أقلام وأراء

بسام ابو شريف-احتمالات تداعيات هزيمة بايدن في أفغانستان على الوضع في الشرق الأوسط

بسام ابو شريف *- 17/8/2021

بغض النظر عن محاولات الرئيس جو بايدن وفريقه الحاكم في البيت الابيض، وبغض النظر عن رأي وزير الخارجية الأمريكي ، فان الهزيمة التي مني بها بايدن في أفغانستان هي أضعاف الهزيمة التي منيت بها الولايات المتحدة الأمريكية في فيتنام.

 اذ ان خروج القوات الامريكية من افغانستان بعد عشرين عام تجرجر الفشل الذريع هي بحد ذاتها فضيحة كبرى للإدارة الامريكية الحالية التي اتخذت القرار بالانسحاب من افغانستان رغم معرفتها حسب معلوماتنا المؤكدة من ان قوات الحكومة الافغانية لن تستطيع الصمود اكثر من اسبوع في وجه اي هجوم تخطط لها طالبان.

ورغم ان الادارة الامريكية اعدت خططاً للانسحاب بحيث يبدو هذا الانسحاب، انسحاباً مرتباً منظماً وبقاء السفارة الامريكية مشرعة الابواب في كابول، رغم ذلك، اضطر جو بايدن لإعطاء التعليمات المباشرة منه كرئيس للولايات المتحدة، لإرسال خمسة الاف جندي لحماية طاقم السفارة ومن تبقى من الامريكيين لنقلهم من مقرهم الى مطار كابول، حيث رحيلهم كلياً من افغانستان.

وجاء هذا بعد قرار البيت الأبيض بخروج كل الامريكيين من افغانستان وخروج كل من تعاون وخدم القوات الامريكية في افغانستان الى الولايات المتحدة لتجنيسهم وترتيب معيشتهم هناك، اي مغادرة افغانستان للأبد.

هذا الجيش من الافغانيين هو جيش العملاء للقوات الامريكية وليس صحيحاً ان هؤلاء هم مترجمون ، اذ ان طالبان اعطت وعداً قاطعاً لجميع الفنيين الذين خدموا في صفوف القوات الامريكية، بأنهم سيكونوا في امان ويستطيعون البقاء في البلد ، لكن سحبهم بهذه الطريقة ونقلهم الى اماكن متعددة منها دولاً في الشرق الاوسط كالاردن والسعودية والبحرين هو خطوة واضحة المعالم وواضحة المعاني ، اذ ان هؤلاء هم جيش العملاء ، فمغادرة جيش العملاء مع القوات الامريكية يضيف لهزيمة جو بايدن هزيمة اضافية.

هزيمة جو بايدن والادارة الامريكية الحالية في افغانستان جاء نتيجة قرار الانسحاب غير المبني على اسس ادعتها الادارة الامريكية الحالية واستندت لها في قرارها هذا رغم معارضة بعض كبار ضباط وزارة الدفاع في البنتاغون لهذا القرار.

ومن الطبيعي ان يكون لمثل هذا القرار تداعيات خطيرة على المستوى الداخلي في الولايات المتحدة وكذلك على المستوى الخارجي.

بالنسبة للتداعيات على المستوى الداخلي :

لم ينتظر الجمهوريون طويلاً لينهالوا على جو بايدن وادارته بالنقد والانتقاد وتوجيه التهم بسوء ادارة المعركة وبسوء توقيت الانسحاب وعكسوا تلك الأخطاء التي ارتكبها (حسب رأيهم) جو بايدن على صعيد المعركة الداخلية بين الجمهوريين والديمقراطيين.

وبدا الامر وكأنه انعكاس لما صرح به ترامب في حملاته المستمرة رغم تباعدها ضد بايدن وضد الديمقراطيين ، وقد اتهم ترامب جو بايدن بارتكاب اخطاء جسيمة لا شك حسب قوله سوف تلحق الضرر الكبير بمصالح الولايات المتحدة ، عندما اتخذ قراراً بالانسحاب من افغانستان على عجل وبدون دراسة متأنية.

فانهال رجال الكونغرس الجمهوريون على الادارة الامريكية ليس فقط حول قرار افغانستان بل عمموا هذا الانتقاد على مجمل السياسة الامريكية الخارجية وحكموا منذ البداية على خطوات بايدن بالفشل وعلى الحاق بايدن بالولايات المتحدة هزيمة جديدة.

اما على الصعيد الخارجي، فلا شك ان ادارة بايدن ومجلس الامن القومي ومستشارو الرئيس جو بايدن ، يبحثون ليل نهار الان عن بديل لهذا الفشل الذريع بتحقيق انتصار ما في مكان ما ، يحاول ان يعوض الخسارة التي مني بها بايدن ومنيت بها الادارة ومني بها فريقه الحاكم على الصعيد الداخلي في الولايات المتحدة والتي انعكست على هبوط في شعبية الحزب الديمقراطي عكس ما كان يخطط له الحزب ويخطط له جو بايدن ، وهذا له معنى كبير ، اذ ان الحزب الديمقراطي عبر بعض رموزه أصبح يلوم بايدن على الحاق الضعف بالحزب الديمقراطي نتيجة سياساته الخاطئة على المستوى الخارجي.

فهو حتى الان لم يتمكن من تحقيق ما ادعى انه سيحققه في مفاوضات فينا حول العودة للاتفاق النووي ، اذ انه اخطأ خطئاً جسيماً هنا ، فبالوقت الذي اعلن فيه رغبة الولايات المتحدة بالعود للاتفاق النووي ، لم يرفق ذلك بما هو موجب بهذه العودة ، اي الغاء كافة العقوبات التي الحقت بايران نتيجة خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي كخطوة اولية وكمقدمة للعودة للوضع الذي كان قبل انسحاب ترامب من الاتفاق النووي.

تذاكى جو بايدن ومستشاروه المتأثرين جداً بأراء الصهيونية وآراء حكام اسرائيل ، ليس هذا فحسب.

بل ان جو بايدن وفريقه تصور ان إيران سترضخ لما خطط له جو بايدن وظن انه يخطط بذكاء ودهاء

وهو : ( احالة موضوع العودة للاتفاق النووي كجزء من صفقة تشمل اكثر من العودة للاتفاق النووي ، اي تشمل سلوك ايران في المنطقة، حسب تعبير البيت الأبيض ودورها في دول الشرق الاوسط وصناعة الاسلحة الايرانية، خاصة الصواريخ والطائرات المسيرة ومحاولة جعل العودة للاتفاق النووي مربوطاً بموافقة ايران على ان تكون تلك العودة جزئاً من صفقة تشمل مجمل السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وما تريده الادارة الامريكية من ايران على صعيد التنفيذ العملي لاشتراطات الرئيس جو بايدن)

اثبت جو بايدن بذلك انه لا يعرف ابداً لا هو ولا مستشاروه إيران والجمهورية الاسلامية الايرانية والقيادة الايرانية والمجتهد الأكبر في إيران خامنئي.

فلقد صمدت ايران في وجه كل العقوبات سنوات طويلة وعانى الشعب الايراني معاناة كبيرة من حرب الدواء والغذاء وعدم تصدير النفط وكافة الامور والمواد التي تنتجها ايران ، ذلك في محاولة لتركيع ايران واجبارها على الخضوع لإملاءات واشنطن.

لكن باختصار فشلت واشنطن فشلاً ذريعاً، فشل ترامب وها هو بايدن لا يفشل فقط بل يجر معه الولايات المتحدة بأكملها الى ذلك الفشل.

وتصرفت ايران بكل هدوء وأجلت اجتماعات فينا الى تاريخ لم يعرف بعد، لاشعار الولايات المتحدة بأن محاولة املاء شروطها على ايران ، جعلت ايران غير مكترثه لهذه المفاوضات ولا لنتائجها وافهمت الادارة الامريكية انها لا تخشى من استمرار العقوبات لأنه خلال أشهر قليلة ستصبح هذه العقوبات عقوبات لا نتائج لها ، اذ ستحل ايران معظم مشاكلها من خلال الاتفاقات الاستراتيجية التي عقدت مع الصين ومع دول كبيرة اخرى.

وأفهم السيد علي خامنئي بوضوح الادارة الامريكية ورئيسها والعالم الغربي بشكل عام خاصة بريطانيا بأن ايران لن ترضخ لإملاءات الغرب وانه لا تثق بالغرب وانها ترى فيه مخادعاً غير شريف ولا ينضبط ولا يلتزم بما يتفق ويوقع عليه.

لذلك اشترط الايرانيون ان يكون هناك بنداً واضحاً في اتفاق فينا المقبل الذي سوف يعيد الولايات المتحدة للاتفاق النووي ان يكون واضحاً وان الولايات المتحدة لن تكرر تلك الجريمة التي ارتكبتها بعدم الالتزام بتوقيعها وخروجها من الاتفاق النووي بقرار من الرئيس ترامب.

وأخطأت ادارة الرئيس بايدن مرة اخرى برفضها مثل هذا البند مما اثار الشكوك لدى المفاوضين الايرانيين من ان هذه الادارة مثلها مثل غيرها تخطط ولا ترى مانعاً في الخروج والنكوث بالتعهدات كون هذه التعهدات بالنسبة له لا تعد شيئاً مقدساً، بينما ترى الجمهورية الاسلامية في ايران ان التعهد كلام شرف وثقة واخلاق واللزام قانوني لذلك لا يمكن لها ان توقع على معاهدة او اتفاق وتفكر بالنكوث والنكوس وتفكر بعدم الالتزام بما تعهدت به.

اذن، بايدن يواجه بعد فشل وهزيمة افغانستان الكبيرة عقبة في مفاوضات فينا وعليه ان يعيد حساباته اذا اراد ان يحقق شيئاً من تلك الاتفاقات، عليه اللغاء كامل العقوبات التي فرضت على ايران والعودة للاتفاق النووي دون ان يكون ذلك كجزء من صفقة شاملة تتضمن السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية في ايران.

هذا اول نتيجة لتداعيات افغانستان، اذ ان الادارة الامريكية ليست في وضع تستطيع فيه املاء شروطها على ايران.

لذلك نرى انه منذ ان اتخذ الرئيس جو بايدن قراراً بالانسحاب من افغانستان ، كثفت الولايات المتحدة واسرائيل لقاءاتهما الثنائية على الصعيدين العسكري والامني ويقولان دائماً انهما يبحثان بالوضع السياسي لكن الحقيقة تقول انهما يبحثان عن نصر عسكري ما يشكل ضغطاً على ايران من ناحية ويعوض الفشل الذريع الذي مني به بايدن وفريقه في أفغانستان.

من ناحية اخرى، يبحث مجلس الامن القومي الامريكي بشكل مستمر ومنهك تداعيات الفشل في افغانستان على وضع حلفاء الولايات المتحدة في اكثر من مكان خاصة الشرق الأوسط.

ويقول خبراء في معاهد دراسات واشنطن، ان اهتمام الادارة ، ادارة بايدن في الشرق الاوسط، له اولوية كبرى سواء ابتداء من مفاوضات الاتفاق النووي الايراني الى كافة مجريات الامور التي تجري على ارض الشرق الاوسط والهزائم التي منيت بها الولايات المتحدة والحلف العدواني على اليمن نتيجة صمود الشعب اليمني والجيش واللجان الشعبية وتقدمه على اكثر من جبهة ولقد شكلت في هذا الاطار هزيمة العدوان وادواته البيضاء نكسة كبيرة ، اذ ان الادارة الامريكية وحلفائها ، العائلة السعودية والمرتزقة الاخرين ، ظنوا ان الهجوم المباغت لأخذ البيضاء وتحقيق انتصار هناك سوف يعدل من الصورة العامة ، صورة الهزيمة الشاملة لتحالف العدوان ضد شعب اليمن.

لم يفشل الثوريون اليمنيون وانصار الله ، لم يفشل هذا الهجوم فقط بل تمكن من تحرير البيضاء وهو الان حدود شبوة.

ورد ابناء اليمن المقاتلين الابطال على تهديد الولايات المتحدة بالنسبة لمآرب بالتقدم أكثر واصبحوا الان على ابواب مآرب ولن يقرعوها ، بل سيدخلوها وما تآخرهم في دخولها الا حرصهم على عدم وقوع ضحايا في صفوف المدنيين الذين يتخذهم حلف العدوان دروعاً لتحميهم من ضربات المحررين الابطال.

وأنزل رجال اليمن الابطال بالقوات السعودية داخل الأراضي السعودية ضربات قاسية الحقت بهم هزائم متعددة مما اجبر القوات الامريكية للتدخل المباشر بارسال طائرات التجسس وبالمشاركة في قصف قوات الثوار اليمنيين في ضواحي مآرب وفي آكثر من مكان من الأرض اليمنية.

رغم ذلك يعرف الخبراء الأمريكيون وحتى مستشارو بايدن المحيطين به ان هنالك هزيمة نكراء قادمة في اليمن وان حليفهم السعودي والاماراتي قد غطس في وحل لا يستطيع الحراك معه ولا يستطيع الخروج ، لا التقدم ولا والخروج ، وعلى الولايات المتحدة ان تنقذ ما يمكن انقاذه ، من هنا نحن نتوقع ان الموقف الصلب الذي يتخذه انصار الله والمقاتلون اليمنيون والجيش اليمن واللجان الشعبية سوف يجبر الولايات المتحدة على اتخاذ قرارات سوف تأول في نهاية الامر الى تكوين فشل جديد للولايات المتحدة يلحق بفشلها في افغانستان، وقد نرى المتعاونين مع الولايات المتحدة وقواتها يرحلون ويأخذون الجنسية الامريكية هرباً من ضربات الشعب.

ليس في اليمن فقط، بل في دول شاركت في الهجوم الهمجي الدموي على اليمن وشعبها وأطفالها.لكن مراهنة الادارة الامريكية الكبرى ، اصبحت بوضوح هي المراهنة على حليفها القوي والذي قرر بايدن زيادة قوته بعد عملية سيف القدس ، اي إسرائيل.

كل هذه الهزائم جعلت ادارة بايدن تعتمد أكثر لتحقيق أي انتصار على حليفها الاسرائيلي اذ انها تطلب من حليفها الاسرائيلي الان الاعداد لخطط لتوجيه ضربات لمحور المقاومة بشتى فصائله ظناً ان توجيه الضربات لفصائل محور المقاومة هو توجيه ضربة لإيران مما سيؤثر على موقفها في المفاوضات في فينا حول الاتفاق النووي.

الجولات المكوكية بين بين ضباط البنتاغون ومستشارو الامن القومي لبايدن وضباط الجيش الإسرائيلي والموساد ومسؤولي الامن لم تتوقف ولن تتوقف ، ذلك انهم في كل اجتماع يحاولون ان يضعوا بعض التعديلات على ما كان قد خطط من ضربات لكن من الواضح ان التركيز يتم على لبنان ، اذ ان ما يجري في لبنان من أزمات اقتصادية خاصة تصرفات رئيس البنك المركزي اللبناني لها علاقة وثيقة بمخطط بايدن واسرائيل لانهاك لبنان والضغط عليه كي يتصرف سلبياً تجاه حزب الله ووجوده في السلطة.

وهنا يخطئ بايدن مرة اخرى، فبايدن يظن ان الناس في الشرق الاوسط بسيطين ولا يملكون القدرة على التفكير والتخطيط والمعرفة، مستشارو بايدن الصهاينة يقولون له كلاماً غير سليم وغير صحيح حول قدرات القيادات السياسية والعسكرية في محور المقاومة.

ولذلك فان أساس حسابات بايدن وبحثه للأمور مع اسرائيل هو أساس غير سليم وسيأتي بنتائج غير سليمة.

يتوقع بايدن ان يعوض اتفاقه مع اسرائيل وانجلترا على شن ضربات موجعه لفصائل المقاومة مما سيأثر على ايران تعويضاً عن فشله في كل من أفغانستان واليمن.

لم يحسب هؤلاء الخبراء والمستشارون ومن يكذب على الادارة الامريكية من المسؤولين الإسرائيليين ، لم يحسبوا حسابات دقيقة ، لم يحسبوا ان محور المقاومة لا يعلم كيف يدافع عن نفسه فقط بل ان محور المقاومة مشغول بالتفكير والتخطيط والترتيب لهجومه الدفاعي ، اذ ان فصائل محور المقاومة وصلت لنتيجة واضحة من ان الميزان الذي يقول ، اذا اعتدوا سنرد لم يعد كافياً بل يجب ان يكون هنالك هجوم دفاعي يكرسح العدو ويلغي امكاناته من توجيه ضربات وينشب مخالب الهزيمة بصفوفه.

في لبنان وصل السيل الى الزبى وفي اليمن لم يبقى شيء لم تستخدمه الولايات المتحدة لإلحاق الهزيمة بالمناضلين اليمنيين وفشلوا، وفي فلسطين تتصاعد حركة المقاومة الشعبية بشكل متناغم ومنسجم ومتزامن مع إرتماء السلطة في أحضان إسرائيل وأحضان بايدن أكثر من قبل درجة درجة.

وسيفاجأ الشعب الفلسطيني العدو الامريكي والعدو الاسرائيلي مفاجئة كبرى لم يحسب الإسرائيليون حسابها ولم يحسب الأمريكيون حسابها ، يظنون ان السلطة الفلسطينية تمثل الشعب الفلسطيني وهي منبوذة من الشعب الفلسطيني نتيجة الفساد المستشري في صفوفها العليا ونتيجة نهب قوت الشعب من قبل مجموعة من الناس الذين تحولوا الى مرتزقة وخدم للاحتلال الإسرائيلي.

من هنا نرى ان ما جرى في أفغانستان هو ما سيحصل لبايدن في أكثر من مكان خاصة في الشرق الأوسط ، ومن الآن نرى الهزائم تلحق به وبحلفائه ونرى فلول الهاربين كما هرب متعاونو أفغانستان الى الولايات المتحدة وغيرها ، نراهم يهربون من الشرق الأوسط الى مكان قد يرفضهم بعد قليل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى