أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

بكر أبوبكر يكتب – التنظيم والقائد الأعجوبة!

بكر أبوبكر – 23/7/2020

في الآونة الأخيرة ونظرًا للخلافات التي تظهر بين التنظيمات السياسيةفي كل مكان، ومنها في فلسطين تتصاعد مجموعة من الدعوات غير البريئة التي تطالب باسقاط التنظيم السياسي كفكرة! وأهداف، وأطُر،وليس فقط كشخوص فاسدة أو مواقف سلبية، أوعوضاً عن إسقاطها تحاول التقليل من شأنها على فرضية أن منظمات المجتمع المدني هي المؤهلة للقيام بالدور الذي كانت تقوم به هذه التنظيمات السياسية؟

إن عملية الخلط بين الأفعال أو المواقف المشينة أو الخاطئة أو الانتهازية لأشخاص أو قيادات في التنظيم السياسي وتعميمها لتطال كل التنظيم السياسي فكرًا وجماعة ودورًا هي عملية قد تكون مقصودة أو منظّمة، وقد تمثل تساوقًا شعبيًا لمثل هذه الدعوات أوالاتهامات المبالغ بها غالبًا،أو لتقصير لدي التنظيم ذاته الذي مازال يعيش في قوقعته السابقة،أو في إطار عقليته المغلقة دون نقد ذاتي ودون تفعيل لأطر المحاسبة الداخلية أو دون الوعي بمتغيرات الحال، وأهمية الاستماع بإصغاء للآخرين، وضرورة الانفتاح الواقع في المجتمع الذي كثرت فيه الانتماءات وتشابكت فيه الاتصالات وغصّت به الأخبار والبيانات قبل المعلومات.

القضية العادلة في التنظيم

التنظيم السياسي الوطني أو الثوري مرتبط بقضية رئيسية عادلة، لا يمكنه تجاهلها ولا يمكنه ولا يجدر به التخلّي عنها حتى تحقيق النصر.

إن عبثية أو فساد طغمة في داخل التنظيم السياسي شيء متوقع، (ألهمها فجورها وتقواها) فهذه النفس الإنسانية التي فيها مَن تبهرهم الأضواء أواستبداد القائد، أو سلطة الموقع أو الكرسي فينحنون أمامها راكعين، وهناك من يدخلون التنظيم بنوايا انتهازية أصلًا للركوب على أظهر الآخرين، وعليه يصبح الصراع الداخلي لدى الطليعة أو المجموعة الواعية لا مفر منه مع مثل هذه الطغمة.

في ظل فساد شخص أو مجموعة يجب خوض الصراع الداخلي، وليس الهروب وإدارة الظهر، وليسالعمل على نقض الفكرة الأساسية، فكرة التنظيم. ولا يجوز فيه التعميم بل التخصيص، لذا فإن التنظيم السياسي لأصحاب القضية -أي قضية- ضرورة لا يمكن القفز عنها.

التنظيم وعاء الطاقات

وحتى حال تحقق الأهداف الجزئية أو الكليّة، فإن التنظيم السياسي لا ينتهي، وإنما قد تتغير مجالات النضال أمامه أو الأهداف والغايات، ولكنه يظلّفكرة صالحة جامعة للطاقات والقدرات،ووعاءً شاملًا لا يمكن لأي منظمة نقابية أوتطوعية أو ثقافية أو غير حكومية أن تحل محلّه.

إن النظر للتنظيم السياسي بذات النظرة القديمة لا يستقيم معها العمل والتقدم والعطاء، ففي الوقت الذي كانت فيه القضية السياسية (الفلسطينية في حالتنا) تفرض نفسها أصبح الوضع أكثر صعوبة في ظل التشابك وتعدد الانتماءات، ما يلقي على أعضاء التنظيم المؤمن بقضيته النضاليةأن يتجدّد بفهمه وفكره التنظيمي، وتطوير قدراته، وآليات عمله وتدريب أعضائه على الجديد.

صلابة، وتأهيل الجيش

لم يعد الرجل الفذ أو القائد الأعجوبة أو الزعيم الرمز يمثل عاملًا جاذباً للكثير من الناس، ففي ظل الانفتاح العالمي وقِصَر المسافات الفكرية المتباعدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ظهر أبطال كثيرون، وجلّهم  نمور من ورق، ولكنهم بالنسبة لمتابعيهم أيقونات تنافس أيقونة الزعيم الأوحد سابقًا.

أنت بحاجة لجيش متكامل من المنتمين الصلبيننعم، ولكنهم المؤهلين والمدربين ليستطيعوا أن يصلوا لكل فرد في بيته ومكان عمله، فينشرون الفكرة ويدافعون عنها بقناعة الصاعد للجبل.

لم يعد للطريقة القديمة جدوى كبيرة تُذكر من صحيفة تُوزع، وكتيب يقرأ، وبرنامج في الرائي (التلفزة) يؤثرأوينظّر للزعيم الأوحد! لقد أصبحت مقولة “لينين” القديمة: “أعطني صحيفة أعطيك حزبًا ثوريًا يقلب روسيا القيصرية رأساً على عقب تحتاج لإعادة فهم بصيغة جديدة وفق تطور الأحوال.

لقد تبدّلت الأساليب واختلفت الميادين،وأصبحنا اليوم بحاجة ماسة -في ظل طوفان المعلوماتية والاتصالات- لمخاطبة كل إنسان على حدة، وبأسلوبه وحسب ثقافته، وبشكل تبادلي تفاعلي، وهذا ما لا يقدر عليه شخص واحد،أوما لا تقدر عليه الدعاية التنظيمية (الحزبية) القديمة الموجّهة فقط،وما لا تقدر عليه الحكومةأحادية الاتجاه،أي إنك بحاجة لمنابر ومنصّات جديدة تفاعلية، وبحاجة معها لجيش مدرّب ومؤهل ينظّروينشرويدعو ويجذب ويستقطب الناس، بأليات وطرق متنوعة بتنوع شخصياتهم، وتنوع الأدوات الجديدة.

ومن هنا فإن الحفاظ على الكادر المنتمي والمؤهل والمدرب يمثل استثمارا في القضية وفي المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى