أقلام وأراء

بكر أبوبكر يكتب فتح والجماهير والوعاء الضيق

بقلم بكر أبوبكر * ١٨-٧-٢٠٢١م

نحن نقول أن الإطار التنظيمي هو وعاء ينتظم فيه من غلّب مصلحة الوطن على ذاته و”أنوِيّتَهُ” ومصلحته الخاصة، وإلا فما القيمة التي ترجى من وعاء يضم مجموعة من (الأنوات=جمع الأنا) أي مجموعة من الأفراد الذين يسعون لذواتهم، وليس لفلسطين!

إذ حين تغليب الأنا يصبح الوعاء ضيقًا جدًا، ويتحول لمجال صراع داخلي عميق، ويتحول من فعل خدمة منظمة لمجمل الناس الى خدمة خاصة لمجموع “الانوات” أو الشخصيات المتصارعة المرتبطة بالوعاء في استغلال متبادل.

بشكل أكثر وضوحًا فإن حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” إن كانت قناة أو وعاء أو إطار أو هيكل ناظم، فهي جزء من كلّ، ضمن الفهم الصحيح للحركة، بمعنى أنها ليست وعاء اوقناة لمن هم فيها فقط، وإنما هي قناة أو وعاء ينتظم فيه القلّة القادرين لخدمة الكثرة، والكثرة هم مجمل الجماهير.

أن فهم دور”فتح” مرتبط بالكلّ الجماهيري وليس بالجزء المنظم، أو الجزء الطليعي، لذا كانت الحركة تمزج بين فكرة الطليعة المنظمة، (المفترض وجودها) وبين ارتباطها الوثيق بحركة الجماهير.

الطليعة الرّسالية المنظمة (وليست المُحشّدة) هي الطليعة الواعية، وهي الطليعة المناضلة وهي الطليعة التي آثرت التضحية بمالها ووقتها وجهدها وروحها من أجل فلسطين، وعبر هذا الوعاء أو القناة التي مازالت صالحة، والهدف فلسطين والخدمة، أي خدمة الجماهير وتعليمها والتعلم منها.

لم يكن يومًا التنظيم الفتحوي ذا بابٍ موصد (على الأنوات أو الذات المصلحية للبعض) كما حال التنظيمات الفكرانية (الأيديولوجية) الإقصائية، وما كان ل”فتح” الرحبة المتسعة التي عرفناها أن تكون كذلك، فالكل أي جموع الناس هم ذات الحركة مُشرعة الباب نحو فلسطين.

لم تعجبني الشعارات المرفوعة تمجّد حركة “فتح” حصرًا وكأنها ذاتٌ منفصلة عن الجماهير! وما هي (أي فتح) إلا أحد أهم روافد نهر فلسطين الدافق الذي نغتسل فيه. لذلك كان لجميع المستقلين بل وجميع الفصائل المكانة المحترمة في “فتح”.

لم تعجبني الشعارات التي ترفع شعار الشهادتين على راية “فتح” الصفراء غير الجميلة باصفرارها، وكان الأولى الاكتفاء بعلم فلسطين، وما ذاك رفض للشهادتين لا سمح الله، وإنما لأن فيها شُبهة استغلال للدين مرفوضة، ولا تمثل “فتح” ولا فلسطين، (حسب ما أعلمت أنها كانت مخصصة للرفع في المسجد الأقصى فقط) بل ونحن ننتقد من يحتكرون الدين ويجعلونه مرتبطًا بأحزابهم أوشخوصهم الفانية، وكأن الاسلام العظيم لم يُعرف إلا بهم، حاشا لله!.

لم تعجبني صيحات التميّز من بعض المنتمين (لوعاء) “فتح”! ربما جهالة أوبلا وعي، وخاصة أولئك المحتشدين وليس المنظّمين لأن بأصواتهم المنكرة التي تمايز بين الجماهير تجد البحّة، وتجد الابتعاد! ما هو بعيد عن سِمة  الجماهيرية التي اصطبغت بها الحركة الى الدرجة التي كانت فيها “فتح” بنت فلسطين وشبه فلسطين كما قال عنها آية الله هاني فحص رحمه الله.

لم يعجبني التماهي الفتحوي مع السلطة الوطنية الفلسطينية بشكل كلي (ظالمة أو مظلومة)! فما نحن إلا أول الناقدين دومًا لمجمل أخطاء الحكومة متى ما وجدت فردية أم جماعية، وأول المفاخرين بانجازاتها، وعلى رأسها أنها مشروعنا الوطني المؤقت نحو استقلال دولة فلسطين.

“فتح” الناس والوعاء تفرز الغثّ والسمين، وتستطيع تمثل قول علي بن أبي طالب، فنحن منه “متعلمون على سبيل نجاة”، ولسنا بالعلماء أو العارفين المطلقين، ولا يتوجب أن ندعي ذلك.

كما لسنا “همج رعاع” (مصطلحه هو رضي الله عنه) متحشدين للصراخ أو التمايز عن سمتنا الرائجة (trend) أي الجماهيرية الرحبة، والواسعة المتسامحة، التي تحمل جينات الحب للجميع.

إن لم يكن الصوت مسموعًا في “فتح” من الجميع العربي، والعربي الفلسطيني فهي تفقد البريق الذي صاحبها حتى اليوم، والذي مازال لامعًا الا عند “الهمج الرعاع” الذين يسيرون على غير هدى، وراء كل ناعق كما قال رضي الله عنه.

 ورغم ذلك لا يجب النظر حتى لهذه الفئة أنها عدوة فلسطين أو عدوة الحركة، بقدرما إن المطلوب من الفتحويين الكثيرمن الإصغاء، والكثير من الجهد والعمل دومًا في الميدان،  بل والعمل لاجتذاب هذه الفئة أو البعض منها، أوتحييدها، أولتتقلص هذه الفئات وتتهمش وتخرج من جسدنا.

“فتح” الرحبة الواسعة ذات الذراعين المفتوحين أبدًا، و”فتح” الصِلة غير المنقطعة عن الناس، تتحسّس نبض الشارع ولا تتعالى عليه، فكيف تكون أبناً أو بنتًا وتكون عاقًا؟

* بكر ابو بكر كاتب وباحث وأديب وعضو مجلس إدارة مركز الناطور للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى