بكر أبو بكر: أمة عظيمة لكن مستكينة؟
بكر أبو بكر 16-11-2025: أمة عظيمة لكن مستكينة؟
في ظل الانهيار القيمي والأخلاقي الهائل الذي نراه بالغرب مما هو واضح بالاتجاهات الثلاثة الاتجاه السياسي، والاتجاه القانوني، والاتجاه الديمقراطي نرى حجم الافتراق الكبير عن مضامين حضارات الشرق عامة، ومنها عن مضامين الحضارة العربية الاسلامية (بالإسهامات المسيحية المشرقية المتميزة) ونرى بعدًا هو لا يدانيه الا بُعد السماء عن الأرض أو أكثر ، فما كان الاسلام ومن عاشره أو تعاشر معه وأقصد بالخصوص مفكري العالم العربي بمسلميهم ومسيحيهم بعربهم وكوردهم وأمازغيهم والاجوار الا أن أصبح متشربًا لهذه الحضارية الفكرية الجامعة ما تجده عند أمثال ميشيل عفلق (أبومحمد) على سبيل المثال.
مسيحيون لكن مسلمون
يقول المفكر الكبير محمد عمارة أنه “في إطار الفكر القومي والوطني، هناك ما يشبه الإجماع على أن العروبة القومية الإسلامية الحضارية هي المكون الجامع للهوية الحضارية لأمتنا.. وعلى سبيل المثال، يقول فيلسوف البعث العربي ميشيل عفلق (1910 – 1989م) –وهو المسيحي الذي غدا أبرز المفكرين القوميين العرب- : “لا يوجد عربي غير مسلم، فالإسلام هو تاريخنا، وهو بطولاتنا وهو لغتنا وفلسفتنا ونظرتنا إلى الكون – إنه الثقافة القومية الموحدة للعرب على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، وبهذا المعنى لا يوجد عربي غير مسلم، إذا كان هذا العربي صادق العروبة، وإذا كان متجردا من الأهواء ومتجردا من المصالح الذاتية، وإن المسيحيين العرب عندما تستيقظ فيهم قوميتهم سوف يعرفون بأن الإسلام هو لهم ثقافة قومية يجب أن يتشبعوا بها ويحيونها ويحرصوا عليها حرصهم على أثمن شيء في عروبتهم.. ولئن كان عجبي شديد للمسلم الذي لا يحب العرب، فعجبي أشد للعربي الذي لا يحب الإسلام”.
ونرى أن الفيلسوف الذي ابتعد عن الفكر الحضاري الاسلامي النقي كثيرًا باتجاه الفكر الغربي وفلسفاته الوجودية والرغائبية والشيوعية عاد بعد 60 عامًا، ليدافع عن القرآن الكريم وعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
الفيلسوف العربي الشهير عبدالرحمن بدوي بعد أن استظل بمظلة الاسلام وسُئل قبل أيام من وفاته عما يتمنى: قال “أتمنى أن يمد الله في عمري، لأخدم الإسلام، وأرد عنه كيد الكائدين وحقد الحاقدين”.
ويضيف محمد عمارة قائلًا: من “المفكرين والمثقفين المسيحيين المصريين الذين أسهموا في هذا الاتجاه الدكتور غالي شكري (1925 – 1998م) الذي كتب يقول: “إن الحضارة الإسلامية هي الانتماء الأساسي لأقباط مصر، وعلى الشباب القبطي أن يدرك جيدا أن هذه الحضارة العربية الإسلامية هي حضارته الأساسية، إنها الانتماء الأساسي لكافة المواطنين، صحيح أن لدينا حضارات عديدة، من الفرعونية إلى اليوم، ولكن الحضارة العربية الإسلامية قد ورثت كل ما سبقها من حضارات، وأصبحت هي الانتماء الأساسي، والذي بدونه يصبح المواطن في ضياع، إننا ننتمي – كعرب من مصر – إلى الإسلام الحضاري والثقافي، وبدون هذا الانتماء نصبح في ضياع مطلق، وهذا الانتماء لا يتعارض مطلقا مع العقيدة الدينية.. بالعكس، لماذا؟ لأن الإسلام وحد العرب، وكان عاملا توحيديا للشعوب والقبائل والمذاهب والعقائد”.
وعلى هذا الطريق – طريق تأكيد كوكبة من المفكرين المسيحيين على أن الإسلام هو المرجعية الحضارية للأمة، وأنه هو أيديولوجية مشروع نهضتها – سار المفكر الحضاري الدكتور رؤوف نظمي – محجوب عمر – (1932 – 2012م) الذي كتب يقول: “إن الأمة مرجعيتها واحدة وهي الإسلام، بما له من تراث وعقائد وأصول، والأساس هو أن يكون للأمة مرجعية واحدة، فإذا كانت الأمة إسلامية فمرجعيتها الإسلام، وإذا كانت كونفوشيوسية فمرجعيتها الكونفوشيوسية، إن أغلبية الأمة مسلمون، والمطلوب هو توجيه الجهود للعمل مع الأغلبية التي لا تزال على مرجعيتها التاريخية، وعلى تراثها الحضاري، وعلى عقيدتها.
إن تميز الحضارية العربية الإسلامية تنطلق من اللسان العربي الجامع وليس القومية العربية لأن شركاء الحضارية المشرقية في منطقتنا الحضارية كانوا من الأمازيغ والكورد إضافة للعرب عوضًا عن التداخلات من الشعوب في وسط آسيا والفرس وغيرهم (السلاجقة والبويهيين والمماليك والفرس والأيوبيين والاخشيديين والعثمانيين…).
أركان نهوض الامة
ما نريد الوصول اليه هو أن الأمة اليوم تحتاج لأركان ثلاثة للنهوض بعيدًا عن الاستهانة بقوة الذات الحضارية المتفردة والسمحة، وبعيدًا عن الاستكانة والخنوع للأجنبي إنها
1-تحتاج للإيمان بنفسها ككيان متفرد كأمة وجسد يمكّنها من التمسك بالمسلك الحضاري. أنها حضارتنا العربية الإسلامية بالإسهامات المسيحية المشرقية، وهي حضارة متميزة عن حضارة الآخرين كليًا وإن كانت بطبيعتها احتضانية ومنفتحة ومرحابة، لكنها متفردة برسالتها وانسانيتها.
أما 2-الركن الثاني بعد الحضارية المشرقية فهو وضع الانسان على قمة الأولويات بالتربية والبناء والتعليم والعلم والقيم والأخلاق المتميزة والرحابة والتقبل للآخر والتجاور معه بعد صيانة عقيدتنا ومبادئنا الحضارية المتميزة.
و3-ثالثًا هو نشدان العالمية بالصناعة والزراعة والعمران والتقانة (تكنولوجيا) والتي بدونها نظل في مساحة صراع القرون الأولى دون عمق تقدمي مستقبلي لن ينشلنا من عقدة الاختلاف المذهبي أو القبلي، أوالقومي أو الجهوي الذي زرعه الاستخراب (الاستعمار) الغربي، وذلك لفهم أين مكمن الخلل وطريق النهوض.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook



