شؤون مكافحة الاٍرهاب

بكر ابو بكر يكتب – الإخوان والسلفية ومابينهما

بقلم – بكر أبو بكر، كاتب واديب عربي معني بالفكر وبشؤون الجماعات الاسلاموية  22/10/2020

الجزء الثاني من بحث بعنوان (الاسلامويون)  بين النشأة والمواجهة

منذ القرن الثامن عشر برز على المسرح “الفكر السلفي الوهابي” كفكر متميز ضمن “جماعة المسلمين”، وكان أول تطور يحصل في المسرح السياسي – الديني منذ فترة طويلة لحقها بعد أكثر من قرن فكر “الجامعة الاسلامية” ثم تلاه فكر “الجماعة”.

انتهى فكر الجامعة الاسلامية وتحوصل في مؤتمرات ومؤسسات خاصة مع ظهور الدولة الوطنية و تجذرها ، و تعملق فكر (الجماعة) (الاسلامية) وفكر (الجماعة) (السلفية الوهابية) في مقابل فكرانيات (الشيوعية) و (القومية).

أدى اندحار القومي والشيوعي مع مجموعة من الهزائم العالمية ، والعربية للفكرانيتين (الأيديولوجيتين) أن يبحث المجتمع العربي والإسلامي عن بديل لم يجده إلا فيما اصطلح عليه بداية تحت مسمى الاحياء الاسلامي أو الصحوة التي حملت معنى العمومية التي تطورت لاحقا لتصبح وصفة سياسية لأي حزب يسعى للسلطة على ظهر الجماهير عبر البوابة الدينية التي تخاطب القلوب أكثر من العقول، في ظل الدولة الوطنية.

تختلف نشأة التيار السلفي عن ذاك الاخواني كتيار تحول لجماعة ثم الى تنظيم ثم لاحقا الى تنظيمات متعددة ، وبغض النظر عن ظروف النشأة المختلفة فلقد كان هناك مجال تلاقي لأن مفهوم (الوحدة) (الاسلامية) كان مسعى في ظل تفتت وتشرذم رأي فيه الروّاد انتحارا.

تعدد السُبُل والتنظيمات

ذاب المسعى للتقدم أو تخليص الاسلام من البِدع أو المسعى للعلم والتنور أو للوحدة في ظل صعود الدولة الوطنية، التي قضت فعليا على الأبعاد المذكورة وتفرغت للبناء الفوقي للدولة وترسيخها ، وتقزمت الدعوات الاسلاموية لفترة طويلة وإن بأشكال مختلفة إما من الاستيعاب أو الإقصاء.
ومنذ الانهيار الأكبر في التجربة القومية العربية بعد وفاة جمال عبد الناصر 1970 ثم مع الانهيار الشيوعي عام 1990 تسلطت الأضواء على البدائل الاسلاموية وصنفت ما بين (معتدلة) و(متشددة) خاصة لدى الدوائر الغربية التي سعت كالعادة لامتطاء ظهور هذه التيارات لتبقى محافظة على هيمنتها الاستعمارية على المنطقة بأي أداة كانت لا يهم المهم أن المصالح مصانة.

تقاطعت التيارات الاسلاموية في حربها ضد الشيوعيين، وبررت ذلك بشكل عقدي، ما ظهر جليا في أعوام الحرب (1979-1989) في افغانستان إلى أن اندحر السوفيت، واكتسب فيها الاسلامويون تجربة ثرية (فكرية وميدانية-عسكرية وتنظيمية) نقلوها الى أماكن أخرى، في الشيشان والبوسنة وغيرها ولم تكن حتى حينه قد ظهرت علامات افتراق كبيرة كما حصل منذ انتهاء الحرب في افغانستان.

تعددت السُبل وافترقت الجماعات، ويمكننا هنا أن نذكر مجموعة من الأسباب التي أدت لظهور التيارات الاسلاموية المختلفة منها: الاحتلال الصهيوني لفلسطين، ومنها العدوان الغربي على الأمة (وإن تقاطعوا في هذه مع التيارات الفكرية العربية الأخرى)، ومنها القمع الذي مورس ضدهم، ومنها ابعادهم عن الحكم رغم استدراجهم للدول في كثير من المحطات لفعل ذلك، ومنها تجاربهم المختلفة مع عدة بلدان، اضافة لمحاولاتهم التميز العقدي عن عموم الشعب وأسباب أخرى كثيرة انتجت في السنوات الأخيرة سُبُلا وطُرقا وأحزابا من الممكن أن نرصد مثلا في بلد منكوب كالصومال 30 حزبا أو جماعة (اسلاموية) ما يثير الاستغراب الشديد.

التيارات المتشددة

تعددت التصنيفات للتنظيمات وراج استعمال مصطلح المتعدلين مقابل المتشددين أو المتطرفين، وصنفت التنظيمات الاسلاموية بين هذا وذاك ولم تكن لا (الاخوان المسلمين) ولا (السلفيين) في قائمة المتطرفين أو الارهابيين الا بعد نقطة التقاء ثم نقطة الافتراق الكبرى التي تفاعل فيها الأطراف جميعا أثناء تواجدهم في أفغانستان ، وحينها بالتحديد ظهرت التيارات المتطرفة وتلك المعتدلة وما أصبح يطلق عليها “الجهادية” فكان ايمن الطواهري صاحب مدرسة العدو القريب (أي المجتمع الاسلامي) أولى من البعيد (الامريكان) على عكس مدرسة اسامة بن لادن وما لم يجاريهم فيها آنذاك عبدالله عزام الذي ظل يصنف وجماعة “الاخوان” في سلة أو خانة الاعتدال.

كان لحصول التقابل بين تجربة “الجماعة الاسلامية” في مصر و”الجهاد الاسلامي” (المصري) المتطرفة، مع تجربة (بن لادن) الذي صعد بالفكر السلفي للمستوى القتالي (الجهادي) لأول مرة، ثم لاحقا ما حصل من التقاء في مصر (بعد الربيع العربي بشكل محدد) مع الاخوان المسلمين أن أصبح التمييز بين هذه التيارات الثلاثة صعبا، فكل منها يؤيد الآخر أو يدعمه أو ينسق معه وإن ظلوا على مجموعة من الخلافات المبدأية والعقدية والتنظيمية فيما بينهم.(راجع حوارات الاخوان والسلفيين الثقيلة التي تصل لحد التكفير من كل للآخر)

الولايات المتحدة و”الاسلامويين”

كان للولايات المتحدة الامريكية وكما هو الحال مع أي قوة مهيمنة دور في تنشيط أوتصعيد بعض التيارات ومنها الاسلاموية لأن مبرر الدعم أو عكسه مرتبط حكما بشئ واحد فقط هو ليس العدالة ولا حرية الشعوب ولا الحق ولا الانسانية ولا حقوق الانسان، وإنما في اللعبة الدولية كل ذلك يتم استخدامه لتحقيق مصالح السيطرة والهيمنة السياسية والاقتصادية والعلمية والحضارية والفكرية والثقافية.

كان للولايات المتحدة مع عدد من الوكلاء المحليين دور هام في احتضان الاسلامويين باعتبارهم بديل جاهز ضمن لعبة (الاضداد) في ملعب الحكم، وهو المسيطر ومن هنا انبثق الدور وتسامي وتصاعد أوخفت أو خبا رغم ما قد يكون للاعب الثانوي من أهداف وآراء ومصالح مختلفة.

رُهاب الاسلام “الاسلامفوبيا”

الرُهاب الإسلامي (إنجليزية:إسلاموفوبيا Islamophobia) هو مصطلح ظهر حديثا في المجتمعات الغربية معناه هو التحامل والكراهية تجاه المسلمين، أو الخوف منهم أومن الجماعات العرقية التى ينظر لها على أنها إسلامية. بالرغم من وجود اعتراف واسع بذلك المصطلح وشيوع استخدامه، فقد تعرض المصطلح والمعنى الذى يتضمنه لانتقادات. كذلك يشير المصطلح المثير للجدل إلى الممارسات المتعلقة بالإجحاف أوالتفرقة العنصرية ضد الإسلام والمسلمين في الغرب، ويُعَرفه البعض على أنه تحيز ضد المسلمين أو شيطنة للمسلمين.

وقد عرف الباحثون “الرُهاب الإسلامي” على أنه نوع من العنصرية، ولكن هذا متنازع عليه. فقد حمل بعض المعلقون على مفهوم الرهاب الإسلامي بانه يتم استخدمه لتهميش النقد لأشكال مختلفة من إسلام الأصولي عن طريق الخلط بينها و بين ممارسات فيها تحامل ضد المسلمين.

لا تزال أسباب وخصائص “الرهاب الإسلامي” مثار للجدل في الغرب. وقد افترض بعض المعلقين أن هجمات 11 سبتمبر نتج عنها زيادة في ظاهرة “الرهاب الإسلامي” في المجتمعات الغربية، في حين ربطها آخرين بتزايد وجود المسلمين في العالم الغربي.لوحظ استخدام المصطلح منذ عام 1976 لكن استعماله بقي نادراً في الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين،.ثم انتشر المصطلح انتشاراً سريعاً بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001.

يقول الكاتب أشرف طانطو -بشكل مختلف- أن “مصطلح الإسلاموفوبيا أو إزدراء الإسلام ، يعود لسنة 1910 ردا على المستشرقيين الغربيين وكتاباتهم ، لكنها كلمة بدأت تسمع وبقوة بعد سنة 2001 إبان أحداث 11 سبتمبر الإرهابية .

وبصفة عامة يمكن أن نقول أن الإسلاموفوبيا مرض عضال يعاني منه الدول العربية المسلمة نتيجة لثقافة متخلفة مريضة عاشت لعقود وهي منغمسة في نظريات المؤامرة وأن أسباب تخلف العرب والمسلمين مرده للغرب المستعمر ولليهود والماسونية ، وللأسف هذه الثقافة الرجعية العربية الظلامية أنتجت لنا الإرهاب، التدمير ، التقتيل من طرف الإسلامويين الذين لحد الان لا يعترفون بمفهوم الدولة الحديثة وبالديمقراطية وبالإنفتاح نحو الاخر (الغرب). بل هم ضد العقل وإستعماله.”

يضيف الكاتب أشرف طانطو الى ما سبق قائلا: “وللأمانة فالإسلام السياسي ساهم وبشكل كبير في تغذية هذه الثقافة الرجعية ووفر التربة الخصبة لتزايد ونمو الإرهاب ، حينما إستغل وببشاعة الدين والقران الكريم في السياسة وديماغوجياته التواصلية مع الشعب خاصة منهم الشباب.
وللأسف يعتبر السيد قطب وحسن البنا المشتل الأم ، في القرن ال20 ، لظهور المتطرفين ، وجاء من بعدهم شيوخ البترودولار كالقرضاوي والعريفي وغيرهم من فقهاء التكفير والدعوية المتطرفة الكارهة للاخر غير المسلم.”

الإسلامويون بين العَقَدي والسياسي

يتم الخلط المتعمد بين العقدي والسياسي لغاية تحصين الرأي الإنساني والحزبي في مواجهة الخصم، لذا ترفض الجماعات الاسلاموية الآخر تحت نظرة شمولية تتهم فيها المخالف إما بالكفر أو الردة أو النفاق أو غيرها من الصفات، ولذا تتعمد هذا الخلط تحت دعاوى أن الإسلام دين ودولة والإسلام والسياسة واحد في محاولة فجة للخلط ومن هنا تأتي الحرب للتيارات الفكرية الأخرى في المجتمع الإسلامي تحت دعاوي لا إسلاميتها.

وسنضع نموذج رفض الفكر المدني الديمقراطي في وعاء العلمانية والرد على أصحاب التعريف المقتصر على أن العلمانية هي فقط فصل الدين عن الدولة بإيراد آراء تعارض هذا الرأي من المفكرين الإسلاميين المتنورين كما يورد د.نجم عبد الكريم كالتالي: يقول المفكر الإسلامي د.محمد عمارة: «إسلامنا علماني بامتياز، وان مصطلح العلمانية، لا يمثل عدوانا على ديننا، ولا انتقاصا من إسلامنا، بل على العكس يمثل العودة بديننا الحنيف الى موقعه الأصيل، وموقعه المتميز في هذا الميدان».
ويرى الأستاذ جمال البنا :«إن ثمة علمانية إسلامية تتأسس على حرية الفكر والعقيدة، وانتفاء وجود نظام سياسي ديني في الاسلام».

ويرى الدكتور محمد رضا محرم : «ان العلمانية، ليست هي المقابل للدين، ولكنها المقابل للكهانة..». «العلمانية هي التي تجعل السلطة السياسية من شأن هذا العالم، والسلطة الدينية شأنا من شؤون الله».

وما جاء من تعريف للعلمانية لمراد وهبة: «العلماني هو الذي يرفض الاضطهاد باسم الدين، ويترتب على ذلك تمييزه بين أمور الحكومة المدنية، وأمور الدين، ويقرر ان هذا التمييز هو نتيجة للعلمانية، وليس سببا لها، فالعلمانية نظرية في المعرفة، وليست نظرية في السياسة!!».

«العلمانية محاولة في سبيل الاستقلال ببعض مجالات المعرفة عن عالم ما وراء الطبيعة». هذا ما ورد في صفحة 254 دليل المسلم لحسين أحمد أمين.
وبعد نقاش مستفيض يخلص د.نجم عبدالكريم بالقول: “اذاً، فالعلمانيون يرون ان نظريتهم تقودهم إلى التعامل مع الحياة بكل تشعباتها من المنظور المعرفي، والسياسي ولا علاقة لهم بفلسفة الإلحاد القائمة على العلاقة بين الدين واللاهوت، فهم يرون أن أسس الدولة العلمانية تقوم على إن حق المواطنة هو الأساس في الانتماء، بمعنى أن البشر جميعا يجب ان يتساووا أمام القانون، بغض النظر عن أية فوارق، وبدون وصاية من احد، الا حكم القانون الذي لا بد ان يساوي بين جميع المواطنين، ويكفل حرياتهم في العقيدة دون محاذير او قيود،.

وان المصلحة العامة وبالتالي الخاصة، هما أساس التشريع، وان نظام الحكم المدني يستمد مقوماته من دستور يحقق العدل، ويلتزم بميثاق حقوق الانسان وكرامة الفرد، من غير تمييز في العرق، أو اللغة أو العقيدة أو التفريق بين الرجل والمرأة. وكل هذه المطالب التي يدعو لها العلمانيون، ليس فيها ما يخالف في أن يكون الإنسان مسلما ملتزما بعقيدته، وينهج نهجا علمانيا”.

يبين الباحث الفرنسي «أوليفيه روا» حول السمة المميزة للتنظيمات الفكرانية (الأيديولوجية) الإسلامية هي أنها تنزع إلى تصفية الدين من كل حوامله الثقافية من منظور طوبائي راديكالي يدعي وهم الوصول إلى النموذج الإسلامي الأصلي بالقطيعة مع كل التراث التأويلي للمسلمين، بما توظف له الأدبيات السلفية الكلاسيكية بطريقة مفتعلة وخاطئة. ما يبينه «روا» هو أن هذه التيارات في نزوعها الأصولي تعتبر المؤسسة الدينية التقليدية عدوها الأول، وتعتبر التراث الإسلامي الوسيط تأويلاً منحرفاً للدين.

الاسلامويون و”الدولة الاسلامية”

تعتبر “الدولة الاسلامية” ضمن مفهوم البيعة والخلافة (أو الإمامة لدى الشيعة) فكرة مركزية لدى الاسلامويين، وتنامت حديثا مع سقوط الفكرانيات الأخرى وفشل التجارب الاستبدادية في العالم العربي، وإن كانت النظرات لتعريف الدولة مختلفة فإنها ترجع بغالبها للمفاهيم المستندة للبيعة ووحدة الأمة بالشكل القسري الاستبدادي متجاوزة المفاهيم الجديدة لنشوء الدول وتطور الشعوب.

وعن مفهوم الدولة الإسلامية يقول الباحث محمد أبا الحكم أن مفهوم الدولة الاسلامية لدى الاسلامويين (يختلف عن مفهوم الدولة الديمقراطية، فالدولة الإسلامية تعتبر كل قوانينها سماوية التشريع وبالتالي ليس للبشر حق المشاركة في صنع هذه القوانين، لأن ذلك يعد من ضروب الشرك والكفر وإنكار لمشيئة الله.
– فالحركات الإسلاموية.. وبحكم طبيعتها لا تقبل التعايش مع نقائضها حتى وإن حاولت (شكلياً) قبول ذلك، لأنها :
1- ترفض العلمانية.
2- ترفض القومية العربية.
3- تعمل بالتصور الشمولي للإسلام.
4- ترفض مبدأ الانفتاح.
5- إن هاجس الأمن يسيطر على قاعدة الحركة.
فهي بذلك تطرح نفسها كبديل عن نظام الحكم القائم، الأمر الذي يدخل الحركة في مواجهة مفتوحة مع السلطة.)

* المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى