أقلام وأراء

برهوم جرايسي يكتب –  مائة يوم على حكومة بينيت – لبيد  .. ثبات مرحلي وحزب “يمينا” أمام مستقبل ضبابيّ !

 برهوم جرايسي *- 27/9/2021

مرّت في الأسبوع الماضي مئة يوم على الحكومة الإسرائيلية ذات الرئاسة التناوبية بين نفتالي بينيت ويائير لبيد، ولا يوجد ما يمكن الإشارة اليه كإنجاز لهذه الحكومة، سوى أنها كسرت الرهان على سقوطها خلال بضعة أسابيع قليلة، وتبث إشارات ثبات لفترة أطول، وفق الوضع القائم حاليا؛ خاصة بعد أن مررّت في الكنيست مشروع الموازنة بالقراءة الأولى بسهولة، ما قد يدل ربما على سهولة تمرير الميزانية في موعدها، في مطلع تشرين الثاني. في المقابل فإن حزب “يمينا” برئاسة نفتالي بينيت، الذي سجّل سابقة بتوليه رئاسة الحكومة رغم صغر كتلته في الكنيست، يترقب مستقبله، بعد أن مدّ يده لشرخ معسكر اليمين الاستيطاني، برغم أنه يواصل تطبيق سياساته.

وعند حصول الحكومة على الثقة في الكنيست بأغلبية هشة، يوم 12 حزيران الماضي، راهن حزب الليكود، وزعيمه بنيامين نتنياهو، على أن عمر هذه الحكومة قد يمتد ثلاثة أسابيع، أو أكثر بقليل، معتمدا على ما كان يبدو تناقضات جدية بين أطراف الحكومة الأساسيين، التي ستقود لصراعات داخلية، مثلما فعل نتنياهو بنفسه، مع حكومته الأخيرة، بشراكة مع كتلة “أزرق أبيض” برئاسة بيني غانتس، إذ انقلب نتنياهو على الاتفاقيات بعد أقل من شهر على تشكيل الحكومة إياها. إلا أن الحكومة الحالية التي تجمع كتلا صغيرة، تعرف أنها على متن سفينة صغيرة، وكل خلل فيها قد يتسبب بضرر لها، على الصعيد الحزبي الانتخابي، لذا فإن المصلحة هو التماسك، في هذه المرحلة، رغم أن الأجندة السياسية الطاغية على الحكومة، هي أجندة اليمين الاستيطاني، دون أن يُطلق صوت معارض لتصريحات رئيس الحكومة نفتالي بينيت، الذي أكد مرارا على ذات السياسات التي طبقتها حكومات بنيامين نتنياهو، تجاه القضية الفلسطينية: لا مفاوضات مع القيادة الفلسطينية، ولا انسحابات، ولا دولة، بل فقط “سلام اقتصادي”.

وكما يظهر فهذا ليس فقط نهج بينيت في الحكومة، فمعه كتلتا اليمين الاستيطاني الأخريان: “أمل جديد” برئاسة جدعون ساعر، و”إسرائيل بيتنا” برئاسة أفيغدور ليبرمان، بل أيضا معه يائير لبيد، زعيم الحزب الأكبر في الائتلاف، “يوجد مستقبل”، والشريك لاحقا في رئاسة الحكومة، إذ أعلن في الأيام الأخيرة عن برنامج “سلام اقتصادي” تجاه قطاع غزة: “تسهيلات اقتصادية مقابل الهدوء”.

وهذا أيضا نهج كتلة “أزرق أبيض”، برئاسة بيني غانتس، التي شاركت بنيامين نتنياهو في حكومته الأخيرة، وفي ذات السياسات، ولم تعترض عليها أيضا في الحكومة الحالية. أما الكتل الأخرى، التي كانت تلوح بسياسات أخرى، فإنها تلتزم الصمت ولم تعترض، مثل حزب العمل بقيادته الجديدة التي أعلنت أنها ستغير نهج الحزب في المجال السياسي لكنها أبقت عليه، وكتلتي ميرتس والقائمة العربية الموحدة.

والأيام المئة الأولى للحكومة كان نصفها في ظل الدورة الصيفية للكنيست، ونصفها الآخر في ظل العطلة الصيفية، التي ستستمر حتى الأسبوع الأول من تشرين الأول المقبل، لتبدأ الدورة الشتوية، وتستمر حتى الأسبوع الأول من شهر نيسان، وهي ستة أشهر ستكون الامتحان الجدي الأول لمدى ثبات هذه الحكومة وصمودها أمام التحديات التي ستواجهها برلمانيا. والمساهمة الأكبر لثبات الحكومة هي مدى قناعة كل واحدة من الكتل الثماني التي تشكل الائتلاف وبكل نوابها، أن مصلحتها تقتضي استمرار عمل هذه الحكومة؛ والمساهمة الأخرى هي مدى اهتمام المجموع بأن يلبي متطلبات الأحزاب الشريكة ولو جزئيا، لإقناعها بالبقاء في الحكومة.

“يمينا” يترقب مستقبلاً ضبابياً

بخلاف باقي أحزاب وكتل الائتلاف الحاكم، فإن حزب “يمينا” الذي مرتكز قاعدته الانتخابية هو جمهور التيار الديني الصهيوني، ومعه جزء من جمهور المحافظين، لم يعترض على المشاركة في حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو، ومنح فرصة للأخير كي ينجح في تشكيل الحكومة، بعد التكليف الذي حصل عليه عقب الانتخابات الأخيرة، في آذار 2021.

وأيضا خلافا لموقف كتلة “الصهيونية الدينية” التي مرتكزها ومعظم أصواتها من التيار الديني الصهيوني، فإن “يمينا” لم يعترض على أن ترتكز حكومة نتنياهو على دعم “القائمة العربية الموحدة”، الذراع البرلماني للحركة الإسلامية- الجناح الجنوبي.

وبعد أن فشل نتنياهو بررت كتلة “يمينا” لنفسها الانسلاخ عن التحالف الفوري لحزب الليكود، واتجه رئيسها لتشكيل حكومة بديلة برئاسة تناوبية، يكون هو الأول في رئاسة الحكومة، ولكن بشراكة تضم ما يسمى في القاموس السياسي الإسرائيلي “يسار صهيوني”، وأيضا كتلة عربية، كان نتنياهو بنفسه هو من فتح الأبواب لها. إلا أنه ليس واضحا إلى أي مدى ستنجح هذه المبررات التي يطرحها نفتالي بينيت وحزبه “يمينا”، أمام قاعدتهما الانتخابية في أول انتخابات برلمانية مقبلة، لأن الحديث عن قاعدة انتخابية هي من صلب اليمين الاستيطاني المتطرف.

وإن صحّ التعبير فإن حزب “يمينا” حاليا، هو حزب “هجين”، مرّ بعدة تقلبات في شكل خوضه الانتخابات في السنوات الأخيرة. فقد دخل بينيت إلى الحلبة البرلمانية في العام 2013، كرئيس لحزب المفدال الديني الصهيوني التاريخي، الذي استبدل اسمه إلى حزب “البيت اليهودي- المفدال”، وشكّل تحالفا صمد في انتخابات العامين 2013 و2015، حتى بادر للانشقاق عنه في نهاية العام 2018، وشكّل حزب “اليمين الجديد” ثم استبدل اسمه لاحقا إلى “يمينا”. وخاض الحزب الانتخابات بقائمة مستقلة في انتخابات نيسان 2019، ولامس عدد أصوات نسبة الحسم، ولكنه لم يجتزها، لكن بعد 5 أشهر كانت جولة انتخابات جديدة، فأعاد تشكيل التحالف تحت اسم “يمينا”، وعاد إلى الكنيست على رأس التحالف، الذي خاض الانتخابات مجددا في آذار 2020 ثم انشق التحالف مجددا قبل انتخابات آذار 2021. وعلى الرغم من الانشقاق، وتشكيل حكومة أنهت رئاسة بنيامين نتنياهو للحكومة، بعد 12 عاما متواصلا، إلا أن “يمينا” وحتى الآن، لم يقطع كل الخيوط مع شركائه السابقين. ودلالة على ذلك، فإن بينيت يرفض سن قوانين تستهدف شخص نتنياهو لمنعه من تولي رئاسة الحكومة مجددا، بسبب قضايا الفساد التي يواجهها في المحاكم، وبسبب كثرة السنوات التي جلس فيها على كرسي رئاسة الحكومة.

غير أن “يمينا” سيواجه في كل انتخابات مقبلة مسألة أنه السبب في عدم تشكيل حكومة يمين استيطاني أخرى برئاسة نتنياهو، أو أنه مدّ يده “لأحزاب اليسار” لتشكيل حكومة جديدة. وهنا سيكون رد بينيت بأنه منح الفرصة كاملة لنتنياهو، إلا أن الأخير فشل، أو أن من أفشله كان حزب الصهيونية الدينية، وكذا حزب “أمل جديد”، برئاسة ساعر. وعلى هذا ستدور المعركة الانتخابية في قواعد اليمين الاستيطاني.

لكن المشكلة الأكبر التي تواجه “يمينا” هي أنه منذ ظهوره على الساحة، شهد تقلبات كبيرة في قوته الانتخابية، من هبوط وصعود، وكذا أيضا في استطلاعات الرأي التي كانت تسبق كل واحدة من الانتخابات البرلمانية. فعلى سبيل المثال، افتتح “يمينا” حملته الانتخابية قبل آذار 2021، وهو يحصل على ما بين 12 إلى 14 مقعدا في تلك الاستطلاعات، ولكن حتى أيام قليلة قبل الانتخابات كان معدل قوته حوالي 10 مقاعد، وفي نهاية المطاف حصل على 7 مقاعد، انشق أحد النواب عنه لاحقا. وهذا المشهد، يدل على أن حزب “يمينا” لا يملك قاعدة شعبية ثابتة، وكل الاحتمالات أمامه واردة، ولهذا فإنه يسعى إلى تثبيت قوته من خلال رئاسته للحكومة، وتوليه حقيبة الداخلية، وأيضا حقيبة الشؤون الدينية، المهمة للتيار الديني الصهيوني وكل الأحزاب الدينية، وقادرة على توجيه ميزانيات للجهات الدينية المعني بها.

الركيزة الأبرز في مسعى نفتالي بينيت ليعزز قاعدته الانتخابية، وحتى توسيعها، هي إبراز مواقفه اليمينية الاستيطانية، وتطبيقها على الأرض. فقد كرر في الأسابيع الأخيرة مواقفه الرافضة لاي مفاوضات سياسية مع القيادة الفلسطينية، ورفضه قيام أي كيان فلسطيني في ما يسميها “أرض إسرائيل” (فلسطين التاريخية)، وأن كل ما لديه ليعرضه هو “السلام الاقتصادي”، وتحسين ظروف معيشة الفلسطينيين في المناطق المحتلة منذ العام 1967.

وعلى الأرض، فإنه قبل أن يتمم شهرا واحدا على رئاسته للحكومة، صادق على تحويل بؤرة استيطانية حديثة، جاثمة على جبل أبو صبيح، إلى مستوطنة دائمة، وأمر بعدم إلغائها، بتعاون مع باقي شركائه، فعليا أو صمتا بغض الطرف. وهذا كان بمثابة “امتحان” له أمام معسكر اليمين الاستيطاني، وأحزاب المعارضة فيه.

وبعد ذلك بأيام، صادق مع شريكه بيني غانتس، وزير الدفاع، على بناء 2200 بيت استيطاني، في أنحاء مختلفة من الضفة، بما فيها مستوطنات تقع شرقي جدار الاحتلال. وفي البداية كان القرار يوازيه قرار بناء ألف بيت فلسطيني في مناطق (ج)، وفي غالبيتها ترخيص لبيوت قائمة، ولكن الشق الثاني للقرار، بمعنى بناء ألف بيت فلسطيني، تلاشى تدريجيا ولم يعد ملموسا.

يضاف إلى هذا، وحسب تقارير من أوساط دينية استيطانية، فإن قوات الاحتلال باتت في الأشهر الأخيرة تغض الطرف عن مستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى يوميا، حينما يؤدون صلوات يهودية، بما يناقض تفاهمات الوضع القائم. وبموازاة ذلك، تم الشروع بفرض مشاريع بنيوية في الحرم الإبراهيمي في الخليل.

ومن جهة بينيت فهذه بداية، تمت خلال الأيام المئة الأولى لحكومته، وستتبعها قرارات وإجراءات تصب في ذات الاتجاه.

بموازاة ذلك، وكما حاول بينيت وشريكته السياسية العلمانية أييلت شاكيد، فإنه يحاول دائما جذب جمهور علماني يميني، رغم أن قاعدته الانتخابية الأساس هي التيار الديني الصهيوني، وهذا ما أظهرته مجددا نتائج الانتخابات في مستوطنات الضفة، خاصة في مستوطنات التيار الديني الصهيوني، وهو ما عرضه تقرير مركز “مدار” الصادر في شهر حزيران الماضي عن نمطية التصويت في المستوطنات.

تحد جدي أمام “يمينا”

التحدي الجدي أمام “يمينا” ليس فقط أمام جمهور اليمين الاستيطاني، بل أمام الجمهور العام، الذي يراقب نهجه في عدة اتجاهات:

أولا، هل سيحترم اتفاق التناوب مع شركائه، ومع حزب “يوجد مستقبل”، وينقل رئاسة الحكومة يوم 23 آب 2023 في حال صمدت الحكومة، ولم يكن “يمينا” هو السبب في حلها.

ثانيا، هل سيمنح رئيس الحكومة التالي يائير لبيد الهدوء السياسي الذي يمنحه هذا الأخير لبينيت حتى الآن.

هذه أسئلة لها أهميتها على ضوء نهج بنيامين نتنياهو بعيد تشكيل حكومته الأخيرة، برئاسة تناوبية مع بيني غانتس، زعيم حزب “أزرق أبيض”، بمعنى أنه ستكون على بينيت مهمة إثبات احترامه للاتفاقيات التي أوصلته للحكم، بشكل كسر كل المعادلات السياسية القائمة على مر السنين، بأن رئيس حزب صغير يتولى رئاسة الحكومة.

في نهاية الأسبوع الماضي دعا الوجه الصحافي الأبرز في اليمين الاستيطاني، عميت سيغل، في مقابلة مع “القناة السابعة”، وسيلة الإعلام الأقوى لليمين الاستيطاني، وخاصة التيار الديني الصهيوني، بينيت إلى حل الحكومة قبل أن تتمم عامين من الآن وأن لا يسمح بتسليم الحكومة ليائير لبيد. وادعى سيغل أن بيني غانتس هو أيضا ليس معنيا بأن يتولى لبيد رئاسة الحكومة، لأنه ينافسه على نفس قطاع الأصوات. والتقديرات تشير إلى أنه كلما تقدم عمر الحكومة، وطال جلوس كتل اليمين الاستيطاني الأخرى في المعارضة، وأولها الليكود، فإن الماكنة الإعلامية لليمين الاستيطاني ستزيد من ضغوطها على بينيت ليحل الحكومة ويتجه إلى انتخابات برلمانية جديدة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى