المفاوضات

تجديد النقاش حول اتفاق أوسلو بعد 28 عاما ..!!

ماجد كيالي * -16/9/2021

أتى اتفاق أوسلو على غاية في الإجحاف بالنسبة للفلسطينيين، إذ عقد في ظروف غير متكافئة البتة، وبلغة الإملاء، بحكم الظروف العربية والدولية في حينه، وكانت القيادة الفلسطينية راهنت عليه، أو ابتغت منه، في حينه، تحقيق عدة أغراض، أهمها:

أولا، تعويم دورها المهدد بالشطب، عبر إيجاد موقع لها في المفاوضات، بعد أن جرى استبعادها عن مفاوضات مدريد (1991)، مع وجود وفد أردني ـ فلسطيني مشترك، ترأس الجانب الفلسطيني منه حيدر عبد الشافي الشخصية الوطنية المعروفة في قطاع غزة.

ثانيا، فرض مكانة ما للشعب الفلسطيني في خارطة ما بات يسمى في حينه بـ “الشرق الأوسط الجديد”، في إطار المتغيرات الدولية والإقليمية الحاصلة في التسعينات.

ثالثا، إيجاد كيان سياسي للشعب الفلسطيني في أرضه، بعد أن اقتنعت القيادة الفلسطينية بأن بقاء الحركة الوطنية الفلسطينية في الخارج لم يعد مجديا بل وبات مكلفا، ومتعذرا، بعد عشرة أعوام من إخراج قوات منظمة التحرير من لبنان إثر الغزو الإسرائيلي (1982).

بيد أن مسيرة أوسلو بينت منذ البداية عقم كل تلك المراهنات، التي تبينت عن أوهام، لأسباب عدة أهمها: أولا، عدم البتّ في مسألة لا شرعية الاستيطان، والعمل على وقفه، إذ أن أعداد المستوطنين تضاعفت ما يقارب ثلاث مرات منذ ذلك الحين. ثانيا، تأجيل البتّ في مسألة القدس واللاجئين والحدود إلى مفاوضات الحل النهائي، وهذا فضلا عن أنه لم يحدث فإن إسرائيل لم تنفذ حتى الاستحقاقات المطلوبة منها في الحل الانتقالي. ثالثا، لم يعرّف الاتفاق أراضي الضفة والقطاع باعتبارها أراض محتلة، ولم يعرّف إسرائيل بوصفها دولة محتلة. رابعا، لم يصدر عن الاتفاق ما يوضّح ماهية التسوية أو المآل النهائي لها، ولم يستند إلى أي مرجعية دولية أو قانونية. خامسا، تأسس الاتفاق على مراجعة الرواية الفلسطينية للصراع، في مقاربة مع الرواية الإسرائيلية، باعتبار أنه بدأ في العام 1967 مع احتلال الضفة والقطاع، وليس في العام 1948، أي مع إقامة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، ونشوء مشكلة اللاجئين. سادسا، ترك كل شيء للمفاوضات التي تجري بين الطرفين المعنيين حصرا، بمعنى أنه ترك الأمر بيد إسرائيل، في ظل موازين قوى ومعطيات دولية وإقليمية غير مواتية بالمطلق بالنسبة للفلسطينيين.
وبشكل أكثر تحديدا، او تفصيلا، فإن الاتفاق تضمن الثغرات الآتية:

1 ـ هذا حل جزئي لجزء من شعب في جزء من أرض مع جزء من حقوق.

2 ـ كرّس الاتفاق تجزئة الشعب الفلسطيني، الموزّع أصلا في دول كثيرة، بحيث بات الفلسطينيون وكأنهم فقط الذي يعيشون في الضفة وغزة، تحت ولاية السلطة.

3 ـ تم عبر الاتفاق تهميش منظمة التحرير، الممثل الشرعي لشعبنا، والمعبر عن وحدته ووحدة قضيته وإزاحتها لصالح كيان السلطة، برضى القيادة ذاتها.

4 ـ تحويل الحركة الوطنية الفلسطينية من حركة تحرّر إلى سلطة تحت الاحتلال ووكيل عنه، في علاقات التنسيق الأمني والتبعية الاقتصادية والهيمنة الإدارية.

5 ـ رسّخ الاتفاق غياب الاجماعات السياسية الوطنية وجمود البني والكيانات السياسية الفلسطينية، بتوليد طبقة سياسية مصلحتها حراسة الواقع المتمثل بالسلطة.

6 ـ لم يكن خيار أوسلو، بالشكل الذي تم عليه خيارات إجباريا، إذ كان ثمة خيارات أخرى، ضمنها عدم التماهي بين المنظمة والسلطة، وترك الأمر بيد الوفد الفلسطيني المفاوض من الضفة وغزة برئاسة د حيدر عبد الشافي، وإبقاء المنظمة ككيان سياسي لكل الفلسطينيين، يعبر عن قضيتهم وعن وحدة مصيرهم.

7 ـ ما يجب الاعتراف به هنا أن إسرائيل هي التي قوضت هذا الاتفاق منذ العام (1999)، أي منذ رفضها تنفيذ الاستحقاقات المطلوبة منها في الحل الانتقالي، ومنذ تبين انكشاف موقفها في مفاوضات كامب ديفيد 2 (2000)، هذا رغم كل الاجحافات المتضمنة في الاتفاق بخصوص حقوق الشعب الفلسطيني، أي إن الاتفاق انتهى بفضل إسرائيل والولايات المتحدة كما شهدنا منذ زمن.

8 ـ بينت الوقائع، طوال 28 عاما، أن ما تريده إسرائيل من الاتفاق هو تجزئة قضية فلسطين، وتجويف حركتها الوطنية، والتحرر من صورتها كدولة استعمارية تسيطر على شعب أخر بالقوة، والتخفف من مسؤولياتها السياسية والأمنية والاقتصادية والأخلاقية كدولة احتلال.

9 ـ ما يجب إدراكه أن هذا الاتفاق ما كان يمكن عقده، وتمريره على شعب فلسطين، لولا موافقة ياسر عرفات، بمكانته في الزعامة والقيادة، أي أن الرجل بقدر مكانته تلك يتحمل مسؤوليته عن الاتفاق المذكور، والمشكلة الأكبر هنا أن القيادة الفلسطينية (بما فيها زعيمها الراحل) لم يفعلوا ما ينبغي فعله لتحصين الوضع الفلسطيني وتدارك ثغرات أوسلو وبث الروح في الحركة الوطنية الفلسطينية لتمكينها من تصحيح الوضع، حتى الآن؛ هذه ناحية. من ناحية ثانية، ثمة مسؤولية تقع على عاتق المثقفين الفلسطينيين الذين ساندوا الاتفاق أو سكتوا عنه.

10 ـ مع كل تلك الملاحظات يفترض الانتباه أن الحركة الوطنية الفلسطينية من دون الاتفاق لن يكون وضعها أفضل من وضعها معه، على الأرجح، لأن تلك الحركة بعد الخروج من لبنان، وانتهاء الظاهرة المسلحة من الخارج، كانت تقادمت واستهلكت، ولم يعد لديها ما تضيفه، أي كان ثمة جمود في التفكير السياسي وفي بني الكيانات الفلسطينية، أي الفصائل والمنظمة، وهو ما نعيشه حتى اليوم.

11 ـ يجب الاعتراف بحقيقة أخرى مفادها أن كفاح الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة (1967) كان قبل قيام السلطة، وعودة الفصائل، أفضل بكثير منه بعد قيامها، إذ كان الفلسطينيون أكثر تحررا في مواجهة الاحتلال، وفي تنظيم أنفسهم في الصراع معه، أي إن إقامة السلطة كان سلبيا في هذا المجال.

12 ـ اتفاق أوسلو لم يغيّر الواقع السياسي الفلسطيني، فقط، محولا حركة التحرر الوطني الى سلطة، بل إنها غيّرت الواقع الثقافي أيضا، إذ أحدثت قطعا بين الثقافة الوطنية التحرّرية، التي تنبني على المقاومة والذاكرة والحقيقة والعدالة، إلى ثقافة السلطة التي تنبني على ثقافة النسيان والتعايش مع الاحتلال، وضمن ذلك اعتبار ما جرى بمثابة نهاية المطاف، واعتبار الدولة وكأنها شيئا تحقّق ينبغي تطويره، وكأن الصراع مع إسرائيل ومشروعها هو مجرد مشروع عقاري، على بضعة كيلومترات هنا وهناك، ولو على حساب حقوق الشعب الفلسطيني..

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى