شؤون إسرائيلية

برهوم جرايسي يكتب -“عاصفة” السياسة الإسرائيلية : زوارق يتهددها الغرق .. ومراكب جديدة تستعد للإبحار!

برهوم جرايسي *- 28/12/2020

يشهد بحر السياسة الإسرائيلية عاصفة شديدة قلّ مثيلها. الأمواج تعلو، ومراكب وزوارق أصغر يتهدّدها الغرق، ومراكب جديدة تستعد لاختراق عباب الموج، وتلقي بعض إطارات الإنقاذ للملمة بعض من يتهدّدهم الغرق السياسي. وبوصف آخر، فإن أجواء الانتخابات الرابعة للكنيست، في غضون أقل من عامين، تشهد “طوشة عمومية”، وكل الأحزاب والتحالفات القائمة واللاحقة، باستثناء الحريديم، لا تعرف مصيرها الدقيق، فاتضاح الصورة يحتاج إلى بضعة أسابيع. ولكن ما هو واضح منذ الآن، أن المنافسة الشديدة ستكون في اليمين الاستيطاني، أما ما يسمى “يسار” و”يسار وسط”، فإن “الإنجاز” الوحيد الذي ينتظره، هو بقاؤه على وجه السطح.

لم تمر انتخابات واحدة في العقود الثلاثة الأخيرة، إلا وشهدنا فيها تنقلات بين الأحزاب، بهذا المستوى أو ذاك؛ وظهور أحزاب وقوائم انتخابية، أشبه بفقاعات، تظهر وتختفي بعد دورة أو دورتين. وحتى قبل العقود الثلاثة الأخيرة، كانت هذه الظاهرة قائمة، بحجم أخف بكثير. أما ما نراه في الأيام الأخيرة، فهو حراك غير مسبوق بحجمه، وبالإمكان القول إن ما يجري فاجأ كثيرين، ولربما أن أبرز المتفاجئين هو شخص بنيامين نتنياهو، الذي اعتقد حتى الأمس القريب، أنه يمسك بكل الأوراق، ولا حكومة من دونه.

الانشقاقات، كما يبدو قد تطال غالبية القوائم والتحالفات القائمة، باستثناء كتلتي المتدينين المتزمتين الحريديم، شاس ويهدوت هتوراة. وبالنسبة للكتلة الثانية، لو تم خفض نسبة الحسم للتمثيل في الكنيست، لكنا شهدنا فيها انشقاقا بين الحزبين الأساسيين المتحالفين، وهما يمثلان تيارات طائفية داخل جمهور الحريديم من اليهود الغربيين الأشكناز.

هل يتسع شرخ الليكود إلى حدّ الانشقاق؟

حينما أعلن جدعون ساعر عن انشقاقه عن الليكود، واستقالته فورا من الكنيست، وتشكيل حزب، كان واضحا أن النائبة يفعات شاشا- بيتون، التي وقفت إلى جانبه قبل عام من الآن، ودعمته في منافسته لنتنياهو على رئاسة حزب الليكود، هي أول من سينضم إليه. ولم يكن متوقعا انتقال عدد من النواب بهذه السرعة إلى ساعر. ويضاف إليهم، حسب تقارير صحافية، إعلان عدد من رؤساء بلديات أو نواب رؤساء بلديات من الليكود دعمهم لساعر.

حتى الآن، انضم إلى ساعر، إضافة إلى شاشا- بيتون، النائبتان شيران هسكيل وميخال شير، وكلاهما من الصفوف الخلفية لليكود، ولكن في هذه الخطوة “هزة معنوية”، كي لا نقول ضربة لليكود. إلا أن المفاجئ كان إعلان الوزير زئيف إلكين استقالته من الحكومة والكنيست، لينضم فورا لحزب ساعر. وهذه “هزّة” أشد لليكود، كون الحديث يجري عن أحد أبواق نتنياهو “الضاربة” في الإعلام الإسرائيلي، وهو اسم بارز في كل حكومات نتنياهو، منذ العام 2009، إما من خلال منصبه كرئيس لكتلة الليكود، وكرئيس للائتلاف الحاكم، أو في عضويته في الحكومات، حاملا فيها حقائب وزارية ثانوية، وفي الوقت ذاته هو كان “ناطقا” ليس معلنا بكل رغبات نتنياهو السياسية، لضرب منافسيه.

ففي الأيام الأخيرة أبرزت وسائل الإعلام الإسرائيلية اقتباسات عديدة على لسان إلكين، يمجّد فيها نتنياهو، وما قدمه لإسرائيل. حتى ظهر مساء يوم السبت الأخير (26 كانون الأول الجاري) ليعلن أن “نتنياهو يشكل خطرا على إسرائيل”، وكي ينقذ جلده استباقا من الانتقادات، فقد تساءل عما جرى في العام الأخير لنتنياهو.

إلكين (49 عاما) هو من مواليد أوكرانيا، وهاجر إلى إسرائيل في العام 1990، وهو أكاديمي سابق، ومنذ وصوله إلى إسرائيل استوطن في احدى مستوطنات الضفة، وقبل سنوات قليلة، انتقل للسكن في القدس. ودخل الكنيست لأول مرّة من خلال حزب “كديما” برئاسة إيهود أولمرت، في العام 2006، وانتقل في الانتخابات التالية في العام 2009، إلى حزب الليكود، ليكون فيه ضمن التيار اليميني الاستيطاني المتشدد، الذي أحكم قبضته على حزب الليكود بقيادة نتنياهو.

وسيكون انتقال إلكين هزّة معنوية أشد لليكود، لأن إلكين سيعزز مكانة ساعر بين جمهور المستوطنين واليمين الاستيطاني، وسيكون هذا على حساب الليكود، وهذا عدا عن شعبيته المحدودة بين جمهور المهاجرين الجدد.

وكما ذكر، فإن “موسم الهجرة” لحزب ساعر، من الليكود أساسا، سيتواصل، وليس واضحا بأي حجم، فبموازاة انتقال أربعة نواب، يجري الحديث عن اتساع التأييد لساعر بين رؤساء البلديات ونوابهم، وهؤلاء يشكلون دائما مرتكزا ميدانيا لليكود. وفي حال تعززت استطلاعات الرأي، التي تمنح ساعر مكانة القوة الثانية، فإن احتمالات اللجوء لساعر ستتزايد، ولكن لا توجد أسماء قيادية بارزة مرشحة للانتقال لحزب ساعر، الذي أطلق عليه اسم “أمل جديد- لإسرائيل موحدة”، ويختصر الاسم في الإعلام لـ “أمل جديد”.

الأمر اللافت أن تأثير تشكيل حزب “أمل جديد” لا يطال حزب الليكود فقط، بل انعكس، لربما أكثر بحسب الاستطلاعات، على تحالف أحزاب اليمين الاستيطاني “يمينا” الذي يسيطر عليه التيار الديني الصهيوني، فهذا التحالف الذي حصل في الانتخابات الأخيرة على 6 مقاعد، قفز في استطلاعات الأشهر الأخيرة، إلى قوة تتراوح ما بين 17 وحتى 21 مقعدا، مقابل هبوط الليكود إلى ما بين 29- 30 مقعدا، مقابل 36 مقعدا له اليوم. أما الآن فإن “يمينا” يحصل في الاستطلاعات على ما بين 13- 14 مقعدا. وكما يبدو فإن هذه المقاعد السبعة أو الثمانية المتأرجحة، جاءت من التحالف السابق لأزرق أبيض، الذي خاب أمله بعد تفكك التحالف لصالح الانضمام لحكومة نتنياهو، ما يعني أن جمهورا ليس قليلا مستعد للجوء لأي تحالف أو حزب طالما يعلن معارضته لاستمرار حُكم نتنياهو.

مرّة أخرى، يجدر التأكيد أنه من السابق لأوانه الحكم على شكل الكنيست في ولايته المقبلة، لأن شكل القوائم الانتخابية سيتحدد في الأسبوع الأول من شهر شباط المقبل، مع إغلاق باب الترشيحات، وحينها ستتضح الصورة أكثر، ولكن منذ الآن، وبحسب مؤشرات استطلاعات الرأي، فإن إسرائيل لن تشهد استقرارا سياسيا بعد الانتخابات المقبلة، حتى لو تشكلت حكومة ستبدو وكأنها ثابتة، وقد تكون من دون الليكود، أو مع الليكود من دون نتنياهو، لأنها ستكون حكومة بين كتلة متقاربة من حيث حجمها، وهذا سيزيد تعقيدات الائتلاف في كل حكومة.

استمرار الانشقاقات في تحالف “أزرق أبيض” السابق

في المقابل، فإن التشققات والتقلبات مستمرة في التحالف السابق لأزرق أبيض، الذي انشق بعد ثلاثة أسابيع من انتخابات آذار الماضي (2020) إلى ثلاث كتل برلمانية، وحمل بيني غانتس، رئيس حزب “مناعة لإسرائيل“، اسم “أزرق أبيض” لكتلته، بعد أن انشق وانضم إلى حكومة نتنياهو.

ففي الأيام الأخيرة، أعلن الشخص الثاني في حزب “يوجد مستقبل”، عوفر شيلح، انسلاخه عن الحزب، وتشكيل حزب جديد، ومن المتوقع أن ينضم له لاحقا نواب من حزبه، ولربما نواب من كتلة “أزرق أبيض”. لكن شيلح لم يُحدث أي تأثير في استطلاعات الرأي، التي منحته أقل من 1% (0.8%). وقد طرح شيلح تصوراته لبرنامجه السياسي. ففي جانب القضية الفلسطينية، استخدم ديباجة “ضرورة الانسلاخ عن الشعب الآخر، للحفاظ على إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية”، كما ذكر مصطلح “دولة الشعب اليهودي“، وهذه تعريفات يرتكز عليها قانون القومية، الاقتلاعي العنصري. وأضاف شيلح تأييده لضمان “المساواة المدنية” للعرب في إسرائيل، بمعنى في هذه النقطة أيضا، يرفض الاعتراف بهم كأقلية قومية في وطنها.

وتدور في الفلك أسماء قد تنضم لشيلح، أو تبحث لها عن زورق سياسي جديد، مثل وزير العدل آفي نيسانكورن، ومقدمة البرامج التلفزيونية الإخبارية السابقة، النائبة ميكي حايموفيتش، وغيرهما من كتلة “أزرق أبيض”. وكما يبدو بدأ بيني غانتس يشعر بقلق على مصيره السياسي، إذ نقلت عنه صحيفة “يديعوت أحرونوت” في عددها الصادر مطلع الأسبوع (الأحد 27 كانون الأول) قوله لمقربيه، إنه مُصر على خوض الانتخابات وأن يقود قائمة “أزرق أبيض”.

في هذا المعسكر، المسمى حسب التعريفات الإسرائيلية، “يسار وسط”، تدور “طوشة عمومية”، كما هو في المعسكر الآخر، إذ تكثر الأسماء التي أعلنت نيتها خوض المنافسة، من بينها رئيس أركان الجيش السابق غادي أيزنكوت، ورئيس بلدية تل أبيب الحالي رون خولدائي. في الوقت الذي تلاشى فيه حزب العمل في الاستطلاعات، ورئيسه عمير بيرتس أعلن عدم ترشحه لرئاسة الحزب في أعقاب انهياره.

وقد نرى تحركات سريعة، في مسعى لتشكيل قائمة كبيرة. وقائمة كهذه ستكون على حساب “يوجد مستقبل” و”أزرق أبيض”، وبقدر محدود على حساب حزب “ميرتس”، ولكن كل الاحتمالات واردة لنشوء تحالفات جديدة؛ وليس من المستبعد أن يتلاقى مجددا “يوجد مستقبل” و”أزرق أبيض”، في قائمة واحدة.

استمرار الخلاف في القائمة المشتركة

حتى مطلع الأسبوع، فإن الخلاف كان ما زال قائما في القائمة المشتركة، وفي مركزه قرار القائمة العربية الموحدة، برئاسة عضو الكنيست منصور عباس، وهي الجناح البرلماني للحركة الإسلامية (الجنوبية)، التمترس في موقفها، الذي ظهر في الأسابيع الأخيرة، بإبداء أشكال من التعاون والتنسيق مع حكومة بنيامين نتنياهو، تحت غطاء وعود بتلبية مطالب للجماهير العربية. وقد خرق نواب القائمة الأربعة، مرتين، قرار الأغلبية في القائمة المشتركة، للتصويت ضد موقف نتنياهو وحكومته.

ويعلن النائب منصور عباس أنه يريد استمرار القائمة المشتركة، ولكن وفق رؤيته السياسية هو، وهو ما ترفضه الأحزاب الثلاثة الأخرى في القائمة: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والتجمع الوطني الديمقراطي، والحركة العربية للتغيير.

وكلما تقدمت الأيام، تتقلص فرص استمرار التركيبة الرباعية للقائمة المشتركة، ولكن حتى الآن لا يوجد إغلاق كلي لأي باب وكل الاحتمالات واردة: استمرار القائمة المشتركة بالأحزاب الثلاثة، مقابل القائمة العربية الموحدة، التي سيكون من الصعب جدا رؤيتها تجتاز نسبة الحسم لوحدها، أو أن تكون قائمتان بشرخ طولي، حزبان مقابل حزبين.

في انتخابات 2019، قاد منصور عباس انشقاقا في القائمة المشتركة، وتم خوض الانتخابات بقائمتين، الأولى ضمن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، مع الحركة العربية للتغيير، وحصلت على 6 مقاعد، مع فائض أصوات، والقائمة الثانية للقائمة العربية الموحدة، مع التجمع الوطني الديمقراطي، وحققت 4 مقاعد، بعد أن اجتازت نسبة الحسم بأربعة آلاف صوت، بمعنى أن هذه القائمة كانت على حافة نسبة الحسم، وهذا ما يعزز استنتاج صعوبة اجتياز القائمة العربية الموحدة، وحدها، نسبة الحسم، التي لم تتغير وبقيت عند نسبة 3.25%، وكانت هذه النسبة تساوي في الانتخابات الأخيرة 149 ألف صوت.

ديمقراطية تتفتت

حول المشهد الانتخابي المتكرر، رأى المحلل السياسي والاقتصادي، سامي بيرتس، في مقال له في صحيفة “ذي ماركر” الاقتصادية في نهاية الأسبوع الماضي، أن “حل الكنيست والذهاب إلى الانتخابات للمرة الرابعة خلال عامين، اختبار مستمر لنوع الديمقراطية في إسرائيل. لوهلة، تبدو هذه ديمقراطية فاعلة: فعندما يكون هناك خلاف ولا يتفقون، يذهبون إلى الانتخابات. يوم الانتخابات، حسب معجم المقولات الإسرائيلية، هو “يوم عيد للديمقراطية”، لذلك هناك أربعة أعياد أخرى أضيفت إلى الرزنامة في العامين الماضيين.

“وتشمل عادات العيد بشكل أساس الشر والسم والاستقطاب والكراهية، ولكن تقابل ذلك أعياد سعيدة أخرى: توفر عطلة الانتخابات فرصة للشعور بنبض الديمقراطية الإسرائيلية، وفحص موقعها على المقياس بين “موت الديمقراطية” وديمقراطية فاعلة. بعد كل شيء، هناك عوامل أساسية مثل الاقتراع السري وحق الجميع بالترشح، وحقيقة أن كل صوت متساو موجود دائما هنا. هذه هي الاختبارات البسيطة. وهناك اختبارات أكثر تعقيدا فيما يتعلق بقرار الأغلبية، وهنا من المشكوك فيه ما إذا كانت ديمقراطيتنا تعمل”.

ويقول بيرتس: “معظم الناخبين في الانتخابات الأخيرة كانوا من المؤيدين لعدم الجلوس في حكومة مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. العدد الإجمالي لمقاعد أزرق أبيض، وتحالف العمل- ميرتس- غيشر وإسرائيل بيتنا والقائمة المشتركة كان 62 مقعدا، وهي أغلبية كان ينبغي أن تكون كافية لمعالجة المشكلة الأساسية التي ابتلينا بها خلال العامين الماضيين، فترة رئيس الحكومة المتهم بارتكاب قضايا جنائية. لكن الغالبية التي كانت ضد نتنياهو لم تمارس، لأن الجمهور العربي في إسرائيل لا يُحسب، ولا حتى لغرض عزل رئيس حكومة متهم. أي عندما نتحدث هنا عن قرار الأغلبية فنحن نعني الأغلبية اليهودية”.

وتابع: “لم يتم تنفيذ قرار الأغلبية حتى عندما قرر بيني غانتس، رئيس تحالف أزرق أبيض، دخول الحكومة خلافا للوعود في الحملات الانتخابية الثلاث التي خاضها.. قد لا تكون هذه المرة الأولى التي يتم فيها الإخلال بوعد انتخابي. يتعلق هذا الانتهاك الصارخ بجوهر وجود أزرق أبيض، لمنع نتنياهو من البقاء في رئاسة الحكومة.

“إن الذهاب إلى الانتخابات الرابعة في غضون عامين دليل على أن السياسة الإسرائيلية فشلت في العمل تحت قيادة رئيس حكومة يواجه لائحة اتهام. ولا حتى عندما يقدمون وظائف سخيفة ويعينون 32 وزيرا، معظمهم فائضون عن الحاجة من أجل “استقرار الحكومة”. بعد كل شيء، هذه الحكومة لم تسقط على وقع أزمة كورونا ولا إيران ولا اتفاقيات السلام. ولا حول الاقتصاد والصحة. سقطت على وقع رغبة نتنياهو في السيطرة بأي ثمن على البلاد لحماية مصيره الشخصي”.

وختم بيرتس طارحا سؤال ما إذا كان ما نجح به نتنياهو في السنوات الـ 11 الماضية سينجح به أيضا في آذار 2021؟ وهل ما كان هو ما سيكون؟ وأضاف: “سنتان مع أربع حملات انتخابية تدور جميعها حول نفس النقطة، قدرة المتهم على تولي منصب رئيس الحكومة. حطمت السياسة الإسرائيلية وزعزعت الخارطة الحزبية، لدرجة أنه لأول مرة منذ 11 عاما يأتي التهديد لنتنياهو من اليمين، حتى لو وصف هذا الأخير ساعر وبينيت وليبرمان بأنهم يساريون”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى