أقلام وأراء

تصنيف بريطانيا “حماس” تنظيماً إرهابياً قرارٌ براغماتي لا استراتيجي

عمرو فاروق *- 23/11/2021

تداعيات قرار وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتل تصنيف حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس” على قوائم الإرهاب، استناداً إلى مجموعة واسعة من المعلومات الاستخباراتية والصلات بالإرهاب، لا تزال محل استفهام من قبل الكثير من المتابعين والمحللين المعنيين بملفات السياسة الدولية، ومدى تأثير ذلك في مستقبل الحركة والقيادات “الحمسوية” ومؤسساتها الاقتصادية القابعة في ضواحي لندن.

يطرح القرار الكثير من الأسئلة حول موقف بريطانيا ومدى تخليها عن دعم تيارات الإسلام السياسي والجماعات الأصولية، وتصنيفهم على قوائم الإرهاب في المرحلة المقبلة، وفي مقدمهم جماعة “الإخوان” وتنظيمها الدولي، الذي يتمركز ثقله السياسي والتنظيمي في ضواحي العاصمة لندن، بعد سقوط صلاحية مكتب الإرشاد في القاهرة، وتولي إبراهيم منير (رجل المخابرات البريطانية)، الإشراف على “إخوان” الداخل والخارج.

قرار بريطانيا براغماتي قائم على المنفعة السياسية الخاصة المتعلقة بظروف سياسية محددة، ولا يستهدف في ذاته مكافحة الإرهاب، أو مواجهة الأيديولوجيا الدينية المتطرفة، ومن ثم توقع تصنيفها لجماعة “الإخوان المسلمين” وتنظيمها الدولي مستبعد جداً، إذ إن بريطانيا تعد تاريخياً الراعي الرسمي لتيارات الإسلام السياسي، وتستخدمهم كأوراق ضغط تمكنها من تحقيق مصالحها ومصالح حلفائها ممثلين في الإدارة الأميركية.

 ثمة مفارقة ساطعة حول أسباب قرار التصنيف في تلك المرحلة التي تشهد تغييرات سياسية على مستوى منطقة الشرق الأوسط، في مقابل تغاضي الأجهزة الأمنية البريطانية عن توسع الحركة “الحمساوية” في بناء مؤسساتها وكياناتها سواء المالية والتجارية والدعوية والإعلامية على مدار عشرات السنين، ورفض وضعها تحت المراقبة أو المحاسبة.

 فلا يمكن إنكار تبعية حركة “حماس” للتنظيم الدولي لـ”الإخوان”، وتبنيها أجندة تيارات الإسلام السياسي والجماعات الأصولية المسلحة منذ تدشينها عام 1987، واعتبارها اللبنة الأولى في بناء “الجيش الإسلامي”، الذي خططت لتأسيسه جماعة “الإخوان”، وتمثل كذلك امتداداً صريحاً للجناح المسلح الذي شكله حسن البنا في أربعينات القرن الماضي، تحت مسمى “النظام الخاص”، حاملاً رؤيته حول توظيف القوة في نشر توجهاته الفكرية في بناء دولة الخلافة المزعومة.

ترفع حركة “حماس” بجناحيها السياسي والمسلح (كتائب عز الدين القسام)، شعارات مشروع “التمكين” والوصول إلى “أستاذية العالم”، الذي تتبناه جماعة “الإخوان” منذ ثلاثينات القرن الماضي، في إطار الهيمنة على مقاليد الحكم والسلطة في دول المنطقة العربية والشرق الأوسط، فضلاً عن الدول الغربية والولايات المتحدة، بناءً على وثائق متعددة خُطت بأيدي عناصر “حمساوية” تابعة للتنظيم الدولي، مثل وثيقة محمد أكرم، التي صاغها في 22 أيار (مايو) 1991، تحت عنوان “مذكرة تفسيرية للهدف الاستراتيجي للجماعة في أميركا الشمالية”، وتم الإفراج عنها نهاية عام 2017.

 شعارات “أكذوبة المقاومة” وظّفتها حركة “حماس” ومن ورائها مؤسسات التنظيم الدولي لجماعة “الإخوان”، في جمع الأموال والهيمنة على أكبر كعكة من التبرعات والصداقات سواء من عمق الدول العربية أو من الجاليات العربية والإسلامية في قلب الدول الغربية، عبر مئات المنظمات التي أسست تحديداً لهذا الهدف استغلالاً للمشاعر الدينية تجاه قضية المسجد الأقصى ومعاناة الشعب الفلسطيني.

 غالبية الأموال التي جمعت عبر المنظمات “الحمساوية” وكيانات التنظيم الدولي تم استثمارها في بناء مؤسسات اقتصادية وتجارية وإعلامية ومدنية، تخدم أنشطة جماعة “الإخوان” في المنطقة العربية وفي أوروبا، ولعل أشهرها منظمة “الإغاثة الإسلامية”، التي أسّست عام 1984، وكذلك مؤسسة “الأرض المقدسة” (1989) ، ومؤسسة “صندوق إغاثة فلسطين” (1991)، و”اللجنة الخيرية لمناصرة فلسطين” (CBSP) (1995)، ومؤسسة “سنابل الأقصى الخيرية” (1999)، و”صندوق الأقصى” (2001)، وغيرها من الكيانات التابعة للحركة “الحمساوية”، فضلاً عن قيامها بدور رابط في تمرير الأموال بين المؤسسات التابعة للتنظيم الدولي في الخارج.

ساهمت حركة “حماس” في الكثير من أعمال الفوضى في المنطقة العربية خلال مرحلة محاولة تمكين “الإخوان المسلمين” من رأس السلطة في عدد من الدولة العربية وعلى رأسها مصر، وذلك من خلال اقتحامها للحدود الشرقية، واقتحامها لعدد من السجون المصرية، ومشاركتها المباشرة في أحداث العنف التي اجتاحت شوارع القاهرة عقب سقوط حكم “الإخوان” في حزيران (يونيو) 2013.

 تمتلك حركة “حماس” ذاكرة تاريخية دموياً ضد معارضيها وضد الشعب الفلسطيني، نفذتها تحت عباءة المقاومة والنضال المسلح ضد الكيان الصهيوني، فتم الاعتداء على الصحافية رواء مرشد في أيار (مايو) 2021، وكذلك اغتيال إياد المدهون، الذى عثر عليه مقتولاً شمال قطاع غزة عام 2013، واغتيال سكرتير “جمعية الكتاب المقدّس”، في مدينة غزة الشاب رامي عياد بعد خطفه وتعذيبه فى تشرين الأول (أكتوبر) 2007.

 اتهمت منظمة العفو الدولية عام 2015 حركة “حماس” بممارسة “حملة وحشية” ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، ووثقت قيامها بتنفيذ 20 حالة “إعدام من دون قرار قضائي”. وبحسب تقرير المنظمة، فإن حركة “حماس” قامت بتصفية حساباتها مع خصومها من حركة “فتح” من خلال عمليات اختطاف وتعذيب وقتل، فضلاً عن امتلاء سجونها بمئات المعارضيين السياسيين.

 في نهاية المطاف، نحن لسنا أمام حركة سياسية مدافعة عن قضايا الشعب الفلسطيني، ومناهضة للكيان الصهيوني، بناءً على التصريحات الصادرة عن القيادي “الحمساوي” محمود الزهار التي قال فيها: “واهم من يظن أن “حماس” مشروع مقتصر على القضية الفلسطينية، لكنه أبعد من ذلك بكثير”، في توضيح ضمني لدور الحركة ودعمها لمشروع التنظيم الدولي في قيام “دولة الخلافة” التي رسم حدودها حسن البنا وسيد قطب.

 تمثل حركة “حماس” حلقة الوصل الفاعلة بين التنظيم الدولي والنظام الإيراني، في إطار العلاقة الوثيقة والتاريخية الجامعة بين جماعة “الإخوان” ونظام الملالي، وادعاءات التقارب الفكري والمذهبي بين السنّة والشيعة، إلى جانب أنها حلقة وصل في إدارة ونقل الأموال من وإلى “الحرس الثوري”، والمساهمة في تدريب العناصر التابعة لـ”حزب الله” و”فيلق القدس”.

 العلاقة بين جماعة “الإخوان” ونظام الملالي الصفوي، ممتدة على مدار التاريخ المعاصر، في ظل تشابكات فكرية وسياسية وتنظيمية، صنعتها حالة من الترابط في تحقيق مشاريع السيطرة الدينية على المجتمعات والشعوب ومحاولة إخضاعهم لما يسمى بـ”الخلافة” الرمزية، التي جعلها كل من الطرفين ركناً من أركان الدين ومن ثوابت العقيدة والشريعة الإسلامية فضلاً عن الإيمان بمفهوم “الإسلامية الأُمامية”.

وما يترجم حالة التشابك والتواصل المستمر بين جماعة “الإخوان” ونظام الملالي، تدريس نظريات سيد قطب وأفكاره في مدارس الإعداد العقائدي لدى “الحرس الثوري الإيراني”، بقرار من علي الخامنئي عندما أصبح مرشداً للثورة الإيرانية عام 1989، وقيامه عام 1966 بترجمة كتاب “المستقبل لهذا الدين” لسيد قطب إلى اللغة الفارسية، وكتب في مقدمة الترجمة أهمية الدور الذي أدّاه قطب، ونعته بصفة “المفكّر المجاهد”، وترجم كتاب “الإسلام ومشكلة الحضارة الغربية”، ووسمه بعنوان “بيان ضدّ الحضارة الغربية”، وكتاب “في ظلال القرآن”.

 قرار بريطانيا تصنيف حركة “حماس” على قوائم الإرهاب، يأتي دفاعاً عن مصالحها الخاصة في المقام الأول، في ظل متغيرات على المستوى الإقليمي والدولي في ما يتعلق بالسياسات الإيرانية، إذ إنها رصدت زيادة نشاط حركة الأموال خلال المرحلة الراهنة من قبل مؤسسات على علاقة بالتنظيم “الحمساوي”، فضلاً عن قيام تلك المؤسسات بدور وسيط بين “الحرس الثوري” الإيراني و”حزب الله”، وعدد من الكيانات التابعة للنظام الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وفقاً للكثير من التقارير الغربية.

 القرار البريطاني تجاه حركة “حماس” يحمل الكثير من الدلائل المتعلقة بالإدارة الأميركية التي لا تزال منقسمة على نفسها، في ما يخص التعامل مع الملف الإيراني، لا سيما أن القرار تم الإعلان عنه من داخل واشنطن، وليس من داخل لندن، بخاصة أن الجانب الخفي في هذا القرار ينحصر في محاولة قطع الأذرع الداعمة للسياسات الإيرانية في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم حركة “حماس”، توافقاً مع التصريحات الحادة والأخيرة لوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، التي أطلقها من داخل “منتدى حوار المنامة” في الأيام الماضية.

 تحاول الإدارة الأميركية (من طريق بريطانيا) الرد من خلال هذا القرار، على الاتهامات الموجهة إليها من قبل حلفائها بتهاونها وتخاذلها في التعامل مع التهديدات الإيرانية في الشرق الأوسط، فضلاً عن الرد على التسريبات التي روجت لسعي واشنطن إلى رفع بعض العقوبات عن طهران، ورد الأموال المحتجزة والمتعلقة بـ”فيلق القدس” التابعة لـ”الحرس الثوري”.

كما لا يمكن تجاهل أن القرار البريطاني يأتي كمحاولة لتطمين الكيان الصهيوني المحتل، إثر حالة الإنزعاج التي تعصف به نتيجة السياسات الإيرانية ودورها في الشرق الأوسط، لا سيما في ظل الأحداث الأخيرة التي طفت فيها على السطح البصمة الملالية في لبنان والعراق وسوريا واليمن، إلى جانب تباطؤ النظام الإيراني في المفاوضات المتعلقة بالملف النووي مع الإدارة الأميركية، ومحاولة كسب المزيد من الوقت لزيادة قدرته في برنامجه النووي.

 * كاتب مصري، وباحث في شؤون الجماعات الأصولية

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى