شؤون إسرائيلية

برهوم جرايسي يكتب سنة كورونا الإسرائيلية : تعمّق الأزمة الحكومية وخفض نسبة التكاثر !

برهوم جرايسي *- 194/2021

تُراوح محاولات تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، برئاسة بنيامين نتنياهو، مكانها بعد انقضاء أسبوعين على تكليفه بمهمة إقامتها، إذ تبدو الأمور حتى الآن معقدة وتتركز في خيار تشكيل حكومة أقلية ترتكز على 59 نائبا من أصل 120 نائبا، مدعومة بشكل مباشر أو غير مباشر من كتلة “القائمة العربية الموحدة”، التي لها 4 نواب، ما يضمن تثبيت الحكومة في المرحلة الأولى، وفرضها أمرا واقعا، بغية توسيعها لاحقا. وهذا يأتي في ظل خروج إسرائيل، كما يبدو حتى الآن، من أزمة كورونا الصحية، حيث بات عدد الحالات النشطة في مطلع الأسبوع الجاري، في حدود 2600 إصابة. إلا أن أزمة كورونا التي تركت آثارا كبيرة على الاقتصاد، تبين أنها تركت أثرا بارزا على نسبة التكاثر الطبيعي، وعلى عدد الوفيات، وأيضا على أعداد المهاجرين إلى إسرائيل ومنها.

وبحسب القانون الإسرائيلي، فإن كل حكومة جديدة بحاجة إلى ثقة أغلبية عادية في الهيئة العامة في الكنيست، أما إسقاط الحكومة فيتطلب أغلبية عددية لا تقل عن 61 نائبا، وأن يكون النواب الـ 61 مُجمعين على مرشح لرئاسة الحكومة البديلة. وهذا يعني بالنسبة لبنيامين نتنياهو، أنه يكفي امتناع “القائمة العربية الموحدة” عن التصويت، ليحظى بحكومة مدعومة من 59 نائبا واعتراض 57 آخرين.

ولا تبدي “القائمة العربية الموحدة” برئاسة عضو الكنيست منصور عباس، أي معارضة لتأييد مباشر أو غير مباشر لحكومة تضم غلاة اليمين الاستيطاني، وبضمنها كتلة “الصهيونية الدينية”، التي تشمل حركة “قوة يهودية”، بزعامة إيتمار بن غفير، المنبثقة عن حركة “كاخ” الإرهابية المحظورة في الكثيرة من دول العالم. وتنشر وسائل الإعلام الإسرائيلية تقارير متعددة عن مفاوضات ليست معلنة بين “الموحدة” والليكود، فيما نشرت صحيفة “يسرائيل هيوم” قائمة مطالب “الموحدة” من حزب الليكود، وهي مطالب حقوق ميزانيات وما شابه. وحسب الصحيفة، فقد غاب عن المطالب، المطلب السياسي الأساس المتعلق بالقضية الفلسطينية ووقف الاستيطان، وإلغاء قانون القومية، وأيضا إلغاء ما عرف باسم “قانون كامينيتس”، الذي يهدف لتسريع هدم البيوت العربية، بحجة “البناء غير المرخص”. ولم يصدر أي بيان أو تصريح من “الموحدة” ينفي أو يؤكد ما نشرته الصحيفة.

اللافت في هذا السيناريو، أن زعيم كتلة “يمينا”، أبرز أحزاب اليمين الاستيطاني، نفتالي بينيت، وحسب التقارير الصحافية، لا يعترض على دعم خارجي من “الموحدة” خلافا لموقف كتلة “الصهيونية الدينية” وزعيميها بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين ما زالا يعارضان بشدة دعم “الموحدة”، رغم عدم اعتراض “الموحدة” عليهما. وأعلن سموتريتش وشريكه بن غفير رفضهما المطلق لحكومة تكون مدعومة من كتلة “القائمة الموحدة”، وقالت القناة الـ 12 التلفزيونية الإسرائيلية إن سموتريتش أوضح لليكود أنه لن يسمح بأي شكل من الأشكال بسيناريو دعم “الموحدة”، مضيفاً أنه من المفضل أن تقوم حكومة برئاسة يائير لبيد (يوجد مستقبل) ونفتالي بينيت (يمينا) وتعتمد هي بدورها على كتلة “الموحدة”، من أن يقوم هو بخطوة مشابهة. ونشر سموتريتش في حسابه الرسمي على شبكة “تويتر” كاتبا: “إذا فشل الليكود في تشكيل حكومة قومية، فسيكون ذلك لأنه يضيع الأيام الثمينة التي يملكها بالتفويض في اتجاهات خطيرة وميؤوس منها”.

مقابل هذا المشهد، ظهر بنيامين نتنياهو في نهاية الأسبوع، متوجها بشكل علني لغريمه جدعون ساعر، داعيا إياه للانضمام إليه مع بينيت، لتشكيل “حكومة يمين ثابتة واضحة تستمر بالعمل أربع سنوات”، حسب تعبيره، ويقصد نتنياهو بهذا، انضمام ساعر إلى الحكومة، بدلا من الحصول على دعم خارجي من منصور عباس وكتلته “الموحدة”. وحكومة كهذه من شأنها أن تضم 65 نائبا من أصل 120 نائبا.

إلا أن أوساط الليكود قالت لوسائل إعلام إسرائيلية إن هذا السيناريو ميؤوس منه، لمعرفتهم برفض ساعر له، فهو يعارض حكومة يترأسها شخص نتنياهو وليس حزبه السابق الليكود. كذلك فإن المصادر المقرّبة من ساعر قالت لوسائل الإعلام إن انخراط كتلة “أمل جديد” لحكومة برئاسة نتنياهو هو أمر مرفوض كليا.

والخلاف بين ساعر ونتنياهو أخذ منحى شخصيا كليا في السنوات الأخيرة، إذ لا خلاف سياسيا بينهما، لا بل إن ساعر يُعد أشد تطرفا في الموقف من التعامل مع الضفة الغربية المحتلة والقضية الفلسطينية ككل. وانكسار ساعر ليتجه لحكومة برئاسة نتنياهو، في حال حصل، سيكون وقعه مفاجأة موازية لشق تحالف “أزرق أبيض” وانضمام بيني غانتس لنتنياهو، بعد انتخابات آذار 2020.

وفي كتلة “أمل جديد” إضافة إلى ساعر، هناك النائب العائد إلى الكنيست بنيامين بيغن، الذي يعارض بشدة نتنياهو، من حيث شكل تعامله مع الُحكم، وفي ملفات الفساد، ومن شبه المؤكد أن بيغن الذي تجاوز عمره 78 عاما، لن يقبل بالانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو، كما أن في الكتلة نوابا آخرين سيرفضون، وواحدة منهم، شيران هسكيل، التي كشفت قبل أكثر من أسبوع أنها تلقت توجهات واغراءات من الليكود للانشقاق عن كتلتها ورفضت.

ما زال أمام بنيامين نتنياهو 4 أسابيع، بضمنها التمديد لأسبوعين إذا طلب التمديد من رئيس الدولة، وهذه فترة أمام التعقيدات القائمة تُعد طويلة. ولدى أوساط في الليكود قناعة بأن حكومة نتنياهو ستقام في الساعات الأخيرة لمهلة التكليف.

في المقابل، تتحدث تقارير سياسية إسرائيلية عن أن نفتالي بينيت ليس معنيا حقا بالانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو، وهو ما يزال يحلم بأن يشكل حكومة تناوبية تبدأ برئاسته، مع حزب “يوجد مستقبل” برئاسة يائير لبيد. وحسب تلك التقارير، فإن موافقة بينيت على حكومة برئاسة نتنياهو، تكون مدعومة من “الموحدة”، تهدف إلى أمرين: أولا أن يظهر بينيت أمام جمهور اليمين الاستيطاني بأنه عمل كل ما في وسعه لقيام حكومة برئاسة نتنياهو والليكود. وثانيا، أنه في حال نشأ وضع يكون فيه بحاجة لدعم كتلة “الموحدة” لحكومة برئاسته هو ولبيد، أن لا يكون ملاما عليها من أوساط اليمين الاستيطاني.

انخفاض في الولادات وارتفاع في الوفيات

يستدل من إحصائيات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن عام جائحة كورونا عكس نفسه على التكاثر السكاني، من حيث عدد الولادات والوفيات، وأيضا الهجرة إلى إسرائيل ومنها، وسجلت نسبة التكاثر أدنى نسبة لها منذ العام 1948، وبلغت بحساب 52 أسبوعا 1.56%، مقابل 1.9%، معدل التكاثر السنوي في السنوات الأخيرة.

فعشية ذكرى قيام إسرائيل، في الأسبوع الماضي، وفق التقويم العبري، أصدر مكتب الإحصاء المركزي تقريره الدوري لعدد السكان، وهو يصدر ثلاث مرات سنويا، عشية ذكرى تأسيس إسرائيل، وعشية رأس السنة العبرية، وفي الحالتين تواريخ متغيرة بموجب التقويم العبري، وأيضا في نهاية السنة الميلادية.

والتقرير الصادر في الأسبوع الماضي، يبتعد 50 أسبوعا، عن التقرير ذاته الصادر عشية ذكرى قيام إسرائيل في العام 2020. وجاء فيه أن عدد سكان إسرائيل الرسمي، 9.327 نسمة، وهذا يعني المتواجدين في البلاد في هذه المرحلة، وليس من هم مهاجرون وما زالوا يحملون الجنسية الإسرائيلية.

إلا أن هذا العدد يشمل قرابة 320 ألف فلسطيني مقدسي، من الحاملين هويات مقيم في القدس المحتلة، بمعنى ليس الجنسية الكاملة، في حين أن في القدس، وفق التقديرات، 32 ألف فلسطيني ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية الكاملة، وحوالي 66% منهم هم من القدس الشرقية المحتلة الذين طلبوا وحصلوا على الجنسية الكاملة، فيما 33% هم بغالبيتهم من قرية بيت صفافا الشطر الغربي، وفلسطينيون انتقلوا من مدن وبلدات أخرى إلى القدس.

كذلك فإن الإحصاء الرسمي يشمل حوالي 20 ألف سوري في مرتفعات الجولان السوري المحتلة، الذين رفضوا الجنسية الإسرائيلية، وحسب التقديرات، هناك ما بين 3 آلاف إلى 4 آلاف سوري طلبوا وحصلوا على الجنسية الإسرائيلية الكاملة.

وهذا يعني أن عدد المواطنين من دون القدس والجولان، 8.987 مليون نسمة، من بينهم 1.626 مليون عربي بجنسية كاملة، وهم يشكلون أكثر بقدر طفيف من 18%، وهذا العام الأول الذي تقفز فيه نسبة العرب عن 18% من إجمالي المواطنين، منذ العام 1988. إذ انخفضت النسبة بفعل موجات الهجرة الضخمة في العقود الثلاثة الماضية.

ويقول تقرير مكتب الإحصاء، إن نسبة التكاثر بين ذكرى قيام إسرائيل في 2020، وحتى الأسبوع الماضي، بفارق 50 أسبوعا، بلغ 1.5% وبحساب سنة من 52 أسبوعا، تكون نسبة التكاثر 1.56%، بينما نسبة التكاثر السنوية في السنوات الأخيرة تبلغ 1.9%. وقد ساهم في هذا الهبوط الذي يعد حادا ثلاثة عوامل: تراجع الولادات، ارتفاع الوفيات، وتراجع الهجرة إلى إسرائيل، ولكن قد يكون هذا العامل يوازيه تراجع الهجرة من إسرائيل.

ويظهر من التقرير أن عدد الولادات بين التقريرين بلغ 167 ألف مولود، وبمعدل 52 أسبوعا يكون عدد الولادات 173.7 ألف مولود. بينما كان عدد الولادات في سنة 2019 الميلادية، 177 ألف طفل.

وبلغ عدد الوفيات خلال 50 أسبوعا 50 ألف نسمة، ما يعني بمعدل سنوي 52 ألف وفاة، في حين أن عدد الوفيات في سنة 2019 الميلادية كلها بلغ 45 ألف وفاة، وهي السنة التي لم تتأثر من كورونا. وهذا خالف التقديرات الإسرائيلية التي ظهرت قبل أشهر، وادعت عدم تأثير كورونا على معدل الوفيات، ونرى في التقرير أن كورونا رفعت معدل الوفيات في 52 أسبوعا بحوالي 15.6%.

وفي مجال الهجرة إلى إسرائيل، فقد أعلن مكتب الإحصاء المركزي أن عدد المهاجرين بلغ في الفترة بين إحياء الذكرى في نيسان 2020 والشهر الجاري، 16.3 ألف مهاجر، وهذا تقريبا نصف عدد المهاجرين في العام قبل الماضي 2019، وبالإمكان التقدير أن عدد المهاجرين من إسرائيل تراجع هو أيضا بشكل حاد، وفي كلتا الحالتين بسبب أزمة كورونا. كما أن جزءا من المهاجرين إلى إسرائيل، هم من العائدين، بعد هجرة دامت سنوات، إذ أن الكثيرين اختاروا العودة للاستفادة من حقوق التأمين الصحي، التي تمنح لمن هم مهاجرون فورا.

وجاء في التقرير أيضا، أن عدد اليهود المعترف بهويتهم في إسرائيل في الفترة الممتدة من نيسان 2020 ونيسان 2021، بلغ 6.894 مليون نسمة، كذلك فإن الغالبية الكبيرة من 467 ألف نسمة، من الذين لا تعريف محددا لهم، هم من اليهود الذين ترفض المؤسسة الدينية الاعتراف بيهوديتهم، ولكنهم يزاولون حياة يهودية، إن صح التعبير، رغم أنهم محرومون من إبرام عقود زواج دينية يهودية، في حين أن إسرائيل تمنع إبرام عقود زواج مدني لديها، ولكنها تعترف بعقود زواج كهذه أبرمت في الخارج.

وفي سياق الاحصائيات الديمغرافية، أصدر مكتب الإحصاء المركزي في شهر نيسان الجاري، تقريرا قال فيه إن عدد أبناء الديانة اليهودية في العالم حتى نهاية العام 2019، بلغ 14.8 مليون نسمة، وهو شبيه بعددهم الذي كان في العام 1925، ولكنه ما زال أقل من عددهم الذي كان عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية في العام 1939، إذ كان عددهم 16.6 مليون نسمة.

ولكن في إحصائية مكتب الإحصاء، القائمة في غالبيتها العظمى على تقديرات معاهد صهيونية، هناك ما بين 300 ألف إلى 400 ألف أميركي يهودي مختلف حولهم. فهذا العدد أضيف على مرحلتين، حينما كان عدد أبناء الديانة اليهودية الأميركان حتى العام 2013، حوالي 5.25 مليون نسمة. إذ أن معاهد إحصاء واستطلاعات، ومن بينها معهد بيو الأميركي، غيّروا التعريفات، وبذلك تغيرت التقديرات، ما رفع عددهم إلى 5.4 مليون نسمة، ولاحقا تم رفع العدد إلى 5.7 مليون نسمة.

لذا فإن التقدير هو أن عدد اليهود في العالم يرتفع بشكل بطيء، ومصدر الزيادة في إسرائيل، بينما في الغالبية الساحقة من الدول التي فيها أبناء الديانة اليهودية، فإن أعدادهم في حالة جمود أو تراجع، بفعل نسبة التكاثر البطيئة، ولكن أكثر منها، بفعل الزواج من أبناء ديانات أخرى، ما يجعلهم في فترة ما هم أو أبناؤهم خارج نطاق الديانة اليهودية.

وقال التقرير إن عدد اليهود المعترف بيهوديتهم حتى نهاية 2019 كان 6.8 مليون في إسرائيل، 5.7 مليون في الولايات المتحدة (بعد الزيادة السابق ذكرها)، 448 ألفا في فرنسا، 393 ألفا في كندا، 292 ألفا في بريطانيا، 180 ألفا في الأرجنتين، 155 ألفا في روسيا، 118 ألفا في كل من ألمانيا وأستراليا.

* عن مركز مدار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى