#أقلام وأراء

بكر أبوبكر يكتب – ما يجب أن تسمعه قيادة حركة فتح – البدء من القلب (1 و 2 – 3)

بكر أبوبكر – 25/1/2021

في ظل الانكسار العربي القائم حاليًا، الى الدرجة التي وقفت فيها الجامعة العربية موقف الصامت، أوالمنكر للتفلت “السيادي”! من مقررات الجامعة العربية وهي المقررات التي تمثل الحد الأدنى الممثّل لاتفاق العرب حول القضايا الجامعة.

الديمقراطية الوطنية، والأمة

وفي ظل السقوط القيمي والمبدئي للكثير من الثوابت العربية ما كان مسلمات! وجب إعادة بناء الاستراتيجية الفلسطينية والبرنامج الوطني العام في سياق جديد يأخذ بالاعتبار إعادة تعريف الفكر الوطني الحضاري وأهدافه والوسائل والعلاقات، والعلاقة مع الأمة العربية لتنتقل من العلاقة الرسمية الى العلاقة الجماهيرية والحزبية إضافة لتكثيف الدبلوماسية الفلسطينية في الوعي العربي في المجالات كافة التي منها الرسمية والحزبية والشعبية وتلك الرقمية.

إن الانحدار الرسمي العربي الحاصل لا يعني التفكير بالانفكاك عن الأمة، فنحن منها وهي منا. وفي سبيل نزع الذرائع ولغرض تجديد المسار الديمقراطي الفلسطيني رغم الاحتلال القبيح والانسحاب العربي من المواجهة حتى السلمية، فإن الاتفاق على الانتخابات بين مختلف فصائل الطيف الوطني (كخطوة ضمن البرنامج الوطني الشامل) لربما يؤسس لديمقراطية عربية فلسطينية تداولية كمقدمة للمجتمع الديمقراطي المدني في فلسطين.

البدء من قلب فتح

في الشق الفتحوي من المعادلة الموصوفة للخروج من المأزق، ما هو أولى لك فأولى، وبتوجّه واضح المعالم نحو الكوادر الحركية والجماهير فإن وضع نظام حاكم لطريقة الاختيار للمجلس التشريعي-مدار بحثنا هنا- يعتبر عنصرا رئيسيا من عناصر الربط الواجب تحقيقه بين القيادة الحركية في الأطر العليا، وبين الكوادر والأعضاء الذين هم على صِلة مباشرة مع الجماهير عبر أطرهم القاعدية.

بناء على التوجه الحركي الواضح نحو تكريس ديمقراطية وطنية تداولية، فإنه يتوجب على حركة فتح في البدء وفي إطار تواصلها النضالي في مختلف الأشكال أن تؤسس لديمقراطية مركزية داخلية في قلب تنظيمها أولًا، في سياق التزام النهج (الديمقراطي المركزي) الذي لا بديل عنه تحت الاحتلال حتى تحقيق الاستقلال الوطني.

من هنا وجب النظر في وضع نظام أو قانون أو لائحة حاكمة لآلية الاختيار للقيادات في المواقع المختلفة ما أقره النظام الداخلي-وخاصة في اختيار أعضاء التشريعي- ولم يطبق حتى الآن منذ العام 2009م .

نظرة في النظام الداخلي

وضعت حركة فتح النظام الداخلي الجديد منذ انعقاد المؤتمر السادس للحركة في بيت لحم من 4-11/8/2009 ومن حيث أنها أحالت لضيق الوقت بعض النصوص للمجلس الثوري، فلقد تم اعتماد النظام في المجلس الثوري عام 2010 وشكّل هذا الإقرار انجازًا حركيا هامًا، بحيث سارت عليه الأطر، وانعقد بعد ذلك المؤتمر السابع للحركة في 29/11/2016م وكما هو معمول به أحيل النظام المقترح تعديله الى المجلس الثوري.

فشل المجلس الثوري للحركة حتى اليوم، ومن ورائه اللجنة المركزية، بإقرار التعديلات وبالتالي لم يتم إصدار النظام الجديد، وها نحن على مقربة من انعقاد المؤتمر الثامن (المفترض نهاية عام 2021م) ، وعليه فإن مسار العمل القائم في كل الأطر اليوم مرتبط ومستند للنظام الداخلي المقر في المؤتمر السادس.

لماذا الفشل النظامي؟

لم تستطع الحركة أن تفعّل عديد البنود المنصوص عليها بالنظام (النظام الداخلي المقر في المؤتمر السادس عام 2009م) لإهمال من القيادة واضح المعالم من حيث طغيان الفردية على حساب قوة الإطار أو الاطر أساسا ووسائل التواصل العمودي بينها، أوإن أحسنّا الظن -ومالنا لا نحسنه أيضا- لانهِماكِها في فكفكة الألغام العديدة التي واجهتنا كحركة وقضية فلسطينية خلال السنوات، أولنظرها لأولويات أخرى.

لم يتم تفعيل عديد نصوص النظام الداخلي أيضا لعدم قدرة القواعد التنظيمية، وفي أطرها، على بلورة مفهوم جديد للنقد الذاتي للذات اولا وللآخرثانيًا، وتجديده داخليًا فلجأت الى الفضاء الالكتروني الذي أصبح متنفسا عبثيا لا يغير من الأمور الداخلية شيئا، ولكنه يعمّق الشرخ القيادي-القاعدي من جهة، ويضعف آليات المساءلة الداخلية الحركية.

المساءلة والنقد

النقد والنقد الذاتي الواجب تفعيله بكل الأطرالحركية بتواصلها الأفقي أو العمودي وفق المادة4 من نظام (دستور) الحركة هو النقد والنقد الذاتي -أو بالمصطلحات الحديثة المساءلة الذاتية والمساءلة التنظيمية- التي حسب المادة ذاتها يؤدي تطبيقه الى (ضمانة سلامة مسيرة الحركة، وتتم ممارسة النقد والنقد الذاتي من كافة الأعضاء والقيادات ضمن الأطر التنظيمية).

فشلت الحركة قيادة وقاعدة في تطبيق أو التثقيف أو بإعادة بناء المباديء الأساسية الخمسة للحركة بشكل تفصيلي بنيوي ضمن آليات محددة في المجال التنظيمي، والتي منها المساءلة الداخلية (بالمصطلحات الجديدة للنقد) .

الحركة عوضا عن بناء آليات تحقق المباديء اطلقت في كثير من المواقع التنظيمية عملية انتخابية بلا قيمة سياسية أوثقافية أو ديمقراطية! -في غالب الأحيان- بحيث انقطع صندوق الانتخابات واستأثر بالاحتضان بعيدا عن فكرة النقاش والحوار والتداول والمساءلة ضمن مفهوم التطوير والتعديل، والتناغم وليس التنافر، والانخراط الكلي ما هو حقيقة المؤتمرات.

اتخذت غالب المؤتمرات الداخلية سياق العراك الاستنزافي دون محصلة تطويرية أو تغييرية تداولية مطلوبة، ولما لم يقم التنظيم بكافة أطره في بلورة الاجتماعات التنظيمية الدورية الفاعلة، واللقاءات التنظيمية في سياق الواجب والمهمة والمطلوب والتثقيف الذاتي والبناء وأحقية الإصلاح الداخلي فيما هو مرتبط  بالقواعد الخمس (من المادة 1 الى المادة 6 بالنظام الداخلي) من الالتزام والانضباط والمركزية الديمقراطية والنقد والنقد الذاتي (المساءلة) والسرية (مضامين الاجتماعات والمداولات)، فإن الكادر الحركي أصبح يدور في فلك الفكر الاستخدامي التحشيدي فقط، وليس في فلك الفكر البنائي الجمعي الكلي ولتصليب قوة الأطر، في مقابل ضعف الانطلاق للشتم والردح والاتهام سواء في المؤتمرات الداخلية، أو على مساحة النزيف في المقهي الالكتروني على الشابكة (internet.)

لا ملامة كبرى على الأعضاء بقدر اللوم القائم على أكتاف القيادات في مواقعها التي تستأثر بكل شيء، وحين يكون من المتوجب عليها تصليب الفكر الجماعي والقيادة الجماعية في ذات الأطر، وتصليب الهياكل التنظيمية وآليات عملها النظامية، وتفعيل القواعد الخمسة فإنك تجد ابتعادا كما تجد إهمالا غير مبرر.

(2)

القيادات* (بالتعريف العلمي لما هو قائم هم أصحاب مواقع عليا فقط، وليسوا جميعًا قيادات حسب التعريف للقيادة علميًا) استسهلت الإهمال التنظيمي، وترك المتابعة، والتجييش أو التهميش، أوتراخت أو تكاسلت عن عقد الصِلات النظامية، أولربما شاخت عقليًا عند حدود تاريخ انقضى، وافتقدت الانجاز الحقيقي ورعاية المبادرات أو تطويرها، وعليه أنكرت على القواعد طرح الأفكار والمبادرات وتثقيف ذاتها، بل لم تُعر هذا الجانب الاخيرأهمية لأنها انطلقت من بوابة التحشيد من جهة، والمظهر الاعلامي بعبارة أن القيادة تقود بالصورة! أي بالصورة الاعلامية! ولنقل أن هذا المرض كان بارزًا في كثير من هذه القيادات الفلسطينية عامة، وبالحركة.

ظنت هذه “القيادات” كل الظن، والظن هنا إثم كبير، أنها تحكم سيطرتها على الكوادر والأعضاء عبر الفضائيات أوالوظيفة أو المال أو التاريخ الشخصي أو الشعارات أو الوعود الربانية أو الدنيوية، وتتخذ لها بذلك مقعدا في قلوب الناس! (وأرى ما يشبه ذلك للأسف في كافة فصائل العمل الوطني الفلسطيني ومنها “حماس” وغيرها، وليس في فتح فقط).

التنظيم بالاتصالات والبرامج والمتابعة

ما كان التنظيم الثوري والتنظيم السياسي الحقيقي الا اتصالات فعالة مباشرة ووجهًا لوجه، ولقاءات فكرية سياسية نضالية تحفز للكفاح، وابداعات مقاومة عملية ميدانية، وصِلات انسانية متبادلة بين الأعضاء وكافة الأطر بقياداتها.

في حقيقة الأمر إنه في ظل ضعف آليات التواصل الحركي الداخلي التي منها وضع البرامج والمحاسبة عليها واجتراح النشاطات وتطويرها وإطلاق ورعاية المبادرات ودعمها فإن العلاقة يشوبها التوتر، وعدم الثقة وأحيانا تتكاثر النباتات الطفيلية على جسد الحركة حتى لا يرى الناس من حركة فتح إلا هذه النباتات التي تغطي على الوجه الحقيقي المشرق لفكر الحركة وقدرتها المحسودة عليها في التجدد.
وما الوجه الحقيقي للحركة الا نحن جميعًا، يدًا بيد وكتفا الى كتف كما كان يردد الخالد فينا ياسر عرفات.

الملتزمون بفكر وثقافة فلسطين الأرض والقضية والشعب

والملتزمون بقيم الأصالة الفتحوية المستمدة من عمق الإيمان الراسخ بحقنا وعدالة قضيتنا
وبوطننا أرضنا فلسطين الذي هو جزء لا يتجزأ من هذه الحضارة العربية الاسلامية الرحبة
وبالتحرير وتكاثف وانسجام منطلقي التضحية مع النصر.

ماتريده الكوادر

1-ما يجب أن تسمعه قيادة حركة فتح التي نحترمها، ونحن منها، عبر تفعيل وتصليب الحوار الداخلي هو دعوات الانقضاض على الإسرائيلي المحتل والمستعمر والعنصري، والاشتباك اليومي ضمن خطة وبرنامج مفصّل ومنهج نضالي وطني عام طويل النفس، مقاوم سلمي يومي متصل يربط غزة بالضفة بكل الخارج.

2-وما يجب أن تسمعه هو ضرورة تمكين الوحدة الوطنية لكل الفصائل في أطر (م.ت.ف) ضمن البرنامج الوطني العام المتوجب الاتفاق عليه.

3- وما يجب أن تعيه هو ضرورة الحفاظ على الكوادر والعناصر بمنطق الحب والرحابة الحركية المعهودة لاستيعاب الاختلافات والتنوعات على وتر فلسطين في ظل الالتزام بالنظام الداخلي وبوصلة فلسطين، ومن حيث التثقيف الموحد وبناء الحياة التنظيمية المنضبطة.

4-وما يجب أن تسمعه القيادة هو رفض القواعد (أو هكذا أرى من الحكماء في هذه القواعد والكوادر) لأسلوب التحشيد والاستخدام والاستغلال لها، ورفضها للعقلية الاستبدادية أو الاستئثارية للاطر العليا، ورفضها للولاءات الشخصية والتزلّف والسلطوية، ورفض العقلية الوظيفية، وإيثارها للعقلية التشاركية الديمقراطية داخل الحركة وفي اختيار ممثليها للتشريعي على قاعدة لائحة ضابطة حسب النظام الداخلي وليس حسب أمزجة مركزية، ودعمها للعقلية النضالية الرسالية ذات الديمومة.

5-وما نريده من قيادة الحركة انتخابات شفافة ونزيهة، كما كان عهدنا بها بكل الانتخابات بالجامعات في الضفة -دونًا عن غزة تحت سيطرة حماس للأسف التي لم تعرف الانتخابات قط من 12 عامًا- وكما كان بالانتخابات التشريعية الأولى والثانية بشهادة العالم، حيث أثبتت حركة فتح الأصيلة بالدليل العملي نزاهتها، وليفز من يفز، فنحن بفلسطين وتطابق شبهنا مع فلسطين مجاهدون صابرون مصابرون فائزون بإذن الله.

6-فالفلسطيني ليس أبلهًا، بل هو انسان وطني قح، مسيّس وواعي ويعرف كيف يختار، وما علينا نحن بالفصائل عامة، وفي حركة فتح خاصة إلا حُسن التقديم لأنفسنا للجماهير بصدق ومع وجوه صادقة ومشرقة وموثوقة ومقبولة جماهيريًا، و ضمن قائمة حركية متماسكة متنوعة الوجوه على قاعدة المشاورة والمشاركة القاعدية. أو مع مستقلين أو مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي تشبهنا ونشبهها، وليس مع “حماس” المتذبذبة والمترددة والمتقلّبة والتي بدأت تلعب فيها التيارات وعبث التمويل الخارجي، الى أن تستقيم أمورها ضمن البرنامج الوطني الشامل، وتتخلى عن رقبة غزة وعن تمردها وانقلابها، وتطلّق عقلية المعسكرين (الفسطاطين)، وتكريسا للتنافس الديمقراطي ضمن الثقافة التداولية في الدولة المدنية، وليس لمرة واحدة.7-وما يجب أن تسمعه “قيادة” حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح هو حجم الشكاوى الكثيرة من انسداد قنوات التواصل الأفقية، والرأسية الصاعدة والنازلة، أو عدم فعاليتها من حيث الالتزام بالنظام الداخلي أوسرعة الاستجابة وفكفكة الأمور، وضمن قانون المساءلة من جهة وقانون المحبة من جهة أخرى، ولعمري إنه توازن لا يقدر عليه الا الرساليون المخلصون.

8-وما يجب أن تسمعه هو مظالم كوادرنا المتراكمة بحجم جبل أحد أو جبل الجرمق أعلى جبل في فلسطين، أو أكثر في قطاع غزة الصامد، وكأنهم يعيشون في جزيرة منعزلة، أو كأن القيادة كما يظهر للكثيرين ضربت صفحًا عن تحمل مشاكلهم التنظيمية من جهة، ومآسيهم الاجتماعية والاقتصادية في مواجهة عسف أجهزة حماس من جهة أخرى، وتلك المظالم المرتبطة والمتراكبة المتعلقة بمطالبهم العادلة من السلطة الوطنية الفلسطينية.

9-إن المشوار مازال بأوله، ومن تعِب كما كان يردد الخالد ياسر عرفات فليركن جانبًا، فنحن مستمرون بالتضحية فإما النصر أو الشهادة، وهكذا فقط علمتنا فلسطين وعلمتنا ابنتها الوفية فتح.

*حاشية: يتم التمييز هنا بين ]موقع[ المسؤولية أو الإدارة أو “القيادة المحكوم بالنظام”، وبين ]الممارسة[ القيادية بالموقع، بمعنى أن القيادة ليست هي المنصب أو الموقع الذي يتم الوصول اليه، وإنما كما يؤكد أبوالسعيد خالد الحسن رحمه الله هي تجليات الممارسة بمعنى: رضا وثقة شعبية نتيجة صدق والتزام يعبر عنه من هو في موقع القيادة بسلوكه وقيمه، فحينها يتحول من هو في موقع القيادة الى قائد، وهو ما يحيلنا للتفرقة بين فكرة المدير الذي ينفذ التعليمات، وبين القائد الذي يحفّز ويُلهم الآخرين للعطاء والإنجاز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى