أقلام وأراء

بسام ابو شريف يكتب – الرهان على بايدن هو الرهان على طواحين الهواء والتباطؤ في ضرب العدو ومشاريعه التي يحاول أن يحولها الى أمر واقع خطأ كبير

بسام ابو شريف *- 16/1/2021

تتبع ملاينن المراقبين، والمشاهدين، والمستمعين لمجريات النقاش داخل مجلس النواب الاميركي، والذي انتهى لصالح عزل الرئيس ترامب، لكن هذا القرار لايتحول الى محاكمة حقيقية الا اذا وافق مجلش الشيوخ على هذا القرار ، وقد يكون قد انتبه “أو لم ينتبه” الكثيرون لعدم توجيه نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب القرار الى مجلس الشيوخ فورا للبدء في مناقشته، لقد أجابتردا على السؤال حول ذلك بالقول: لا أعرف متى سوف أرسل هذا القرار الى مجلس الشيوخ.

نحن نتناول هذا الموضوع – كما تناولناه سابقا – من زاوية هامة جدا ، هي زاوية وضعنا في الشرق الأوسط ، والمخطط الصهيوني الاميركي الرجعي العربي للهيمنة الاسرائيلية على المنطقة ، وضرب محور المقاومة، وشطب فلسطين كقضية، وجغرافيا، وتاريخ من سجل التاريخ، والذي يدقق يجد أن هناك تسارعا غير مسبوق من اسرائيل للسيطرة على المناطق الأثرية الفلسطينية بغية هدمها، وكأنما تحاول هذه الطغمة العدوانية شطب فلسطين لتكتب تاريخا جديدا، هو للدولة اليهودية، والعمل غير المسبوق هو الحفريات، التي تجري تحت ساحة البراق وباب مكة كما يسمونها ليس للبحث عن دليل أن اليهود كانوا هناك، وانما هي مقدمة لهدم المسجد الأقصى، الذي سلم نتنياهو مفتاحه لترامب في آخر زيارة له، في الوقت نفسه تقوم اسرائيل بشن حرب كاملة دون أن تسميها حربا على قوى المقاومة، وعلى رأسها ايران دون أن تقصف ايران بالطائرات، بل تقصف الوجود الايراني خارج ايران ، وتغتال علماءه ، وكل من له اهتمامات عملية وعلمية بالصناعات التسليحية، تقوم باغتيالهم في عمليات اجرامية خطيرة، فالقصف الذي شهدته المنطقة الحدودية السورية العراقية لم يكن غارة عادية، أو قصفا عاديا يحاول ضرب رتل يدخل من العراق الى سوريا، بل كان حربا كبيرة استخدمت فيها الطائرات والقنابل، التي تحفر عميقا تحت الأرض، هذه الغارة لم نشهد ادانه لها من أحد على وجه الأرض بمافيهم الحلفاء ، بل تم الاكتفاء بالتنبيه الى أن اسرائيل تحاول خلق حالة اصطدام مع ايران على الأرض السورية، والحقيقة أن اسرائيل تسير سيرا حثيثا مع ترامب – رغم أنه سيغادر البيت الأبيض – تسير مع مستشاره ياريد كوشنر والضباط الاسرائيليين، الذين يشكلون جميعا هيئة أركان حرب لتنفيذ مخططاتهم وسيستمرون في ذلك حتى بعد تنصيب بايدن لأنه تم ترتيب كل أمور هذه الحرب رغم أن بايدن يرفض الحرب، لكن القرار سيكون صادرا عن اسرائيل، وحلفائها ابن سلمان، وابن زايد، وليس عن الادارة الاميركية، لأنه تم تأمين كافة العوامل اللازمة لاستمرار هذه الحرب لقد زود ترامب وبومبيو وكوشنر كلا من اسرائيل، ومخازن السعودية والامارات بكميات ضخمة من الصواريخ الذكية، هي الأحدث لدى الجيش الاميركي، وزود اسرائيل بطائرات ف 22 وأرسل طائرات ب 52 الى المنطقة للمساعدة في القصف بعيد المدى كما كان يجري في فيتنام.

نقول ان بيلوسي لم ترسل القرار لماذا؟

لم ترسل القرار لمجلس الشيوخ لأن هناك مفاوضات حثيثة، ومكثفة تجري بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري لترتيب أمور المرحلة القادمة ، الجمهوريون رغم بعض الأصوات التي خرجت من هنا وهناك تدين ترامب ، وتتمنى فصله من الحزب نقول ان الجمهوريين يخشون من ترامب، ومما قد يفعله في الحزب الجمهوري، أي شق الحزب – كما ذكرنا في مقال سابق – في حال رفضوا ترشيحه لانتخابات عام 2024، هذه القيادة ترتعب من ترامب وتريد أن تتحاشى الصدام معه تحت يافطة اعادة لحمة ووحدة المجتمع الاميركي، واعادة الاستقرار للعمل السياسي الاميركي، وتطويق مااتفق على تسميته الطرفان ارهاب مجموعات اليمين المتطرفة، هذه المجموعات التي تدين بالولاء لترامب، وتياره وأفكاره، وعنصريته لذلك هذه القوى المسلحة المدججة بالسلاح مستعدة للمغامرات على الطريقة التي يرسمها هو .

لذلك لجأت قيادة الجمهوريين ، والديمقراطيين الى المفاوضات الحثيثة لايجاد مخرج  فماهي المخارج التي طرحت حتى الآن ؟

طرح الجمهوريون مخرجا يقول بأن القرار، الذي اتخذ في مجلس النواب يكفي لادانة ما تورط به ترامب ، وان ترامب مستعد لتقديم تصريحات ، واجراء مقابلات يدين فيها العنف واستخدام العنف ضد الكابيتول ، وبالفعل منذ ذلك الوقت حتى هذه اللحظة أطلق ترامب عدة تصريحات لنبذ العنف ، وادانة الارهاب في محاولة لتغطية موقف الجمهوريين الذين يفاوضون لوضع حد لما جرى ، ومن الواضح أن محاكمة ترامب لن تتم قبل تنصيب الرئيس بايدن ، لكن الاجراءات الأمنية التحضيرية لحفل تنصيب بايدن تظهر الرعب والخوف من أن تتحرك هذه القوى المسلحة التابعة لترامب ، وتعقد الوضع وتجعل من فترة حكم بايدن سنوات عصيبة تحول دون تمكينه من تطبيق أي من سياساته التي أعلن عنها ، ومنها السياسية والاقتصادية ، والصحية ، والتجارية ، ومنها ما يخص الضرائب ، والسور مع المكسيك وأمور اخرى كثيرة .

القيادتان تسعيان لايجاد مخرج يحفظ ماء الوجه للحزبين ، ويعطي بايدن طريقا للسير الآمن في فترة رئاسته ، ومن ضمن المواضيع التي تطرح في المفاوضات ، هو أن يقر ترامب بالحكومة التي شكلها بايدن لتسهيل عملها بحيث يكون بايدن رئيسا حقيقيا في الفترة الاولى لرئاسته ، لكن وعلى هامش المفاوضات ، التي تتم الآن حول ايجاد حل وسط يحفظ ماء اوجه للحزبين هناك بعض الأمور كما يبدو متفق عليها بين الطرفين ، وهي المتعلقة تحديدا بالشرق الأوسط ، وهذا يظهر من السكوت سكوت الديمقراطيين على القرارات ، التي مازالت تصدر عن ترامب ، ووزير خارجيته ، وضباطه حيث قاموا بنعت دول ومنظمات بصفة الارهاب والاصرار على عدم التعاطي معها ، لابل زاد ترامب من العقوبات على روسيا ، والصين وكوبا ، وفنزويلا بمنع شركات اميركية من التعامل معها ، وهي الشركات العاملة في مجال الالكترونيات ، والأجهزة الحساسة ، وفي الوقت ذاته تقوم ادارة ترامب ، التي مازالت تتخذ القرارات ببناء سد بين ادارة بايدن القادمة ، وبين اعادة العلاقات التحالفية مع اوروبا ، وهنا تبرز الأدوار مثل دور روسيا ، واغراقها في مشاكل خاصة من جهة تركيا في سوريا وأذربيجان ، وقد يثار بعدها موضوع اوكرانيا ، وكذلك العقوبات على فالح الفياض – الحشد الشعبي العراقي – وأنصار الله في اليمن الذين يقاومون العدوان ، ويقاومون التحالف الذي تقوده اسرائيل ، وابن سلمان ، وكوشنر ضد الشعب اليمني ، ومؤسساته ، ومدارسه ، وأطفاله وينعتونها بالارهاب لأنها تدلفع عن كل ذلك ممادفع الاوروبيين للاستفزاز ، وكذلك الأمم المتحدة ، لكن علينا أن ننظر بعمق لهذه القرارات ليس من زاوية شكلها ، وانما مضمونها .

ما معنى هذه القرارات ؟

معناها 1- أن الحرب على اليمن سوف تتصاعد ، وتشارك اسرائيل بها مشاركة مباشرة  .

2- ان الولايات المتحدة سوف تستمر بتنفيذ قرارات ترامب ، وكوشنر ببناء قاعدتين في باب المندب ، واستغلال الصومال ، واريتريا ، وجيبوتي ، وجنوب اليمن لاقامة قواعد حصينة تتسلمها اسرائيل ، ويتولى ترامب ، وكوشنر ادارتها تحت حجة أن هذه القواعد تحكمها تحالفات اسرائيلية مع ابن سلمان ، وابن زايد ، وليس لاميركا علاقة بها وبما يفعله هؤلاء ضد اليمن ، والعراق ، وايران ، وأي دولة اخرى .

من ناحية اخرى أعلن نتنياهو علنا ، وأيده بومبيو علنا بأن اسرائيل لن تسمح لايران بالوصول الى حدودها ، وأنها ستقاتلها حيثما كانت حتى لاتصل الى حدود سوريا مع اسرائيل ، وهذا كما قال وزير الدفاع الروسي ( انه يشم رائحة لحرب ستقوم بها اسرائيل ضد ايران ) .

وعلينا الانتباه أيضا الى الجسر الجوي ، الذي نقل مئات من المعتقلين من داعش من سجون قسد – وقيادة قسد العميلة سمحت بذلك – وأرسلتهم الى العراق ، وقد تم تدريبهم وتسليحهم لشن عمليات ضد الشعب العراقي ، وذلك سيجعل الشعب ، والجيش ، والحشد في انشغال بقتال داعش ، وليس بطرد القوات الاميركية ، التي تمركزت في كردستان العراق في اربيل وعلى الحدود العراقية الايرانية ، أما في سوريا فالأمر واضح ، فقد أخلت القوات الاميركية ثلثي المساحة ، التي كانت تسيطر عليها لقسد ، وتركت لها الحرية مع القوات الاميركية على الرغم من أن تركيا تدعي الصرع مع قسد بل أخلت لها المساحة ، وهذا يعني الاتفاق بين اردوغان ، وترامب حتى لا تصطدم تركيا بقسد ، وتكون في حالة من الوئام تسمح قسد فيها لتركيا بالسيطرة على المنطقة التي تركها الاميركان ، ولكي تقوم قسد بنهب النفط من الحسكة بحماية اميركية ، ورعاية وحماية تركية ، لذلك أطلقت في البادية السورية مجموعات من داعش للقيام بعمليات ضد الجيش السوري اضافة الى الغارات الاسرائيلية لحماية هذه القوات وعملياتها لتمكنها من زلزلة الأرض تحت أقدام الجيش السوري ، ومنعه من الوصول الى الحدود العراقية .

هذه القرارات اتخذت قبل أن ترفع بيلوسي شعار عزل ترامب من البيت الأبيض قبل أن ينهي مدته ، والبدء باجراء المفاوضات التي من أحد شروطها ، التي لاتناقش ، ولايمكن البحث بها هو أن يترك بايدن ماتم بناؤه من تحالف اسرائيلي مع السعودية ، والامارات ، والبحرين وغيرها ، وكذلك التحركات على الساحتين العراقية ، والسورية ، أي ألا يتحرك بايدن ضد كل هذا ، أما على الصعيد الايراني فقد وافقت اسرائيل على أن تعود اميركا الى الاتفاق النووي شرط تعديل بنوده بما لايمكن ايران من تخصيب اليورانيوم ، وبناء سلاح نووي . والمفاوضات التي تجري بين اسرائيل ، وفريق بايدن قطعت شوطا ، وفيما يخص الشرق الأوسط قطعت أشواطا كبيرة ، وتحديدا الذي قام بها يوسي كوهين نيابة عن نتنياهو فاسرائيل حرة طليقة في التحرك مع حلفائها السعودية ، والامارات ، والبحرين ، وغيرها ، وحرة التحرك في المفاوضات مع بايدن ، ولها شروطها التي تريد أن تفرضها على بايدن ليفرضها على ايران .

لكل هذا نتوقع ألا يعزل ترامب، بل يخرج من البيت الأبيض، وسيستمر في ادارة هذا التحالف، ومجريات الأمور في الشرق الأوسط شاء بايدن أم أبى، وسيظهر تعاونه مع بايدن على سبيل المثال الخطوات التي قام بها ترامب، وفريقه بومبيو، وكوشنر، ونتنياهو، هذه الخطوات هي طبق الأصل عن الخطوات، التي كانت تريد تنفيذها هيلاري كلينون أثناء ادارة اوباما: استمرار داعش في سوريا، والعراق، وضمان استمرار حرب الاستنزاف ضد سوريا حتى لاتتمكن سوريا من اعادة بناء مدنها وقراها ، ولاتعيد اللاجئين، وتبقى في حالة الاستنزاف، وكذلك فرض الحصار تدريجيا على العراق كلما حاول العراق التقدم خطوة نحو طرد القوات الاميركية .

ماذا تريدون بعد؟

ألا زال هناك مجال للرهان على بايدن؟ سؤال يحمل جوابه بنفسه، لكن هذا لايعني أننا مغلقو العينين، والعقل على التكتيكات السياسية التي يجب، أو يمكن أن تتخذها القوى الثورية والدول خلال هذه الفترة شريطة أن تكون تلك التكتيكات سياسات مقاومة، ويجب عدم انتظار ادارة بايدن للرد على اغتيال سليماني، والمهندس، وزادة، ونحن نتوقع مزيدا من الاغتيالات على الساحات اللبنانية، والسورية، والعراقية، والايرانية، ولذلك نقول ان الانتظار خطأ كبير.

يجب توجيه الضربات لرأس الأفعى، وهذا هو الذي يولد فوضى في بطن الأفعى التي تعاني من مآزق خطيرة، لقد ظهر سار المنافس لنتنياهو على رئاسة الوزارة، وقال على شاشات التلفزيون (نحن مع تحرير يهودا والسامرة، وضمها لاسرائيل)، بمعنى أنه مهما تصارعت وتشابكت هذه القوى، فانها لاتختلف على قضم أرض فلسطين، وشطب فلسطين، وابتلاع أرضها، كل هذا الحشد المقاوم سيكون دفاعا عن ايران، وسوريا، والعراق، ولبنان واليمن وليس فقط الشعب الفلسطيني، علينا أن نقول ان قوة التفاوض مع ادارة بايدن تنبع من قوة الضربات الموجهة لاسرائيل، وحلفها في الشرق الأوسط يجب ألا ننسى هذه القاعدة: ضرب هذا التحالف يقوي تفاوضنا مع هذه الادارة، وكذلك يقوي من شكيمة بايدن نفسه لاتخاذ منهج مخالف لما تريد تثبيته معه الآن هذه القوى العنصرية الارهابية اليمينية الاميركية بقيادة ترامب.

* كاتب وسياسي فلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى