شؤون مكافحة الاٍرهاب

بعد الحديث عن انسحاب «الأميصوم» من الصومال.. تخوفات كينية من انتشار الجماعات الإرهابية

المرجع –  محمد الدابولي – 20/11/2018

تسيطر على كينيا مخاوف متزايدة من انتشار وتيرة العمليات الإرهابية في الفترة المقبلة نتيجة التغيرات السياسية التي تمر بها جارتها الشمالية «الصومال» بعد الحديث عن انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي «الأميصوم» في 2020، وهو ما قد يحدث فراغًا أمنيًا كبيرًا في الصومال تستغله حركة الشباب الإرهابية.

تتزايد التخوفات الكينية أيضًا من استفحال التيارات التكفيرية داخل البلاد، حيث كشفت أحداث السنوات القليلة الماضية عن وجود تيار تكفيري قوي وسط صفوف المسلمين في كينيا، وهو أكثر ما يقلق السلطات الأمنية بعد رصد وقائع تؤكد انخراط مسلمين كينيين في صفوف حركة الشباب، لذا سيحاول هذا التقرير تسليط الضوء على تطور  التيار التكفيري في كينيا خلال السنوات الماضية وأثر ذلك على مستقبل الأمن والاستقرار:

أولًا : حال المسلمين في كينيا

يشكل المسلمون أقلية دينية في كينيا تختلف نسبتهم، فالعديد من المصادر المحسوبة على المسلمين ترجح نسبتهم بنحو 35% من إجمالي السكان، في حين المصادر الكينية الرسمية والأكاديمية كـ«جامعة موى» ترجح نسبتهمبنحو 11% من إجمالي السكان البالغ 51 مليون نسمة.

يتمركز المسلمون في مناطق الساحل الكيني خاصة مدينة «ممباسا» الساحلية، وينقسمون إلى طائفتين سنة وشيعة ويقدر تعداد الشيعة في كينيا بنحو 12400 حسبما أعلن «مركز الأبحاث العقائدية».

يعاني المسلمون في كينيا من التهميش السياسي والاقتصادي وسيطرة الجماعات غير المسلمة على أمور الحكم والإدارة، فضلا علي ذلك إطلاق الدولة يد التنصير في صفوف المسلمين، الأمر الذي استفز جموع المسلمين في البلاد.

ومن رحم معاناة المسلمين ولدت بعض الجماعات المتطرفة التي ادعت دفاعها عن مصالح الإسلام والمسلمين، وادعت رغبتها في تحقيق الدولة الإسلامية في الساحل الكيني.  

ثانيًا: ظهور التطرف في كينيا

في دراسة أعدها المحاضر الأكاديمي «حسن جوما ندزوفو» بجامعة موى الكينية، أكد فيها أن بداية التطرف تعود إلي منتصف ثمانينيات القرن العشرين، خاصة مع إنشاء جماعة تُدعي «أنصار السنة» ادعت وقتها رغبتها في تطبيق الشريعة الإسلامية والحفاظ على السنة النبوية.

ويؤكد «جوما» أن الفكر الإسلاموي المتطرف في كينيا دخيلا على الثقافة الإسلامية في كينيا، موضحًا تأثر بعض مسلمي ممباسا بالتيارات الإسلاموية التي انتشرت في دول الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، ويرجع السبب في نشوء التيارات الإسلاموية في كينيا إلي الأسباب التالية:
Ø     الابتعاث: أرجع «جوما» السبب الرئيس في انتشار الفكر الإسلاموي هو ابتعاث العديد من الطلاب المسلمين إلى الدول الإسلامية التي ظهر فيها التيار الإسلاموي بقوة، فخلال فترة وجود الطلبة الكينيين في تلك الدول تشربوا مبادئ وأفكار التيار الإسلاموي وعملوا على تطبيق تلك الأفكار في بيئتهم المحلية في كينيا.

Ø     انتشار القاعدة: حرص تنظيم القاعدة علي الوجود في مناطق شرق أفريقيا منذ نشأته وإلي اليوم، فباكورة العمليات الإرهابية التي ارتكبها التنظيم ضد الأهداف الأمريكية كانت تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام (أغسطس 1998) ونجح التنظيم حينها في تجنيد عناصر كينية تولت تنفيذ تلك العملية مثل الكيني «فاضل عبدالله محمد».

Ø     موطن التجاذبات الإسلاموية: لم تكن منطقة شرق أفريقيا بعيدة عن تطور الحركة الإسلاموية حيث أفرزت تلك المنطقة اثنين من التيارات الإسلاموية المهمة هما التيار السلفي الجامي لمؤسسه «محمد بن أمان الجامي» وطائفة الأحباش الدينية لـ«محمد بن عبدالله الهرري».    

Ø     التهميش: يعد من أبرز الأسباب التي أدت لنشوء التيار الإسلاموي في كينيا، ويقول «حسن جوما» إن التيار الإسلاموي في كينيا نشأ على يد المفكر والمنظر الإسلاموي الكيني «الشيخ عبدالعزيز ريمو».

ثالثًا: «الشيخ ريمو» وتأطير العنف السياسي

ولد الداعية الكيني «ريمو» في منطقة الساحل الكيني عام 1949، واعتنق الأفكار المتشددة ونشرها في صفوف المجتمع المسلم في كينيا.

حرص الشيخ ريمو على توظيف الدين لخدمة الأهداف السياسية في كينيا، وعمل على التحشيد السياسي لصفوف مسلمي كينيا مطالبًا بإجراء بعض الإصلاحات السياسية عام 1990 ما أدي لتعرضه للاعتقال 6 سنوات في عهد الرئيس الكيني الأسبق «دانيال آراب مواي».

يؤكد «حسن جوما» أن «ريمو» لم يتورط في أي أحداث عنف في البلاد إلى أن أفكاره التي عمل على تغذيتها في صفوف مسلمي كينيا كانت بمثابة البيئة والمناخ الفكري للعنف والإرهاب، حيث دائمًا ما كان ينعت الحكومة والمؤسسات الكينية بالكافرة ويحرم التعامل معها.  

رابعًا: «روجو» وتطوير  ظاهرة الإرهاب في كينيا

عمل تلاميذ «ريمو» على نقل أفكار حول العنف من إطارها النظري إلى العملياتي، وبرع في هذا المجال «عبود روجو» تلميذ «ريمو» والداعي إلي إقامة الدولة الإسلاموية في كينيا ومؤيدًا تحركات تنظيم القاعدة في شرق أفريقيا.

عمل «روجو» علي تبرير العمليات الإرهابية في كينيا مثل استهداف الكنائس بأنها تأتي في إطار مقاومة الإسلامويين لحالة التهميش السياسي ووقوعهم فريسة لجماعات التنصير.

وتشير العديد من الوقائع حول ارتباط «روجو» بمنفذ تفجيرات السفارة الأمريكية في نيروبي ودار السلام (أغسطس 1998) «فاضل عبدالله  محمد» عضو تنظيم القاعدة، كما اتهم «روجو» في أحداث تفجير فندق كيكامبالا عام 2002.

خامسًا: حركة الشباب والجهاد الأخير

خلال خطبه في مسجد موسي بمدينة ممباسا دافع «روجو» عن ما يسمى باتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال (2006/2007) واصفا ما يحدث بالجهاد الأخير للمسلمين داعيًا إلى الاشتراك في الجهاد لنيل الشهادة، ومهاجمًا الحكومة الكينية على موقفها من اتحاد المحاكم وحركة الشباب الإرهابية، وتشير المصادر الكينية إلي قيامه بزيارة الصومال عام 2009 والتحاقه بمقاتلي حركة الشباب.

ساسًا: نهاية غامضة

يعد عام 2012 عامًا دراماتيكيًا في تاريخ الحركة الإسلاموية في كينيا، ففي بداية العام اتهم «روجو» بحيازة أسلحة والانضمام لجماعات إرهابية إلا أنه نجح في الإفلات من تلك التهم بكفالة قدرها خمسة ملايين شلن كيني في فبراير 2012.

وفي 25 يوليو  2012 وضع «روجو» على قائمة عقوبات مجلس الأمن لتقديمه الدعم المالي واللوجستي لحركة الشباب في الصومال وحظر سفره خارج كينيا، وبعد شهر تقريبًا من فرض العقوبات الأممية عليه تعرض لإطلاق نار كثيف أثناء قيادته سيارته الخاصة ما أدي لمصرعه.

ودارت الاتهامات حينها حول تورط الأجهزة الأمنية الكينية في اغتيال روجو في حين روج الأمن الكيني إلى أن جماعات منافسة لم يسمها هي من قامت باغتيال روجو، وإزاء هذا التضارب اندلعت العديد من الاحتجاجات في مدينة ممباسا في محيط مسجد موسى أدت إلى مقتل 4 أشخاص ونهب كنيستين، وتشير أحداث ممباسا 2012 إلي وجود تيار إسلاموي قوي في كينيا قد يتم استنفاره في المستقبل.

وأخيرًا.. يمكن توصيف الحالة الإسلاموية في كينيا على أنها بركان على وشك الانفجار خلال الفترة المقبلة في حال تمكن حركة الشباب في الصومال من تعزيز الاتصالات بالعناصر الجهادية الكينية، لذا يمكننا فهم حالة الذعر التي تنتاب مسؤولي الأمن والمخابرات في كينيا بسبب نية الاتحاد الأفريقي سحب بعثته العسكرية العاملة في الصومال والتي قد يترتب عليها تمدد حركة الشباب بصورة أكبر في منطقة القرن الأفريقي.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى