أقلام وأراء

بكر أبوبكر يكتب – بين أوتار العود وصراع الوجود

بقلم بكر أبوبكر

عندما وجهنا السؤال لعديد من الأخوات والأخوة حول ماذا تعني لكم فلسطين؟ وماذا تعني لكم القضية الفلسطينية؟ وماذا تعني لكم الحركة؟ وكيف ترون الصراع؟

تنوعت الإجابات وكأنك بهذه الاجابات تعزف على العود كمّثري الشكل ذو المسارات الستة للأوتار المزدوجة، فلكل أن يستخدم من الأوتار ومساراتها ما يجعل من اللحن مقبولًا.

ومن الآذان تلك التي تستسيغ العزف والجمال، ومن الأيدي مَن تعزف الجميل أو بالمقابل النشاز الذي استمعنا له في أحيان كثيرة داخل الحركة والثورة الفلسطينية نتيجة الصراعات الداخلية.

من الذين أجابوا عن فتح كان من قال أن فتح تمثل طريقا طويلا أو درب شاق لكنه واضح المسار والنتيجة، وهو ممهد في مساحة له، وذو مطبات كثيرة وعثرات.

هناك من نظر لفتح الوحدوية، والعربية كأنها تكره الألوان لذا فهي بلون التراب الذي يمتزج فيه الكل الوطني، كما تمتزج الألوان كلها، ويشارك ويقدم.

ومن نظر الى حركة فتح كأنها وعاء رآه يتسع للكل المتلحف بأفكاره الأيديولوجية ليدخل الطريق أوالوعاء، فضم هذا الوعاء كل من القومي والاخواني والاشتراكي ممن ترك رداء الحزبية، الذين استطاعوا أن ينصهروا داخل الوعاء ليكونوا نسيجا وطنيا موحدا.

ومنهم من نظر الى الحركة أو الثورة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية كأنها بيت بأبواب متعددة وشبابيك كثيرة وهو يتصف بمجموعة من الصفات.

فهو بيت دافيء

وبيت كبير

ولكنه على ذلك متعِب.

في هذا البيت الرحب المتسع للجميع الكلّ يدخل من أجل فلسطين أو لغرض في نفس يعقوب عند البعض، فالدعوة وجهت للجميع، ولا يخرج من الحركة –عدا قلة شاذة- إلا من قرر الخروج بيده هو وبارادته هو.

 في هذا البيت الدافيء لن يجد الداخل كل ما يسرّه، فلحظات الإقدام و السروروالسعي للتحريرقد تمتزج فيها مع الدم والدموع ومع كثير عقبات ومع أحزان.

 في هذا البيت سيجد الي ذلك ما يغيظه (ويفقع مرارته) لذلك فإن دخول البيت يعني أن يشمر الشخص ساعديه ليخوض الصراع بلا هوادة.

السؤال بالنظرة للحركة مشروع بعد هذه المسيرة الطويلة التي حققت فيها التجاوز، والعبور بين الأشواك، وتخطى حواجز المراحل ما يحتاج فهم لنفسية وطريقة تفكير هذه الحركة والثورة، وكيف نحن نعمل على الاستمرار فيها في إطار فهم الصراع ونفسية الثائر وعقلية المقدام الى جانب الانتهازي وذو الشفة المشرومة.

يخوض الشخص أو الكادر صراعه في اتجاهات متعددة: فهو يخوضه في سياق الإطار الذاتي أي الصراع الشخصي الذاتي، وما دام الانسان قد انضم لمجموعة أو كيان فهو بداخله يخوض صراعه الداخلي في بوتقة الكيان أو الجماعة أو التنظيم.

الصراع عامة قد ننظر له ذاتيًا في داخلنا (الجهاد الداخلي)، وداخليا في إطار الكيان (التنظيم) والصراع الخارجي الذي يجب ان يكون فيه المبدأ والفكرة واضحة والعدو محدد حيث نقطة الالتقاء فلسطين، ونقطة الانفصال هي عن الفكر الصهيوني الاستعماري الاحتلالي، وهذا الالتقاء والانفصال لن يتحقق الا بالتحرير، وهذا الصراع الخارجي أي مع العدو الرئيس هو سبب الانطلاقة وهو مبرر الحركة والثورة عامة فلو لم يكن لما وجدت الثورة ضد الاحتلال.

إن الثورة أو حركة فتح البيت أو الوعاء، أو الطريق المعفّر بالتراب، أو العود بأوتاره هي حركة مثلت لنا بحق مسيرة حياة ومنهج فعل، كما مثلت نقطة تجاوز وعنفوان متصل.

نرى الصراع الداخلي بنتيجته إما صراعا حديا اقصائيا، إما أنا وإما أنت، وإما صراع يودي لاستكانة أو انهيار أوانسحاب واما كما نريده نحن صراع صلابة ذاتية داخلية في مقابل مرونة خارجية.

ولكي يكون الصراع داخل الثورة والحركة مجلبة للتجدد والتغيير والابداع ثم النصر بإذن الله، وليس مجلبة للشر والفرقة والشقاق كان لنا ونحن خائضوه داخلها (بصلابة داخلية ومرونة خارجية) أن نتسم بالرسالية من حيث الإيمان والثبات على القيم والفكر والنموذج، وأن نتسم بالجذرية التي تعني امتلاك عقلية النضالية في مواجهة نهج السلطوية الاستبدادية والوظيفية، وكان لزاما ان يكون نضالا ذا ديمومة خطوة يتلوها خطوات وتناغم ودعم متبادل.

 مثلت لنا الثورة -ومما قالته الأخوات والأخوة ولخصّته مجمعًا هنا -قدرة على شحذ الهمم مهما ادلهمت الخطوب وتكاثرت الغيوم، وكبرت الطيفيليات في الجسد، فكانت كتابًا لمن يبتغي أن يتعلم العزف والثبات والإقدام بالطريقة الصعبة اي عن طريق العملي وليس النظري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى