أقلام وأراء

بكر أبوبكر – كتيب حملة الدولة الواحدة من البحر الى النهر!

بكر أبوبكر 23-1-2022م 

اطلعت على كتيب الكتروني صغير وأنيق ومعنون “حملة الدولة الديمقراطية الواحدة، الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية مشروع تحرر وطني وانساني يحقق العدالة، سؤال وجواب”.

ورغم طول العنوان فإن ال36 صفحة تستحق القراءة حقًا والتمعن والتفكر(المشروع جاء في 32 صفحة والباقي 4 صفحات تحت عنوان من هم اللاجئون الفلسطينيون بالتفصيل)، خاصة أن “الحملة الشعبية حول خيار الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية” بدأت  بمجموعة من الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين من مدينة حيفا كما يقول الغلاف الأخير للكتيب منذ العام 2018 مشيرًا في كل ثنايا الكتيب الى سقوط “حل الدولتين”، “الظالم أصلًا بفعل إصرار نظام الأبارتهايد الكولونيالي على بسط سيطرته الكاملة بين البحر والنهر” كما ننقل نصًا من الغلاف الأخير أيضًا.

التبسيط والقوة وصلابة الطرح “النظري” التي تميز الكتاب عبر السؤال والجواب لمختلف الأسئلة المتداولة حول الموضوع وطريقة الصياغة المحبوكة تدلّل على جهد كبير ويُحترم في إعداد الكتيب، بل وتدل على الايمان القوي بالطرح وجديته لاسيما والقطع حسب الحملة بسقوط الحلول في فلسطين، الا ما شابَه الحل في جنوب إفريقيا الذي احتوى السكان الأصليين مع المستعمرين ولكن بطرح العنصرية جانبًا رغم استمرارها اقتصاديا في ذاك البلد وكما يشير الكتيب.

يحمل الكتيب بشكل كبير على “اتفاقية أوسلو” وعلى “حل الدولتين” ويذهب عميقًا ليقرر أن “الاستيطان الصهيوني في كل فلسطين منذ بدايته غير شرعي ويجب مواصلة مقاومته-ص15”. وموضحًا أن “حل الدولة الواحدة يقوم على تفكيك المستعمرة الكبرى (إسرائيل) التي يعود تأسيسها الى سنة 1948، وإزالة كل هياكل الهيمنة والسيطرة والقمع. وهي المستعمرة التي اعترف بها اتفاق اوسلو-ص15”.

(المادة 8 من النظام الأساسي لحركة فتح تقول أن:  الوجود الإستيطاني في فلسطين هو غزو صهيوني عدواني وقاعدة استعمارية توسعية وحليف طبيعي للاستعمار والامبريالية العالمية والرجعية.) وتقول (المادة 12 أن الهدف: تحرير فلسطين تحريراً كاملاً وتصفية الكيان الصهيوني اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وثقافياً). وفي المادة 13: (إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية مستقلة ذات سيادة على كامل التراب الفلسطيني وتحفظ للمواطنين حقوقهم الشرعية على أساس العدل والمساواة دون تمييز بسبب العنصر أو الدين او العقيدة، وتكون القدس عاصمة لها.)

وبعيدًا عن النظام الأساسي لحركة فتح الذي أوردنا أعلاه بعض من مواده للمقارنة فقط فإن الكتيب بين أيدينا يقررأن “حملة الدولة الواحدة تعترف بتشكل مجموعة يهودية في فلسطين ذات مواصفات مشتركة…ص17”. حيث “بات الوجود اليهودي الكبير في فلسطين واقعًا-ص18” ولا يصح النضال الا وفق “أنموذج الحل في جنوب إفريقيا-ص16” وموضحا “إن ادراك الطبيعة الكولونيالية لإسرائيل ينبغي أن يقود الى رغبة بتفكيك الطابع الكولونيالي عن كل فلسطين-ص19”.. بل ويزيد الكتيب في مطامحه الكبيرة للقول ص 20 “إن تفكيك الاستعمار يجب أن يتم في عموم المنطقة العربية وليس في فلسطين فحسب”! لاسيما والإقرار أن “جذور القانون الدولي استعمارية”!

(أنظرالمادة 15 في النظام الأساسي لحركة فتح التي تقول: المشاركة الفعالة في تحقيق أهداف الأمة العربية في تحرير أقطارها وبناء المجتمع العربي التقدمي الموحد.) وفي المادة 18 التي تقرر: (الاعتماد على الشعب الفلسطيني كطليعة وأساس وعلى الأمة العربية كشريك في المعركة وتحقيق التلاحم الفعلي بين الأمة العربية والشعب العربي الفلسطيني باشراك الجماهير العربية في المعركة من خلال الجبهة العربية الموحدة.)

وعودة للحملة والكتيب، ينطلق المشروع فيه للتعبير عن الأمل الواسع وكثير من الفرح حين يقول ص20 “إن الدولة الديمقراطية في فلسطين التاريخية ستكون جزءًا من المنطقة التي تعيش فيها وتنتمي اليها. ويمكن أن يكون لهذا الأنموذج الديمقراطي للدولة الفلسطينية الواحدة المنشودة صدى في أوساط الشعوب العربية….”

وفي إشارات الكتيب كما يذكرص22 الى أن “القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية …تنازلت عن 78% من الوطن، واعترفت بدولة المستعمر القائمة فيه وعلى أنقاض شعب بأكمله، وتنازلت عن حق ملايين اللاجئين في العودة…..” ما أدى لتمزيق الشعب الفلسطيني وانحلال الحركة الوطنية.”

وفي سياق فكرة العودة للاجئين الفلسطينيين (ولايتعرض الكتيب لما يسميه الصهاينة قانون العودة لليهود الى فلسطين الصادر عام 1950) يقول الكتيب ص25 “نحن نعدّ العودة لبّ العدالة وركيزة الحل السياسي للقضية الفلسطينية وجزءًا لا يتجزأ من عملية التحرر والتحرير وتفكيك المنظومة الاستعمارية في فلسطين”. (كان المفكر العروبي الكبير خالد الحسن قد أشار أنه بعد قيام الدولة على جزء من فلسطين فيجب تشكيل حزب العودة)

وإذ يشير الكتيب الهام الى النشاطات “المبهرة” للجنة الوطنية للمقاطعة على الصعيد العالمي (بي دي أس)، وللدور الذي يراه هامًا ل(حزب التجمع الوطني الديمقراطي) في الداخل (كان بزعامة د.عزمي بشارة) أي في أراضينا عام 1948 فإنه يراه ص30 قد أنجز حين “طرح شعارات المساواة الكاملة والمواطنة المتساوية التي يشترط تحقيقها إلغاء الطابع اليهودي والصهيوني للدولة….وصولًا الى دولة جميع مواطنيها، وليس دولة اليهود”.

في الكتيب رؤية في ظل اللارؤيا التي تغيب في الساحة الفلسطينية (ص24) ويطرح المشاركون بالحملة لنفاذ هذه الفكرة الرؤيا الهدف العملي عبر: “تاسيس حركة شعبية واسعة-ص27” والاسهام في “أولًا بتغيير الوعي واستعادة القاموس السياسي التحرري….” ولتكون الحملة “إطارًا جامعًأ يشمل فلسطين من كافة تجمعات الشعب الفلسطيني ويهودًا مناهضين للصهيونية وانطلاقًا من أرض فلسطين بهدف التحول لحركة تحررية شعبية….” لذا يعملون على بناء تنظيمي فكري لحركة شعبية واسعة وبناء تيار وعي جديد يحول الحلم الى “برنامج نضالي عملي تنفيذي…ص26” كما يسعون بالحملة لتطوير خطط وبرامج لكل تجمع فلسطيني ويعملون على التواصل والتشبيك (ص28).

ورغم التعويل على قيادات الداخل كما يشير أحد الأسئلة المُجاب عليها في الكتيب لقيادة هذه الحملة الا أن الكتيب يقرر:”لا نعتقد بقدرة فلسطينيي48 وحدهم النهوض، أو قيادة عملية تجديد المشروع الوطني الفلسطيني…..” وعليه يفترض اجتراح الحل وبلورة المشروع التحرري الوحدوي الديمقراطي من قبل الجميع في الضفة والقطاع والداخل والشتات (ص32).

ومما يختم به الكتيب الإشارة الواضحة الى ضرورة “حل الدولة الديمقراطية الواحدة، وهذا ما يجب التركيز عليه….واعتبار إسرائيل نظاما استعماريًا استيطانيًا ونظام فصل عنصري، ما يقتضي التوحد حول حل تحرري وبديل لحل الدولتين”.

دعني أقول أنني مازلت أرى أن عدم امتلاك أي عامل قوة في مواجهة المستعمِرالصهيوني يعد خطأ كبيرًا، وأن التخلي عن المكتسبات التي حققناها بالدم ومنها العالمية بالاعتراف بنا خطأ آخر، والثالث هو أن محو نضالات سنوات طويلة لتكريس الدولة على المتاح من الأرض خطأ فاحش، إذ ما زلت أرى في افتكاك المتاح من الوطن عامل قوة -مهما كانت مؤشرات الضعف- فالاعتراف الدولي والمقاومة الداخلية الموحدة عاملا قوة وصولًا في مرحلة لاحقة للدولة الديمقراطية الواحدة في كل فلسطين.

دعني أقول أن كتيب حملة الدولة الواحدة يضم مجموعة من المفاهيم الجريئة جدا والتي تحتاج لأكثر من مجرفة ثلج وربما كاسحات ثلوج. ما يعني تغييرًا جذريًا في طريقة التفكير ومنهج التعاطي والرؤيا ولربما تكون الآن أقرب الى الحلم الذي يحتاج لطلقة أو انطلاقة جديدة تجعل الرقص الشعبي طربًا للعملية الأولى باب الدخول.

إن اغلاق الطريق نحو الفكرة لربما يشكل عبئا ثقيلًا، ولربما يحتاج تركيز أكثر ونقاش على مستوى سياسي عالي حقًا.

لكن باعتقادي أن من ثغرات الكتيب حدّية العبارات ومطلقيتها، ومنهج كتابتها “الحتمي” المثير للجدل في عصر سقوط الأفكار الكبرى، إضافة الى كم الارهاق والعبء الذي يلقيه على المتلقي بخطاب عميق الأدلجة ضعيف الوسيلة ربما حتى الآن أو في منظورنا، ولكنه يستحق التأسيس والدرس بعمق،والتفكر بالسُبُل في ظل عدم التخلي بتاتًا عما حققناه مهما بدا ضئيلًا.

كتيب حملة الدولة الواحدة من البحر الى النهر

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى