ترجمات عبرية

تسفي برئيل – السيسي يغازل الصوت اليهودي الامريكي

هآرتس – بقلم تسفي برئيل  – 11/1/2019

بعد 11 يوم ستناقش محكمة الشؤون المستعجلة في القاهرة الاستئناف الذي قدمه محامي مصري لتغيير المادة 140 في الدستور المصري، التي تقيد فترة حكم الرئيس بولايتين فقط. “8 سنوات هي فترة قصيرة جدا من اجل الوقوف امام التحديات الماثلة أمام المصريين”، كتب في الالتماس الذي اذا تمت الموافقة عليه فسيتم تحويله الى البرلمان من اجل المصادقة على التعديل، وبعد ذلك طرحه للاستفتاء العام.

الرئيس عبد الفتاح السيسي غير مستعجل – الانتخابات الرئاسية القادمة ستجري بعد ثلاث سنوات تقريبا. ولكن من الافضل الاستعداد واعداد الرأي العام، لا سيما أن الاجراءات القانونية والمصادقة والتشريع والاستفتاء ستستغرق زمنا طويلا. الالتماس اثار عاصفة: ألف شخصية عامة، من بينهم الكاتب علاء الاسواني، وقعوا على عريضة يدعون فيها البرلمان والمحكمة الى معارضة ذلك.

لكن كما هو الامر في تركيا، ففي مصر ايضا لا يوجد في الوقت الحالي بديل حقيقي للرئيس. والمعارضة السياسية هي مفهوم فارغ ازاء السيطرة الكاملة لكتلة مؤيديه في البرلمان. هذه ايضا الرسالة التي يريد الرئيس نقلها للزعماء، الخصوم والاصدقاء على حد سواء.

إلا أنه على بعد آلاف الكيلومترات يضع برلمان آخر، البرلمان الامريكي، التهديد الحقيقي امام السيسي. هناك بند في مشروع قانون التخصيص الذي اجيز في الكونغرس الامريكي والذي يحظى ايضا بدعم مجلس الشيوخ، يطالب بتقليص اكثر من 300 مليون دولار من اموال المساعدة السنوية لمصر وجعلها مليار دولار فقط بدل 1.3 مليار دولار، التي استقرت منذ التوقيع على اتفاق السلام مع اسرائيل في الميزانية الامريكية،  مثل المساعدة المقدمة لاسرائيل. هذا الطلب يتأخر الآن بسبب شل الادارة من قبل الرئيس ترامب.

سبب البند الجديد هو المس بحقوق الانسان في مصر، اعتقال 15 مواطن امريكي في السجون المصرية ورفض دفع تكلفة العلاج الطبي لـ افريل كورلي، المتزلجة الممتازة التي اصيبت في 2015 بقصف غير مقصود لطائرة قتالية مصرية اثناء تجولها مع عدد من السياح في الصحراء الغربية. مصر قالت إن السياح دخلوا الى منطقة مغلقة بدون تنسيق، وهي منطقة قتال بين القوات المصرية والتنظيمات الارهابية. الادارة الامريكية لم توافق على هذا التفسير والامور وصلت الى مفاوضات غير مجدية مع السلطات في مصر حول مبلغ يقدر بنصف مليون دولار. هذا مبلغ صغير بالنسبة لحكومة مصر، لكنه مبلغ كبير جدا بالنسبة لعائلة كورلي التي فتحت صفحة خاصة على الانترنت لتجنيد الاموال، لكنها لم تحصل على تبرعات كافية.

اقتراح تقليص المساعدات لمصر ليست الاولى من نوعها. فقبل سنة تقرر ترامب تجميد 195 مليون دولار من اموال المساعدة بسبب الشك بأن مصر تتجاوز قانون العقوبات الذي فرض على كوريا الشمالية عندما تاجرت معها، وبسبب القانون الفظيع الذي قيد نشاطات منظمات غير حكومية تتابع وتقدم تقارير عن الاخلال بحقوق الانسان. في شهر تموز 2018 رفع الرئيس التجميد بسبب ما وصفه بـ “خطوات اتخذتها مصر تجاه مواضيع اقلقت الولايات المتحدة”. التجارة مع كوريا الشمالية توقفت، وضع منظمات ونشطاء حقوق الانسان فقط ازداد خطورة.

من المثير للاهتمام أن كل ما يتعلق بحقوق الانسان فان سهام الكونغرس التي يطلقها موجهة بشكل عام نحو دول ضعيفة تعتمد على المساعدات الامريكية، وليس نحو دول قوية يمكنها ممارسة الضغط على الولايات المتحدة.

حتى حدوث قضية الخاشقجي فان أحدا من الادارة الامريكية لم يطلب من السعودية تحسين مكانة النساء في الدولة أو لا سمح الله تشكيل برلمان منتخب. تركيا تعرضت في السنة الماضية الى عقوبات بسيطة أدت الى اطلاق سراح القس الامريكي اندرو برونسون. ولكن لم يتم فرض أي عقوبة عليها بسبب اعتقال ومطاردة صحافيين أو نشطاء حقوق انسان.

ايضا تجاه مصر تتعامل الادارة الامريكية بتسامح مرن طالما أن الحديث لا يدور عن مواطنين امريكيين اصيبوا بالضرر. تقارير وضع حقوق الانسان التي يقدمها قسم الشؤون الخارجية في كل سنة عن مصر، كما هي الحال مع دول العالم الاخرى، تحظى بردود برلمانية بالنفي، الغضب وادعاءات عن عدم فهم الواقع، ويتم حفظها في جوارير مقفلة. مصر تعرف جيدا هذا التقليد الذي يتكرر كل سنة، لكن يبدو أنه في هذه السنة، لا سيما بسبب حجم التقليص المتوقع، قررت القيام بخطوة في الاتجاه المطلوب.

الحديث لا يدور عن تشريع جديد أو اطلاق سراح سجناء سياسيين، عددهم حسب منظمة حقوق الانسان هو عشرات الآلاف، بل عن استئجار خدمات شركة وساطة وعلاقات عامة امريكية ستعمل على تحسين صورة مصر في الولايات المتحدة. عندما سئلت وزيرة شؤون التعاون الدولي، سحر ناصر، عن سبب التعاقد مع الشركة الامريكية قالت إن هدفه هو “ضد اشخاص اشرار ينشرون تقارير اقتصادية وسياسية وأمنية ضد مصر”. كما هو متوقع هذه الاقوال لم تمر بهدوء في الشبكات الاجتماعية حيث تساءل المتصفحون كيف أن “دولة لا يوجد فيها خبز لمواطنيها، تدفع الملايين لشركة دعاية امريكية من اجل الرد على اقوال من يعارضها”. ولكن يمكن الادعاء أن جزء من اموال دافعي الضرائب الامريكيين يعود اليهم. على خلفية الضغط والتهديد الامريكي يمكن فهم اقوال الرئيس السيسي في مقابلة اجرتها معه الـ سي.بي.اس التي نفى فيها بشكل قاطع أنه يوجد في مصر سجناء سياسيين. هو لم يعط أي تعليمات لقتل أو المس بالمتظاهرين. وعندما قال له مقدم برنامج “60 دقيقة” إنه حسب ادعاء كثيرين، “توجد دماء على يديه”، أجاب الرئيس السيسي: “لا يمكنني الطلب من مواطني مصر نسيان حقوقهم أو المواطنين ورجال الشرطة الذين قتلوا على أيدي تنظيمات متطرفة”. وكان ايضا العنوان الذي هدأ النفوس في اسرائيل، وكما يبدو هدأ ايضا الجمهور المستهدف، يهود الولايات المتحدة. السيسي كشف أنه بين اسرائيل ومصر تعاون وثيق جدا في المجال الامني في محاربة التنظيمات الارهابية في شبه جزيرة سيناء، وحتى أنه اشار الى أن الطائرات القتالية المصرية تتجاوز احيانا الحدود مع اسرائيل اثناء نشاطاتها في شبه الجزيرة.

التعاون العسكري مع اسرائيل غير مخفي عن أنظار الشعب المصري، الذي قرأ عن ذلك في عدة وسائل اعلامية قبل اجراء المقابلة مع الرئيس. ولكن لم يسبق له الحديث العلني عن ذلك قبل المقابلة.  هذا التعاون غير مقتصر فقط على المجال العسكري. اسرائيل تستخدم نفوذها في الكونغرس من اجل مصر، وكما توسط نتنياهو في صالح ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، فهو عمل ايضا من اجل منع تقليص المساعدات لمصر. ويمكن التقدير أنه في هذه المرة ايضا، لوبي “الايباك” تم استخدامه لاقناع الكونغرس بعدم الموافقة على التقليص المتوقع، بالضبط للاسباب التي اشار اليها السيسي في المقابلة. ولكن بين التعاون العسكري وبين التطبيع بين اسرائيل ومصر توجد فجوة كبيرة. عن هذا كان يمكننا أن نسمع من منى برنس، معلمة سابقة للغة الانجليزية في جامعة السويس، تمت اقالتها في شهر حزيران بعد نشر افلام فيديو ظهرت فيها وهي ترقص الرقص الشرقي. برنس ايضا اعلنت على صفحتها في الفيس بوك عن نيتها التنافس على الرئاسة في شهر كانون الثاني في السنة الماضية، وهي تظهر في صورة وهي تحمل كأس بيرة. الى قائمة جرائم المحاضرة اضيف في شهر كانون الاول عمل آخر لا يغتفر وهو الالتقاء مع السفير الاسرائيلي، دافيد غوبرين، في مبنى السفارة في القاهرة. وبعد عشرة ايام تم اجراء مقابلة معها في قناة “كان 33” الاسرائيلية.

في المقابلة قالت إن اللقاء مع غوبرين استهدف الدفع بالتطبيع الثقافي بين اسرائيل ومصر. عدد من المحامين سارعوا الى تقديم دعوى قضائية ضدها بسبب “تنكرها لقيم الدولة الاسلامية”، وبسبب أن “اللقاء مع السفير الاسرائيلي يعتبر جريمة وتعاون مع عدو العرب والمصريين”. برنس طردت بعد ذلك من نقابة الكتاب بسبب خرقها نظام منع التطبيع مع اسرائيل، وهو نظام صودق عليه من قبل النظام المصري.

اسرائيل تستفيد من خدمات الوساطة لمصر في غزة، وهي ترى بنفس المنظار معها الحاجة الى صد ايران. وشركات الغاز الاسرائيلية توقع على اتفاقيات تصدير عبر مصر. وهي يمكنها الادعاء وبحق أن هذا هو افضل ما يمكن تحقيقه من اتفاق السلام في هذا الوقت. مشاركة اسرائيل في مهرجان الافلام وفي معرض الكتب الدولي الذي يجري في القاهرة والتعاون الصحافي والأدبي، لا تصل في اهميتها الى كاحل التعاون العسكري. بالاحرى، المس بحقوق الانسان الذي يعتبر شأن مصري داخلي، يجب على اسرائيل أن لا تفكر حتى بالرد عليه. يبدو أنه يمكن العيش بسلام بدون تطبيع، بدون اعتراف مصر بأن اسرائيل هي دولة القومية اليهودية، ومع تحريض اعلامي ضد العدو الصهيوني ومع مقاطعة المنتجات الاسرائيلية باستثناء الغاز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى