منوعات

بشار مرشد: كلمة حق أُريد بها باطل… قراءة تحليلية

بشار مرشد 5-10-2025: كلمة حق أُريد بها باطل… قراءة تحليلية

المقدمة:

تُنسب مقولة “كلمة حق أُريد بها باطل” إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد وردت في نهج البلاغة. تشير هذه العبارة إلى أن الكلمات النبيلة لا تضمن بالضرورة صدق النية أو تحقق الهدف الحقيقي. كثيرًا ما تُستعار الكلمات الطيبة كأقنعة تُخفي أهدافًا نفعية أو مصلحية، مما يجعل التحليل النقدي للنوايا والسياق ضرورة لفهم ما وراء الكلام.

التطبيقات المعاصرة للفكرة:

إن شعارات مثل “الإصلاح”، “الحرية”، و”العدالة” قد تحمل معاني نبيلة، لكنها كثيرًا ما تُستغل لتحقيق مصالح ضيقة، أو لإقصاء خصوم سياسيين، أو لإضفاء شرعية على مشاريع نفوذ خارجية أو محلية.

الإصلاح المفروض من الخارج غالبًا ما يخدم مصالح القوى الداعمة بدلًا من حاجة الشعب والمجتمع.

الإصلاح الداخلي الانتقائي على مستوى المؤسسات قد يُستغل لإقصاء الكفاءات أو لتعزيز نفوذ فئة معينة.

إن القيمة الحقيقية لأي مطلب إصلاحي تُقاس بما يحققه على أرض الواقع، لا بما يُقال فقط.

أمثلة تطبيقية معاصرة:

بعد سقوط النظام السابق في العراق عام 2003، وما بعد 2011 في ليبيا، ارتفعت شعارات الإصلاح والحرية وبناء الدولة الحديثة. بدا في البداية أن المطالب حقيقية، لكنها استُغلت لتثبيت مواقع أحزاب وجماعات نفوذ، مما أدى إلى انتشار الفساد المالي والإداري وضعف المؤسسات وانقسام الدولة.

حتى الانتخابات، رغم كونها شكلاً من أشكال الديمقراطية، غالبًا ما جاءت ضمن إطار المحاصصة الطائفية أو الحزبية، فتقلَّص التمثيل الشعبي، وحمى المناصرون مصالح الزعماء، وصار الفساد أداة للحفاظ على الولاءات.

الدلالة: الشعارات النبيلة وحدها لا تكفي للإصلاح الحقيقي، بل تحتاج إلى مؤسسات قوية، تفصل بين السلطات، وتتبع رقابة منهجية، وتستند إلى إرادة شعبية حقيقية.

معالجة استغلال الشعارات النبيلة:

1. تعزيز الانتخابات والإرادة الشعبية: ضمان أن يكون المطلب الإصلاحي نابعًا من حاجة فعلية ويعكس إرادة المواطنين، مع إصلاح النظام الانتخابي لتقليل المحاصصة الطائفية والحزبية.

2. فصل السلطات والرقابة المستمرة: منع تركيز السلطة، وكشف محاولات تحريف المطالب النبيلة وتحويلها إلى أدوات نفوذ أو فساد.

3. تعزيز الثقافة القانونية والمؤسسية: توعية المجتمع بحقوقه وواجباته لتقليل استغلال الشعارات النبيلة.

الخاتمة:

تؤكد مقولة “كلمة حق أُريد بها باطل” أن الحق، مهما بدا صائبًا أو نبيلًا، يمكن أن يُستغل لتحقيق مصالح ضيقة أو أهداف مصلحية. إذا وقع استغلال الشعارات النبيلة، فإن ذلك يعزز الفساد المالي والإداري ويُعقّد أي محاولة مستقبلية للإصلاح، إذ يتغلغل الفساد في المؤسسات ويصبح منظّمًا ومتوزعًا ومتشعبًا وله مناصرون.

لذلك، تعتبر الإجراءات الوقائية مثل تعزيز الانتخابات، وإصلاح النظام الانتخابي لتقليل المحاصصة، وتعزيز مبدأ فصل السلطات والرقابة المستمرة، وتثبيت الثقافة القانونية والمؤسسية، الضامن الأساسي لبقاء المطالب النبيلة حقًا خالصًا لا مجرد وسيلة لإخفاء الباطل.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى