ترجمات أجنبية

بروجيكت سنديكيت، مارك ليونارد يكتب – بوتين الآخر الذي يقف على عتبة أوروبا

مارك ليونارد* -بروجيكت سنديكيت 9/8/2020

برلين-هل تركيا هي روسيا الجديدة ؟ يتم طرح هذا السؤال بشكل متزايد في العواصم الأوروبية بينما يتبنى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان سياسة خارجية أكثر عدوانية فبالإضافة الى استخدام الهجرة لتهديد وخداع الاتحاد الأوروبي ، يقوم اردوغان بإستخدام القوة العسكرية لتوسيع نطاق النفوذ التركي في طول المنطقة وعرضها.

لقد كان الأوروبيون ينظرون لأمن المنطقة منذ نهاية الحرب الباردة من خلال النظرة الغربية أحادية القطب وبينما يضمن الناتو الأمن العسكري فإن الاتحاد الأوروبي- بقوانينه واحكامه المكونة من 80 ألف صفحة لكل شيء وذلك من حقوق المثليين الى الأوامر التنفيذية لجز العشب- كان يمثل النظام القانوني وفي التسعينيات من القرن الماضي كان يفترض على نطاق واسع ان اللاعبين الإقليميين الكبيرين من خارج الدول الغربية وهما روسيا وتركيا سيتم استيعابهما بشكل تدريجي ضمن تلك الترتيبات.

ولكن خلال السنوات الخمس عشرة الماضية فإن حلم أحادية القطب الأوروبية قد تراجع لمصلحة واقع تعددية الأقطاب علما ان كل من روسيا وتركيا كان لديهما علاقة حب وكره معذبه مع أوروبا وكلتا الدولتين أصبحتا أكثر حزما تحت ظل حكم قادة وطنيين يشتركون بإزدراءهم لمبادىء وقيم الاتحاد الأوروبي.

ان انهيار العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا هي معروفة وموثقة بشكل جيد والقصة التركية هي أقل حدة . ان حرب العراق سنة 2003 ساهمت في تعقيد علاقة تركيا مع الناتو وعلاقتها مع الاتحاد الأوروبي أخذت منحى أسوأ سنة 2007 وذلك عندما منعت فرنسا محاولة إقرار جزء رئيسي من مفاوضات تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي ولقد تبنت تركيا منذ ذلك الوقت مسارا خاصا بها في سوريا والبلقان وليبيا بالإضافة الى السعي لعلاقات جديدة مع روسيا والصين.

بالطبع فإن العلاقة التركية الروسية ليست أقل تعقيدا لأسباب ليس أقلها ان أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعما أطرافا مختلفة في الحرب الأهلية في سوريا . لقد جاءت الفترة الحرجة لتلك العلاقة عندما أسقطت تركيا طائرة حربية روسية سنة 2015 حيث قام بوتين ردا على ذلك بفرض عقوبات زرعت الفوضى في الاقتصاد التركي وأدت الى اعتذار غير معهود من اردوغان.

على الرغم من كونها حليف للناتو ، قررت تركيا منذ ذلك الحين شراء منظومة دفاع صاروخي روسية س-400 على الرغم من اعتراضات الولايات المتحدة الأمريكية وبينما ما تزال هناك توترات تتعلق بالصراع في سوريا ،إلا ان من الواضح ان اردوغان معجب بكيفية تمكن روسيا من إعادة ترسيخ نفسها- بتكلفة قليلة نسبيا- كلاعب مهم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بعد ان وجد بوتين نفسه غارق في حرب لا يمكن الفوز بها في شرق أوكرانيا ، كان يبدو ان حملته الناجحة بشكل عام في سورية سوف تستعيد بعضا من سلطته الداخلية. لقد أمضى الغرب خمس سنوات وهو يصر على انه لا يوجد حل عسكري للصراع وان على الرئيس السوري بشار الأسد ان يتنحى عن السلطة ولكن بينما لم تتوصل المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في جنيف الى أي نتيجة ، كان يبدو ان المفاوضات التي ترعاها روسيا في أستانا قد حققت بعض النجاح .إن قيام الكرملين بضم تركيا وايران للمفاوضات واستبعاده للقوى الغربية يعني انه خلق انطباعا بإن روسيا قد نهضت من الرماد وولدت مجددا كقوة عظمى.

ان اردوغان والذي يواجه معارضة متصاعدة في تركيا أصبح يتبنى أسلوب بوتين . ان عدم رغبة الغرب في التدخل العسكري مجددا في ليبيا يعني ان اردوغان وجد فرصة لإن يتبختر بالدور التركي علما انه قام بتقليد النهج الروسي في سورية وذلك من خلال تمكنه من تأمين الحصول على دعوة رسمية من الحكومة الليبية للتدخل وفي ضربة واحدة أواخر العام الماضي، لم يتمكن من تعزيز صورة تركيا كقوة إقليمية فحسب بل تمكن أيضا من اقتناص اتفاقية حدود بحرية مع ليبيا مما أدى الى تعطيل خطة تشترك فيها اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل لتطوير حقول النفط والغاز تحت الماء بالجوار.

منذ ذلك الحين سعى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة التي ترعى عملية السلام من خلال مفاوضات برلين لانهاء الحرب في ليبيا ولكن التدخل العسكري التركي قد أدى الى تغيير أساسي في ميزان القوى على الأرض. مرة أخرى فإن روسيا وتركيا سوف تحددان مصير بلد يعتبر أساسيا للمصالح الأوروبية ولكن في هذه المرة فإن تركيا هي التي تتولى زمام الأمور.

يبدو أن اردوغان قد أستوحى كذلك استراتيجية فرق تسد التي يتبعها الكرملين في أوروبا حيث يقوم الكرملين بالضغط على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الأكثر اعتمادا على الهيدروكربونات أو الأسواق الروسية وكما قام بوتين باستخدام توريد الطاقة كسلاح فلقد حاول اردوغان ان يستخدم كسلاح كذلك تدفق المهاجرين واللاجئين الذين يفرون من صراعات الشرق الأوسط. عندما أعلن الاتحاد الأوروبي عن مهمة بحرية جديدة لوقف تدفق الأسلحة لليبيا قامت تركيا بالتلويح لمالطا باستخدام ورقة المهاجرين مما دفع مالطا لإن تعلن انها سوف تستخدم الفيتو ضد تمويل المهمة.

لقد أقنع الأوروبيون انفسهم لسنوات عديدة ان روسيا هي الأبن الضال وان نظام أحادية القطب الأوروبي ما يزال قويا ولكن هذا جعل أوروبا هدفا سهلا لاستراتيجية الكرملين القائمة على أساس فرق تسد وفقط في الآونة الأخيرة الى حد ما بدأت أوروبا بصياغة سياسات جديدة ونظام عقوبات صارم لردع العدوان الروسي وحتى الان – وعلى الرغم من الجهود الجبارة للمستشارة الألمانية انجيلا ميركل والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون- ما يزال الاتحاد الأوروبي غير قادر بعد على إنشاء قنوات اتصال فعالة مع روسيا وذلك من اجل التعامل مع المشاكل المشتركة.

ان تركيا لم تصبح بعد روسيا الجديدة ولكن يمكن ان تصبح روسيا أخرى لو تم التعامل مع الموقف بشكل سيء وإلى الان ما يزال معظم الأوروبيين يعتبرون تركيا كشريك معقد عوضا عن “خصم منظم” ولكن يجب ان يتعلم الأوروبيون من الدروس القاسية المستفادة من التعامل مع روسيا خلال الخمس عشرة سنة الماضية . تحتاج العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لمجموعة من المبادئ الجديدة والمتفق عليها ثنائيا بالإضافة الى خطوط حمراء واضحة لردع المزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة.

يجب على الأوروبيين ان يعلنوا صراحة من اجل تحقيق ذلك الهدف ان عملية الانضمام للاتحاد الأوروبي هي عملية لا يمكن التراجع عنها او الدفع بها الى الامام وان اي علاقة قائمة بشكل أكبر على أساس التعاملات سوف تتضمن استخدام الجزرة والعصا . ان التحدي هو التحقق انه ما يزال هناك مساحة للتواصل السياسي فيما يتعلق بالقضايا المرتبطة بالأمن المشترك لمنطقة لا يؤثر فيها الاتحاد الأوروبي وتركيا فحسب بل أيضا روسيا والولايات المتحدة الأميركية والصين.

*مارك ليونارد هو مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى