أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

بكر أبوبكر يكتب – لماذا نقرأ للغير؟ وفكر ميشيل عفلق نموذجًا.

بكر أبوبكر – 3/11/2020

من المعلوم أن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم العراق طويلا، وكذا  الحال في سوريا كان حزبا يحمل فكرًاعربيا نهضويا، لكن المضامين الفكرانية “الأيديولوجية” المغرقة بالنظرية، وأولوية الشعارات على العمل والمبادرة، والاتجاه نحو الاستبداد (والديكتاتورية) بالتطبيق، وتبني المضمون الاجتماعي (ممثلًا بالاشتراكية)، والخلاف حول الاقليمية والقطرية جعل من حركة فتح على اختلاف مع فكر ومنهج عمل البعث.

إن حركة فتح مثلت الحركة الثورية التي تنحى باتجاه العمل والابداع وبوصلتها الجامعة فلسطين كأولوية، بعيدا عن فكر الأدلجة التقييدي الإقصائي غير الديمقراطي، وبعيدًا عن تساوي الأولويات في قضايا أخرى لدى المؤدلجين.

 ورغم كل الخلاف الفكري أو الأيديولوجي فإن لرجال البعث ومؤسسيها وهج واحترام ومحبة، يجعلنا نقرأ لهم بعين فاحصة وناقدة، وبمنطق التامل والتعلم والتقبل وحسن الاستفادة.

وفي نبذة عن حياة المؤسس للحزب فهو ميشيل عفلق، مفكر سياسي عربي، أبرز مؤسسي حزب البعث، الذي أصبح فيما بعد حزب البعث العربي الاشتراكي، وصار الحركة السياسية المهيمنة في سوريا والعراق، مولود عام 1910 في في دمشق، لعائلة متوسطة من الطائفة المسيحية الأرثوذكسية. ودرس التاريخ في فرنسا وأسس فيها اتحاد الطلبة العرب.

أسَّس عفلق حركة البعث عام 1943م، وأصبحت الحركة حزباً رسمياً عام 1946، وكان عين وزيرا للتعليم في 1949، واستقال من منصبه بعد فترة وجيزة. وفي 1952 فرّ من سوريا هرباً من الاضطهاد السياسي وعاد إلى بلده مرة أخرى عام 1954. في عام 1952 دمج حزب البعث العربي مع الحزب الاشتراكي بقيادة أكرم الحوراني ليصبح حزب البعث العربي الإشتراكي، وساعد عفلق على تحقيق الوحدة بين سوريا ومصر، فيما أطلق عليه الجمهورية العربية المتحدة، واستمرت من 1958إلى 1961 غير أن عفلق أخفق بعد 1963 في توحيد النظامين البعثيين في سوريا والعراق.

وفي عام 1966م طُرِد عُنوة من حزب البعث من الأعضاء المنافسين، وفي النهاية، اضطر عفلق للهرب إلى العراق حيث وصل البعثيون إلى سدّة الحكم للتو، وبالرغم من تعارض أفكار حزب البعث العراقي مع تعاليم عفلق، إلا أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين قلّده منصباً شرفياً في حزب البعث العراقي ليعطي الشق العراقي دعماً أكبر من الشق السوري. وتعامل البعث العراقي مع اعتراضات عفلق الحزبية بالتجاهل المتعمّد. إلي أن توفي  في 23 يونيو 1989في باريس،دفن في العراق، وفي نوفمبر 2003. ويؤكد البعثيون كما يؤكد الكاتب الاسلامي د.محمد عمارة في كتابه عنه أنه اعتنق الاسلام في أواخر حياته ولم يشهره كي لا يكون فرضًا على الحزب، وتسمى بأبي محمد.[1]

وفي النصوص الثلاثة التالية نقرأ لمؤسس الحزب ميشيل عفلق (أبومحمد).

ننقل عن ميشيل عفلق (يدعوه البعض نسبة له أحمد ميشيل عفلق) مقالًا عن الإيمان والتفاؤل كاحد أهم مظاهره، وعن روح المناضل المتمثلة في التفاني والتجرد وانكار الذات والتواضع أمام الفكره وامام صوت الحق وآلام الشعب.

وفي النص الثاني يتحدث باحترام وإجلال كبير عن الدين الاسلامي (رغم أنه المسيحي العربي وهذا ليس غريبا مطلقا عن مسيحيينا) كما يورد في الاقتداء بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: (يستطيع أي رجل مهما ضاقت قدرته أن يكون مصغرا ضئيلا لمحمد، ما دام ينتسب إلى الأمة التي حشدت كل قواها فأنجبت محمدا)، مضيفًا (كان محمد كل العرب، فليكن كل العرب اليوم محمدا).

 ويضيف حول الاسلام والعروبة: (قوميتنا كائن حي متشابك الأعضاء، وكل تشريح لجسمها وفصل بين اعضائها يهددها بالقتل فعلاقة الإسلام بالعروبة ليست إذن كعلاقة أي دين بأية قومية. وسوف يعرف المسيحيون العرب، عندما تستيقظ فيهم قوميتهم يقظتها التامة ويسترجعون طبعهم الأصيل، أن الإسلام هو لهم ثقافة قومية يجب أن يتشبعوا بها حتى يفهموها ويحبوها فيحرصوا على الإسلام حرصهم على أثمن شيء في عروبتهم.)

أما في النص الثالث وهو لقاء له عام 1957م حول العرب والصهيونية والاستعمار فيقول أن الثوار يحتاجون:(جملة شروط من الوعي والوضوح والقوة والانسجام مع الاتجاه الإنساني)، ويقول بوضوح أن: (عدو الحركة العربية التحررية هو الاستعمار والصهيونية وليس الغرب كشعوب.) مؤكدا غير مرة أن التحرر العربي له حقيقته الناصعة ممثلة ب(معركة بين الاستعمار والصهيونية من جهة، والقومية العربية من جهة أخرى.)

ويشير أن (التوصلُ الى القضاء على الاستعمار يشترط حتى يتحقق ان يحسب حساباً لقوى الصهيونية العالمية وبالتالي فإن نضالاً آخر يجب ان يرافق نضالنا ضد الاستعمار هو نضالنا ضد الصهيونية.)

 لذلك فإننا (نرى بوضوح وجرأة ان كل تلكؤ في مواجهة مشاكلنا السياسية والاجتماعية ووحدتنا القومية بتفكير وأسلوب ثوريين انقلابيين قد لا يؤخر حل مشكلة وجود “إسرائيل” فحسب بل يسمح بتدعيم كيانها الى حد يصعب أويتعذر معه في المستقبل التخلص من هذا الخطر.) وهو ما شكّل بُعد نظر مستقبلي أصبحنا نعيش كابوسه المرعب اليوم عام 2020م حيث التلكؤ واللا ثورية العربية عبر الزمن أدت الى التعذرعن اقتلاع الكيان الارهابي الصهيوني الذي حذّر منه عفلق من أكثر من 60 عامًا.

رحمه الله ونفعنا بعلمه وعلم غيره من الرواد بمنطق التفكر والتأمل والنقد العميق فنحقق الوعي الذي أراده والاستفادة للتقدم والنماء.

 بكر أبوبكررئيس أكاديمية فتح الفكريةعضو المجلس الاستشاري لحركة فتح

[1]  الكاتب المصري الإسلامي محمد عباس تشكك هو الآخر في أن عفلق أسلم، وقد عبر عن شكوكه صراحة في مقاله “هل أسلم أحمد ميشيل عفلق؟” وهو المقال الذي كتبه في معرض مناقشته لكتاب الكاتب الإسلامي الكبير الدكتور محمد عمارة عن التيار العروبي الإسلامي، وتناول فيه واقعة إسلام عفلق بالتمحيص الفكري، والتوقف عند نصوص أخرى لعفلق اوردها في سلسلة محاضرات أكد فيها على التراث الإسلامي لدى وصوله بغداد بهدف الإقامة فيها، بعد عدة سنوات من تولي حزبه الحكم في العراق. ونقل عمارة عن عفلق قوله لقد أعلن ميشيل عفلق في خطاب مذاع: إنه كان يحب الإسلام كثمرة لحبه للعرب..أما الآن، فلقد أصبح الحب للإسلام.. وما العرب إلا أمة الإسلام.. وما العروبة إلا ضرورة لنصرة الإسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى