بكر أبوبكر: “حماس” بين عبودية “ترَمب”، والوعي المتأخر!

بكر أبوبكر 9-10-2025: “حماس” بين عبودية “ترَمب”، والوعي المتأخر!
رغم أن خطة ترَمب لم تكن مقبولة من أي مناضل أو وطني عاقل، إلا أن القابلين لها بترحيب سريع وعجيب وأحضان دافئة، والرافضين حتى من الفصائل “المقاوِمة” في غزة، قد تعاملوا معها، وفق المصطلح المغاربي “الله غالب”! ما يعني الاستسلام لها، والفهم المتأخر. وهُم (الكل الفلسطيني باعتقادي) على يقين أنها خطة تدمير للقضية الفلسطينية وهي الخطة المصمّمة أساسًا لضرب هدف تحقيق استقلال دولة فلسطين، والى ذلك عبر الهدف الوسيط لنتنياهو القائل “لا فتحستان ولا حماستان ولا سلطة ولا دولة…”.
إنها الى ما سبق بالحقيقة خطة استسلام لفصيل “حماس” المطلوب منه تغيير جلده عالميًا ليكون مقبولًا والا فلا. إن المطلوب منه إلغاء نفسه بنفسه بلا كرامة المناضل التي تأخر أو فات أوانها، مهما حاول نواطقه اليوم من تجميل ذلك! إنها النتيجة المتوقعة حين يتأخر أي فصيل بالفهم طويلًا جدًًا وبإدراك معنى القوة البربرية الداهمة مقابل الضدّ الذي لا يملك شيئًا، وهي النتيجة السلبية لمن أغلق عينيه عن الناقدين والناصحين وانفعل مع الهياج والشحن العاطفي غير العقلاني، والتصفيق عبر العامين الأسودين فلم يدرك ضرورة الوعي بالمتغيرات واستكشاف المستجدّات الضخمة خاصة بعد اليوم العاشر للمباغتة المقررة أو المستدرجة من قبل الإسرائيلي الفاشي.
إن تنازلات فصيل حماس لم تأتِ وليدة الساعة ولا من أجل أبناء فلسطين في غزة، ولو هذا ما كان عليه الحال لقامت بذلك قبل أكثر من عام، فمنعت بإباء العاقل والواعي شلال الدم الذي وصل لربع مليون حتى الآن! لكن الكبرياء والتحرّر من مسؤولية الناس والتحريض ضد المخالف لرأيها، استحكم فمنع الرؤية الواضحة حيث لا محور مساند ولا غطاء عربي ولا غطاء إقليمي؟ فماذا أنت فاعل بلا أي مقومات كفاح بمواجهة الطغيان الإسرا-أمريكي ؟!
رغم أن خطة ترَمب لا توفر الحدّ الأدنى من أي شيء لفلسطين سوى الوعود الغامضة، وهي الى ما سبق لا تتفق أبدًا لا مع أهداف الطوفان أو المباغتة لا بل تتصادم معها بقوة، الا أن “حماس” التي تعتبر نفسها الممثل الحصري لشكل “المقاومة” الوحيد برأيها قد قبلتها!؟
يقول موسى أبومرزوق في مقابلة مع موقع “دروب سايت” يوم الاثنين 6/10/2020 : “هذه مخاطرة، لكننا وثقنا (؟!) بالرئيس ترامب ليكون ضامنًا لجميع الالتزامات التي قُطعت”. وعلى فرضية أنه يمثل “مقاومة” فكيف لها أن تثق بأحد أركان
الحرب ضدها!؟ فيما تحصر عدم الثقة بطرف آخر وكأن هناك خلاف بينهما!؟
تنقّل النواطق باسم حماس والمتهيجون من التهديد والوعيد، بدعم فضائيات كاذبة مدلّسة مأمورة، وتنقلوا بالمطالب التي بدأت بتحرير فلسطين والأقصى! الى الاكتفاء بشريط غزة الذي ظل يتناقص مساحة تلو الأخرى، ومطالب “الكل مقابل الكل” وبتحليلات مدفوعة الأجر أن الإسرائيلي لن يدفع جنوده للقتال!؟ فهو خائف وخوّار، الى تنظيرات تقول سيرى ما نفعل عند الدخول البري الى “غابات الزيتون”؟ وغيرها!؟ وأنه لن يدخل خانيونس ولن يدخل رفح…الخ! وما حصل أن الإسرائيلي الغازي قد تحول لوحش أطلق من عِقاله فلم يرى أمامه إلا المذابح والقتل والدمار، وفعلها يوميًا على مدار عامين بلا توقف! ولم تستطع قيادة “حماس” أو غالبها أن تعي أو تفهم ذلك مبكرًا، فظلت تماطل الى أن أصبح الأمر اليوم مرتبطًا فقط بالحفاظ على رأسها! فالفصيل أولى من الشعب وهو مفتاح الوطن!
الفصيل الذي تعامى عن الواقع على الأرض وتناقص القدرة وظل منفعلًا ب”طَعْم” ذات اللحظة الاولى هو الذي أدرك متأخرًا (كالعادة في التنظيمات الأيديولوجية) أن هذه الحرب لا تُكسب بالضربة القاضية، وهو ما كان من الخطاب الأول لحسن نصر الله (هذه الحرب لا تُكسب بالضربة القاضية بل بالجولات)، ولم يرى الفصيل إلا ضجيج الفضائيات الواقعة تحت الوصاية الامريكية والإسرائيلية المباشرة تجذبهم نحو الهاوية يومًا بيوم حتى إبادة أو تهجير وتدمير قطاع غزة، وما لحقه من فعل في الضفة الغربية.
كتبنا وغيرنا الكثير حول عدم الوعي المبكر وحول سوء التحليل السياسي وعقلية عدم الاعتراف بالخطأ، أو الخطيئة، وحول عدم قبول النقد والكِبر وعدم مدّ اليد للآخر المختلف ..الخ من مفاهيم عزلت الفصيل عن المجمع الوطني وظلت تستعين بركن غير وثيق سلّمها عند أول سقوط تحت سنابك خيل ترمب ونتنياهو المقاتلين الفرنجة.
ما كان من موافقات قد حصل، وفيه أدركت حماس-متأخرة جدًا-أنها على مفترق طرق حاسم: القبول يعني التنازل، والرفض يعني استمرار الإبادة، فتنازلت علنًا ولم تعصم الدم الفلسطيني حين كان لها من الشروط أفضل بكثير. بل وحين تهكمت على عصمة الخروج من بيروت كنموذج للمقاتلين الأشداء، بل ولم تهتف باسم فلسطين أو دولة فلسطين فلم يكن ليدها أن تمتد للآخر ولو بكلمة حتى اليوم مما هو واضح بما يدوّن في كل الأحاديث والأوراق التي تنأى فيها عن ذكره، أو لا تكف عن شتمه!
قال المصدر المقرب من المفاوضين في شرم الشيخ 9/10/2025م: “إن ثقتهم-أي حماس- بكلمة [ترامب] هي رهانهم. إن نجح الأمر، فسيُعتبرون عباقرة. وإن فشل، فسيُعتبرون حمقى. الأمر بهذه البساطة”.
خطة ترمب كما أصبح معلومًا تربط المساعدات الإنسانية وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة بنزع سلاح حماس، وهي توافق عليها مع ثغرات تسمح ل”إسرائيل” باستئناف الحرب الإبادية. وهي تفرض وصاية دولية وعربية على غزة، مع إبقاء الجيش الإسرائيلي محيطًا بالقطاع.وهي تتحدث بعبارات غامضة عن “حق تقرير المصير” للفلسطينيين بعد إعادة إعمار غزة وما يسمونه إصلاح السلطة الفلسطينية.والى ذلك فإن الفلسطينيين كانوا مستبعدين بطرفيهم من صياغتها، ووافق عليها الطرفان الفلسطينيان!
يقول الكاتبان “جيريمي سكاهيل، وجاوا أحمد” أن خطة ترامب ليست مشروع سلام، بل غطاء دبلوماسي لشرعنة السيطرة الإسرائيلية على غزة واستمرار الإبادة، عبر فرض نزع سلاح حماس، وإقصاء الفلسطينيين من القرار، ومنح “إسرائيل” اليد العليا بدعم أميركي وعربي، وهي ختم مطاطي لشرعية استعباد “إسرائيل” لفلسطين!”.
إن التمَسَ البعضُ العذر للدول والأنظمة المسماة المعتدلة في ممالأة مطالب وأمنيات ترَمب، فكيف بالله عليكم الحال مع تلك الدول التي كات تحمل سيف الحرب مع “حماس” تنظيرًا وشحنًا وتهييجًا بلا قطران، والتي تقوم الآن بدور المسعف والمنفّذ لأمنيات الأمريكي المحارب!
إن التراكض العالمي سواء من الدول أو الأحزاب لتلبية أمنيات الرئيس ترمب المشارك بالإبادة الجماعية مع نتنياهو أمر غير مسبوق، والسعي المحموم ممن اعتبروا أنفسهم مع “المقاومة” أو ضدها لكسب ود الأمريكي الغازي غير مسبوق!؟ بل ويسجل بهذا الشكل المهين لأول مرة بالتاريخ!
في الختام نقول آن الأوان ل”حماس” أن تدرك أن الحضن الواسع معروف، وحيث أن الثمن المطلوب من منهم باهظ، والحكيم من يتعظ بغيره أو على الأقل وإن جاء وعيه متأخرًا أن يعرف الى أين يتجه ويصوب البوصلة!.