شؤون إسرائيلية

برهوم جرايسي يكتب – انتخابات رابعة تبقي إسرائيل في دوامتها السياسية !

برهوم جرايسي *- 29/3/2021

أبقت الانتخابات البرلمانية الرابعة التي جرت يوم 23 آذار الجاري إسرائيل في دوامتها السياسية، القائمة منذ 23 شهرا، بحيث لم يحصل الليكود وحلفاؤه الفوريون على الأغلبية المطلقة، وإنما على 59 مقعدا من أصل 120 مقعدا، فيما حصلت باقي الكتل، على مختلف توجهاتها، على 61 مقعدا، وهذا لا يعني أنها كتل متماسكة في الموقف ضد استمرار حُكم بنيامين نتنياهو، لذا من السابق لأوانه الحديث عن انتخابات خامسة تجري في الصيف المقبل، على الرغم من أنها احتمال قائم حتى الآن.

جرت الانتخابات في ظروف صحية واقتصادية – اجتماعية صعبة، لكنها لم تكن العامل الأساس في تراجع نسبة التصويت من 71.52% في آذار 2020، إلى 67.4%، لأن الغالبية الساحقة من هذا التراجع سببها تراجع نسبة التصويت بين العرب، وهو ما سنأتي عليه لاحقا.

من ناحية أخرى، أظهرت النتائج النهائية لتوزيع المقاعد ضعف استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية، وأيضا العربية المتخصصة بالجمهور العربي، التي ظهرت على مدى أشهر الحملة الانتخابية، وحتى قبل أيام من يوم الانتخابات، في 23 آذار 2021.

فقد حصل الليكود وفق ما كان في التقديرات القصوى له، على 30 مقعدا، متراجعا بـ 6 مقاعد عن انتخابات ما قبل العام. وحصل حزب “يوجد مستقبل” على 17 مقعدا، بموجب التقديرات الدنيا له، وعمليا أضاف لقوته مقعدين، عن حصته في التحالف السابق لـ “ازرق أبيض”.

في حين رأينا أن حزب شاس لليهود المتدينين المتزمتين الحريديم الشرقيين، حافظ على قوته البرلمانية مع 9 مقاعد، خلافا للكثير من الاستطلاعات التي توقعت تراجعه بمقعد واحد وحتى 3 مقاعد.

وفاجأ حزب “أزرق أبيض” برئاسة بيني غانتس، بحصوله على 8 مقاعد، ضعفي المقاعد التي توقعتها له كل استطلاعات الرأي، وأعلنت أنه في محيط نسبة الحسم مع احتمال عدم تجاوزها.

كما أن حزب العمل الذي حصل وفق التوقعات على 7 مقاعد، خرج من مسار الانقراض كحزب، وعاد بحضور يُعد لافتا، ويبقى السؤال إذا ما كان سيستغل هذه القفزة لتحقيق أكبر منها لاحقا.

وحافظ حزب “إسرائيل بيتنا” على قوته البرلمانية، وأيضا بموجب ما تنبأت له استطلاعات الرأي، بحصوله على 7 مقاعد، والحال ذاتها تسري على قائمة يهدوت هتوراة للمتدينين المتزمتين الحريديم الأشكناز التي حصلت على 7 مقاعد.

أما حزب “يمينا” فقد فشلت كل استطلاعات الرأي في تقدير قوته، التي قيل إنها تتراوح ما بين 10 إلى 13 مقعدا، بينما حصل على 7 مقاعد. كما أن القائمة الأخرى لليمين الاستيطاني المتطرف، “الصهيونية الدينية”، فاجأت بقوتها، بحصولها على 6 مقاعد، بدلا من 4 إلى 5 مقاعد في الغالبية الساحقة من الاستطلاعات.

وفشلت استطلاعات الرأي في تقدير قوة “أمل جديد لإسرائيل” برئاسة جدعون ساعر، الذي منحته استطلاعات الرأي الأخيرة قبل الانتخابات من 9 إلى 10 مقاعد، مقابل حتى 17 مقعدا، قبل 3 أشهر من الانتخابات، وفي نهاية المطاف حصل على 6 مقاعد فقط.

والمفاجأة أيضا جاءت من حزب ميرتس، الذي قالت استطلاعات الرأي العام في الشهر الأخير قبل الانتخابات، إنه في دائرة عدم احتمال اجتياز نسبة الحسم- 3.25%، وحصل في نهاية المطاف على 6 مقاعد، وهذه نتيجة الحملة الواسعة لإنقاذ ميرتس، حتى أعادت الحملة الحزب إلى قوة لم يعرفها منذ سنوات عديدة.

الفشل كان أيضا في تقدير قوة القائمة المشتركة التي قالت غالبية استطلاعات الرأي إنها ستحصل على ما بين 8 إلى 9 مقاعد، وحصلت في نهاية المطاف على 6 مقاعد، فيما اجتازت القائمة العربية الموحدة نسبة الحسم، وفق التقديرات الأخيرة لها، وحصلت على تمثيل الحد الأدنى- 4 مقاعد.

نسبة التصويت

تراجعت نسبة التصويت من 71.52% في انتخابات آذار 2020، إلى 67.4% في انتخابات آذار الجاري، إلا أن الغالبية الساحقة من هذا التراجع كانت بفعل التراجع الحاد في نسبة التصويت بين العرب، من 66% في آذار 2020، إلى 44% في هذه الانتخابات، وهذا أدى إلى تراجع نسبة التصويت القطرية، بنسبة 3.52%، من أصل تراجع عام بنسبة 4.1%.

هذا يعني أن نسبة التصويت بين اليهود وحدهم تراجعت هي الأخرى بنسبة ضئيلة، تقل عن 1%، وهي 0.7%، وهذا التراجع الثاني على التوالي، إذ تراجعت نسبة التصويت في آذار 2020 بنحو نصف بالمئة، ويومها فإن ما رفع نسبة التصويت العامة، كان ارتفاعها بين العرب.

وعلى الرغم من أن الحديث عن تراجع طفيف نسبيا بين اليهود، فإننا نشير إلى أن نسبة المهاجرين والمقيمين في الخارج، المشمولين في سجل الناخبين، تراجعت أيضا في هذه الانتخابات، من 11% في انتخابات 2015، إلى 9% في آذار 2020، إلى 8.5% في انتخابات الشهر الجاري، ما يعني أن تراجع نسبة المصوتين فعليا تلامس 1% في كل واحدة من جولتي الانتخابات الأخيرتين، ولربما أن ما ساهم في هذا، الأوضاع الصحية والاقتصادية العامة، ولكن أيضا الملل من تكرار الانتخابات، والدوامة السياسية القائمة منذ نهاية العام 2018، حينما تم حل الكنيست الـ 20.
العرب ونسبة التصويت والأحزاب الصهيونية

سجل العرب في هذه الانتخابات أدنى مشاركة في التصويت للكنيست منذ العام 1949 وحتى اليوم، وبلغت 44%، فنسبة التصويت في انتخابات رئاسة الحكومة في شباط 2021، التي بلغت 25% ليست مقياسا للانتخابات البرلمانية. ولهذا الانخفاض الحاد عوامل كثيرة، أولها وأكبرها العامل السياسي، بعد حملة انتخابات غير مسبوقة في حجم التوتير وطبيعة الجدل فيها، ما دفع الناس للبقاء في البيت، بنسبة أكبر مما كانت عليه في انتخابات نيسان 2019، للكنيست الـ 21، حينما تم شق القائمة المشتركة وبلغت نسبة التصويت حينها 51%.

العامل الآخر، هو الملل من تكرار الانتخابات، وأيضا في ظل أوضاع اقتصادية سيئة، تبعث على أجواء أشبه باليأس، وهنا يدخل عامل تراجع الخطاب السياسي الذي رافق كل الانتخابات البرلمانية على مدى سبعة عقود، ليتركز أكثر في خطاب الخدماتية، والوعود بالإنجازات، على الرغم من أنها وعود جرّبها المواطن العربي، ولم يلمس أي تغيير جوهري في حياته اليومية، وفي ظروف ومستوى معيشته، تقريبا في كل النواحي.

من ناحية أخرى، وعلى الرغم من هذا التراجع الحاد في نسبة التصويت، الذي يمكن اعتباره أيضا عقابا على خلخلة تركيبة القائمة المشتركة، فإن الأحزاب الصهيونية لم تتغلغل أكثر من الانتخابات السابقة، ما نقض كل استطلاعات الرأي التي زعمت أنه سيكون هناك ارتفاع حاد في التصويت للأحزاب الصهيونية. ففي بحث دقيق بنسبة 98%، نجد أن الأحزاب الصهيونية مجتمعة حصلت على 80 ألف صوت، وهو عدد مشابه للأصوات التي حصلت عليها هذه الأحزاب في انتخابات آذار 2020، وهو أقل بنسبة 15% عما كان في انتخابات أيلول 2019، وأقل بنسبة 45% عما كان في انتخابات نيسان 2019.

لكن ما جرى في هذه الانتخابات، هو إعادة توزيع الأصوات بين الأحزاب الصهيونية، مع ارتفاع ملحوظ لحزبي الليكود وميرتس، على حساب أصوات التحالف السابق لـ “أزرق أبيض”، فقد ارتفع عدد أصوات الليكود من قرابة 11 ألف صوت إلى 22 ألف صوت، وهذا يشكل 61% من المقعد البرلماني، بينما كانت الاستطلاعات تزعم أن الليكود سيحصل على ما بين 52 ألفا إلى 85 ألف صوت عربي. كما أن ميرتس ارتفع في هذه الانتخابات من حوالي 10 آلاف صوت، إلى 16 ألف صوت، وهذا يشكل 39% من المقعد الواحد، بينما ادعت استطلاعات رأي أن ميرتس سيحظى بأكثر من مقعد برلماني من العرب.

وتشمل كل هذه المعطيات القرى العربية الدرزية، التي فيها نمط التصويت مختلف كثيراً عن باقي البلدات العربية، إذ كان عدد أصوات الأحزاب الصهيونية نحو 38 ألف صوت، من أصل 80 ألف صوت. وكانت نسبة المصوتين العرب الدروز أكثر من 9% من إجمالي الناخبين العرب.

ولكن بسبب انخفاض نسبة التصويت بنحو 33% عما كان عليه في آذار 2020، فإن نسبة عدد أصوات الأحزاب الصهيونية ارتفعت من 11.5% قبل عام، إلى 19.6% في هذه الانتخابات، وبين العرب من دون العرب الدروز 11.5%. يعود هذا إلى أن من يقرر التصويت للأحزاب الصهيونية فإن جاهزيته لممارسة التصويت تفوق نسبة 90%، بعكس من لا يقاطع الانتخابات، ولكنه لم يشارك في جولة انتخابات معينة، فلو خرج للتصويت لكان صوته للقوائم التي تمثله مباشرة.

تشكيل الحكومة

من المفترض أن تصدر النتائج النهائية الرسمية في اليوم الأخير من شهر آذار الجاري، وسيتم افتتاح الولاية البرلمانية الجديدة يوم السادس من نيسان المقبل. وسيبدأ رئيس الدولة رؤوفين ريفلين مشاوراته مع الكتل البرلمانية بشأن تكليف تشكيل الحكومة يوم الخامس من نيسان المقبل، على أن ينشر قراره النهائي بعد يومين، وقد أعلن ريفلين مسبقا أنه خلافا لما فعله بعد الانتخابات السابقة، فإنه سيصدر قراره فورا، ولن يجري مفاوضات في محاولة للتوصل إلى مكلف توافقي لرئاسة الحكومة.

وحسب القانون الإسرائيلي، فإن للمكلف بداية 28 يوما حتى تشكيل الحكومة، يتبعها 14 يوما إذا ما طلب التمديد، ما يعني أن الموعد النهائي للمكلف بتشكيل الحكومة، لعرض حكومته، هو يوم 19 أيار المقبل، وهذه فترة تعد طويلة منذ الآن، لأن المفاوضات بدأت بخصوص التوصية أمام رئيس الدولة.

وفي الوضع القائم، فإن الليكود يحظى بدعم فوري من 59 نائبا، وهم: 30 مقعدا لكتلة الليكود، 9 مقاعد لشاس، 7 مقاعد ليهدوت هتوراة، 7 مقاعد لـ”يمينا”، 6 مقاعد لـ”الصهيونية الدينية”.

وقد أعلنت كتلتا “يمينا” و”الصهيونية الدينية”، وهذه الثانية تضم أتباع حركة “كاخ” الإرهابية المحظورة، أنهما ترفضان المشاركة في حكومة تدعمها قائمة عربية من الخارج. والحديث هو عن القائمة العربية الموحدة برئاسة عضو الكنيست منصور عباس، الذي أعلن عن “النهج الجديد” وأنه لا يرفض أي طرف، مقابل تحقيق مطالب مدنية. فيما لم يعلن عباس رفضه لدعم حكومة كهذه، ولكنه أعلن أنه سيجري مشاورات مع رئيس حزب “يوجد مستقبل” يائير لبيد.

في الطرف الآخر، خليط من الكتل، من أقصى اليمين الاستيطاني، مثل “إسرائيل بيتنا” بزعامة أفيغدور ليبرمان، و”أمل جديد لإسرائيل” بزعامة جدعون ساعر، وحتى القائمة المشتركة، التي تمثل معظم أحزاب الجماهير العربية فيما القائمة العربية الثانية ذكرنا موقفها غير الحاسم.

وبالنسبة للحزبين بزعامة كل من ليبرمان وساعر، ليست لديهما أي مشكلة سياسية مع الليكود وحلفائه، وإنما المشكلة هي مع شخص نتنياهو، الذي يواصل سيطرته المطلقة على الليكود، بمعنى أنه إذا تخلى نتنياهو عن رئاسة حزبه، فإن الليكود سيحظى مباشرة بحكومة ذات أغلبية من 72 نائبا. ولكن مسألة إزاحة أو تنحي نتنياهو ليست قائمة.

الاحتمال شبه الوحيد أمام نتنياهو لتحقيق الأغلبية المطلقة، هو كسر الحلقة الأضعف من بين الكتل الصهيونية المعارضة لاستمرار حكمه، وهو حزب “أمل جديد لإسرائيل” ورئيسه جدعون ساعر. فغداة يوم الانتخابات بدأت أحاديث عن ضغوط تمارس أو ستمارس على حزب ساعر، كونه من عقر اليمين الاستيطاني المتشدد، كي ينضم لحكومة نتنياهو، وإذا لم ينضم ككتلة، فإن احتمال شق الكتلة قائم، على الأقل بنائبين فقط. وقد دلت التجربة على أن نتنياهو “يتقن” مثل هذه الأمور، ونجح في شق قوائم وكتل برلمانية من أجل ضمان استمرار حكمه.

من ناحية أخرى، وكما يبدو فإن المناورات البرلمانية الفاشلة التي شهدناها بعد انتخابات آذار 2020، تكرر نفسها، ولا يبدو أن لها آمالاً كبيرة. وأولها، سن قانون في الكنيست يمنع عضو كنيست يواجه لوائح اتهام في المحكمة، من تكليفه بتشكيل حكومة، وهذا كي يكون القانون تمهيدا لانتخابات خامسة، وفي حال أقر فإن نتنياهو لن يكون باستطاعته رئاسة حزب الليكود.

وحسب موازين القوى في الكنيست، فلا توجد أغلبية لهذا القانون، إذ حسب ما ينشر فإن القائمة العربية الموحدة أعلنت أنها لن تؤيد القانون، أو أنها ستتركه لمجال المناورة، كما أنه ليس بالضرورة أن كل الكتل الأخرى التي خارج ائتلاف نتنياهو الفوري، ستؤيد قانونا كهذا يحتاج لوقت كبير حتى اقراره، إذ إنه يحتاج دستوريا لـ 61 نائبا كأغلبية عددية، كحد أدنى، لأنه تعديل لقانون أساس.

كما ستكون هناك محاولة لانتخاب رئيس كنيست من غير حزب الليكود، وهذا أيضا ليس مضمونا، وهو ما سيتضح لاحقا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى