أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

بكر أبوبكر يكتب … الإعلام وتشويه السمعة، وفتح باب القبول

بكر أبوبكر – 3/7/2020

في ندوة على تطبيق “زوم” مع عدد من الأخوة الكرام من كوادرنا في الكويت، وهي الندوة الثانية معهم، دار بيننا حديث طويل وممتع حول الإعلام من حيث دوره الفاعل، وطنيًا بالداخل والخارج، ومن حيث قدرته على التغيير المجتمعي والجماهيري، ومن حيث الوصول لعقول وقلوب الناس، ومن حيث التشبيك، ومن حيث اختلاف مقدار تأثير الإعلام التقليدي في مسار التطور الذي اتخذه الإعلام الجديد عبر الشابكة (انترنت).

انتقلنا بالفكرة من طرح بلورة الفكرة السياسية-الاعلامية عبر المنشور والصحيفة أو الجريدة الى الإعلام الجديد، حيث مرّت الفكرة في حركة فتح من مجلة فلسطيننا-نداء الحياة عام ١٩٥٩-١٩٦٤ إلى جريدة فتح اليومية في الستينيات من القرن العشرين، ومجلة الثورة الفلسطينية، وما تلاها من صحف مختلف الفصائل* ثم الصحيفة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) فلسطين الثورة (١٩٧٢-١٩٩٤م)، وصحيفة البلاد، وغيرها الكثير، وصولًا لنشرة فتح التعبوية نصف الشهرية التي رافقت الأخ صخر حبش حتى العام ٢٠٠٦ تقريبا، لنفتقد الورق لاحقًا إلا ماكان من مجلة القدس التي يصدرها إقليم فتح في لبنان في مسيرة طويلة، أدركت أهمية الإعلام الجديد متمثلا بالمواقع الالكترونية، والصورة والصوت، والكلمة القصيرة والصادقة والمؤثرة.

لقد كانت مداخلات الأخوة والاخوات رائقة وواضحة، وتتحسس المخارج وتسعى لتحويل التشخيص لمبادىء خطة قابلة للتنفيذ في حالتنا الوطنية، ما دلّل على حجم الوعي لدى جالياتنا في الخارج، ومدى انخراطها في الشأن الوطني، وهو ما يمثل خط الدفاع العربي والعالمي عن القضية الفلسطينية.

مما لا شك فيه أن الإعلام التقليدي كان يمثل بالنسبة للانظمة (والمنظمات) بوقًا إعلاميا-دعائيا-تحريضيا لها سواء من إذاعة ومرناة (تلفزة)، أو صحف ورقية، ولم يعد مثل هذا الأمر قائما اليوم، فبعد أن كان لأي جماعة أن تنقلب على النظام السياسي من خلال احتلال مبنى الاذاعة، أصبح الأمر يتطلب اليوم أن تحتل القلوب، أو تتربع في عقول الناس وقلوبهم أولا لتحدث التغيير.

(إنّ جوهر الفعل الإعلامي هو نقل الوعي من الإدراك العقلي إلى الانخراط العاطفي، ومن التبنّي الفكري إلى التبنّي المعنوي.

وهدف الفعل الإعلامي يقوم على نقل وعي الجمهور من مرحلة رفض فكرة ما إلى مرحلة القبول بها، أو تقوم على نقله من مرحلة القناعة العقلية الدارجة بفكرة ما إلى التبنّي الشعوري والتعصّب لها.) كما يقول الكاتب محمد قطان.

وأنت في ذلك تفهم حجم التطور الاتصالي الالكتروني العابر للأكتاف والرقاب، وضعف القدرة علي التحكم في الرأي العام، الذي هو في ظل الزخم الإعلامي الصادق منه، أوالكاذب والمضلل، قد يتوه أو ينجرف في اتجاه التحريف والتشويه، لتجد دون أن تدري إن الصورة المشوهة لفعل أوشخص أو جهة قد أصبحت واقعًا لا تستطيع فيه تغيير الوعي والإدراك بسهولة.

عندما ينجح الإعلام (وكل إعلام له أهدافه وقيمه) في تشويه الصورة أواسقاط السمعة، فإن باب القبول العاطفي ينفتح على مصراعيه لتقبل ما هبّ ودبّ من إدخالات سواء كانت صحيحة أو مجزوءة أو مكذوبة.

ان التشويه والتضليل الاعلامي والتحريف هو تلاعب عقلي عاطفي يهدف الي قصف العقول ونزع الصورة المستقرة، وتحويلها لصورة جديدة قد تكون مشوهة، وقد تكون تصحيحية حسب الهدف.

وهنا أشير إلى أن تشويه الصورة، وافقاد السمعة الجيدة (لشخص أو فصيل أو نظام…) هو فعل الأعداء أو الخصوم الذين يتبعون منهجا تشويهيًا من ٥ نقاط ، يمكنك أن تعكسه،كالتالي

الأول: أنهم يضعون خطة واضحة بأهداف أو هدف يقومون بقصفه بلا هوادة، وثانيا: يجندون لذلك جيش مؤهل ومدرب من المختصين، والمتطوعين في الإعلام الجديد، وثالثا: يستخدمون منطق الاجتزاء والتحريف وقلب الحقائق وخلط القديم بالحديث، والكذب. ورابعا: يستخدمون آلية التكرار، والتركيز على الهدف بما يجعل الشخص العادي مأسورا للفكرة التي تطلّ عليه من كل باب ونافذة، أما خامسًا: فيلجأون إلى التنويع للمصادر والأساليب (صورة، كلمة، شريط قصير، وسائل تواصل متنوعة…)

إن آليات التصحيح -أو التشويه- هي نفس الآليات، مع اختلاف الدوافع والأهداف والقيم الحاكمة.

إذ أنه بالنسبة للتصحيح أو التصويب للصورة، أو إعادة بناء الصورة يتم استبدال التحريف والكذب بالمصداقية والموضوعية والوضوح في نفس إطار التكرار والتنويع والتركيز ما قد يمكنك بكثير من الأيمان والصبر والمثابرة وعمل الفريق الدؤوب من نقل الجمهور من مرحلة رفض الفكرة التصحيحية،أو الصورة الجديدة ، إلى القبول بها، ولكن بصعوبة النقلة من الانتماءات القديمة المستقرة الى الجديدة، وكأن الشخص أو الفئة المستهدفة تعتنق دينا أو فهما جديدا.

أشكر الأخوة والأخوات في الكويت، الذين أضافوا لفكري وفهمي وروحي الكثير من الإدخالات والأفكار، التي استفدت منها وسأظل، لا سيما وأنهم أخوة زمن جميل من الصعب تكراره، الا ان ركبنا آلة الزمن لهربرت جورج ويلز!

*بلغ عدد صحف الثورة الصادرة عن جهات مركزية للمنظمات بين عامي 1965 و1975 زهاء 29 صحيفة ونشرة علنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى