أقلام وأراء

بكر أبو بكر: ابن عاشور وجعيّط، والثقافة بالمُعاش

بكر أبو بكر 25-9-2022l

في الإطلالة العميقة على ثقافة تونس نفهم الثقافة بوضوح كما نفهم المنهجية، فإن افترضنا أن الثقافة تمثل الجانب الروحي للحضارة، والعمران جانبها المادي لم نخرج كثيرًا عن الفهم. وإن فمهناها كل المناشط الإنسانية من فكر وأدب وفن وتعبيرات حياة من فلكلور وتراث وقيم ومناشط حياتية أخرى تظهر بالكلام والأكل والشرب واللباس واللوحات الفنية وغيرها فنحن لم نخرج عن الحقيقة.

وإلا فلنا في التعريفات الكثيرة للثقافة مرجعًا، يحيلنا للمنهجية من حيث هي منظومة مباديء أوسياسة في التعامل التحليلي مع مشكلة مشتملة على الأطوار والمهام والطرق والأساليب والادوات.

يقول الدكتور عبدالكريم عثمان: (الثقافة في اللغة العربية تعني الحذق والفهم، والتثقيف بمعنى التشذيب والتهذيب والتقويم والحذق والفطانة، وقد عرفت المعاجم الحديثة للغة العربية هذه الكلمة بأنها العلوم والمعارف والفنون التي يطلب فيها الحذق وسواء كانت الثقافة هي العلوم والمعارف والفنون التي يطلب فيها الحذق أو هي الحذق وفهم العلوم والمعارف والفنون .. الخ).

أما المفكر العربي الجزائري العظيم مالك بن نبي فإنه: يعرّف الثقافة في كتابه (مشكلة الثقافة) فيقول إنها (مجموعة الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته، وتصبح لا شعورياً العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه). ولك أن تجد عشرات التعريفات المهم أننا في الإطلالة العميقة على ثقافة تونس وبهائها ومحبة شعبها كنا ننظر ونتأمل ونخزّن ونتفاعل ذهنيًا واتصاليًا ونقرأ كثيرًا وإلا فلا.

لك أن تطلّ على البلد من حيث كافة مناشط الحياة فتجد حقيقة الثقافة بالمُعاش، وليس في شخوص احتكارية (للثقافة) بحد ذاتها، وأن كان بالطبع منهم من يستطيع بقلمه أو ريشته أو إزميله أو بالصورة والحكاية وغيرذلك من أدوات أن ينشط أكثر من غيره ليعبّرعن هذه المناشط الحياتية، وبالتالي عن روح وثقافة الشعب العامة وثقافاته الجزئية الفرعية التي تميّزه، فيكون المثقف بأدواته صوت الشعب وليس ذاك الشخص المنفصل أو المتعالي عليه، ليدخل نفسه في تصنيف الطبقة المتعالية أو الصفوة.

كان لنا من الإطلالة العميقة على الشعر والأدب والفن والقصة والمسرح والفقه واللغة والانسانيات التي منها علم الاجتماع في تونس الكثير.

فلم يكن أَبُو زَيْدٍ وَلِيُّ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَٰنِ بن مُحَمَّد الإشبيلي (ابن خلدون) الذي ينتصب تمثاله شامخًا في شارع بورقيبة الرئيسي في قلب تونس العاصمة إلا إشارة لا تخطئها العين لمدى الاحترام للعلماء والمفكرين الذين كان ابن خلدون[1] زعيمهم فكان المؤسس الأول لعلم الاجتماع والاجتماع السياسي، ولذلك كانت غيرة بورقيبة منه أو محاولته تحقيق تماهي السياسة والثقافة فنصب تمثاله أي تمثال بورقيبة (قبل موته) بالاتجاه الآخر من الشارع مقابل ابن خلدون.

وجدنا الفقيه العظيم الشيخ العلامة محمد الطاهر بن عاشور ومن لم يرجع لكتابه “التحرير والتنوير” فلن يستطيع أن يستدل على زخم وعمق المعاني القرآنية في تفسيره الرائع للقرآن الكريم، وابنه العلامة محمد الفاضل ابن عاشور، كما وجدنا في العمق الى جانب أبوالقاسم الشابي الذي طبقت شهرته الآفاق وبيرم التونسي كل من  الأديب الكبير المنصف المزغني مدير بيت الشعر، وآدم فتحي وليست ببعيدة عنهم الشاعرة كوثر الزين، والكثير الكثير من أساطين الأدب والفن والثقافة.

في القصة انفتحنا كثيرًا على تونس -وحيث طُبع لنا من قبل اتحاد الكتاب هناك واحدة من مجموعاتنا القصصية الأولى- فوجدنا الفكر العميق، ووجدنا القصص والنصوص لحفيظة قارة بيبان في (الطفلة انتحرت) و(رسائل لايحملها البريد)، كما وجدنا أن التربوي والمفكر السياسي الناهض محمود المسعدي الذي شارك بالتفاوض عام 1955 على استقلال تونس يحقق المنعرج الحاسم في البناء التونسي لفكر بورقيبة المدني العلماني، ووجدناه يكتب (حدّث أبوهريرة قال)، ومسرحية السّد مثلًا كما الحال مع الأديب على الدوعاجي و(سهرت منه الليالي) وغيرها، ود.محمود الصالح الجابري[2] في (ليلة السنوات العشر) وهو ذاته صاحب موسوعة علماء العرب في 19 مجلدًا ضخمًا مع ثلة من العلماء. كما نجد في الفكر أيضًا المفكر والمؤرخ هشام جعيط  يجول فيما بين الأصالة والحداثة والنقد للتاريخ الإسلامي ما قد نتفق أو نختلف معه به، ولكنه ممن يُحاورون ويتساءلون ونستطيع مجاراتهم والأخذ والرد في (أزمة الثقافة الاسلامية) و(الفتنة) والشخصية العربية الاسلامية والمصير العربي..الخ.

#بكر_أبوبكر

الحواشي:

[1]  وُلد ابن خلدون في تونس زمن الدوّلة الحفصية، وقضى بها طفولته قبل أن يبدأ تنقله بين المُدن في المغرب العربي وبلاد الأندلس واعتكف وهو بالمغرب للدراسة، وأنهى مقدمته الشهيرة قبل هجرته إلى مصر ومنها توجّهَ لأداء فريضة الحج. دخل وسيطاً لحقن الدماء بين أهالي دمشق وجيوش تيمورلنك فكان ضمن القضاة المُرافقين للسطان المملوكي الناصر زين الدين فرج. في دمشق نزل بالمدرسة العادلية وأقام بها حتّى أتمّ مهمته. فيما عدا هاتين الرحلتين لم ينقطع عن مصر وكان مُعلماً في إحدى مدارس المالكية بالقاهرة وهي المدرسة القمحية، وكذلك في المدرسة الظاهرية البرقوقية عقب تأسيسها. خلال دراسته لأحوال الشعوب والمجتمعات اكتشف ابن خلدون علم العمران البشري وهو مُلخص حياة الدوّل وما تصل إليه من ازدهارٍ ثم اضمحلالٍ، ويهدف هذا العلم لدراسة أحوال الناس في أوضاعهم المعيشية والسياسية والدينية والاجتماعية وفق رؤيةٍ علميةٍ وتأريخ صحيح للمجتمعات من خلال إبعاد التأثيرات الخارجية لآراء المؤرخين الشخصية.(عن الموسوعة الحرة في الشابكة)

2  المفكر د.محمد الصالح الجابري التونسي يقابله في تشابه جرس الأسم المفكر محمد عابد الجابري في الجزائر، ومحمد جابر الأنصاري في البحرين.



[1]  وُلد ابن خلدون في تونس زمن الدوّلة الحفصية، وقضى بها طفولته قبل أن يبدأ تنقله بين المُدن في المغرب العربي وبلاد الأندلس واعتكف وهو بالمغرب للدراسة، وأنهى مقدمته الشهيرة قبل هجرته إلى مصر ومنها توجّهَ لأداء فريضة الحج. دخل وسيطاً لحقن الدماء بين أهالي دمشق وجيوش تيمورلنك فكان ضمن القضاة المُرافقين للسطان المملوكي الناصر زين الدين فرج. في دمشق نزل بالمدرسة العادلية وأقام بها حتّى أتمّ مهمته. فيما عدا هاتين الرحلتين لم ينقطع عن مصر وكان مُعلماً في إحدى مدارس المالكية بالقاهرة وهي المدرسة القمحية، وكذلك في المدرسة الظاهرية البرقوقية عقب تأسيسها. خلال دراسته لأحوال الشعوب والمجتمعات اكتشف ابن خلدون علم العمران البشري وهو مُلخص حياة الدوّل وما تصل إليه من ازدهارٍ ثم اضمحلالٍ، ويهدف هذا العلم لدراسة أحوال الناس في أوضاعهم المعيشية والسياسية والدينية والاجتماعية وفق رؤيةٍ علميةٍ وتأريخ صحيح للمجتمعات من خلال إبعاد التأثيرات الخارجية لآراء المؤرخين الشخصية.(عن الموسوعة الحرة في الشابكة)

[2]  المفكر د.محمد الصالح الجابري التونسي يقابله في تشابه جرس الأسم المفكر محمد عابد الجابري في الجزائر، ومحمد جابر الأنصاري في البحرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى