل أبيب – تقدير موقف

بقلم  عنبال نسيم  لبتون، يوئيل جوجانسكي وآري هايستين،   مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ INSS ، ٨ – ٩ – ٢٠١٩م 

في بداية آب وسعت القوات الانفصالية التي تطالب باستقلال جنوب اليمن وتتمتع بدعم اتحاد الامارات، سيطرتها في جنوب اليمن وسيطرت ضمن امور اخرى على القصر الرئاسي ومنشآت عسكرية في عدن – مدينة الميناء الاستراتيجية والعاصمة البديلة لحكومة اليمن المطاح بها. وتأثر هذا التطور بتصريح اتحاد الامارات عن نيتها سحب قواتها من اليمن، على خلفية التوتر المتصاعد بين ايران والولايات المتحدة والتخوف من التصعيد العسكري في المنطقة. ورغم أن الرياض وابو ظبي تحاولان بث الاحساس بان الامور كالمعتاد وأعلنتا عن تشكيل لجنة ثنائية لادارة “وقف النار”، الا ان السعودية واتحاد الامارات اللتين قادتا القتال في اليمن ضد الثوار الحوثيين، تتبنيان عمليا فكرا مختلفا حول مستقبل اليمن، المنقسم عمليا بين حكمين، قوات عسكرية ومنظومات اقتصادية وبالاساس يبرز الانقسام التاريخي بين الشمال والجنوب والمطالبات الناشئة عنه.  من شأن هذا الانقسام ان يضع الحليفين المركزيين في التحالف العربي، على جانبي المتراس، وتحدي منظومة العلاقات بينهما، وكذا الصراع الاقليمي حيال ايران. فبينما تعمل السعودية على اعادة اليمن الى اطاره السياسي الموحد قبل الحرب واعادة الحكم الذي اطيح به في بداية 2015 الى سابق عهده، فان اتحاد الامارات تفضل تثبيت العلاقات مع دولة جنوب اليمن، ذات المقاييس والتركيبة الاصغر من الدولة الموحدة، وتخدم المصالح الاستراتيجية والاقتصادية لاتحاد الامارات.

في اعقاب سيطرة الثوار الحوثيين على اجزاء واسعة في اليمن، منذ نهاية 2014 وبداية 2015، بما في ذلك على العاصمة صنعاء، فر رجال حكم الرئيس عبد ربه منصور هادي، الى عاصمة دولة الجنوب السابقة – عدن. في اشهر الحرب الاولى، خرج هادي وبعض رجاله الى الرياض. من عدن ومن الرياض ادار الحكم المطاح به معركة بمساعدة السعودية والتحالف الاقليمي الذي اقامته في اذار 2015 ضد الحوثيين. واستدعى تواجد الحكم المطاح به في جنوب اليمن منذ بدايته التوترات بينه وبين “حركة تحرير الجنوب”، رغم أن الطرفين هما جزء من التحالف ضد الحوثيين. وكلما اشتدت الحرب، تصاعد النقد في الجنوب على “الضيوف” من صنعاء بالنسبة لادارة الدولة في الجنوب وفشل المعركة العسكرية. وطالب مسؤولون كبار في الحركة الجنوبية بتوسيع تمثيلهم في منظومات الحكم، وفقا لمساهمتهم في الحرب ضد الحوثيين ومكانتهم التاريخية في الجنوب. اما الاسناد والدعم لهم من جانب اتحاد الامارات، العضو في التحالف، فحركا تأسيس “المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي اصبح القوة الرائدة والقوة في المطالبة بتحرير الجنوب. والى جانبه وقف المقاتلون من “الحزام الامني” الذي اقامته اتحاد الامارات، كحزام دفاع عسكري للمحافظات الجنوبية في وجه الحوثيين. معظم مقاتلي “الحزام الامني” يقفون تحت تصرف المجلس الانتقالي وهم يعملون باسمه في محافظات عدن، أبين، الدالع وشبوة.

لقد أوضح استعراض القوة من مقاتلي “الحزام الامني” في عدن، في بداية آب هذه السنة، بقوة المعنى العسكري والقوة السياسية لـ “المجلس الانتقالي الجنوبي”. يبدو أن اليمن يقف على شفا حرب اهلية في داخل الحرب الاهلية الجارية فيه منذ خمس سنوات. فقد استولى المجلس الانتقالي ورجاله على القصر الرئاسي في عدن في 10 آب ودعوا الى اقامة دولة مستقلة في الجنوب. زعيمهم عدروس الزبيدي، شدد على أن السعي الى اعادة توحيد اليمن معناه عودة الى الوضع الذي ادى الى الحرب وبالتالي يجب اعادة الجنوب الى استقلاله مثلما كان قبل الوحدة في ايار 1990. في نظره، يناسب هذا الترتيب الظروف الاجتماعية، الثقافية والسياسية لليمن، ومعظم تاريخ المنطقة اليمنية. ودعا الجهات الدولية، حكم هادي والسعوديين الى الاستجابة الى اعادة اقامة دولة الجنوب. غير أن الرد السعودي وسلوك “المجلس الانتقالي” حاليا هو بالاساس عسكري ويتسع في مناطق الجنوب، في أبين وشبوة مثلا، رغم تصريحات الانفصاليين عن انسحاب القوات من عدن ودعوة التحالف الى بدء المفاوضات.

ان دولة جنوب مستقلة لا تخدم المصالح السعودية أو حكم هادي، ولا سيما عندما تكون معظم اراضي دولة الشمال السابقة توجد تحت سيطرة الحوثيين، الذين تصفهم السعودية بانهم “فرع ايراني” في جنوب شبه الجزيرة العربية. اما عمليا، فهذه صورة الوضع الحالية في اليمن. بالمقابل، فان دولة جنوب مستقلة هي امنية الحركة الجنوبية ومؤيديها، ولكن “المجلس الانتقالي” يتعرض للنقد على سلوكه. والمعارضة في محافظة شبوة لطريقة عمله، أدت الى انضمام المقاتلين المؤيدين لاستقلال الجنوب، الى قوات هادي. كما ان لاتحاد الامارات مصلحة في وجود دولة جنوب، كون هذه ستساعد على ترشيح المنافسة الاقتصادية مع الموانيء في دبي وابو ظبي وتوسيع النشاط الاقتصادي مع الدول في افريقيا.  اضافة الى ذلك فان دولة الجنوب ستسمح لدول الخليج الصغيرة بادارة علاقات خارجية ليست في اطار “صراع الجبابرة” بين ايران والسعودية.

ان الخلافات التي نشبت بين السعودية واتحاد الامارات والقوات التي تتمتع بدعمهما في اليمن هي تعبير عن مصالحهما المختلفة منذ البداية. فالسعودية ركزت على التهديد الذي يأتي اساسا من جهة الحوثيين، الذين يهاجمون اهدافا استراتيجية، مدنية وعسكرية في اراضيها. فقد كانت مستعدة لان تتعاون مع قوات مختلفة، بما فيها تلك المتماثلة مع الاسلام السياسي وحتى مع الحزب “اصلاح” اليمني الذي وصفه السنيون بانه منظمة ارهابية. اما اتحاد الامارات، بالمقابل، فيرى في هذه القوات تهديدا على استقراره وأمنه القومي، وفي عدم الاستقرار في جنوب اليمن تهديدا على حرية الملاحة في بحر العرب وحول مضائق باب المندب، الى جانب مصالح اقتصادية اخرى.

في هذه المرحلة، توجد على جدول الاعمال عدة اسئلة مفتوحة. اولا، سيكون مشوقا ان نرى كيف ستؤثر التطورات الاخيرة في الحرب في اليمن على العلاقات بين محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، وبين محمد بن زايد، ولي عهد اتحاد الامارات، واللذين كان التعاون السياسي والعسكري بينهما في اليمن في بداية الحرب دليلا على قوة العلاقات بين الدولتين. ولكن هل الاعلان عن خطوة اخلاء قوات اتحاد الامارات من اليمن تعكس ترديا في العلاقات بين الدولتين أم ترتبط بالساحة اليمنية فقط؟ يحتمل أن يكون اخلاء القوات من اليمن يعكس رغبة من اتحاد الامارات للابتعاد عن المعركة التي قادتها السعودية على خلفية النقد في الكونغرس الامريكي، لتقليص الخسائر التي وقعت في اثناء المعركة المتواصلة ولتركيز الانتباه والمقدرات على التهديد المركزي – ايران، ويحتمل حتى لمصالحتها. ولا يزال للدولتين مصلحة في بلورة جبهة موحدة ورأب الصدوع بينهما، والتي ترغب ايران في توسيعها.

اضافة الى ذلك، فان الانسحاب العسكري لاتحاد الامارات من اليمن سيجعل من الصعب على السعوديين هزيمة الحوثيين، وان كان لان عبء القتال البري يقع اساسا على كاهل اتحاد الامارات ويجد تعبيره في معظمه بواسطة مرتزقة من الصومال ومن كولمبيا وقوات من المقاتلين المحليين. ان الوضع الراهن يجعل الامور صعبة على السعودية ويحتمل أن تضطر بسبب ذلك الى التنازل في المفاوضات مع الحوثيين. هذه الوضعية اشكالية للمملكة التي تسعى الى “النزول عن السلم” في ضوء تصعيد هجمات الحوثيين على اهداف في السعودية وتحسين اتصالهم مع ايران (تعيين سفير لطهران). ولا بد ان الحوثيين يلقون التشجيع من الانحلال العملي للتحالف المضاد لهم، من الضرر الناشيء لصورة السعودية سواء كـ “نمر من الورق” أم كمساهمة في المصيبة الانسانية في اليمن. يحتمل أن تضطر الرياض ان تتبنى خطا مكبوحا اكثر من ذاك الذي ميز قتالها منذ بدايته – وبالمقابل ستطور منظومات الدفاع الجوي، الدفاع السلبي وقدرات الاستخبارات – كيف تسمح بهجوم موضعي للاهداف الحوثية. يبدو أنه لم يتبقَ للسعوديين رافعة ضغط هامة الان حيال الحوثيين ومؤيديهم. رافعة الضغط توجد بعيدا في واشنطن، حيث يسعون الى اعادة الاطراف الى المفاوضات، هذه المرة برعاية ومساعدة سلطة عُمان.

يفترض بالولايات المتحدة واسرائيل ان تكونا قلقتين من نتائج النزاع في اليمن، وبالتأكيد، اذا ما منح انسحاب اتحاد الامارات ريح اسناد للحوثيين. من شأن مثل هذا الانسحاب ان يثبت وضعا يكون فيه الحوثيون، الذين يتعزز التعاون بينهم وبين ايران ويتوثق في اعقاب الحرب، يسيطرون في دولة شمال اليمن، ويواصلون ضرب المنشآت الاستراتيجية في السعودية وتهديد حرية الملاحة في البحر الاحمر. ان وهن محور الرياض –ابو ظبي في اليمن، بل وربما انحلاله، سيخدم ايران وسيكون له تأثير سلبي على مصالح اسرائيل والولايات المتحدة، الساعيتان الى تشديد الضغط على ايران وشركائها في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى