أقلام وأراء

بكر أبو بكر: إبن رشد وحافلة الثقافات في التنظيم

بكر أبو بكر 4-1-2023: إبن رشد وحافلة الثقافات في التنظيم

ما بين الثقافة عامة والثقافات الفرعية، وما بين الثقافة التنظيمية فرق يتعلق بمدى التأثير والتركيز والتحكم بالجماعة، فمتى ما كانت بعض القيم أو المعتقدات أو الأعراف ذات تحكم واضح ومؤثر في أفراد أي مؤسسة ما يملي عليهم سلوكهم حتى في لغتهم ولباسهم…الخ، فهذه تكون ثقافة المنظمة او الجماعة. لذا يمكن القول أيضًا أن الثقافة المؤسسية/ التنظيمية هي ثقافة داخلية وحيث يشيع المناخ عبر السلوك المتكرر للأفراد.

تعريف1:((الثقافة التنظيمية هي نظام من الافتراضات والقيم والمعتقدات المشتركة، والتي تحكم كيفية تصرف الأشخاص داخل المنظمات. هذه القيم المشتركة لها تأثير قوي على الأشخاص في المنظمة وتملي عليهم طريقة لباسهم وتصرفاتهم وأداء أعمالهم ومهماتهم)).

تعريف2: تشير الثقافة التنظيمية إلى القيم والمواقف والممارسات المشتركة التي تميز المنظمة. إنها شخصية منظمتك وتلعب دورًا كبيرًا في الرضا العام للعاملين معك. (كيت هاينز)

في حركة التحرير الوطني الفلسطيني-“فتح” عاصر الكثيرون نماذج قيادة مختلفة (قد تجد شبيهها في فصائل أخرى قطعًا)، أشاعت جوًا ومناخًا ذو سطوة أو تأثير داخل الجماعة المعنية بمعنى أنك كنت تجد ثقافة متميزة داخل الأمن الموحد بزعامة صلاح خلف أبوإياد، وتجد شكل آخر من المناخ الداخلي في دوائر التعبئة والتنظيم حيث يقود التنظيم بالعالم أبوماهر غنيم، ووجدنا ثقافة المعتقل الصارمة وذات التثقيف المتواصل في أدبيات السجون.

مثّل اختلاف هذه المناخات التنظيمية التي عكست ثقافات محددة حالة وئام وتعايش ضمن فتح وتقاطعت وتمايزت فالهدف واسلوب الوصول واحد.

فكانت الكثير من التجارب والتيارات أو النماذج والحالات داخل فتح ذات الأثر في محيط المنخرطين بالحالة ضمن التنظيم العام. أما أن نجد افتراق حِدي افتراقي بين العقلية أو الثقافة الوظيفية السلطوية او عقلية الحافلة (تحضر الناس بالحافلات مع شطيرة وبطاقة جوال وتصفيق في مهرجان ثم العودة لبيوتهم من النزهة التظاهرية) وبين عقلية ابن رشد الممثلة بالتفكير والتربية وبناء الذات والنقاش والالتزام عن قناعة والاعتراض والنظام ما يتوافق في التقابل غير المحلول بين عقلية السلطوية الوظيفية ضد عقلية النضالية، حيث تتواجه العقليتان والثقافتان بحدة ويصعب تعايشهما.

وإذا أردنا النظر للثقافات بالحركة بالمعنى المقصود قد نجد التالي كنماذج المناخ والثقافة التنظيمية في فتح

1- ياسر عرفات /”ثقافة التنظيم القوي” قوي بالنظام والاستقطاب ورفد الثورة بشريا وماليا.

2-ابوماهر غنيم/ ثقافة “أرسل حكيما ولاتوصه”، وهي ثقافة التنظيم الواعي، وثقافة العلم مقابل الجهالة، ما يحتاج بناء ذاتي متصل.

3-خالد الحسن/ثقافة العقل التخطيطي لا الفوضوي، أو النضالي لا الوظيفي المحدود.

4-هاني الحسن/ثقافة المبادرة والالتزام ورعاية ومتابعة العمل ضد العقل السلبي والمسلك السلبي (ضد عقلية النعي)

5-ثقافة المعتقل/ حيث النضالية و الصرامة والشدة والالتزام والتثقيف الذاتي والبناء الجماعي.

وقد نجد الى جانب هذه الثقافات ما حصل في دائرة نفوذ صلاح خلف أو بوالهول أو أبومازن أوأبوجهاد أوغيرهم. لكنها تقاطعت وتجاورت وتعايشت. ولاحقًا وجدنا مثل ذلك فيما أسبغه د.صائب عريقات أو فيصل الحسيني. أو محمود الناطور (قوات ال17)، أو أبوعلي شاهين (المعتقلات) أو”حالات-نماذج” تجارب الكتيبة الطلابية، والشبيبة الفتحوية، والمراة للعمل الاجتماعي وغيرهم من اجواء (ثقافات) ذات تأثير في محيطها.

الثقافة التنظيمية في أي مؤسسة تحتاج لشروط ولدينا نموذج/نماذج “فتح” أعلاه ونموذج أو مخطط العالِمين (كوين وكاميرون)

النوع 1: ثقافة الجماعة/الفريق (العشيرة) – تعاونية وتوجد في هيكل افقي، كسر حواجز، والاولوية هنا ليست لذات الفرد وإنما للجماعو/ للفريق

النوع 2: الثقافة الإبداعية/ حيث الابتكار والتكيف والتطوير والتشجيع على التفكير والابداع للأفراد

النوع 3: ثقافة المنافسة (السوق)- تركز على النجاح الخارجي بدلاً من الرضا الداخلي للأعضاء

النوع 4: الثقافة الهرمية-التركيز الأساسي: الهيكل والاستقرار. على التنظيم الداخلي (الهيكلية) عن طريق سلسلة قيادة واضحة ومستويات إدارية متعددة تفصل بين العاملين/الأعضاء والقيادة.

*الثقافة ومقدار التأثير:  السلوك أكبر وقعا من ذات/مضمون الكلمات، واليكم التالي:

*الحديث واللقاء والمحاضرة فيها نسب التأثير كالتالي على المتلقين: 7% لمضمون الكلام و38% لطريقة قوله أي الصوت، بينما 55% للغة الجسد هذا بالنسبة للمتحدث او الخطيب أوالمحاضر. (أنت تؤثر بالناس بالسلوك بما مجموعة الصوت والجسد أي93%)

* التأثر والتأثير الأكبر بالنموذج الانساني والقدوة والعمل. يتأثر الانسان بالتجربة: 50% مما يراه ويسمعه (المحاضر الجذاب، القدوة-التكرار) الانسان يستوعب 70% مما يناقشه مع الآخرين (أنظر أهمية الاجتماع الدوري هنا) 80% مما يجربه، 95% مما يعلمه لشخص (أنظر أهمية التكليف/تنفيذ المهمات هنا).

* الناس يتذكرون أكثر ما يقومون به مما يسمعونه او يقولوه لذا كلفهم بالعمل (السلوك)

*كلما تكرر الفعل كلما غرس بالنفس. لذلك فالتكرار (المثابرة الذاتية والمتابعة الجماعية عبر السلسلة الادارية والديمومة في صلب الثقافة ) هو المعلم الاول الذي يؤثر ويغرس.

*علينا أن نؤمن بفكرة تلازم العقل والفعل وتلازم الفكرة والسلوك وتلازم النقد مع الابداع وتلازم التنظير بالقدوة.

الانجراف مقابل الوعي

في مقومات تحقيق التأثير كتبنا عنها الكثير وعن آلياتها التي في حدها الأدنى النظر في منهج الإدارة/القيادة وطبيعة المناخ التنظيمي الداخلي، وإسباغ أو اختيار الثقافة المناسبة عن وعي. وليس عن انجراف

*مثال لو عندنا بالتنظيم ٧أعضاء وأعطيناهم ٣ دورات بالعام ما مقدار التأثير لو لم يتم ربطهم بتكليفات محددة؟ انه منحصر بقدرة المدرب على التأثير وتحويل الفكرة بالمتلقي لمسلك. بمعنى قد يستجيب ١او ٢او ٥الخ غير محدد لأنه لامقياس.

**مثال: المجموعة من ٧أعضاء تجتمع أسبوعيا وتمارس الاجتماع باصوله وتربط النقد بالعمل والكلام بالتكليف (ماهو ثقافة وتربية تنظيمية عملية دورية) بالقطع سيكون التأثير مضاعفًا على ذات الأعضاء وربما يؤثر على ٥-٦من ٧ الى اكثر.

فكرة التربية أو التثقيف أو التعبئة داخل مؤسسة التنظيم متلازمة مع التثقيف الذاتي قراءة وتجربة، وداخل المؤسسة/ جسد التنظيم لايمكن ان تتجاوز خطورة الاجتماع الدوري والتقرير والتكليف والنقد والاشتراك المالي.

فكرة صخر حبش: إيجابية وتفاؤل ومثابرة ضمن شعاره وشِعره الشهير ” لازم تزبط”.

وفكرة عثمان أبوغربية: أن البناء الذاتي اصيل وهو رباعي متكامل ١-عقلي ٢-نفسي ٣-جسدي ٤-روحي قيمي ضميري ضرورة دورات الكوادر في التنظيم السياسي

تتميز دورات الكوادر عادة بالأهمية الكبيرة لدي أي تنظيم سياسي ، وهي تتمتع بالأهمية الخاصة في حركتنا حركة فتح (مع العلم أن الأصل هو بالتربية الذاتية، و عبر البند التثقيفي في الاجتماع الدوري) ، لأنها من أهم وسائل إعداد وبناء وتربية وتثقيف الكادر في بناء شمولي، وذلك من منطلق إن بناء الكادر في حركتنا لا يقتصر على البناء النظري أو التثقيفي أو الفكري الهام والضروري قطعا ، وإنما يجب أن يشتمل أيضا على رفع مستوى السلوك والعمل والعطاء العام لديه، بما يعزز أركان البناء في شخصيته والتي منها:

1-الإدراك للفكرة والوعي والمعرفة ببناء العقل

2- الشجاعة وقوة الإرادة

3-الحرية والتفكير المبدع

4-تقبل النقد واحتضان الآخر

5-الانتماء والالتزام والشعور بالاعتزاز

6-الخلق القويم والضمير الحي

7-قيم الجماعة والعمل المشترك .

الحافلة مقابل عقل ابن رشد

من الذي يجلس بالحافلة؟ يجلس الأستاذ البرفسور مع أكثر الناس جهالة ، كما يجلس العالم والكذاب، ومرتكب الرذائل، مع شريف الأمة، ويجلس المنتمي وغير المنتمي والملتزم وغير الملتزم متقابلين على ذات المقاعد، والمتخبط بهويته والعارف بذاته…الخ. المهم أنه يركب ليصل الى الوجهة التي يريدها أو يعِده بها صاحب الحافلة. لقد أدمن رجال الدين في العصور الوسطى في أوربا التعامل مع الناس كركاب حافلة هم يقودونها، وهو ما كان من أصحاب الأفكار المتطرفة من جهة، ومن النظم الاستبدادية والبيروقراطية لاحقًا.

الحافلة تضم كمٌّ من الناس بلا أي هدف حقيقي جامع، وبلا أي تواصل أو علاقات أو قوانين الا بما قد يهيئه لهم سائق الحافلة. أو أن لكل وجهته الخاصة المتناقضة. وما كان التنظيم السياسي الفعال حافلة أبدًا. بينما تنظيم الفهم والعقل والوعي هو تنظيم المفكر والفيلسوف الاندلسي ابن رشد الذي نراه يقبل الرأي والرأي الآخر ويمارس الديمقراطية من حيث هي حوار والتزام.

دعنا نقول حول بناء العقل بالدورات أو التثقيف الذاتي أن لنا في عقلية وثقافة إبن رشد نموذجا والذي فيه قال د.عمار علي حسن أنه “قصر الخلود على العقل الجمعي للبشرية، الذي يتطور من جيل إلى آخر، أما عقل كل فرد على حدة فمآله الزوال، من وجهة نظره، وهي الفكرة التي ساهمت في دفع الفكر الأوروبي إلى التحرر خلال القرون الوسطى، خاصة أن ابن رشد شدد على الالتفات إلى التربية الأخلاقية في وجه التدين الشكلي.” مضيفًا: “وكان ابن رشد سابقا لعصره في إنصاف النساء، وباستمرار عطاء الحضارة الإسلامية وأنوارها. ولم يكن جورج سارتون مبالغا وهو يؤرخ لمسار العلم في تاريخ البشرية حين قال: “ترجع عظمة ابن رشد إلى الضجة الهائلة التي أحدثها في عقول الرجال لعدة قرون”.”

بالختام دعنا نقول ونكرر أننا نجد بين ظهرانينا انتشار ثقافة أو عقلية الحافلة (الباص) مقابل عقلية ابن رشد، والأولى تسعى جاهدة نحو تحشيد الناس فيزيائيًا وجسديًا، مع خواء عقلي وروحي، والثانية أي عقلية او مدرسة ابن رشد تبني الأعضاء بحيث تجعلك تفكر وتقبل وترفض وتناقش فيكون التزامك قناعة وليس جبرًا او خوفًا او وقاية او ممالأة او مجاراة أو لتحقيق مكاسب محدودة.

الحواشي:

1- بكر أبوبكررئيس مجلس إدارة اكاديمية فتح الفكرية، اكاديمية الشهيد عثمان أبوغربية، عضو المجلس الاستشاري، من الورقة التي عرضت في ندوة الاكاديمية والشبيبة والاقليم في نابلس المعنونة: التثقيف والتدريب وإعداد الكادر في حركة فتح في 24/12/2022م.

2 يتفاوت تعلم الإنسان و إدراكه وفقا لحالة تلقي تلك المعارف ، و يشير ويليام جلاسر إلى أن الإنسان يتعلم (بمعنى يستوعب و يدرك) 10% مما يقرأه 20% مما يسمعه 30% مما يراه 50% مما يراه و يسمعه 70% مما يناقشه مع الآخرين 80% مما يجربه 95% مما يعلمه لشخص.
وقد وجه (1970) Philips نظر التربويين إلى نتائج الأبحاث التي توصلت إلى أن الطالب/الشخص يتعلم من: 10% مما يقرأ، 20% مما يسمع، 30 % مما يرى، 50% مما يسمع و يرى، 70% مما يقول، 90% عندما يقوم بالاداء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى