أقلام وأراء

بسام ابو شريف يكتب الحلقة الرابعة – كيف دخلت امريكا رغم انف سفاراتها في بيروت بجواز يمني جنوبي

بسام ابو شريف *- 19/12/2020

قد يجد بعض من لديه القدرة على قراءة في تاريخ لم يمض عليه زمن طويل ، قد يجد فيما أكتب اعادة لبعض الحقائق التي ذكرتها “بالمفرق”، سابقا ، وفي بعض كتبي ….. هذا صحيح، لكن الحقائق هي حقائق، وعندما تتوسع في شرح مجريات أحداث معينة مر بها المناضلون الفلسطينيون والعرب لاتلغي حقائق حتى ، وان كنت قد ذكرتها في مواقع اخرى  فالحقيقة ثابتة، وليست متغيرة لذلك فان اعادة ذكرها تثبيت لها، وليس تكرار ممجوجا.

وللتوضيح سأضرب مثلا : اعتقال الدكتور جورج حبش في دمشق من قبل المخابرات السورية حقيقة لابد من ذكرها عندما نسجل تدخل جمال عبدالناصر للافراج عنه ، وعندما تسجل مؤمر اتحد المحامين العرب ، الذي عقد لأخذ قرار بالطلب من سوريا الافراج عن الحكيم …. الخ ، وعندمانتحدث عن عمل الدكتور وديع حداد الأساسي بعد مؤتمر تموز – آب 1968، وهو تخطيط وتنفيذ عملية اختطاف الدكتور جورج حبش من أيدي الانضباط العسكري السوري ، وتهريبه الى لبنان لابد من اعادة ذكر أن جورج حبش اعتقل ، وهذا ليس تكرارا …… معذرة للتوضيح رغم أن هذا يأتي في الكتابة حول أحداث سبق أن ذكرت في الحلقة الثالثة اننا تجمعنا بتوجيه من الدكتور وديع حداد للمساعدة في انجاز شراء وتسجيل امتياز ” الهدف ” ، وضمان موافقة غسان كنفاني على الاستقالة من صحيفة الأنوار، وتسجيل الامتياز باسمه، وتسلمه مسؤولية اصدار المجلة الاسبوعية الهدف ، بدأت الترتيبات العملية لاصدار مجلة الهدف – العدد الأول منذ انتهاء العمل في مؤتمر تموز آب .

وفيما نحن غارقون بتنفيذ هذا الهدف المركزي ” مجلة التنظيم ” ، أصدر وزير الداخلية اللبناني أمرا بترحيلي من لبنان أنا ، ومجموعة من القيادات البعثية التي لا تحمل الجنسية اللبنانية استدعاني الدكتور وديع حداد ، وطلب مني الاستعداد لتنفيذ مهمة مركزية أساسية ، وقال لي : يا بسام ، لقد أحسنت في كل المهمات التي نفذتها ، والآن سوف توكل لك مهمة شاقة ، وذات طبيعة استراتيجية ، وسيكون لها تأثير كبير على مسار الجبهة لأنها مهمة اقامة  تنظيم سيكون برنامج عمله الخاص برنامجا كاملا متكاملا …. توقف لحظة ، وتابع يقول : انها كانشاء جبهة شعبية موزعة في كل أنحاء العالم سيكون لها مهمات تنظيمية ، واعلامية وعسكرية ، وأمنية ، واستخبارية ….. وساد صمت ، قرروا ترحيلك من لبنان لابأس لن نجعل منها معركة سوف تتغير الحكومة قريبا ( كانت عائلة وديع حداد قد حصلت على الجنسية اللبنانية ) ، حافظت على صمتي بانتظار المتابعة قال : المهمة معقدة ، ومكلفة لأن عليك أن تسافر الى بلدان متعددة ، وقارات متعددة ، وعليك أن تضع برنامجا لذلك ، وأقترح أن تبدأ جولاتك لتنفيذ المهمة بالولايات المتحدة ، فلك أقارب ” اخوة وأخوات وأولاد عم ” ، هناك يجب أن تزورهم أولا ليمولوا لك جولتك في الولايات المتحدة ، وبعد ذلك تضع برنامجا طويل الأمد لاستكمال تنفيذ المهمة … صمت ، ثم قال بصوت عال : جاهز ؟؟

قلت : نعم

قال : انطلق لتحصل على تأشيرة اميركا قبل ترحيلك من بيروت ، وبعدها نعقد لقاء آخر قبل سفرك .

عدت الى شقتي الصغيرة في شارع الكومودور، وهي التي أبقيتها منذ أن كنت طالبا في الجامعة ، وهناك اجتمعت مع القائد شريف الحسيني الذي كان قد ترك عمله في القاهرة وجاء للانضمام لعملية التأسيس الى بيروت ، وخلال الاجتماع جاء غسان كنفاني ” رحمه الله ” ، ودار حديث بيننا نحن الثلاثة ، قال غسان : هذا موضوع في غاية الأهمية ، وله تأثير على كل مسار الجبهة ، ومتشابك مع اصدار المجلة المركزية للجبهة ، وتسويقها ، وجعلها أداة تنظيم وتعبئة ، وتلقي مساهمات الناس في تكاليف القتال .

كان غسان يتحدث حول تطوير قيادة للعمل الاعلامي ، وربطه بشكل وثيق بالتنظيم المنتشر في كل أنحاء العالم ، وتنبهنا جميعا ان عدم وجود قيادة منتخبة للجبهة حتى تلك الفترة أعطى أوسع المجالات للابداع من خلال تكليف الدكتور وديع حداد والدكتور جورج حبش القياديين من حركة القوميين العرب بشكل مباشر ، وهذا فتح بابا واسعا لانجاز مهمات غاية في الدقة والتعقيد قبل أن ينتخب مؤتمر شباط 1969 ، قيادة للجبهة ، ولم يكن أحد يتصور أن هذا الوضع سيمتد حتى العام 1972 .

خلال يومين من اللقاءات بيني ، وبين شريف الحسيني ، وغسان كنفاتي نجحنا في بلورة تصور عام لعمل هذه الوحدة الاستراتيجية ( الاعلام والتنظيم الخارجي ) ، وكانت الرؤية واضحة جدا في الترابط الجدي بين المهمة والأداة ، وأهمية أن تقود هذا العمل جهة واحدة ولا زلت أذكر قول غسان ، وهو يبتسم ، ويدخن سيجارة ” الفايسروي – توقف عن التدخين بعدها بأشهر ” ، سيصبح مكتب الهدف عنوان الجبهة الشعبية ، وهذا يعني أن نمثلها ، وأن نتلقى عنها الضربات ، وأن نمولها ، ونجند لها المقاتلين .

تنفيذا لتعليمات وديع حداد توجهت في اليوم التالي للقنصلية الاميركية ، وقدمت طلب تأشيرة وكان الوعد بأن يتصلوا بي خلال اسبوع … استخدمت الوقت انتظارا للفيزا في ترتيب أغراض السفر ” ولم تكن كثيرة ” ، وترتيب وضع بيتي بفترة الغياب بسبب الترحيل ، وسكبت مفتاحا سلمته لغسان لاستخدام الشقة عندما يريد ، وللحفاظ عليها ، ووضعت بالتعاون مع شريف الحسيني خطة عمل استندنا فيها الى لوائح قديمة تضم أسماء أعضاء الحركة في الولايات المتحدة ، والهيئة القيادية ، وكان مفهوما أن رحلتي لاميركا ” ان حصلت ” ، لن تغطي كل هذا بل ستكون بداية لعمل شاق وطويل .

لا أريد أن أبث الملل في القارئ ، لكن هذا نموذج آخر من عملية البناء ، التي كانت تتم في كل ميدان على حدة ، ولأعطي مثلا : في هذا الوقت كان شباب قيادة الاردن المؤقتة ( وبعض أعضائها مازال حيا يرزق ) ، وهم من خيرة المناضلين وأخلصهم كانوا غارقين في تنظيم الهيكلية العسكرية ، ونظام القواعد العسكرية القتالية ، ومجموعات الدفاع ، وعمليات تهريب الكادر والسلاح للأرض المحتلة ، ودعم القادة بقيادات عسكرية بارزة من عدة دول عربية  (كانوا ينتمون لحركة القوميين العرب ، وبعضهم للأحزاب الشيوعية ) ، فتسلم الهيثم الأيوبي عملية البناء العسكري ، والرسم العسكري الاستراتيجي ، وتسلم التدريب أكرم صفدي الذي أسس حركة الفدائيين في سوريا ، ثم أصبح كبير جهاز حماية الرئيس جمال عبدالناصر بعد الانفصال ، وضباط من العراق ” الجيش العراقي ” ، سواء كانوا من أصل فلسطيني أو عراقيين ، وكان أهمهم شاب تسلم معسكرات التدريب وأداها بحنكة خبرة وأطلق عليه لقب “باسم العراقي ” ، وهو الضابط الشجاع عدنان البياتي ” مازال حيا ” ، وانضم للجبهة ضابط عالي الرتبة من الفلوجة ” ابو هدى ” ، وضابط من ” آل الشيخ علي ” ، وانضم كذلك ضابط كردي ، وكل من ذكرتهم كانوا جزء  بكل مهمة من مهمات البناء والعمل كان يتابعها قيادي ولجنة متخصصة ، وتتلقى تعليمات ” عريضة ” ، من الدكتور وديع حداد ثم الدكتور جورج حبش ، ووديع حداد بعد عودة الحكيم الى عمان اثر تحريره من سجن عبدالكريم الجندي .

لقد انتحر عبدالكريم الجندي بعد أن اكتشف كم كان جهازه مخترقا من الصهاينة ، وكم كان هو وجهازه عرضة لمعلومات غير صحيحة وضعته وجهازه موضع شك وسخرية ، هذه المهمات والعمل الدؤوب فيها من أهدفها كانت تنفذ من رجال الجبهة الشعبية المعارضين للانشقاق الذي كان نايف حواتمة ومجموعته منهمكين في الاعداد له ، والشباب من حركة القوميين العرب الذين قرروا انشاء الجبهة الشعبية مخلصين لهذا الهدف الذي طال انتظاره ، وعرفوا طوال الوقت على أنهم ” ابو الولد ” ، وحرصوا على بذل كل الجهد لمنع الانشقاق .

بعد اسبوع من تقديمي طلب الفيزا اتصلت بي القنصلية الاميركية ، فذهبت للقاء السيدة القنصل و كانت امرأة في الخمسينيات من عمرها دعتني للجلوس ، وجلست هي على مقعد مقابل مقعدي قالت : سيد ابو شريف أنت من رجال منظمة التحرير ، ولذلك لا نستطيع منحك تأشيرة ربما تتطور الأمور لاحقا ، ويصبح بامكانك زيارة الولايات المتحدة ، شكرتها وقلت : أنا أعمل في مركز الأبحاث الفلسطيني ، فهل أنتم تعتبرون البحث العلمي تهمة ؟!

ابتسمت ، وقالت : أنا أنفذ مايطلب مني سيد يسام ، فقلت لها : شكرا ، وخرجت .

انتهت المهمة ، وانتشرت مع الرياح لا تأشيرة …..يعني لاسفر….. يعني لا تنفيذ للمهمة ، لم أراجع الدكتور وديع حداد ، بل التقينا في شقتي كالعادة شريف الحسيني ، غسان كنفاني ، وأنا … ذكرت لهم ما حصل ، واذا بشريف الحسيني يصفق ويغني ، وقال : سوف تذهب لاميركا  قال له غسان : كيف ؟

جلس شريف ، وهمس كأنه لايريد أن يسمعه أحد ” رفيقنا صادق الشافعي – الاتحاد العام لطلبة فلسطين” ، رفضوا اعطاءه تأشيرة لكنه تمكن من الحصول على تأشيرة بجواز سفر يمني بدأ الأمل بتنفيذ المهمة يعود تدريجيا درسنا ، وخططنا ، ونفذنا … كان علي التوجه لعدن للحصول على جواز سفر يمني ، وان أسافر به للقاهرة ، وأن أسجل عند دخولي رسميا أنني أدخلت الفي دولار، وأن أتوجه للقنصلية الاسبانية ( اسبانيا كانت ترعى شؤون الولايات المتحدة لأن العلاقة مع مصر قطعها جمال عبدالناصر اثر قيام طيران اميركا الحربي بضرب الطيران المصري ، ومساعدة واشنطن لاسرائيل في احتلال سيناء ) ، فعلت ذلك سألني الموظف دون اهتمام : هل تحمل مالا قلت : نعم

طلب ورقة المطار التي تقر بادخالي المال ألقى نظرة عليها ، وقال : اوكي عد لنا بعد ساعة تكون التأشيرة جاهزة ، غادرت السفارة الاسبانية ، وأنا مصعوق أبهذه البساطة ؟! سرت في الشارع ، واشتريت علبة سجائر ” كيلوبترا ” ، وأمضيت ساعة أتجول ثم دخلت للقنصلية … الجواز كان جاهزا ، ويحمل التأشيرة لم أكن بحاجة للعودة لبيروت ، ولم يكن باستطاعتي اذ أن خروجي من بيروت كان تنفيذا لقرار وزير الداخلية اللبناني بترحيلي من لبنان ، وطرت الى نيويورك ، ومنها الى شيكاغو لألتقي بأختي وأقاربي الذين تجمعوا في المطار كان الأهل يرغبون بتحويل زيارتي الى زيارة عائلية ” غير عالمين بمهمتي ” ، وبدأت أتسقط الأخبار منهم حول أي نشاط وطني فلسطيني ، ومن يقوم به لم يكن هنالك أي شيئ يذكر حول أي نشاط ، لكن الحديث دار حول تشجيع الجالية لدعم الثورة لتحرير فلسطين ، وبدأت بعد ثلاثة أيام من تلبية دعوات ” العشيرة ” ، بترتيب هيئات دعم في أوساط الجالية في ولاية الينوي تم ذلك لكنني اكتشفت أن الحساسيات ، والمنافسة بين العائلات في فلسطين ( من أبناء المدينة أو القرية الواحدة ) ، مازالت هي هي التي تثور في المهجر عندما تصل الأمور الى ” من يترأس ومن يقود ، ومن يدفع ” ، بعد انتهائي من وضع بعض الترتيبات العملية لاستمرار لحنة الدعم من أوساط الجالية أبلغت من بيروت أن الوزارة تغيرت ، وأن كمال جنبلاط أصبح وزيرا للداخلية ، وان أول قرار له كان شطب قرارالترحيل ، وأن بامكاني الآن العودة الى بيروت دون اي مشكلة ، قررت أن أرتب بعض اللقاءات في نيويورك مع اتحاد الطلبة العرب  وبعض ممثلي العرب في الأمم المتحدة ، ومدير مكتب اعلام الجامعة العربية الذي كان عادة فلسطينيا لتكون الملحقيات الاعلامية للجامعة العربية كسفارات لفلسطين تم ذلك ، وأصبح لدي فكرة جيدة حول تنظيم الدعم ، وبناء اتنظيم في الولايات المتحدة ، وعدت الى بيروت .

قدمت تقريرا للدكتور وديع ، الذي قال لي : ” لماذا لم تبق هناك لتنجز العمل ؟ ” ، قلت له : هذه كانت رحلة استطلاع ، وأنا الآن أعرف ماذا علي أن أحضر هنا ، وماذا علي أن أشحن لاميركا حتى تكون الانجازات سليمة وواضحة ، فمثل هذه المهمة سوف تعني الاتصال بالجالية ، وبالجسم الطلابي ، وبالجمعيات العربية المختلفة الاسلامية والمسيحية ، وتتطلب القاء محاضرات في تجمعات الجالية في الولايات المتحدة ، وفي الجامعات للاميركيين والعرب على حد سواء” .

نظر الي وديع ، وقال : شمولية !! هذا عمل خلاق ، ومهم …. حسنا افعل ماتراه مناسبا … نفذ المهمة !! وبدأت الاعداد ، وكان المطبخ غسان كنفاني ، وشريف الحسيني ، وأنا دون أن أتطرق للمهمات التي طلب مني تنفيذها خلال وجودي في بيروت .

انصبت الجهود على اصدارأول عدد من الهدف ، وكان الترتيب لعقد المؤتمر قائما على قدم ساق ” الانتخابات ” ، والمؤتمرات الحزبية ، وهذا كان حال الجميع من داخل الأرض المحتلة والاردن ، وسوريا ، ولبنان ، والخارج ، على ضوء ازدحام العمل والمهام أبدى الدكتور وديع رأيا مفاده أن القيام بمتابعة المهمة يمكن أن يتم بعد مؤتمر شباط 1969 ، وهكذا كان .

راجع شريف الحسيني قبل سفري للولايات المتحدة اللوائح الموجودة في المركز ، والتي تحتوي على الأعضاء ، والقيادات في تنظيم حركة القوميين العرب في الخارج ” خارج الوطن العربي ” ، وكان المسؤول الأول في الولايات المتحدة الدكتور وليد الحسيني ، ومقره كاليفورنيا ، وقام وليد باعداد برنامج في الساحل الشرقي يتم تنفيذه قبل انتقالي للساحل الغربي كان أول نشاط قمت به في مدينة صغيرة بيت شباب في ولاية اوهايو ، واستقبلني في المطار مجموعة من الشباب العربي كان في مقدمتهم جمال ف ، وسهيل ي ، وفوجئ الجميع بأنني شاب صغير السن ، وألبس لباسا متواضعا ، وكأنهم صدموا ( لاحقا اعترف لي أحدهم أنه كان يتوقع رجلا ضخما كالجبهة الشعبية ، ويلبس بدلة ورباط عنق ” أنيق ” ) ، كقيادي مثل قيادات اخرى ) ، توجهنا فورا نحو بونغستاون ، والى القاعة التي احتشد فيها مئات من أبناء الجالية العربية ، وكنت قد أعلمت أقاربي في الينوي أنني سألقي خطابا في ذلك التاريخ ، وحددت لهم المكان ألقيت كلمة قلبت فيها المزازبن السائدة ، وراح الجميع يدبك ويهتف لفلسطين ، وكما هي العادة في الأفراح اختيرت أكبر النساء سنا لتدبك وحدها ، وكالعادة يقوم الحضور بالقاء الأوراق النقدية عليها الى أن تتعب ( كبيرة السن حتى تتعب بسرعة ) ، لكن تلك السيدة العظيمة استمرت في الدبكة دون كلل أو ملل ، وكانت الأموال تنهال عليها والأناشيد والزغاريد لفلسطين ، ووصل في تلك الأثناء أبناء عائلتي ، وكانوا مجموعة كبيرة وانضموا للجميع ، وكما ذكرت يدب التنافس بين العائلات ، وبدأ ابن عم لي ” توفي رحمه الله ” ، واسمه أديب ، فأخرج دفتر شيكات ووقع شيكا ، ثم قال بصوت عال : ” تبرع من أديب شيك بألف دولار ” ، ودبت الحمية والحماس ، وانهالت الشيكات مع اعلان اسم المتبرع الى أن تعبت السيدة كبيرة السن ، فسحبتها وقبلت جبينها المبلل من التعب ، وكانت النتيجة مذهلة لشباب ” الجبهة ” ، عقدنا جلسة ، وتبين لي أنهم جميعا من الأنصار، وليسوا أعضاء رتبت معهم أمور ولاية اوهايو من حيث لجان الأنصار والدعم ، وبناء التنظيم ، ووضعنا خطة تحرك اقترح أحد الشباب أن نشتري يبارة مستعملة لنتحرك بها نحو الولايات الاخرى بدلا من دفع تذاكر طائرات ، وتم ذلك ورحنا ننتقل من ولاية الى اخرى ، والبرنامج كان دائما القاء محاضرات وكلمات في الجامعات والجالية ، وتشكيل خلية تنظيمية اذا لم تكن موجودة بناء لجان أعضاء ، ولم نواجه مشكلة سوى مشكلة كبيرة في مدينة ديترويت ، فقد رتب لقاء حاشد للجالية العربية ، ومعظم أبنائها من اليمن ، ودعيت لالقاء كلمة ، وشرح الشباب أن مدينة ديترويت تعتبر فتح هي الثورة ، وان لاوجود للجبهة فيها سواء أعضاء أو أنصار ، وفسروا السبب بأن مجموعة من الزعران تتحكم بالجالية باسم فتح ، وتمنع أي شخص من غير فتح بمخاطبة الجالية ، وانني سأكون أول شخص يدعوه اليمنيون دون موافقة فتح ، وصلنا ” ديك ستريت ” ، حيث التجمع في قاعة ملحقة بالجامعة وحيث ثقل الجالية العربية ” أغلبية الحي يمنيون ” ، استقبلني رئيس الجالية العربية ، وهو حاج يمني ودعيت لالقاء الكلمة .

كانت الكلمة الرئيسية في المهرجان الذي جمع لدعم اثورة الفلسطينية ، وكانت القاعة تضج بالهتاف والتصفيق عند كل كلمة أقولها مما أثار غضب شخص بدا ، وكأنه زعيم عصابة وراح يشوش من آخر القاعة ، لم أعره اهتماما وتابعت ، وازداد الهتاف ، وفجأة اندفع هذا الرجل نحو المنصة ، وصرخ في وجهي بأن أتوقف عن الكلام ، وأخرج من القاعة ، وبحركة ” لصوصية ” ، أزاح طرف معطفه ليظهر لي مسدسه … ضحكت ، وقلت له : أنا لست مستعدا أن أغضب مضيفي الحاج ، ولست مستعدا أن أتصارع مع أي عربي على أرض الولايات المتحدة ، التي تدعم أعداءنا لذلك هدئ أعصابك ، واستميح الحاج عذرا ، وأقول لشعبنا المجتمع هنا ستنتصر فلسطين رغم أنف من لايريدها أن تنتصر ، وخرجت من القاعة … كنت أعرف بالضبط ماذا سيكون رد الفعل ، وماذا ستكون النتيجة ، كانت كافة تبرعات الجماهير تذهب لهؤلاء الزعران يشترون السيارات ، وأسسوا اذاعة محلية ، وأصدروا صحيفة ، ولم تكن تحصل الجبهة على أي حصة من هذه التبرعات ، فكان تصرفي يستهدف كسر هذه القاعدة ، وقرار بالحصول على جزء من التبرعات …. جلست خارج القاعة أدخن جاء الحاج يحيط به خمسة رجال يمنيون ، وقدموا اعتذارهم عما حصل ، وقال لي الحاج : أنت رجل حكيم وشجاع ، ولاشك أن رجال الجبهة مثلك لقد قررنا أن نقسم التبرعات مناصفة بينكم وبين فتح ، واعتقد أن هذا حقكم ، ونحن نأمل أن تشرفنا دائما ، ولن نسمح بنكرار ما حصل على كل الأحوال ننتظر أن يأتيك هذا الرجل ، وأصحابه ليعتذروا منك لأنني طلبت منهم ذلك ، وبالفعل جاءوا ، واعتذروا ، وطلبوا اجتماعا رسميا لبحث تنسيق العمل في مدينة ديترويت ، وعقدنا اجتماعا طويلا مع لجنة فتح القيادية في ديترويت ، وأذكر أن أحد أبرز شباب فتح كان حسن نعواش ، وكانت معهم سيدة واعية وذكية اتفقنا على التنسيق لرفع مستوى الدعم ، وغادرت ديترويت بعد أن شكلنا لجنة قيادية مؤقتة ، وممثلا للمتابعة ارتبط مع مركز بونغستاون للتنسيق .

وهكذا قمت بجولة في الساحل الغربي ، والجنوب ، والوسط ، ونظمت اول لجان تقام في الولايات المتحدة لدعم الثورة الفلسطينية ، وظلت الجبهة الشعبية لتقود العمل الوطني والقومي لفترة طويلة من الوقت .

ماذا جرى في الساحل الغربي وواشنطن ونيويورك ؟؟

الى اللقاء في الحلقة القادمة

*كاتب وسياسي فلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى