أقلام وأراء

بكر أبوبكر يكتب – الالتزام ليس سيفًا مسلطًا أو مبرر إخضاع!

بقلم بكر أبوبكر

في فترة الأزمات أو أثتاء المواجهات، أو حين حالة الفوضى وافتقاد البوصلة، وحين استحكام التذبذب القيادي أوظهور الاجتهادات يبرز عند السلطة أو القيادة النافذة في أي تنظيم سياسي، أو قيادة سياسية قاعدة الالتزام باعتبارها الملجأ أو السلاح الأخير لها للخروج من الأزمة، أو للتحريض للمواجهة أوللخروج من فوضويتها وانعدام التخطيط وعدم الصوابية في اتخاذ القرار، وهو ما يميز القيادة الفوضوية أو القيادة العبثة (سايرة والرب راعيها) أو القيادة المرتكزة على البناء شديد المركزية أوعلى أسلوب الاستبدادي الإخضاعي.

في فترة الأزمات أو حين المواجهة تعبّر القيادة السياسية عن عجزها، باللجوء لفكرة الالتزام باعتبارها سلاحًا مشهرًا! ضد المخالف، وباعتبارها الجدار الأخير لأنها أحد قواعد العضوية بالمنظمة (التنظيم أو الفصيل السياسي) بالطبع متغافلة عن تكامل المفاهيم التي بدونها لا يكون للالتزام -بمفهومهم الضيق والاستخدامي- له أي معنى.

إن القواعد التنظيمية في الفصائل السياسية عامة، وخاصة الفلسطينية تنطلق من الديمقراطية المركزية أو الشورى المركزية مقترنة مع النقد الذاتي والتثقيف، ومع المشاركة، ومع دورية الاجتماعات والمؤتمرات التمثيلية ليقفز الالتزام الحقيقي ليظهر قويا في ضوء ما سبق وليس منعزلًا عنه، لأن العضوية لا تعني الانصياع المطلق، أو الخضوع لإرادة أشخاص قفزوا عن حق، أو قفزوا لانتهازية الإطار الى قمة هرم السلطة السياسية او التنظيمية.

إن استخدام فكرة الالتزام بالقانون أو النظام كعامل تخويف أو سوط مسلط على رقبة الأعضاء والناس! لن يفيد في ظل الأزمات أو حين المواجهة إلا أن اقترن بالاجراءات الأمنية (البوليسية) التي تكمّم الافواه أوتتجسس على الناس وتهددهم بمعاشهم وتهددهم بشخوصهم أوبحرقهم سياسيا، أوبسجنهم أو قتلهم ما هو شأن الأنظمة الاستبدادية في العالم، وما اكثر الأمثلة في منطقتنا العربية.

إن الالتزام قاعدة تنظيمية في كافة التنظيمات السياسية بل وغير السياسية، ومنها الفلسطينية. وهي إن عنت الانصياع باستبدال الدماغ بكومة من القطن! فذلك إغراق بعملية الإخضاع وتحويل الإنسان الى شيء (تشييء) أو الى حيوان، لأن الميزة الوحيدة بين الحيوان والإنسان هو العقل، وهو الميزان (والسماء رفعها ووضع الميزان).

والعقل هو الحاكم لذا كان الاستخلاف، وفي الإطار الجماعي ليصبح الحكم للجماعة حين تتوافق ديمقراطيًا (شورويًا) وليس حين تبيع قطنها للمتسيّد أو المستبد أو الأيقونة! في هذا التنظيم او ذاك.

يدخل الكادر المنظّم في الفصائل في حيرة عارمة! فهو بين افتقاده للرعاية الثقافية الفكرية والنظامية عبر التواصل والمتابعة يصبح في (حيص بيص) فلا يفهم جليًا حقوقه وواجباته!

لذا عندما يتم الضغط عليه من باب قاعدة أو قيمة أو مبدأ واحد بحد ذاته يعيش صراعه، فلا يستطيع الخروج من فقاعته التي وضع نفسه فيها أو وضعته فيها قيادته حين ضحكت عليه مرارًا وتكرارًا واستهبلته واحتقرته وتجاوزته فاتخذت عنه مختلف القرارات غير النظامية على اعتبار أنها تمثله، فتفعل ما تشاء وليس له إلا الالتزام، وما هو بالحقيقة هنا الا قاعدة الإخضاع والانصياع المطلَق، والمطَلِّق للعقل هبة الله للبشرية جمعاء.

إن الالتزام فكرًا وقولًا ومسلكًا، وبالتكرس والانخراط يكون على 5 مستويات أساسية: فالالتزام المطلق هو بالايمان، وإيماننا بالله نحن مطلق، والحمد لله، وإيماننا بفلسطين والقضية والتحرير والعودة مطلق أيضا، لذا فمخالفة هذا الالتزام خروج ومروق كمروق السهم من قوس النشّاب فيما ذكره المسلمون الأوائل وصفًا للخوارج الأوائل.

والالتزام في مستواه الثاني هو الالتزام بالسراطية (الاستراتيجية) وبالخطة والمنهج والبرنامج المنبثق والمعبر عنه في الفصائل السياسية بالبرنامج السياسي -الذي لم تصدره حركة فتح حتى الآن منذ مؤتمرها الأخيركنموذج فوضوي- رغم تقارب برامج كل الفصائل نظريًا حين ألقت سلاحها جانبا اليوم، ولم يفد أي منها إدعاء أنهم أبناء الله حصريًا! أو أياديه المتوضئه! ما هو عبث الكلام في مواجهة الشعب المسلم.

أما الالتزام بمستواه الثالث فيأتي بالقناة، أي بأطُر أو هياكل التنظيم الداخلية، ولا يتم ذلك الا بحقه أي بممارسة الديمقراطية المركزية ولمن لا يفهمها مراجعتها لأن القيادة المستبدة اوالقطنية أوالانتهازية تفهمها فقط مركزية مطلقة أي استبداد يقابله انصياع وخضوع.

(ورحم الله عبدالرحمان الكواكبي والشيخ محمد الغزالي وخالد الحسن وغيرهم ممن تصدوا بالقلم واللسان لفكر الاستبداد السياسي والديني والقيادي السلطوي).

يفهم الأعضاء العبثيون أو اللامبالون أن المركزية الديمقراطية هي ديمقراطية فضفاضة! بلا ضوابط! وماهي أيّ من المفهومين.

فيما هي مشاركة نظامية ضمن لوائح وأطروقواعد وآليات تحترم العقل الموزون، وتفترض منه أبراز ابداعاته وليس طرحها جانبا كما تُطرح الفضلات أو حين تضعها القيادة في الأدراج على مظنة أن هذه القيادة صعدت الى موقعها بإرادة ربانية أوصعدت بإرادتها الفذّة التي لا مثيل لها لا بالشرق ل بالغرب!

في المستوى التنظيمي أي داخل التنظيم السياسي يتمازج الانخراط ضمن القناة مع الإيمان بالبرنامج، ومع نقطة الالتزام بالقوانين أي النظام الداخلي، وهي المستوى الرابع هنا بمعنى أن وجودي ضمن القناة/الإطار السياسي لا يعني أنني فاقد أهلية الرأي منصاع للأكبر أو الأعلى أوالأشد، بينما يجب أن يعني انخراطي في آلية مشاركة مباشرة أو تمثيلية تحقق البرنامج السياسي والنظام الداخلي وفي سياق ما يكون لي الرأي والقرار وفق اللوائح فلست ممتلكا لدماغ من القطن أبدًا.

إن المستوى الخامس من الالتزام هو الالتزام بالقرار المتخذ أصولًا، وهذا له من النقاط الكثيرة (المتكاملة باديء ذي بدء مع المستويات الأربعة أعلاه، ومع النقاط النظامية الأخرى)، فلا يكفي أن يكون القائد في موقع القيادة (علميا تعريف القائد شيء والموقع شيء آخر) ليكتسب شرعية اتخاذ القرار مطلقًا بمعنى أن قائد القطاع أو الرابطة أو الجهة أو التنظيم أو الجمعية أو المزبلة ليس سيدًا مطلقا وليس له أن يكون، إلا أن تنازل الأعضاء عن حقهم بالتخطيط والمتابعة والتقويم والعمل وهذا شأنهم!؟ حيث تصبح مطالبتهم بالمشاركة بلا قيمة حينها، ويتم الاستخفاف بهم عن حق، لذا تقع مسؤولية الفرد أو العضو في الإطار بأن يؤدي ما عليه وبالمشاركة التي تؤهله للقول لا عالية حين اصطباغ القرار بالرائحة الفردية او الاستبدادية أو التحللية من من أي من مستويات الالتزام الخمسة، فيقول أنها لا تعجبني او ليست نظامية وإليكم الصواب برأيي والسلام عليكم.

إن الإلزام بالقرار ليس حقًا إلهيا لمن هم على سِدة القيادة وإلا ما وجد نظام يحاسبهم، فالالتزام ثنائي وتبادلي.

وفي المقابل لا يعني تجهيل الأعضاء بحقوقهم وواجباتهم أن ليس لهم حق الحديث والنقد والحوار في مساحته تحت طائلة أنك تخرق الالتزام! وهو يمارس بالحقيقة واحدا من حقوقه أو واجباته.

إن الالتزام بالخطة يأتي ضمن آليات المشاركة المتنوعة في فصائل الثورة، لكنها تنطلق من قاعدة الديمقراطية المركزية او الشوروية المركزية كما أسلفنا، وفي كل الأحوال يجب ألا يتمتع أي قائد أي كان بصفة التمجيد أو القداسة أو الحصانة التي هي فقط للأصل الأول للالتزام، أي الالتزام الإيماني الرسالي النضالي.

إن الالتزام بالقرار المتخذ أصولًا يقتضي ثلاثة أمور لكي يبتعد صانع القرار هناك في برجه العاجي عن شُبهة الاستبداد (الديكتاتورية) سواء الاستبداد الشخصي أو استبداد البطانة المستفيدة، أو استبداد الإطار المركزي، يقتضي: الحوار والمشاركة وتطبيق القانونأي النظام (القانون) الحاكم والضابط لحياة الفصيل أو الجماعة.

وفوق هذا وذاك فما الذي يُلزم الجماهير الالتزام بهذا الفصيل السياسي أو ذاك؟ سوى المكون الأول والثاني؟

الناس تلتزم بهذا الفصيل أو ذاك ليس لجمال عيني القائد الفلاني ولا لطلّته البهية،أو تاريخه العظيم المعطّر بالانجازات والله أعلم، ولا تلتزم بهذا الفصيل أو ذاك انبهارا بالقائد المجحفل بحاشيته المتقافزة شمالًا ويمينًا، وإنما تلتزم بالتنظيم وفكره وسيرته وعمله وسلوكه المنضبط لقيمنا العربية والاسلامية والمسيحية المشرقية الأصيلة، وبمقدار التزام هذا التنظيم السياسي أو ذاك بالقضية وما تقتضيه من فكر وبرنامج نضالي مضافًا اليه البرنامج الخدمي للشعب والامة.

فما يلزم الجماهير بالشخوص أو ذات التنظيم السياسي إن لم تكن الصورة البراقة النظيفة واللائقة والمشرقة (image) للماضي والحاضر والمستقبل، وإن لم تكن المصداقية والشجاعة والنزاهة وأمل (توسّم) تحقيق التقدم وخدمة القضية والناس وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى