أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

بكر أبوبكر يكتب – الملعونون والمفضّلون وخرافة “شعب الله المختار”!

بكر أبوبكر – 16/5/2020

تلعن الآيات في سورة المائدة الكافرين من قبيلة بني إسرائيل البائدة على لسان داوود (يدعي اليهود الديانة أنه ملك من ملوكهم، وليس نبيًا) وعلى لسان عيسى (الآية78 من المائدة) فهم كانوا عصاة ومعتدين ولا يتناهون عن منكر فعلوه، وكثير منهم فاسقون، وحسب الآيات عن الكفار بالقبيلة المندثرة (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)).

 ثم توضح الآيات أن الأشد عداوة للمؤمنين هم اليهود (اليهود جماعة دينية وليس عرقية او قبلية) والمشركين (الآية82) ما كان واضحا بتحالفهم ضد الدعوة في المدينة المنورة، وبما تقوم به الصهيونية اليوم ومحتلو فلسطين يمينا، ويسارًا لا وجود له.

ومن أكاذيبهم الرائجة “تفضيل” الله لهم بمنطق تفضيلهم كقبيلة أو كعرق أو كجنس؟! ما هو باطل، وما هو مخالف لمنطق العدالة والايمان والهدى، ومنطق الدين القيم أن كل شخص مسؤول عن عمله.[1]

 التفضيل لتلك القبيلة كان بمعنى الاختيار والتخصيص، أي باختصاصهم بالأنبياء وباختصاصهم بالدعوة لله، وبالتركيز عليهم بكثرة الأنبياء لعلهم يهتدون وليس لسواد عيونهم أوطول شعورهم أو لونهم أو(لفصيلتهم أو جماعتهم أوجنسهم القومي كما يروج كهنة التوراة بعنصريتهم بالأمس واليوم).

 وفي سورة الأنعام إشارة جليلة لمعني “التفضيل” الإلهي إذ بعد أن تعدد الآيات الأنبياء من ابراهيم الى موسى وعيسى تقول: (وكلا فضلنا على العالمين-86 الأنعام) وفي الآية 89 توضيح للمعني لمن عمي عن الفهم، بالقول أن “التفضيل” بثلاث قضايا واضحة هي: الكتاب والحكم (الفهم والعقل بالكتاب) والنبوة ، (ُأؤلَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)) أي لم يتم تفضيلهم-حتى الأنبياء- لطولهم أوجنسهم، أو قبيلتهم ،بل رحمة للعالمين بهم، ولصفات ارتضاها الله لهم، وللرسالة التي حملهم إياها (فضلهم وخصّهم بحملها) ولفهم وضعه فيهم، وكذلك الامر مع القبيلة (بني إسرءيل المندثرة). 

وفي سورة الأنعام عن القبيلة وأهل الديانة الكثير فحركت عليهم أشياء (ببغيهم-146)وجاء كتاب موسى هدى ورحمة (لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون) وتتحدث الآيات (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا)، من اليهود والنصارى، وقد تعني أهل البدع من المسلمين كما في التفاسير.

والى ذلك يشار لسقوط التفضيل للقبيلة بعد انحرافها انحرافا كاملا ثم كفرها، كما حصل منهم بعد موسى وكما تشير سورة القصص لاحقا، حيث القول فيها و(انشأنا قرونا-45 القصص)[2] أي أممًا طالت أعمارهم فنسوا العهود بعد موسى، إذ يقول القرطبي في ذلك:] (فتطاول عليهم العمر-45 القصص) حتى نسوا ذكر الله أي عهده وأمره نظيره (فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم- 16 الحديد)، وظاهر هذا يوجب أن يكون جرى لنبينا عليه السلام ذكر في ذلك الوقت، وأن الله سيبعثه، ولكن طالت المدة، وغلبت القسوة، فنسي القوم ذلك وقيل : آتينا موسى الكتاب وأخذنا على قومه العهود، ثم تطاول العهد فكفروا، فأرسلنا محمدا مجدّدا للدين وداعيا الخلق إليه.[.

والى ذلك وفي فكرة “التفضيل” بمعنى التكبر والتجبر والعنصرية والاستعلاء يقول علوي بن عبدالقادر السقاف[3]: ]الشعور بالاستعلاء والاستكبار على جميع الخلق داء عضال ومزمن عند الأمة اليهودية، ذكره القرآن الكريم عنهم في آيات كثيرة، وتزخر به نصوص كتبهم المقدسة لديهم، ومنها ما ورد في توراتهم المحرفة: (أنتم أولاد للرب إلهكم…لأنك شعب مقدس للرب إلهك، وقد اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض)!!؟

ويقول الرّبي عقيبا في المشنا[4] (وصايا الآباء 3/18): بنو إسرائيل أحباء الله؛ لأنهم يدعون أبناءه، بل هناك برهان أعظم على هذا الحب، وهو أن الله نفسه قد سماهم بهذا الاسم في قوله في التوراة: (أنتم أولاد للرب إلهكم). وفي مصطلحاتهم نجدهم يخلعون على أنفسهم صفات المدح والتعظيم فيسمون أنفسهم أيضاً بـ(الشعب الأزلي) وبالعبرية (عام عولام)، و(الشعب الأبدي) وبالعبرية (عام ينصح)، و(شعب الله) وبالعبرية (عام ألوهيم). وانبنى على ذلك احتقارهم للأمم الأخرى وتسميتها بألفاظ السباب والشتائم مثل (الجوييم) و(عاريل) و(ممزير)، ثم تمادوا في ادعائهم بأن لهم حق السيطرة على العالم ما داموا أنهم أبناء الله وأحباؤه.

وفي بطلان هذه الدعوى فلقد بيَّن القرآن الكريم بطلان زعمهم بالأدلة الواضحة الدامغة فقال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِير (المائدة: 18)

 مضيفا: ]وبيّن لهم ما هو الحق من أمرهم فقال تعالى:  (بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء  (المائدة:18) أي: ليس الأمر كما زعمتم أيها اليهود، بل الحق أنكم كسائر البشر من خلق الله، إن آمنتم وأصلحتم أعمالكم نلتم الثواب، وإن بقيتم على كفركم وجحودكم نلتم العقاب، لا فضل لأحد على أحد عند الله إلا بالإيمان والعمل الصالح.[  

الحواشي:

[1] الآيات كثيرة في ذلك (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)، و(مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44الروم)،حيث من كفر فعليه كفره أي جزاء كفره . ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون أي يوطئون لأنفسهم في الآخرة فراشا ومسكنا وقرارا بالعمل الصالح. فكل شخص مسؤول عن عمله لا عن قبيلته أو جماعته او عرقه، فلا جنة موعودة لا في الأرض ولا في السماء لأحد أبديا، وانما المبدأ هو (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ -13الحجرات)، ولكل وعمله وكما قوله تعالى: (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى-فاطر: 18)، وقوله تعالى: كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ -الطور: 21)، وقوله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى -النجم: 39).

[2]   القرن هو الأمة تأتي بعد الأمة، وفي النهاية أهل كل زمان.

[3] من دراسة في موقع الدرر السنية تحت عنوان: زعمهم بأنهم شعب الله المختار، بإشراف علوي بن عبدالقادر السقاف.

[4] التلمود نصوص يدعون تفسيرها للتوراة (التناخ=العهد القديم)، وبالتعريف هو: كلمة عبرية تعني الدراسة وهو كتاب تعليم الديانة اليهودية، وبتعريف آخر هو تدوين لنقاشات حاخامات اليهود حول الشريعة اليهودية، الأخلاق، الأعراف، وقصص من التراث اليهودي، وهو أيضا المصدر الأساسي لتشريع الحاخامات في الدعاوى القانونية، التلمود مركب من عنصرين، الميشناه والجمارا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى