شؤون إسرائيلية

برهوم جرايسي يكتب – ساعر أوجد قطبا ثالثا لليمين الاستيطاني قد يكون على حساب أحزاب عديدة !

برهوم جرايسي *- 14/12/2020

لا يمكن اعتبار انشقاق جدعون ساعر عن حزب الليكود مفاجأة، نظرا لشكل تحركاته في الحزب على مدى السنوات الست الأخيرة. ولكن بهذا الانشقاق، يبدو أنه أنشأ قطبا ثالثا لليمين الاستيطاني، أمام حزبه الليكود، وتحالف أحزاب التيار الديني الصهيوني “يمينا”. وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه تحديد حجم الكتلة التي قد يحققها ساعر في الانتخابات المقبلة، فإن كتلته كما يبدو ستأتي على حساب كل أحزاب اليمين الاستيطاني، أو تلك التي تُعرّف إسرائيليا على أنها “وسط”، وهذا ما سيساهم في قلب جوانب عديدة في تركيبة المشهد البرلماني، الذي أفرزته الجولات الانتخابية الثلاث الأخيرة.

ويعود غياب المفاجأة في انشقاق ساعر لكون الشخص يسعى منذ سنوات للوصول إلى رأس الحزب، ولكنه أدرك قبل عام من الآن أن مهمته باتت مستحيلة، ليس فقط بوجود بنيامين نتنياهو على رأس الحزب، بل لأن الجهاز الذي أقامه نتنياهو، ونهج الحزب الداخلي في السنوات الأخيرة، خلقا منافسين على رئاسة الليكود، سيكون صعبا على ساعر التغلب عليهم، وأولهم وزير المالية يسرائيل كاتس، المعروف بمدى تغلغله في قواعد الليكود، واللاعب الجديد نسبيا في الليكود النائب نير بركات، رئيس بلدية القدس السابق.

من هو ساعر

ظهر جدعون ساعر (54 عاما) في واجهة السياسة الإسرائيلية، حينما تسلم منصب سكرتير الحكومة، في أواخر حكومة بنيامين نتنياهو الأولى، في النصف الثاني من سنوات التسعين. وانتخب للكنيست لأول مرّة، في انتخابات 2003، ضمن كتلة الليكود. وفي تلك الولاية، شهدت كتلة الليكود الأكبر، برئاسة أريئيل شارون، انشقاقا، على خلفية الخلاف حول خطة إخلاء مستوطنات قطاع غزة، التي نفذت في صيف العام 2005، وكان ساعر ضمن شق الأقلية المتمرد على شارون، برفض الخطة. وفي انتخابات 2006، حينما مُني الليكود بضربة قاسية، وسقط إلى أدنى تمثيل له، منذ سنوات الستين من القرن الماضي، 12 مقعدا، كان ساعر ضمن الأوائل في القائمة، وأعيد انتخابه في انتخابات 2009 وأيضا 2013، وفي تلك الولاية القصيرة، التي استمرت عامين، استقال ساعر من الحكومة والكنيست في خريف العام 2014، على أثر خلافات شخصية بينه وبين نتنياهو، ولكنه عاد إلى الكنيست ضمن كتلة الليكود في انتخابات نيسان 2019، وحصل على موقع متقدم جدا في القائمة. في نهاية 2019، أظهر ساعر تمردا في الحزب، بأن فرض إجراء انتخابات جديدة على رئاسة الليكود، إلا أنه مُني بخسارة قاسية له، بحصوله على نسبة 28% مقابل 72% لنتنياهو، الذي أحكم سيطرته على الحزب منذ سنوات، وجعله حزبا تابعا له.

يظهر ساعر طيلة حياته السياسية، في أقصى جناح اليمين الاستيطاني المتطرف، رافضا لأي كيان فلسطيني بين النهر والبحر، ويؤيد السيطرة الإسرائيلية الكاملة على ما تسمى “أرض إسرائيل الكبرى”، فلسطين التاريخية. كما أن لديه مبادرات ومشاريع قوانين تقوض صلاحيات القضاء، بمعنى المحكمة العليا، في التدخل بقرارات الكنيست وقوانينها.

وهذه كلها مواقف معروفة عنه في الساحة الإسرائيلية، لذا فإنه من المستغرب الزج بساعر وكأنه سيكون عنوانا لما يسمى “جمهور الوسط”، فهو ليس “وسطيا” لا في السياسة العامة، ولا في الاقتصاد، ولا في المواقف من صلاحيات واستقلالية القضاء، ولا في الحريات السياسية وغيرها.

قوة ساعر وشرط تحقيقها

كما جرت العادة، فإن استطلاعات الرأي التي ظهرت بعد ساعات من إعلان ساعر انشقاقه عن الليكود، وسعيه لتشكيل حزب جديد ينافس على الحكم، أغدقت عليه مقاعد كثيرة، حتى أنه بلغ المرتبة الثانية بعد الليكود، في عدد من استطلاعات الرأي.

وهذه ظاهرة معروفة، وشهدتها غالبية القوائم والأحزاب التي ظهرت فجأة. ولكن لاحقا، فإن غالبية هذه القوائم تراجعت بقوتها في الاستطلاعات، وكذا في نتيجتها الانتخابية الأخيرة. ولكن إن دلّ هذا على شيء، فإنه يدل على حالة عدم الاستقرار السياسي في الساحة الإسرائيلية، وعلى أن جمهورا واسعا يسعى لبديل، وهو يمسك فورا بأي حبال تلقى له، حتى قبل أن يفحصها؛ رافضا تقريبا كل ما هو قائم.

اللافت في استطلاعات الرأي أن المقاعد الـ 17 التي حققها ساعر استطلاعيا، كان الجزء الأصغر منها على حساب الليكود، ثم التحالف الاستيطاني “يمينا”، وبقدر ليس بأقل جاءت تلك القوة على حساب ما يسمى بـ “الوسط”، كتلة “أزرق أبيض” وكتلة “يوجد مستقبل- تلم”، كما جاءت على حساب حزب “إسرائيل بيتنا” بزعامة أفيغدور ليبرمان، ولو بقليل.

مرّة أخرى نقول إنه من السابق لأوانه حسم قوة ومكانة ساعر في الانتخابات المقبلة، فهذا يتطلب عدة عوامل، كي يبقى ساعر صاحب قوة برلمانية مركزية، كما ظهر في الاستطلاعات الأولية؛ وأهمها من هي الأسماء التي ستلتف حوله، فحتى الآن أعلن نائبا كتلة “ديرخ إيرتس” الشريكان في الائتلاف الحاكم، يوعز هندل وتسفي هاوزر، فقط، انضمامهما لساعر، وهما ليسا من الأسماء ذات النجومية أو القوة الشعبية، القادرة على تحقيق القوة الزائدة التي يحتاجها ساعر، كي يخوض المنافسة بقوة.

وبدرجة لا أقل، فإن ساعر سيحتاج للمال “الوفير”، لتمويل معركة يتم فيها دب مئات ملايين الدولارات ككلفة إجمالية، فالتمويل الرسمي لن يكفيه، ولهذا فهو بحاجة إلى ممولين مباشرين وغير مباشرين.

يضاف إلى هذا، أنه بحاجة إلى إعلام “ودود”، وكما يبدو له حصة في هذا، من وسائل إعلام مركزية، ولكن الأهم أيضا أنه بحاجة إلى قوة تنظيم ميداني، فهذا عامل مركزي، خاصة في يوم الانتخابات، لأن استطلاعات الرأي تعبّر عن نوايا ناس في بيوتهم، وترجمة هذه النوايا في صناديق الاقتراع في يوم الانتخابات، تحتاج لقوة تنظيم فوق العادة، إضافة إلى شراء “مقاولي أصوات”، وهي ظاهرة معروفة في الانتخابات الإسرائيلية.

ساعر والأحزاب

جاء إعلان ساعر في خضم أحاديث عن تحركات سياسية حثيثة لتشكيل قوائم جديدة مختلفة، لربما تبتلع بعضا مما هو موجود، أو أن تندمج به، أو أنها تأتي بقوائم جديدة كليا. وبورصة الأسماء تتزايد يوما بعد يوم، ومن أبرزها رئيس أركان الجيش السابق غادي أيزنكوت، ورئيس بلدية تل أبيب الحالي رون خولدائي، وأيضا الوزيرة السابقة تسيبي ليفني، إذ يُحكى أنها شريكة في التحرك من وراء الكواليس.

كما أن الكتل الممثلة حاليا قد تشهد تغيرات، مثل انشقاق متوقع بين حزبي “يوجد مستقبل” و”تلم”، والثاني هو حزب صغير، برئاسة موشيه يعلون، أضعف من أن يتجاوز نسبة الحسم وحده.

كما أن أوساطا عدة لا تستبعد عودة التحالف بين “يوجد مستقبل” برئاسة يائير لبيد، و”أزرق أبيض” برئاسة بيني غانتس. في حين أن حزب العمل الذي يرأسه عمير بيرتس، يبحث عن مركب عابر ينقله إلى شاطئ الأمان، ولو بالحد الأدنى، ليبقى الحزب ولو اسميا موجودا على الساحة، إذ إن استطلاعات الرأي لا تمنحه أكثر من 1.5%، في حين أن نسبة الحسم 3.25%. ويجري الحديث عن الحزب الذي انفرد في الحكم في العقود الثلاثة الأولى لإسرائيل، وتناوب لاحقا عدة مرات على رئاسة الحكم، أو أنه كان شريكا مركزيا فيه.

كذلك فإن التحركات في الطرف الآخر كليا، في القائمة المشتركة، تهدد استمرار وحدتها، والانشقاق فيها سيؤدي إلى تراجع القوة الإجمالية للقائمتين المنبثقتين عنها، وكل خسارة مقعد ستصب في صالح اليمين الاستيطاني، كونه القوة الأكبر، المستفيد تلقائيا من إعادة توزيع المقاعد بحسب نسبة المشاركة في التصويت، التي من المحتمل أن تتراجع بين العرب في حال وقع الانشقاق، الذي تُبذل جهود كي لا يقع.

سيظهر ساعر في كل الأحوال وكأنه الوجه الجديد، الأقل سنا ممن ينافسهم، وهو ذو خلفية علمانية، قد يكون عنوانا قويا لليمين الاستيطاني، وفي هذه الحالة فإن هذا سيكون على حساب القوة الزائدة التي يحصل عليها تحالف “يمينا” في استطلاعات الأسابيع الأخيرة، رغم أنه تحالف يستند أساسا على التيار الديني الصهيوني، الذي يتشدد دينيا. كما أن هذا قد يكون على حساب قوة حزب “إسرائيل بيتنا” بزعامة أفيغدور ليبرمان.

ورغم الصورة العلمانية التي يظهر بها ساعر، إلا أنه تربطه علاقات جيدة مع كتلتي المتدينين المتزمتين، الحريديم، وخاصة مع كتلة شاس، ولكنها “صداقة” ليس واضحا إلى أي مدى ممكن أن تمتد.

لن يجر خروج ساعر من الليكود خلفه نوابا، ولربما ستكون النائبة يفعات شاشا- بيطون، التي دعمت ساعر في منافسته لنتنياهو قبل عام، هي الوحيدة من بين كل نواب الليكود؛ وهي ليست اسما شعبيا، ولن تضيف لساعر قوة.

وهناك احتمال أنه في حال جرت انتخابات داخلية في الليكود لتشكيل قائمة المرشحين للانتخابات المقبلة، سيطرق باب ساعر نواب حاليون سيخسرون المنافسة في الليكود، أو يحلون في مواقع ليست واقعية في القائمة، ولكن يجري الحديث عن نواب من الصفوف الخلفية في الليكود حديثي العهد، ولا نجوم بينهم.

لم يبق للولاية البرلمانية الحالية سوى 9 أيام، ابتداء من اليوم الاثنين، 14 كانون الأول، حتى الموعد النهائي لإقرار ميزانية ولو لعام واحد، حتى تبقى الحكومة، ويتجاوز الكنيست مشروع قانون حل نفسه، ورغم ما يظهر من صعوبة لتجاوز ذلك التاريخ لتستمر الحكومة ولا يتم حل الكنيست، إلا أن الاحتمال يبقى قائما.

ولكن الاحتمال الأقوى حسب الواقع القائم هو أن الانتخابات ستجري يوم 16 آذار المقبل، لتكون الانتخابات الرابعة في أقل من عامين. وإن جرت في ذلك التاريخ، سنكون أمام تشكيلة برلمانية مختلفة ولكن مع ذات السياسات، ولربما أشد تطرفا مما شهدناه في السنوات الأخيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى