أقلام وأراء

بكر أبوبكر يكتب – في “الأرض المقدسة” وبني إسرءيل؟! ودخولها وتحريمها

بكر أبوبكر – 9/5/2020

في الآية التالية من سورة المائدة يقول المولى عز وجل في محكم التنزيل (يا قَوْمِ ادْخُلُواالْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21).وفي تحديد جغرافية أو موقع الأرض المقدسة أي المطهرة التي يدخلونها يقول الإمام البغوي: ]قوله تعالى: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) اختلفوا في الأرض المقدسة ، قال مجاهد: هي الطور وما حوله ، وقال الضحاك : إيليا وبيت المقدس، وقال عكرمة والسدي: هي أريحاء، وقال الكلبي: هي دمشق وفلسطين وبعض الأردن، وقال قتادة: هي الشام كلها، قال كعب: وجدت في كتاب الله المنزل أن الشام كنز الله في أرضه وبها أكثر عباده.[ وما يماثله عند ابن كثير وغيره.

أما ابن عاشور فيقول:]هي هنا أرض كنعان من برية صين إلى مدخل (حماة وإلى حبرون). وهذه الأرض هي أرض فلسطين، وهي الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط وبين نهر الأردن والبحر الميت فتنتهي إلى (حماة) شمالا وإلى (غزة وحبرون) جنوبا.[(؟!!) .

وذكرالطبري الخلاف الكبير في التحديد الجغرافي لمعنى الأرض المقدسة ثم قال لافض فوه:(وأولى القول في ذلك بالصواب، أن يقال: هي الأرض المقدسة كما قال نبي الله موسى،لأن القول في ذلك بأنها أرض دون أرض، لا تدرك حقيقة صحته إلا بالخبر ولا خبر بذلك يجوز قطع الشهادة به) (تفسير الطبري 127/6)[1] أي هي الأرض ونقطة. لا نعرف جغرافيتها. ونتفق مع الإمام الطبري تماما، ولا نتفق مع العلماء الأفاضل الآخرين الذين اجتهدوا في تحديدالجغرافيا بهذه السّعة والرحابة!

ومع جليل احترامنا الكامل لهم فليس أي منهم عالم جغرافيا أومؤرخ، وإن كان عالم دين، وليس لأي منهم أن أورد دلالة أومرجعية موثوقةعلى إشارته للمكان/الجغرافيا إلا ما كان للمشهور المتداول فقط في عصرهم، بمعنى أن الآيات الكريمة لم تقل صراحة بمكان هذه الأرض المقدسة (المطهرة) التي أمرت قبيلةبني إسرءيل العربية المندثرة أن تدخلها لتبشر بالدين فيها، ولمّا لم يكن من مصدريتم الاستناد عليه سابقا الا التوراة (التناخ) التي سقطت علميا وآثاريا اليوم أنهافي فلسطين، فلا يعتد بالاستناد لها في دقة الفهم. ويبقى موقع/جغرافيا الأرض المقدسة (أو مواقع أحداث التوراة عامة، بعد إزالة الشوائب التضخيمية للأحداث) بين يدي العلماء اليوم والمؤرخين والدارسين والمفكرين الملتزمين الذين منهم من أثبت أنها في اليمن القديم وهم كُثُر[2]،ومنهم من قال أنها بفلسطين نعم ولكن القبيلة المقصودة غابرة.

وفي جميع الأحوال نؤكد أن لا صِلة ولا علاقة بين محتلي فلسطين اليوم من يهود شعوب العالم كلها المتسمّين بإسم إسرائيل سارقين الاسم من القبيلة القديمة المندثرة المسماة(إسرءيل: حسب الرسم القرآني) لا من حيث النسب ولا من حيث الانتماء القومي الوراثي الجيني ما أكده العلم الحديث بعدم وجود مثل هذه الصلة الوراثية. ويشير ابن عاشوربقوله: ]كانت جواسيس موسى الاثنا عشر الذين بعثهم لارتياد الأرض قد أخبروا القوم بجودة الأرض وبقوة سكانها. وهذا كناية عن مخافتهم من الأمم الذين يقطنون الأرض المقدسة ، فامتنعوا من اقتحام القرية خوفا من أهلها ، وأكدوا الامتناع من دخول أرض العدو توكيدا قويا بمدلول (إن) و (لن) في إنا لن ندخلها تحقيقا لخوفهم. حيث في تكملة الآية (قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منهافإن يخرجوا منها فإنا داخلون) .[    

في فك اللغز بين دخول الأرض-أي أرض وهي كما رأينا غير معروفة يقينا للقبيلة المندثرة في زمانها- وبين التحريم عليهم دخولها فإن للشيخ الشعراوي رأيا وتفسيرا يستحق التأمل،إذ يقول: ](ادْخُلُوا الأَرْضَالمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) فهل هذه الأرض المقدسة كتبها الله لهم كتابة كونية أو كتابة تشريعية؟ إن كانت كتابة كونية لكان من اللازم أن يدخلوهاولكنه قال: (فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) (المائدة: 26)، إذن هي إرادة تشريعية وليست إرادة كونية. فإن أطاعوا أمرالله وتشجعوا ودخلوا الأرض المقدسة فإنهم يأخذونها، وإن لم يطيعوه فهي محرمةعليهم. إذن فلا تناقض بين أن يقول سبحانه: إنه كتبها لهم، ثم قوله من بعد ذلك:إنها محرمة عليهم، لقد كتبها سبحانه كتابة تشريعية. فإن دخلوها بشجاعة ولم يخافواممن فيها واستبسلوا ووثقوا أن وراءهم إلهاً قوياً سيساندهم؛ فإنهم سيدخلونها، أماإن لم يفعلوا ذلك فهي محرمة عليهم. (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ  المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا على أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) (المائدة: 21.[  

**تابعوا تفكراتنا الرمضانية في ذكر قبيلة بنيإسرءيل الغابرة في القرآن الكريم رمضان ١٤٤١ هـ – فَاقْصُصِ  الْقَصَصَ  لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿١٧٦ الأعراف﴾،إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴿١٣ الجاثية﴾ وتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ  لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٢١ الحشر﴾ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴿٢١٩ البقرة﴾ وغيرها.

#بكر_أبوبكر

الحواشي:

[1]  الطبري على الرابط https://www.alro7.net/ayaq.php?langg=arabic&aya=21&sourid=5 [2]  القائلون بمسرح الأحداث التوراتي في اليمن القديم أمثال فاضل الربيعي وفرج الله صالح ديب وكمال الصليبيواحمد الدبش واحمد القشاش وغيرهم، والقائلون أن أحداث التوراة بعد استبعادالخرافات والتضخيمات والتحريفات هي في فلسطين، هم امثال: فراس السواح وزياد منى ود.ابراهيمعباس ود.علاء أبوعامر، وعز الدين المناصرة..الخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى