أقلام وأراء

بكر أبوبكر يكتب – الاقصائيون والهشاشة والتنسيق الأمني

بكر أبوبكر 26/11/2020

تجد العديد من المقالات والكتابات والتصريحات حول العلاقة الفلسطينية مع الاحتلال الصهيوني، بين رفض أوقبول وبين تفهّم واقعيأواتهام، وخاصة في الأيام الحالية حيث الانحدار لمساحة دنيا من التمسح بأقدام الغزاة،تحت مسمى التطبيع أو التتبيع أو الانعزالية، وفي ذلك نميز بين فئتين.

الفئة الأولى هي ذات العقلية الاقصائية ضمن التنظيم السياسي، وهي صاحبة عقلية الفسطاطين التي  تتخذ من العلاقةالرسمية للسلطة مع الاحتلال ذريعة للانفضاض عن الوحدة الوطنية، واتهام حركة فتح، ولهذه الفئة الاقصائية في الانفضاض والنقض سوابق كثيرة.

في الجانب الآخر أو الفئة الثانية وهي الانعزالية العربيةفإنهااتخذت العلاقةالفلسطينية مع الاحتلال ذريعة إضافية لحقيقة علاقاتها الحميمية القديمة، واتخذتها مبررًا لعجزها وهشاشتها وعُريها العربي الحضاري القيميبالمقولة الشائعة أنتم من سبقنا بالعلاقة (يسمونها التطبيع) مع الإسرائيليين فلم تحرّمون علينا ما تحلونه لكم؟

ما بين الفئتين بون شاسع فالأولى منا مهما كان، والثانية ليست من أحد،والفئة الأولى ترتبط بالمركز فيها بمحور إقليمي وفكر انغلاقيفسطاطي،وفيها مساحات من الرحابة بدأت تشرق على تيار فيها بلا شك واقصد هنا الاخوان المسلمين عامة وفي حركة حماس.

وكنت قد أشرت في لقاء مركز مسارات مع خالد مشعل وفي خطابي له أنه يمثل تيارا مستنيرا قد لا يلقى قبولا بالتنظيم، أو كأنه يسبح ضد التيارالعام، وهو صاحب فلسفة عقلانية متمايزة،وهذا الرفض له يأتي منالجناح الجذريالاقصائي المتطرف وهذا ما كان من تعطيل المصالحة بعد خطوات استبشرنا بها. (للمعلومة تم التعطيل للمصالحة في القاهرة قبل ٣ أيام من اعلان حسين الشيخ عودة التنسيق الأمني مع الإسرائيلي).

لدى المتحجّجين بالعلاقة مع الإسرائيلي من الفئة الاقصائية الفلسطينية افتراض بغباء الناس، أو أن ذاكرتهم قصيرة، لذا يضعون العوائق أمام المصالحة بفكرة التنسيق الأمني!

ولنا في ذلك نقطتان الأولى: أنها لا تعد حجة حقيقية في مواجهة إتمام المصالحة، لأنها لم تكن ذات شأن في الاتفاقيات المتعددة التي عقدت بالالتفاف عبر الدول العربية بدءا من مكة فصاعدا، أي منذ الانقلاب حتى حوارات الرجوب-العاروري.

وعليه فان تُتخذ الأن حُجة فهذا ضعف وذريعة واهية، والحقيقة تكمن في تجبّر التيار المتشدد وهو التيار الالغائي للآخر في فصيل حماس والذي في معظمه يتركز في قطاع غزة، وله من المبررات الكثيرمما يريد فيها تسويقنفسه ضمن الفكرة الأصل عنده أنه البديل الجاهز.

ولا يغيب ما قاله أبومرزوق من أيام أن حركة فتح تجرنا لمربع التسوية!؟ ضاربا بعرض الحائط باتفاقيات المصالحة السابقة التي لم تجره لمربع التسوية؟! كما الحال برفضه لاتفاق جبريل-العاروري،وموحيًاأن رفضه جاء علي قاعدة التنسيق! كما قال غيره بوضوح، والتنسيق بريء من هذه الحجة.

وكل هذا لا يتكامل إلا مع الإشارة الواضحة  الي تنسيق حماس من قطر عبر سياسة الحقيبة (الشنطة)مرورا عبر التنسيق الأمني، والموافقة الصهيونية ثم التهدئة في قطاع غزة، وهكذا. والمقارنة الصحيحة أن الطرفين ينسقان معًا لمنع العمليات ضد الإسرائيلي مع فرق أن بالأولى اتفاق فلسطيني رسمي رغم فوات أوانه، وفي الثانية تنسيق فصيل محدد!

في الفريق الانعزالي العربي لا تجد حجّة العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية حقيقتها وقوتها الا في حالة واحدة نعذر فيها الانعزاليين! وهي حالة أنهم تحت احتلال إسرائيلي مباشر (ربما يقول قائل أنهم تحت احتلال أمريكي مستتر أو امريكي- إسرائيلي وللقائلين بذلك عذرهم)، لأن الواقع تحت الاحتلال الفعلي أمامه من الخيارات ثلاثة الأول إما أن ينصاع، والثاني أن يقاوم عنفًا أي بالكفاح المسلح، والثالث أن يقاوم سلمًا. ولم نجد من الرازحين تحت الاحتلال أوالاستعمار عامة الا الخيارين الأخيرين فقط، أو بالمزاوجة بينهما.

في الخيار الأول: فإن معنى الخنوع والانصياع للاحتلال هو أن  ينكسر وتثبط همّته، وتنهار إرادته، ويقبل احتلاله أو استعماره حتى حدّ التماهي كما حصل مع احتلالات كثيرة بالتاريخ فتصبح رواية الاحتلال هي ذاتها رواية الواقع تحت الاحتلال فلا تميزهما عن بعضهما البعض ومن هنا تأتي العلاقات الدافئة أو الحميمية التي يتفاخرون بها بلا إحساس بالمذلّة!

وفي الحالة الثانية أنهم أحرار مستقلين كأفراد أو كدول فلهم أن يتصرفوا كدول مستقلة تحسب حسابا للقيم والمبادئ الحضارية العربية والإسلامية الجامعة، وتحسب حسابًا لبلدها ورأي شعبها، وتحسب حسابًا للاتفاقيات العربية الجامعة وفي ذات الشأن تحسب حسابا لمصالحها الاقتصادية السياسية.

نعلم أن معظم دول العالم الهش أو المنهار نفسيا، وزراعيا وصناعيا وحضاريا، أوالواقع تحت عقوبة أنظمة الاستبداد والظلم أوالمأسور لأنظمته السياسيةالهشة هو عالم لا يثق بنفسه بتاتا، لذا تجده يجري خلف ما يعتقده العالم الأول.

بل ويتبنى هذا العالم الهش قيم الآخر وأخلاقه، ومظاهر حضارته دون مقوماتها العلميةوالتقانية التقدمية، ظانا -وهو آثم بظنه هذا- أنه يركب مركب التطور وهو بالحقيقة ينحدر وينسحق تحت أظفار تلك الحضارة الطاغية.

الانسحاق للانعزالي أو المنهار نفسيا تحت أقدام الطاغية يمثل تخلّي طوعي عن لسانه وقيمه الحضارية المتمايزة.

ولا فرق لدي المنهار والهشّ حضاريًا بين الانسحاق تحت أقدام الحضارة المهيمنة أو ربيبتها أو أحد تفرعاتها الاستعمارية ونقصد “ٌاسرائيل” وكما يتقرب الفاسق المتزوج من المرأة الأجنبية عبر طفلها، فلا بأس بمثل هذا التطبيق!

إن فكرة النظام الواقع في قبضة الاستعمار أو الاحتلال هي فكرة مهيمنة على العقول كما كان يردد المفكر مالك بن نبي بما أسماه القابلية للاستعمار، وهو اليوم هشاشة فكرية وخلقية، وهو انعزالية عن قيم وحضارة وروح الأمة،وقابلية جامحة للاحتلال، وهو هشاشة حضارية بل بالحقيقة تشوق للاحتلال!وانبهار به الى حد الاحتفاء اليومي ما لم يكن له بالتاريخ الا لدى قِلّة من النماذج الشاذة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى