أقلام وأراء

بكر أبو بكر: حسن المطري ونور العقل

بكر أبو بكر 18-5-2023: حسن المطري ونور العقل

القيادة الاستبدادية تستمر بإشاعة الخوف أوبالأوامر حيث قطع الرقاب، أو حيث التهديد بالرزق، ولكن القيادة الانسانية، والقيادة الواثقة بنفسها تأخذ بالاعتباراحتياجات الأشخاص المادية والنفسية كما تأخذ آراءهم وتوجهاتهم ومشاعرهم بالاهتمام. 

في القيادة اللامركزية أو الرحبة وهي التي نراها الأكثر استجلابًا للثقة تحتاج لإعطاء مساحة حرية لمن تكلفه بعمل وفق مبدأ التفويض، الذي لا يعفي القائد من المسؤولية.

يسمي “مايكل لي ستالارد” مؤلف كتاب:”ثقافة الاتصال، الميزة التنافسية للهوية المشتركة والتعاطف والتفاهم في العمل” هذا الأمر توفير الاستقلالية في التنفيذ. حيث يقول:”راقب التقدم للعناصر تحت قيادتك، وكُن متاحًا لمساعدة مرؤوسيك المباشرين، لكن امتنع عن الإدارة التفصيلية ما لم يطلبوا مساعدة محددة. تفضّل بالإرشادات بدلاً من القواعد والضوابط، ودع الناس يعرفون أنك متاح إذا كانت لديهم أسئلة أو يرغبون لمن يستمع لهم. هذا يلبي حاجة الإنسان إلى الاستقلالية ويسمح للناس بتجربة النمو الشخصي”.

كان مسؤولي التنظيمي الأول حسن المطري رحمه الله في الكويت، (توفي في أمريكا) مدرسة في علم الإدارة والقيادة، قولًا وعملًا. وكان رجلًا مهيبًا وجميل الطلعة كما كان منفتحًا لطيفًا باسمًا حسن الاستماع طاغي الحضور، والى ذلك كان يُعطي من مساحة الحرية لنا نحن الطلبة آنذاك تحت قيادته ما فاجأني!

تفاجأت بقدرة أبوعلي المطري على إعطاء المساحة والحرية ضمن الضوابط، والمتابعة، مقابل من رأيتهم يحاولون حصرك في مساحة تفكيرهم وحدود سجن قراراتهم فقط.

لقد كان قائدًا مهتمًا بالفعل بالأعضاء الذين يقودهم الى الدرجة التي تراهُ يستمع لك رغم فارق السن وكأنك مفكر عظيم، ويناقشك ويقدّرك والى ذلك يفوضك بالعمل أي يعطيك صلاحيات عمل ويدفعك للإنجاز، ولا يتركك وحيدًا بالميدان بل يدعمك من الخلف بقوة.

يقول “مايكل ستالاردين” حول  نقطة الاهتمام التي عرّجنا عليها هنا:” إن الاهتمام هو الأكسجين للعلاقات. فعند لقاء الناس، اعتد أن تكون حاضرًا من خلال منحهم انتباهك الكامل. أظهر أنك منخرط ومهتم من خلال طرح الأسئلة، ثم طرح أسئلة متابعة للتوضيح. استمع بعناية، مع ملاحظة تعابير الوجه وإشارات الجسد. لا تقطع الاتصال عن طريق فحص هاتفك أو النظر في أرجاء الغرفة أو ترك عقلك يشرد.”

كان أبوعلي المطري رحمه الله يضع الأهدافَ ويتفق معك (أو معكم) على الطريق ويترك لك أن تسير بالطريق وتكتشف الأصلح والأنجح. فالنور لايأتي فقط من المساحة المضاءة وإنما قد يأتيك في ظل إسوداد الطريق وظلمته حتى لو كنت في متاهة.

إن نور عقلك يبرز مع حرية التفكير، وحُسن الدفع باتجاه ذلك، ويضيق كلما كانت السيطرة والأثرة والتضييق سِمة القائد.

إن إعطاء المساحة ترتبط بالمرونة التي يحتاجها القائد بالتعامل مع ذاته شخصيًا، ليجد مساحته الخاصة وعبر التفويض للآخرين. وعبر الإتاحة لهم للتفكير والعمل بحرية ضمن مسؤوليته ومتابعته.

وفي ذلك يقول الكاتب بالإدارة والابتكار “آبي ترنر”: “عندما يشعر القادة بالإرهاق أو التعب أوالإنهاك العاطفي، يكونون عُرضة لما هو أكثر من المخاطر الصحية المرتبطة بالتوتر. يمكن للقائد الذي يعاني من الإجهاد المزمن أن يؤدي عن غير قصد إلى انتشار ديناميكيات مكان العمل المختلة عبر المؤسسة بأكملها والتي يمكن أن تحدّ من قدرة العاملين على التفكير الإبداعي وتطوير الحلول المبتكرة.” لذلك فهو ينصح القائد الاهتمام بصحته الجسدية والنفسية والعقلية ما يؤدي الى ” تقليل التوتر وتجديد الطاقة اللازمة لتحقيق ذروة الأداء”.

إن الاهتمام بالتربية الجسدية والعقلية والنفسية والقيمية الاخلاقية هي من أساسيات الحركة الثورية والتي تجدها في كل الأدبيات في فتح وغيرها، ورغم ذلك كنت تجد في بدايات العمل الثوري من يقصّر بحق نفسه في المجالات الاربعة نتيجة انخراطه المكثف بالعمل ما ينعكس فعلًا على الأداء فيسوء. إن الاهتمام بالصحة وبناء الذات للعضو والكادر، والقائد يفترض الاهتمام بالمجالات كلها وتخفيف الأعباء الإدارية-القيادية عبر التفويض للآخرين وبالمتابعة وبإعطاء المساحات، والا سيكون الانهيار مصير المُجهدين وبالتالي اتخاذ القرارات السيئة.

إن ضيق مساحة الحركة أو القول في الإطار التنظيمي (خاصة عبر الاجتماعات الدورية ومن خلال الندوات،…)هي الأساس لانتشار الشائعات وبث روح اليأس والإخفاق، والمحادثات السرية بين الأعضاء تلك التي تتجاوز الأطر الرسمية للحركة أو المؤسسة، وتسهم في تفتيت البناء إذا لم يتمكن القائد من استيعابها وإعادة استثمارها في المساحة الرحبة حيث الاهتمام والرعاية والتفويض حيث وجب والمتابعة الفاحصة والقرار.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى