أقلام وأراء

بكر أبو بكر: يا أمة القدس: لا للرايات في الأقصى

بكر أبو بكر ٢٠-٤-٢٠٢٣: يا أمة القدس: لا للرايات في الأقصى

اتصل بي الأخ السفير نظمي الحزوري معلنًا رفضه لما يحصل في مدينة القدس وفي المسجد الأقصى من صراع الرايات المرفوعة بعيدا عن علم فلسطين الموحد. وكأن القدس أو باحات المسجد الأقصى المبارك قد تحولت لمكاتب حزبية لتنظيمات سياسية!؟ ما هو خارج عن الوعي الوطني والمسلك النضالي كليًا، وما هكذا تعلمنا لا في الثورة الفلسطينية ولا في حركة فتح.

وقد اتفقت مع الأخ السفير فيما قاله لا سيما وأن المسجد الأقصى المبارك (ومساحته 144 ألف متر مربع شاملًا المباني المسقوفة والساحات والسور ذاته) هو وقف إسلامي خالص لا يخص الفلسطينيين وحدهم بل هو ملك لجميع المسلمين في العالم، وواجب عليهم حمايته وتحريره، وإن كان له من وصاية هاشمية عزيزة، ونضالية فلسطينية صلبة.

تظهر البشارة سنويًا في المسجد الأقصى في رمضان حيث مئات الآلاف يصطفون بخشوع للصلوات، ومنها صلاة التراويح وقيام الليل -رغم كل انتهاكات الاحتلال واعتداءاتهم على المصلين- حتى تكاد تفاريح النصر تبدو جليّة من شعاع وجوههم التقية بتحرير المسرى.

وفي ذات التوقيت ومع رمضان الكريم جاء هذا العام عيد القيامة للمسيحيين فينا ليعلن بشارة السيد المسيح عليه السلام أيضًا في نسيج متكامل من المحبة والرباط المتين للمؤمنين في مدينة القدس.

إن قصة الرايات المرفوعة في مدينة القدس عامة، أو داخل المسجد الأقصى تمثل عقلية فئوية حزبية مقيتة، لا تتفق مع البُعد الديني للمسجد، ولا لكنيسة القيامة، ولا للقدس عامة التي شرفها الله أن تكون عاصمة الدنيا الإسلامية بعد مكة المكرمة، وعاصمة الدنيا المسيحية الأولى، وأن تقع في قلب فلسطين فتكون لها عاصمتها المحررة بإذن الله.
وأنا اكتب ما يتوافق مع الرأي النضالي المتحرر من رايات الأحزاب أوحرتقات المتحزبين الفئويين وأصحاب الفتنة بمنصاتهم المختلفة، تذكرت كتاب الأخ القائد الوطني وعضو قيادة الحركة وأحد مؤسسيها ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني الشهيد سليم الزعنون (أبوالأديب) في ديوانه الشعري الجميل المعنون يا أمة القدس فاستعرت منه هذه الأبيات ذات الدلالة حيث قال:

غدا سنبني بأرض الله دولتَنا*           عزيزةَ الشأن في سهلٍ وفي عَلَمِ
فيا فلسطينُ إن الصبحً موعدنا*  في القدس في المهد في الأقصى وفي الحرم

إن رفع راية حركة “فتح” في القدس والأقصى أو راية “حماس” أو راية “الشعبية” هو خطأ كبير، يجب الابتعاد عن ممارسته لأنه يتيح المجال للتفتّت من حول قضية جامعة للعالمين العربي والإسلامي، فما كان الأقصى مكتبًا لفصيل كما قال السفير حزوري وما كان ولن يكون منصة للاستغلال السياسي المحدود من هنا او هناك.

إن المسجد الأقصى المبارك هو رمز فلسطين الجامعة، كما هو رمز اجتماع الأمة الإسلامية من الشرق والغرب رغم التقصير العربي والإسلامي بحقه.

أو كما يقول الراحل أبوالأديب في شعره المؤثر:

يا أمة القدس قد أصبحت في الأمم*أعزُ أشهرُ من نار على علم
أينَ العروبةُ والإسلامُ ويحكمُ* فليس تُغني قرارات من القممِ
وليس تغني وعودٌ بات يتقنها* فوارسٌ بدلّوا الأسيافَ بالكلمِ

في حركة فتح كما تعلمنا أن راية الفتح هي علم فلسطين. لذلك يحف علما فلسطين خريطة فلسطين داخل شعار العاصفة، فلا يكاد يعرف إلا بهما.

ومن هنا فإن علم فلسطين علم دولة فلسطين القائمة بالحق الطبيعي والتاريخي والقانوني (ولكنها الآن تحت الاحتلال ونناضل لاستقلالها) سيظل هو فقط بصفته السياسية، والوطنية، والنضالية العالمية ممثلًا لفلسطين من جهة. ولكل المناضلين ضد الاحتلال والظلم في العالم كما هو الحال مع الحطة (الكوفية) الفلسطينية التي جعلها ياسر عرفات رمزًا لفلسطين ورمزًا للنضال عامة.

في فوضى الرايات رُفعت راية صفراء على المسجد الأقصى المبارك، وتم إنزالها بشكل تداخلت فيه فوضى الرايات مع فوضى الشتائم والتقبيح التي خرجت عن آداب الاختلاف، فطالت ما هو أبعد من الراية ذاتها، فإن كنّا لا نقبل شتيمة أي فصيل فلسطيني بالقدس أو في كل فلسطين فنحن لا نقبل شتيمة أي بلد عربي لا في القدس ولا في فلسطين.

كما لا نقبل التعريض بأي ديانة أو شريعة أو مذهب، وإن كان من إشارات معيبة وغير مقبولة للأخوة الشيعة الكرام، ارتباطًا بالراية الصفراء فإن من فَعل ذلك إما جاهل لا يعلم آداب الاختلاف والنضال، أو متسرع أرعن، وإما دخيل علينا لا يعي قيم النضال والثورة والمقاومة، ولا يفرق بين الخلاف السياسي الجائز التعبير عنه في مواضعه، وبين ذات الديانة أو المذهب.

أشار الأخ نظمي في مكالمته لما كان يقوله الإمام موسى الصدر ويعبر عنه في علاقته بفلسطين فهو القائل: “سأحمي المقاومة الفلسطينية بجبتي وعمامتي“.

ولنا في العلامة هاني فحص -وكثير مثله-خير القدوة في تمسكه بفلسطين حتى آخر رمق في حياته. وهو القائل إنه عندما انضم للثورة الفلسطينية وحركة فتح لم يسأله أحد عن نسبه العلوي الشريف أو عن جبته وعمامته بل اعتبروه واحدًا منهم، ومناضل طبيعي في صفوفهم رحمه الله.

لا يجوز البتة خلط المواقف السياسية المتغيرة (ذات المصالح) والتي قد تصل بأصحابها الى حد الاقتتال أحيانًا بالسياق المذهبي.

فلسطين لم تكن يومًا إلا بلدٌ ضد المذهبية العنصرية، وضد الإساءة لكافة الأديان.

إن قضيتنا الأساسية وتناقضنا الأساسي فقط مع المحتل لأرضنا لا غير، وما دونه مهما علا صوته أحيانًا، وكثر الصخب من حوله في حالات يظل قضية ثانوية.

وسأختم أيضًا بأبيات من ديوان يا أمة القدس لأخينا الكبير أبوالأديب رحمه الله، حيث يقول:

ماذا أقول.. أنا أخاطب أمةً* صمّت وأعجبها عمى الألوان

هُبلٌ..مسيلمةٌ..يزيدُ…وظالمٌ* والعلقميُ سرى بكل مكان

وهو القائل في بيت آخر:

يا أهلنا اتحدوا في موقف أزمٍ* جاروا على القدس إن القدس تدعونا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى