أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

بكر أبوبكر يكتب – المصيدة الإسرائيلية في المنطقة

بكر أبوبكر  – 14/7/2020

إن التقاسم الوظيفي، والأدوار للأنظمة الشمولية الاقليمية التي تحيط بالعرب، وكل منها يمنّي النفس بالتمدد على جسد عواصم أمة العرب قد جعلت الأمة منقسمة بين هذا المحور أو ذاك حيث تجد من ينظر لهذا المحور أو ذاك المحور متناسيا انتسابه الأصلي للأمن القومي العربي الذي حاول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تكريسه طويلًا، كما حاولت الثورة الفلسطينية الضغط عليه بوضع العديد من الخطوط الحمر تحته لتجعل منه موضوعًا يمثل الدائرة الأساسية الأولى المحيطة بالقضية كالسوار في المعصم.

أن تجد من يتمحور حول تركيا على فرضية أنها تحمل في بطنها أحلام الخلافة أو الاستاذية للعالم أو استعادة عصور امبراطورية يصدمون يوميا بأن تكاليف السياسة والاقتصاد أكبر كثيرا من الاحلام! فما يحرك سلطان اسطنبول هو أحلامه الامبراطورية واقتصاده السياسي فيمدّ رجليه في البحر الأبيض المتوسط من قبرص وصولا لليبيا للاستحواذ على الغاز والنفط الليبي والعربي، وليس لأي سبب يتعلق لا بالاسلام ولا بالقيم ولا “مفهوم الخلافة” ولا بالاخلاق.

المحرك الرئيس يا سادة هي مصالحه الاقتصادية والأمنية والامبراطورية فقط لا غير، وإلا كانت الأخلاق والعدالة تقتضي قطع شريان التدفق التجاري بالمليارات الذي لا ينضب للكيان الصهيوني من أنقرة، الذي لا تهزه العواصف ولا شعارات البطولة القديمة، كما لا تهز الامبراطورية الاردوغانية صرخات الاكراد الذين يعانون الاضطهاد اليومي سواء في داخل تركيا أو الأكراد في سوريا المحتلة بأحد أجزائها من قبل الأتراك حديثًا كما انتزعوا منها قديما لواء الاسكندرون.

السلطان التركي الذي يتمتع بعلاقات أمنية وطيدة مع الكيان الإسرائيلي لا يحقّ له أن يدّعي الدفاع عن قضايا الأمة، ولا يحق له ما دام شريان الحياةللإسرائيلي من يده لا يتوقف، لا يحق له الادعاء بأن دعمه “للاخوان المسلمين” هو مصلحة إسلامية بقدر ما هو استغلال لهذا التنظيم المحاصر لنفسه، والمحاصر من عديد الدول، والمحاصر بفكره المغلق.

وفي الاتجاه المقابل تنزع بعض الجماعات من الشيعة العرب الى الافتراض أن الولاء لما يسمى “ولاية الفقيه” في إيران سوف تنجيهم من معركة العداء التاريخي للنظام الامبراطوري الإيراني، ولنظرته الفوقية تجاه العرب، ولاستغلاله المتكرر للطائفة، وفكرة الثورة للدخول الى قلوب أمتنا العربية وحضارتنا العربية الاسلامية، تحت مسمى محور المقاومة!

قد تفهم الانحياز لساسة و لمعسكرات وتنظيمات عربية بين هذين المحورين الاقليميين لظروف أيديولوجية أو تنازعات سياسية طالما عانت منها المنطقة في القديم والحديث، فالصراع في المنطقة من الزاوية التاريخية فيه من الرواسب والأنفاس القومية والطائفية والقبلية القديمة الكثير، ولكن تركيا تبقى تركيا وايران تبقى إيران وكذلك العرب يبقون العرب، أي ان التجاور والصراع والتواجد الحضاري والثقافي بأزماته وحروبه، وفترات هدوئه وتلاقح التجارب فيه كان وسيظل، أما ما لا نفهمه مطلقًا فهو مساواة الإسرائيلي بهم!

ضمن تحليل طويل يُفهم منه تقديم المودّة للمستعمر والمحتل والعنصري الصهيوني يقول الكاتب العربي: (فلولا وجود “إسرائيل” لكان العثمانيون الجدد يحاربوننا الآن من غزة)؟!

أي أن هذا الكاتب، ومثله عدد من الكتاب المهمين يتوهمون، ويتوهون، ويخبطون خبط عشواء حين يضعون النظامين الاقليميين المعتدين في ذات الدرجة مع عدو الأمة العربية والاسلامية الرئيسي الوحيد، وهو العدو الصهيوني ويخطئون الى حد ارتكاب المعصية الكبرى حين يظنون أن بإمكانهم التحالف معه  ضد المحور التركي أو المحور الايراني.

قال شهيد فلسطين الملك فيصل بن عبدالعزيز -كما يذكر المؤرخ أحمد الدعجاني- أنه:  “لتخليص فلسطين والقدس يجب أن يكون الجميع في المقدمة” .مضيفا:  “نحن دعاة سلم ومحبة ولكننا لسنا أذلاء وأني لأهيب بالعرب والمسلمين أن يتضامنوا وأن يهبوا لنصرة دينهم والدفاع عن مقدساتهم” .ثم قال:”يجب على المسلمين عامة وعلى العرب خاصة ان يتصلوا ببعضهم وأن يتفاهموا وأن يعتصموا بحبل الله.” مضيفا: “ويجب على كل فرد منا أن يشعر أنه فلسطيني عربي وفوق ذلك أنه مسلم، إذا توافر هذا الشعور لدينا وجب أن ننظر ماذا يجب أن نعمل”.  

إنه فعلًا لفشل سياسي، وإنه لقصور في الفهم فظيع أن يلجأ أشباه الرجال في ساسة أمة العرب، أو عدد من كتابهم ومثقفيهم حراس الفكرة والانتماء الحضاري الجمعي، وعدد من زعمائهم للاستعانة بالذئب في أمور الرعاية! أويلجأون للثعبان في حروبهم ضد الأغراب!

ذلك يذكرنا بمراحل الاحتراب فترات المماليك او لدى طوائف الأندلس عندما كان الاستنجاد بالاجنبي البعيد هو الأساس بالتفكير فما بالك الاستنجاد بالعدو الرئيس للأمة اليوم!؟

إن العمي السياسي بمصطلح خالد الحسن هو عمى من لا يرى، أو من لا يريد أن يرى أويتعامى فكيف لهؤلاء الراغبين باستقدام الإسرائيلي لحمايتهم!! من تركيا أو إيران؟!

ألا يفقهون معادلة الحرية الإسرائيلية الواسعة في سوريا؟ وكيف لا يفهمون أن السياسة والشعارات لا قيمة لها بلا اقتصاد! اقتصاد يرونه يتدفق برعونة من-إلي وبالعكس بين تركيا والإسرائيلي؟ وكيف لمن أصابهم العمى السياسي لا يرون طبيعة النظرة الايرانية في حدود السيطرة الاستعلائية فقط على دول الجوار من إيران وسوريا ولبنان وصولا لليمن!؟ فيما لم ينكره حتى بعض أعضاء مجلس الشورى الإيراني الذين تفاخروا باحتلال عواصم العرب! ولم يتفاخر أي منهم بجندي يطلق رصاصة ضد العدو الصهيوني.

إن الخطيئة الكبرى للعرب استبداد أنظمتهم، وقمع حريات شعوبهم، وتشرذمهم وعدم توحدهم وتفتتهم السياسي الاقتصادي الأمني ما أغرى الجميع بافتراسهم وحدانا وجماعات، ولكنها أمتنا نحن، ولها علينا النصرة.

والخطيئة الكبرى لدى الدول الاقليمية المذكورة أنها بشكل أو بآخر تحالفت مع الإسرائيلي ضد الأمة العربية، إذ أن مجرد حالة الإشغال للمنطقة بما هو بعيد عن القضية المركزية للامة قضية فلسطين، يشكل في حقيقته خدمة جليلة للإسرائيلي وهو ما تقوم به هاتان الدولتان، وهو ذاته ما يؤدي إليه  حكمًا ضعف العرب.

إن الأطراف السياسية الثلاثة، الجيران الثلاثة (تركيا وإيران، والعرب على تشتتهم)   بحروبهم البائسة، شاءوا أم أبوا، يُسهمون في عملية إطالة أمد الكيان الصهيوني العنصري الاستعماري بشكل مباشر أوغير مباشر. وهم بذلك يقومون فعليًا بتنفيذ مخططاته الأفعوانية لافتراسهم واحدًا واحدًا.

أن السياسيين العرب الذين يقيمون علاقات مع الإسرائيلي ضمن أوهام الحماية من أحد أو كلا الدولتين الاقليميتين، يقعون في المصيدة الإسرائيلية التي تتعامل مع الاتجاهات الثلاثة كمن يحرّك الدمى على مسرح العرائس!

لا ياسيدي، ولا ياسادة، فإن من ينظّر (أوينظّرون) للتحالف العربي مع الإسرائيلي كميزة! و”فضيلة”! فهو لم يقرأ التاريخ ولا أهداف الحركة الصهيونية القديمة والجديدة والتي لم تنقطع حتى اليوم بالسيطرة المادية والثقافية والعسكرية والأمنية والحضارية على الأمة، لذا نطالبكم ألا تغلبوا الاستعجال على التريث في الفهم، والا تغلّبوا منطق العواطف الشعبوية على نظرة المفكر العميقة.

قال الملك فيصل بعد حريق المسجد الأقصى عام 1969م، داعيًا العرب: “ليضعوا حداً للعدو الصهيوني الذي لا يتقي الله ولا يعرف سبيلًا للحق، وإنما بنى نفسه على أساس من الظلم والاغتصاب،وانتهاك حرمة المقدسات، وهدم حقوق الغير ليبني كيانه على حساب من لهم الحق الشرعي سكان فلسطين المشردين المعذبين الذين ينتظرون من العرب والمسلمين أن تجتمع كلمتهم وتتحد قوتهم من أجل إخضاع هذا العدو المتعنت للحق.”

وقال الملك خالد بن عبدالعزيز في السبعينيات، وسار على دربه كل الخلف: “إن تحرير فلسطين وفي مقدمتها القدس الشريف هي قضية الاسلام والمسلمين الأولى، وإننا نعتقد ان مواجهة المخططات الصهيونية في فلسطين هي مسئولية جميع الدول والشعوب الاسلامية”.

إن من أكبر خطايا أمة العرب أنها تحكم على نفسها بالموت! فهي تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تصنع، وتتباهى وتتفاخر بلغة غيرها، وتهيم حبا بمستعمرها القديم! وتضرب رأسها يوميا بكل الحوائط لتقول بملء الفم: أننا لا نريد أن نزرع أو نصنع أو نتثقف أو نقرأ أو نفهم!

إن من أكبر خطايا أمة العرب عدم قدرتها على فهم واستيعاب اختلافاتها البينية أوالسماح بالتعددية فيها، وتدعيم علاقاتها الاقتصادية وصولاً لمرحلة الاكتفاء العربي الذاتي، وضرورة توحيد سياساتها العسكرية والخارجية في وجه الخطر الرئيس، أوإدارة الصراع مع الأخطار الثانوية الاقليمية.

وإن من أكبر خطايا أمة العرب افتقاد الحرية، وافتقاد الديمقراطية من حيث هي حوار والتزام، وافتقاد المحاسبة والشفافية التي تجعل من التهليل والزغردة للنظام، أي نظام، هو الأساس، والتهليل والتطبيل للعقل الاستهلاكي الغربي مقدما على المرجعية الحضارية الواحدة، ومقدما على النهل من منابع العلم بكافة تخصصاته ومن كافة علمائه، وبعيدا عن الارتباط المصيري بين أجزاء الأمة وبقضية فلسطين التي هي مفتاح التماسك والنصر، وهي معول هدم كل أفكار التفتت وليس العكس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى