أقلام وأراء

بكر أبوبكر يكتب في حوار أبومرزوق: القاهرة و زهو اللحظة!

بكر أبوبكر ١٤-٦-٢٠٢١م

يبدو أن الجميع قد أدرك ما حصل في القاهرة، وإن لم ينعقد اللقاء المرتقب  بين حركة التحرير الوطني الفلسطيني-“فتح” وحركة “حماس”، فما تسرب من أخبار وتحليلات ومقابلات كانت كافية لتُعلن الضوء الأحمر في وجه أي اتفاق “جديد” حيث قفزت الاشتراطات لتعطّل المسار بقوة على عادة ذات التعطيلات التي تابعناها من وفود “حماس” في مختلف الاتفاقات السابقة! فيما سميت “استدراكات” وغيرها، والتي ما هي بالحقيقة إلا كوابح واشتراطات.

بداية جديدة

أن فكرة البداية الجديدة أو (المرحلة الجديدة على صعيد الحوارات)! كما أسماها د.موسى أبومرزوق في لقائه مع فضائية الغد بتاريخ ١١/٦/٢٠٢١٩ هي فكرة لوحدها كافية ومعبّرة، ما يعني أن ما سبق من حوارات واتفاقيات انتهى ونقطة وأول السطر؟! ولماذا نذهب بعيدًا ونستنتج وهو ذاته لم يدع لك أن تفكر فقال ما استنتجناه صراحة!

لقد قرأنا واستنتجنا ما سيقوله د. أبو مرزوق -لاحقًا- حيث كان قد قال أن الشرعية الوحيده هي للمجلس التشريعي المنحل! وكنا نأمل كبح جماح التيار الجذري الإقصائي في “حماس” ولكن ليس ما كل ما يتنى المرء يدركه.

رسم صورة النصر.

دون كثير تدقيق ولكن لمن شاء فلقد أسهب القيادي الحمساوي بخفة ولطافة بتعداد الاشتراطات الجديدة في المقابلة بلا كلل، لأنه كما قال: (في معركة ما بعد القدس هناك من رسم صورة النصر)! وعليه هناك من كان الخاسر! وارتسمت على وجهه صورة الهزيمة بالمقابل! لذا وكما قال: (فلا يمكن للحالة الفلسطينية أن تبقى على ما هي عليه)، وبالطبع يقصد بالمنتصر حركة “حماس”! ولك أن تفهم ضغط اللحظة وزهو الانتصار، واقتناص الفرص، وشدة الشروط.

من متابعة كلام الدكتور أبومرزوق، وغيره من الأخوة قادة “حماس” بعد معركة هبة القدس الرمضانية والعدوان على قطاع غزة نجد صراحة أو بين السطور تلهفًا لالتقاط الثمر، وزهوًا، وشعورا غامرًا بالنصرالعظيم، أدي لتقييم لديهم أولبعضهم يقول أنه حان أوان الاستعجال لوراثة منظمة التحرير الفلسطينية الميتة أوالمتهالكة.

وفي ذات الأمر الاشتراطي المسبق، وكمن يُملي إملاءاته قال حسام بدران على قناة الجزيرة الدعائية 12/6/2020 ما نصّه: (لا يجوز الرجوع إلى ما كنا عليه قبل عملية “سيف القدس)! مقررًا أن على الرئيس أن يقدم رؤيته بجدول زمني! وتحدث آخر على ذات القناة الدعائية قائلاً ضمن طرحه لما أسماه (توظيف النصر!) أن: (الصيغ السابقة للحوار أو حتى بالنسبة لتشكيل القيادة الفلسطينية لم تعد صالحة لمرحلة ما بعد المعركة)!

فصائل الحضور البارز!

واستكمالًا لفكرة البداية أو “المرحلة الجديدة” والاستعجال والوراثة والانتصار يوضح د.أبومرزوق قائلًا:(هناك فصائل هامشية…لاوزن لها بالشارع) ليعني بها الفصائل الثورية المؤسسة للمنظمة، و(هناك فصائل شاركت بالمعركة…وتمتلك حضورًا بارزًا)؟! وإن كنا لم نرى مطلقا هذا “الحضور البارز” بالشارع لفصائله! حيث لا ترى الا “حماس” في قطاع غزة، “حماس” التي عطلت كافة الانتخابات الجامعية والنقابية والبلدية ل١٤ عامًا حتى الأن! فمن أين نرى الحضور البارز يا دكتور!

الفصائل البارزة في غزة التي يطلب لها أبومرزوق التمثيل هي تلك التشكيلات التي تدور في فلك “حماس” إلى الدرجة التي أعلن فيها أمين عام أحد الفصائل هذه الانسحاب من فصيله، والانضمام ل”حماس” فرجته حماس وتوسلت إليه في بيته العودة لقيادة فصيله، فاستجاب وتكاد تخنقه العبرَة، ما ظهر السبب جليًا الآن بالقاهرة أي لزيادة العدد الموافق لحماس! في بند الانقضاض أو الوراثة السهلة.

تمزيق الاتفاقيات السابقة، وصراع السلطة

في نقضه لما سبق وضمن “المرحلة الجديدة” أو لرفضه الانطلاق مما سبق من اتفاقيات يقول أننا لانحترم اتفاقاتنا بتاتًا بل نمزقها عند أول هبة ريح! حيث أشاربقوله: (نحن لا نريد أن نخوض فيما خضنا فيه سابقا ولم ننجح)! رغم أنه هو شخصيًا من وقع الاتفاقيات!؟ ثم يضيف: (يجب أن نبدأ بالمركز، وبرأس الأمر منظمة التحرير الفلسطينية)! أذن وكأنه يقول أن: من حقنا أن نمزق كل ما اتفقنا عليه وعلى رأسه إنهاء “حماس” لذيول الانقلاب الدموي أو الحسم العسكري بمصطلح خالد مشعل في قطاع غزة.

إن لم يكن الصراع علي السلطة، والسلطة والحكم والنفوذ والقيادة فقط، فهل يبرّر الدكتور أبومرزوق لنفسه أنه جُرّ جرًا الى مربع الدولة الفلسطينية بحدود العام 1967م؟ أم أنه وافق بإرادته على التبني الكامل للأهداف الوطنية الفلسطينية المرحلية التي اعترف بذات اللقاء بها علنًا وطواعية؟

الدولة الفلسطينية والمقاومة.

يقول د.أبومرزوق : (نحن لم نتنازل عن حق العودة أو التنازل عن شبر على أرض فلسطين، لكننا تنازلنا بشئ واحد لشعبنا في 2006 بالموافقة على دولة فلسطينية كاملة السيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس عاصمة خالية من الاستيطان مع إبقاء حق العودة)، وهذا هو برنامج المنظمة! فأين الخلاف الفكري أو الاستراتيجي أو السياسي يكمن ياترى؟

يقول ضمن عقلية المعسكرين والفسطاطين مستدركًا (برنامجنا هو المقاومة، وآلياتنا تتعلق بالصدام مع الاحتلال وعدم استقراره بعكس البرنامج الأخر وآلياته.) وهذا كلام مردود على صاحبه من أصحاب “البرنامج الأخر” فالمقاومة الفلسطينية ليس هو ممثلها لوحده مطلقًا، بل الشعب الفلسطيني البطل أولًا ثم فصائله.

والمقاومة الشعبية والثورة الفلسطينية لم تتوقف منذ اعلان بلفورعام 1917 ثم توالت موجات، ثم عبر المنظمة وحركة فتح، وصولًا للسياق الجديد وإن علا صوتها حينا وخفت حينا منذ القرارالوطني بذلك من العام ٢٠٠٥ فيما لم تتوقف المواجهات الدائمة في كل فلسطين.

ولمن خانته الذاكرة أن يكبس على لوحة المفاتيح لمحرك البحث “العم غوغل” ليرى سجلًا بألاف المشاركات والمواجهات الميدانية المقاومة المناضلة لقري وخِرَب ومدن فلسطين، ومئات الشهداء والأسرى، وكان الأجدر له أن يعتبر الصواريخ واحدة من هذه الوسائل كما أظنه قال سابقًا في نفحة تكامل، وكان الأجدر أن يشتد ساعد هذه المقاومة الشعبية بالضفة بالوحدة الوطنية على الأرض التي لا نرى فيها إلا كوادر وشبيبة حركة التحرير الوطني الفلسطيني- “فتح” والجماهير الغفيرة.

كان له أن يتكامل، فلا ينتقص من نضالات شعبنا اليومية بالداخل والخارج وبأشكالها المتنوعة، وكان له أن يراجع مقررات اللقاء الأخير لقيادة الفصائل التي اعتمدت خط المقاومة الشعبية وبالتحديد هنا كانت السلمية سبيلًا في المرحلة.

أنظر من نص بيان اجتماع الأمناء العامين للفصائل بين رام الله وبيروت في شهر9 للعام 2020م إذ يقول البيان الختامي:(ونحن كفلسطينيين نرى أن من حقنا ممارسة الأساليب النضالية المشروعة كافة، وفي هذه المرحلة نتوافق على تطوير وتفعيل المقاومة الشعبية كخيار أنسب للمرحلة، دفاعاً عن حقوقنا المشروعة لمواجهة الاحتلال.)

وله أن ينظر للبيان إلا إن تراجع كما الحال في تنظير التراجع  عن الاتفاقيات السابقة! ضمن معادلته واشتراطاته أوقانونه الالزامي الجديد حين قال: (ما قبل معركة القدس غير بعد معركة القدس، يجب أن تكون الرسالة واضحة لدى الجميع)! ومن هم الجميع!؟ والحوار في البيت الفلسطيني!

ساعات مفاوضات ذهبت هباءً

من الطبيعي أن تكون الاتفاقيات السابقة هي المقدمة على التنفيذ، ومن غير الطبيعي أن تعتبر عشرات الساعات التي قُضيت لإبرامها هباءً منثورا! (عملياً كان د.موسى أبومرزوق وعزام الأحمد في غالبها) إذ تُلهِبون مشاعر الجماهير وتقيمون أفراح الاتفاق ثم تُلقون به بالزبالة! فكيف لشعبنا أن يثق بمثل هذه الطروحات.

إن البداية أو “المرحلة الجديدة” -كما أسماها أبومرزوق- كل مرة! ضرب لصلب فكرة التوافق التراكمية، فما قيمة كل اتفاق إن كان مصيره أن تدوسه الأقدام وفقا لمتغيرات القوة سواء الحقيقية أوالموهومة؟ الداخلية أو المدعومة من المدفعيات الإعلامية الدعائية، أو المدعومة من محور هنا ومحور هناك؟ وهل لنا أن نستخدم “انتصاراتنا” ضد العدو في السجال السياسي الداخلي؟ ليظهر للناس وكأننا نحن من اقتتل، فلم تكن الحرب بيننا والإسرائيلي المحتل؟

الشبيبة وإصلاح المنظمة

إن الحوار حول التصدع والذبول والتكلس الذي أصاب كل الفصائل وأولها لدى بعض قيادات “حماس” و”فتح” ، والفصائل الأخرى،  يجب أن يكون حوارًا جديًا نعم، فالشباب والجماهير وليس الفصائل اقتنصت اللحظة وصنعت الانعطافة وستدوس على الألغام وتتبلور بحركة داهمة، والجماهيروعلى رأسها الشبيبة دوما تتفوق على قياداتها كما كان يردد الخالد ياسر عرفات، وهاهي تتهيأ.

لن نختلف بضرورات الإصلاح، والتغيير الداخلي، والبداية دومًا ما تكون من عندي، وهو ما يجب أن يخاطب به كل فصيل فلسطيني ذاته، فلا يحصنها بالأيديولوجيات المتهالكة، أوالفكر الإقصائي، أو الأكاذيب المقدسة، أو البلاهة السياسية فكثير من الأطر والأفكار والشخصيات الباهتة، والعاجزة أوالوجوه الكالحة كما أسماها جبريل الرجوب آن لها أن تغادر ركح السياسة وتفسح المجلس لغيرها.

يتوجب علينا التمتع بالرحابة والحكمة فنفتح أبواب الحوار للنظر في تآكل وتصدع أو ضعف أوتهالك دور السلطة الوطنية الفلسطينية، ودور المنظمة وهياكلها المتقادمة دون استقواء أوزهو وإملاء واستبداد! كنا نكرهه في البعض المتسلق في حركة فتح، وها هو يظهر متعملقًا في حماس المؤدلجة بعيدًا عن فلسطين.

الصهيونية والجدية والحرص!

يجب أن يتخذ الحوار جدية أكبر، عبر مراكز دراسات وخلايا تفكير ومعاهد بحث، وحلقات نقاش شبابية، ومجموعات حوار عبر الشابكة (انترنت) تقدم الرؤى والمقترحات للقيادات السياسية، ولا تستغربوا هذا التحول وهذه الانعطافة فكل الشعب الفلسطيني بالداخل والخارج شارك في صنع هبة القدس الرمضانية، وسيظل شريكًا.

وكان على الجدية أن تبرز أيضًا من خلال استراتيجية موحدة وبرامج وخطط جامعة، وأوراق علمية “اقتداء” بما حصل بالمؤتمر الصهيوني رقم ٣٨ الذي عقد افتراضيا بالقدس العام الفائت ومن عدونا نتعلم، فالشباب يتربصون ولن يتركوا لسدنة الفصائل وألعابهم السياسية وهم الذين بدأوا معركة الخلافة دون خلافة!

فيما سبق على لقاء القاهرة الذي لم يحصل، حاولنا التقاط عناصر التقارب من أفواه قادة حماس أمثال الحية والسنوار ومشعل وابومرزوق في افتراض أن النفس الوطني الوحدوي والتآلفي يتقدم على النفس الفكراني الأيديولوجي أو على النفس الاستئثاري السلطوي الاستبدادي! ولكننا على مايبدو مازلنا في محيط التذبذب بالفهم بين هذا وذاك، والفكرانية (الإيديولوجية) هي الكابح الأكبر للتوافق والتطهر من عقلية المظلمة والنصر والفسطاطين الاقصائية التطهرية.

لن نرد على الشتائم

سنتجاوز سيل الشتائم الشخصية المقذعة لقيادات في حركة فتح -ما حذرنا منها فترة الهبة الرمضانية والعدوان- وها نحن نعود لها من خلال قناة أقصى حماس، ما لن نرد عليها، وفي تجاوزنا للشتيمة الموجهة من الأخ أبومرزوق لحركة فتح مالانريد التعليق عليها أيضًا، ونقول له سامحك الله.

ونضيف أنه كيف لمن يسعى لتغيير منظمة التحرير الفلسطينية أن يكون داعية هيمنة وتسلط؟! هل تراهُ يرغب باستبدال هيمنة وتسلط واستبداد واستئثار بمثله؟ فماذا فعلنا بأنفسنا لنُنكب سياسًا بذلك؟

شركاء بالدم شركاء بالقرار!

لقد قال أبومرزوق أن (قرارنا جاهز، ومن الممكن أن تعود الحرب، فحماس صاحبة قرارها ولا تأخذه من أحد)! وهنا يتجلى الأمر فمن يأخذ القرار هي “حماس” لا غير! مع تشككنا بمصدر القرار، ولكن أين شعار شركاء بالدم شركاء بالقرار! فمن يتخذ قرار الحرب منفردا ويفرضه على غيره لا يختلف البتة عمن يتهمهم أبومرزوق في مقابلته بالفساد والتسلط والتفرد.

في القاهرة كان من المتوجب علينا التحلي بالدفء والرحابة وكثير من التواضع والاحترام وفتح المساحات لا إغلاقها!

وفي القاهرة كان من المتوجب تحقيق البناء التراكمي أي على ماسبق من اتفاقيات وليس محو كل شيء! ما يشكّك بأي التزام قادم كما الحال باستمرار الانقلاب في غزة، وتمزيق الاتفاقيات كلها!

ما حصل بالقاهرة (أو لم يحصل من لقاء) يضع ظلالاً ثقيلة على الفكر الأيديولوجي المتحكم، وكان الأولى لنا ألا نبتز “النصر” من أنفسنا، وإنما كان علينا معًا وسويًا ويدًا بيد أن نقتلع به عين السياسة الإسرائيلية الإرهابية التي عادت  من السطر الأول وكأن شيئا لم يكن فيما يتعلق بالقدس!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى