منوعات

بكر أبو بكر: المرأة والقيادة في حضارتنا المتميزة

بكر أبو بكر 16-10-2025: المرأة والقيادة في حضارتنا المتميزة

لم تكن الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش أو بي نظير بوتو رئيسة وزراء باكستان أول من حكمن من النساء (بالسياسة) في التاريخ الاسلامي، وعليه لربما يتساءل سائل إذن أين دور المرأة في القيادة وخاصة السياسية في مسار التاريخ العربي الإسلامي؟! قبل هذا الامر؟ وربما في نفس الوقت يستهين بحضارتنا المتميزة وتاريخنا مدعيا أنه عزل المرأة عن المناصب الأولى بحكم الدين أو بحكم السلطان الذكوري المهيمن، وربما يتسم الكلام بالصواب للوهلة الأولى حيث أن المرأة في العصور المختلفة قد يظن البعض أنها لم تتسلم موقعا قياديا رسميا في الدولة ضمن دور الولاية الأولى أو الإمامة أو الخلافة أو السلطنة باستثناء ما يعلق بالذهن عن الأيام الثمانين التي حكمت فيها شجرة الدر دون موافقة الخليفة العباسي إلى أن تزوجت عزالدين أيبك.

أو قد يقع تحت غبار طعونات المستشرقين أمثال برنارد لويس الذي قال بثقة عجيبة لا قيمة لها تاريخيًا أنه “لم يكن هناك ملكات بالتاريخ الاسلام ( )…وإن حدث لفترات قصيرة فلقد نظر اليه أنه ضلال وفضيحة”، ولكنه في حقيقة الأمر يعد هذا الكلام تجنيا على تاريخ المرأة في الإسلام أوضمن الحضارة العربية الإسلامية حيث أنها تسلمت السلطة أو الحكم في فترات متفاوتة لم يكن أولها قيادة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها للجيوش مطالبة بدم عثمان، ولم تقف عند الثائرة غزالة الحرورية التي قادت مع زوجها جيوش الخوارج وكادت تفتك بالحجاج، بل لقد بلغ الأمر بالمرأة المسلمة أن تسلمت الحكم وسكت العملة باسمها وتمت الدعوة لها على المنابر، ولا يعجب أحد من ذلك فلقد تسلمت النساء المسلمات التركيات قيادة دول مختلفة في أرض فارس حيث حكمت (ختلع تركان) ثم ابنتها (باد شاه) بموافقة من المغول الالخانيين ثم حكمت (أبش خاتون) التركمانية فارس، ودولت خاتون مملكة بني خورشيد ثم السلطانة ساتي. ثم السلطانة فاطمة في آسيا الوسطى في القرن ال17، وقبلهم حكمت السلطانة المملوكية راضية حكمت دلهي معاصرة تقريبا حكم التركية شجرة الدر في مصر.

بل ونزيد على ذلك أن ممالك الجزر الإسلامية في سومطرة الاندونيسية وفي المالديف تعاقبت على حكمها نساء، حيث 4 ملكات حكمن في سومطرة هن تاج العلم ونور العلم وعنايات الدين وكمالات شاه ، وفي المالديف أثناء جولة ابن بطوطة أورد حكم النساء لمالديف حيث توالت السلطانات خديجة ثم مريم ثم فاطمة على حكم المالديف.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل حكمت سلطانات عربيات أيضا وفي اليمن بالتحديد حيث حكمت السلطانة أسماء بنت شهاب الصليحية ثم السلطانة أروى بدعم من العبيديين أوالفاطميين في مصر، ما يلغي الشائعات التي تبدد دور المرأة في القيادة الأولى في العصور الإسلامية. (ولمزيد من الاطلاع اللرجوع لكتاب فاطمة المرنيسي، سلطانات منسيات،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء، ط1، عام 2000.)

ومن نساء المغرب اللواتي تميزن بالريادة ووضعن بصماتهن في التاريخ، تقول مريم التايدي أن ” السيدة الحرة حاكمة تطوان تفردت بلقب أميرة الجهاد البحري، وتميزت بريادتها في هذا النوع من المقاومة، وعرفت بذكائها وقوة شخصيتها وأظهرت مهارة كبيرة في الحكم والتدبير الاقتصادي.وإلى جانب اهتمامها بالسياسة كانت تملك وتدير أسطولا بحريا، واقتسمت سيادة البحر الأبيض المتوسط بداية القرن 16 مع القبطان العثماني خير الدين بارباروس، الملقب بملك البحار.”

وهذا ما كان من أمر الرياسة والسلطة والقيادة الأولى بالتاريخ والحضارة العربية الاسلامية بالاسهامات المسيحية المشرقية في منطقتنا. أما في العصر الحديث، وفي سياق نضال وقيادة المرأة الفلسطينية يمكننا ذكر العديد من القائدات الفلسطينيات في مجالات عدة اجتماعية وفكرية وسياسية منذ ما قبل النكبة عام 1948 وحتى يومنا هذا (2025م)، فعلى سبيل المثال في عام 1921، تأسّس أوّل اتّحاد نسائيّ عربي فلسطينيّ وكان من رائدات وقائدات هذا الاتّحاد زليخة الشهابي وميليا السكاكيني. والى ذلك نزلت المرأة العربية الفلسطينية إلى ميدان المعركة ضاربة أروع الأمثلة في الإقدام والتضحية ومن أمثلة البطولة الريادية نذكر الشهيدة فاطمة غزال عام 1936م. وظهرت السيّدة ساذج نصّار في حقل الاعلام وهي ذات الجهد الواضح في جريدة الكرمل….الخ، ولاحقًا العديد من النساء المشاركات في مسارات الثورة المتعددة وكقائدات في المؤسسات بإطار الثورة الفلسطينية التي انطلقت عام 1965م، ثم في إطار السلطة الوطنية الفلسطينية كنائبات ووزيرات ومرشحات لرئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية كما فعلا المناضلة سميحة خليل.

يجب ألا يغيب عن الذهن هنا أن الفكر الظلامي الماضوي (القديم والحديث)، مع إدخالات المستشرقين الهادفة لإهانة تاريخ وحضارة الامة، هو الذي رسّخ فكرة حصر المرأة بنطاق محدد وقيّد التعامل معها، وكأنه ممنوع عليها المساهمة بالمجتمع والعمل العام أوممنوع عليها أن تتبوأ المراكز المختلفة، ومنها بالقيادة السياسية.

تقول د.آلاء مليطات في بحثها المعنون وصول المرأة الفلسطينية لمراكز صنع القرار بين القانون والثقافة المجتمعية: “يجب العمل بشكل مكثف على تغيير صيغة الخطاب الديني بالفهم الماضوي المهمين ليصبح خطابًا يستند إلى تجديد فهمنا للنصوص الدينية الإسلامية وصولا للافهام السمحة والمستنيرة وهي كثيرة، بما يتواءم مع تطور الحياة دون المساس بالعقائد والقيم بالطبع، لما له من دور كبير على التغيير الاجتماعي، وهذا ينطبق على الخطاب الإعلامي أيضا. ولا بد من استهداف الشريحة الأهم أي بُناة المستقبل وهم الأطفال لتعزيز ثقافة تمكين المرأة ووصولها لمراكز صنع القرار.”

إن عمل المرأة الأم مما يذكر بالسياق هو عمل عظيم لا شك به وهو عمل لا يرقى لمثله الا عمل المدرسة والجامعة والثقافة نعم صحيح وهو ما يجب التكرس له وإعطائه القيمة العظمى بلا شك، وبما يختلف قطعًا مع قيم الغرب الرأسمالي الاستهلاكي الاستغلالي الذي يدفع بالاطفال بعيدًا عن “جامعة الأم”، ولكن بما لا يمنع أن يكون للمرأة المتعلمة والواعية دورها الممتاز في كل المجالات.

إن حقيقة المرأة بحضارتنا أنها شريكة ومجاورة ومساهمة وذلك في نطاق التحصن بالمباديء والوعي والاخلاق، ما يشكل لحضارتنا المتميزة عن الغربية أو الأوربية أنها الضامن، فكانت النساء الشاعرات والاديبات والمقاتلات وصاحبات الرأي والقائدات بأشكال مختلفة بالامس واليوم.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى