ترجمات أجنبية

بوليتيكو: اليمين المتطرف أصبح تيار رئيسي في أوروبا

بوليتيكو 5-10-2022م، بقلم باربرا موينز وكورينلوس هيرش

بعد عقود من تجاهلها كحركات سامّة، حققت الأحزاب اليمنية المتطرفة انتصارات واسعة في العام الجاري، وتحولت إلى جزء من العملية السياسية في بلادها.

اقتحمت جماعات اليمين المتطرف الميدان السياسي وحققت الانتصار في إيطاليا بعد فوزها أيضا في السويد وفرنسا. وعلّقت زعيمة التجمع الوطني المتطرف في فرنسا، مارين لوبان بالقول: “في كل مكان بأوروبا هناك تطلع لتولي مصيرهم بأيديهم. لكنك لو اعتقدت أن هناك موجة جديدة من اليمين المتطرف الراديكالي تجتاح أوروبا، فأنت مخطئ، فهناك أمر آخر يجري.

وفي تحليل لبيانات استطلاع أجرته مجلة “بوليتيكو”، كشف أن أحزاب اليمين المتطرف على حافة زيادة دعمها بنسبة مئوية واحدة في الفترة ما بين الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير وحتى اليوم. المعدل ومستوى الزيادة لكل الأحزاب في جانب اليمين المتطرف بالبرلمان الأوروبي، التي تقدم نفسها ضمن إطار الهوية والديمقراطية (المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون)، أو تلك الأحزاب غير المنضوية تحت لواء الأحزاب اليمينية المتطرفة.

وأظهرت النتائج الإجمالية أنه لو زاد الدعم لأحزاب اليمين المتطرف، فإنه قد حدث على  مدى عدة سنوات. فالديمقراطيون السويديون ظهروا على المشهد السياسي بقوة في انتخابات 2014، عندما نما الدعم للحزب من 10% إلى 20%، وهي نفس النسبة، أي خمس الأصوات التي حصل الحزب عليها في انتخابات العام الحالي. أما حزب البديل الألماني، فقد نما سريعا في 2015 و2016 ووصلت شعبيته إلى 14% . وفي إيطاليا، تفوقت رابطة الشمال على “فورزا إيطاليا” لأول مرة في بداية 2015 ووصل ذروته إلى 2019 بنسبة 37% قبل أن تبدأ شعبيته بالتراجع لتصل إلى 9%.

وغيّر الناخب الإيطالي مواقفه من حزب يميني متطرف لآخر. وانتقلت أحزاب اليمين من الهامش إلى التيار الرئيس، ولم تؤثر على المركز السياسي فقط، بل دخلت ميدان السلطة. وتقول كاثرين ثورفيلسون، الباحثة في مجال التطرف بجامعة أوسلو: “هناك عملية تطبيع لأحزاب اليمين المتطرف باعتبارها جزءا عضويا من المشهد السياسي” و”تم قبولها من الناخب وكذا الآخرين، أي الأحزاب التقليدية”.

ولم يعد التعاون بين أحزاب يمين الوسط واليمين المتطرف أمرا محرما. وكتب كاس مود، الباحث المعروف في موضوع اليمين المتطرف تغريدة قال فيها إن “صعود الاحزاب اليمينية المتطرفة وكذا تبني أطر اليمين المتطرف من الأحزاب الأخرى أمر مهم”، وربما زاد هذا من مخاطر زعزعة استقرار أوروبا أكثر من الفوز في مجموعة من النسب في استطلاعات الرأي.

وتقول المجلة إن اليمين المتطرف الإيطالي ورمزه جورجيا ميلوني هي مثال واضح. ففي الوقت الذي ينتمي الحزب في جذوره إلى الفاشيين السابقين، إلا أنها ستقود ثالث اقتصاد في الاتحاد الأوروبي. وفي السويد، فإن حزب يمين- الوسط، بدأ مفاوضات الائتلاف من أجل حكومة أقلية، والتي كانت ستبنى على دعم المعارضة، خاصة من الحزب المتطرف (الديمقراطيون السويديون).

ودخلت أحزاب اليمين المتطرف أيضا في الحكومة النمساوية وفنلندا وإستونيا وإيطاليا. ومن المحتمل أن تتبع دول أخرى الموجة. واحتفل جورج سيمون، زعيم الحزب اليميني المتطرف في رومانيا (التحالف من أجل الاتحاد الروماني) بفوز ميلوني، قائلا إن حزبه سيتبع خطواتها. وتتوجه إسبانيا نحو صناديق الاقتراع في العام المقبل، وربما وجد رئيس الوزراء الاشتراكي بيدرو شانسيز، نفسه أمام تحد كبير.

ويقود حزب الشعب اليميني المحافظ، الاستطلاعات في إسبانيا بخمس إلى سبع نقاط، وليس من المتوقع أن يحصل على الأصوات الكافية لتشكيل الحكومة. وهذا يعني أنه سيبحث عن اتفاق مع الحزب اليميني المتطرف “فوكس”، والذي يُعتبر زعيمه سانتياغو أبسكال حليفا لميلوني. وفي الوقت الذي رفض فيه حزب الشعب التحالف مع “فوكس” في الماضي، إلا أن زعيمه ألبرتو نونيز فييجو، أعطى الضوء الأخضر في الربيع الماضي للاتفاق مع الجماعة اليمينية المتطرفة في كاستيلا يي ليون، بوسط إسبانيا.

 وأشار الزعيم البلجيكي المتطرف، توم فان غريكين إلى إسبانيا كمثال قادم على سيطرة اليمين على الحكم، بسبب التعاون مع  حزب الشعب. وقال: “في كل أنحاء أوروبا، نرى أحزاب اليمين التي تريد كسر طوق الطهارة” في إشارة لرفض بقية الأحزاب الأخرى التحالف مع أحزاب اليمين المتطرف. مضيفا: “هم متعبون من التنازل مع نظرائهم الأيديولوجيين، الأحزاب في أقصى يسار المنظور”.

ولم يحدث هذا بين ليلة وضحاها، يل عمل اليمين المتطرف بقوة للتخلص من صورته المرتبطة بالنازيين الجدد. وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي له علاقة مع أحزاب اليمين المتطرف: “في بعض التقارير عن الديمقراطيين السويديين، فإنك تعتقد أنهم سيرحّلون الناس في القطارات عند وصولهم إلى السلطة.. مهلا، لقد تغيرت هذه الأحزاب”.

وتقول نينا ويزهولمر، الباحثة السياسية في جامعة “أي إي بمدريد” إن “تكييف الصورة ومحاولة السير بحذر مع بعض القضايا والحرص على خدمة الآخرين وبدون حياء”. وقالت: “هذا واضح تحديدا في اليمين الإيطالي، مع ميلوني التي التزمت ببعض الشعارات: الله، الوطن، العائلة، في الوقت الذي حاولت فيه تطهير الحزب من العناصر الأكثر راديكالية”.

وفي منطقة فلاندرز بشمال بلجيكا، فإن حزب اليمين المتطرف فلامز بيلانغ (المصلحة الفلمنكية) يرفض بشكل واضح وصف “اليمين المتطرف”، تماما مثل نظيره الإيطالي والسويدي والفرنسي. وشجب زعيم الحزب فان غريكين، المواقف الأكثر تطرفا للجماعة التي أنشأها والده وعدّل من رسالتها السياسية من أجل جعل التصويت لليمين المتطرف أمرا مقبولا.

وتعتبر العنصرية الظاهرة أمرا محرما،  وبدلا من ذلك، حل خطاب ناقد للهجرة المفتوحة. ونشر الحزب رسالة تخدم الناخبين من الوسط، والهدف من كل هذا هو الحصول على قطعة من الكعكة، واستغلال المشاعر المعادية للمؤسسة. وأخبر غريكين بولتييكو بالقول: “هناك خط صدع واضح بين الفائزين من العولمة والقوميين”، و”هذا يأتي على رأس اهتمامات الهجرة الجماعية سواء من مالمو إلى روما وبقية الدول الأوروبية”.

والوقت مناسب لاستغلال التحول هذا، ففي الوقت الذي تكافح فيه أوروبا معدلات عالية من التضخم وفواتير الطاقة المكلفة وتحذيرات من “شتاء السخط”، قال رئيس وزراء بلجيكا ألكسندر دي غرو في تصريحات لبوليتيكو: “إنه مصرف ضخم للازدهار الأوروبي”، و”في ظل الوضع الحالي، من الصعب الإيمان بالتقدم، ومن الصعب تحقيق تقدم،  ولهذا فهناك شعور متشائم”.

والحرب في أوكرانيا هي واحدة من أزمات عدة ضربت العالم، من وباء كورونا إلى الأزمة المالية، مما فتح المجال أمام ظهور النزعات المؤيدة لليمين المتطرف. ويقول كارل ديفوس، من جامعة غينت: “هذه الأزمات الوجودية تترك أثرا مزعزعا للاستقرار وتقود إلى الخوف”، و”الخوف هو أرضية تفرخ اليمين المتطرف، وعادة ما يميل الناس لترجمة الخوف إلى غضب وسلوك عنصري”.

وباتت الهجرة وسياسة الهوية بارزة في الإعلام بسبب الحرب في أوكرانيا وزيادة أسعار الطاقة، ولكنها تظل موضوعات مهمة لليمين. وفي هولندا، قادت وفاة طفل في مركز لجوء في تير إيبل إلى نقاش حول مراكز المهاجرين المكتظة. ومجموع هذه القضايا سيقود على الأرجح إلى تغذية الانتصارات اليمينية المتطرفة في القارة الأوروبية.

وترى ثورفيسن: “يقدم اليمين المتطرف رؤية قومية وحلولا للحماية من الأزمات العالمية”، و”نرى كيف خرج موضوع المهاجرين بشكل مؤقت من الأجندة أثناء الوباء، ولكنه عاد الآن”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى