شؤون إسرائيلية

برهوم جرايسي يكتب – الانتخابات المبكرة انطلقت ولكن احتمال تأجيلها وارد!

برهوم جرايسي *- 7/12/2020

علّمت التجربة السياسية الإسرائيلية أن إقرار الكنيست قانون حل نفسه بالقراءة التمهيدية، أو حتى الأولى، ليس نهاية المطاف، فقد حصل وتم توقيف مسار التشريع لإطالة عمر الحكومة، أو حتى تغيير الائتلاف، في اللحظة الأخيرة، كما جرى في ربيع العام 2012. وهذا قد يحدث الآن أيضا، ولكن سيكون على الحكومة أن تقر ميزانية واحدة على الأقل، حتى يوم 23 الشهر الجاري، وإلا فإن الكنيست سيحل نفسه تلقائيا، بفعل عدم إقرار ميزانية، وتكون إسرائيل لأول مرّة في تاريخها تدير شؤون ماليتها من دون ميزانية لعامين، ولهذا انعكاسات سلبية على الاقتصاد الإسرائيلي، بحسب كل التحليلات؛ خاصة وأن المانع هو حسابات بنيامين نتنياهو الشخصية.

وكان الكنيست أقر بالقراءة التمهيدية (الأولية) مشروع قانون حل الكنيست، يوم الأربعاء الماضي، 2 كانون الأول الجاري، وعلى القانون الذي عارضه الليكود وحلفاؤه، وأيدته كتلة “أزرق أبيض”، أن يمر بالقراءات الثلاث، حتى يصبح نافذا، وهذه عملية ممكن أن تتم في غضون يوم واحد، ولكن قد تمتد أياما، وستكون أيام مد وجزر بين الشريكين الأكبرين في الحكومة: الليكود و”أزرق أبيض”. ولا يدور أي خلاف سياسي بين الفريقين، بل إن كل المسألة تدور حول انقلاب نتنياهو على الاتفاق المبرم مع “أزرق أبيض” ويتضمن نقل رئاسة الحكومة لبيني غانتس، في خريف 2021، ولا يريد نتنياهو الوصول إلى ذلك التاريخ. كما أن نتنياهو شعر بأن الاتفاق يفرض عليه قيودا في التعيينات الكبرى، خاصة في كل ما يتعلق بجهاز القضاء والشرطة والنيابة العامة، وكلها تعيينات على علاقة بمحاكمته بقضايا الفساد.

الجدل في الأيام المقبلة سيكون حول تاريخ الانتخابات، وفعليا فإن انتخابات شهر آذار المقبل، في حال تم حل الكنيست حتى يوم 23 كانون الأول الجاري، ليس في صالح الليكود، الذي سيمضي رئيسه أيام الحملة الانتخابية في قاعة المحكمة للاستماع لشهود الاثبات، هذا إذا لم ينجح في تأجيل المحاكمة؛ وليس في صالح “أزرق أبيض” الذي تنذره استطلاعات الرأي بخسارة مقاعد كثيرة، في الوقت الذي تتبلور أمامه تحالفات يقودها جنرالات، وقد تكون قوتها على حساب غانتس وفريقه.

وكلا الفريقين بحاجة لتمرير فصل الشتاء، حتى استكمال التطعيم ضد كورونا، وبدء عهد جديد، ولكن “أزرق أبيض” يعتقد أن انتخابات آذار ستكون أقسى على الليكود ونتنياهو، من قسوتها على “أزرق أبيض”.

وفي ظل كل هذا، تتسارع التحركات الحزبية تمهيدا للانتخابات المقبلة، التي قد تجري ما بين آذار وأيار المقبلين. وكما يبدو فإننا سنكون أمام مشهد حزبي مختلف كثيرا عن الجولات الانتخابية الثلاث الأخيرة، التي كانت أولها في نيسان 2019. والثابت في هذا المشهد سيكون الليكود وكتلتي المتدينين المتزمتين الحريديم، شاس ويهدوت هتوراة. وكل ما عداهم مرشح للتغيير. والأعين باتت مُسلطة الآن، نحو لاعبين جدد في الحلبة البرلمانية: رئيس بلدية تل أبيب رون خولدائي، الذي يجلس في البلدية منذ العام 1998، وفاز برئاسة البلدية في خمس جولات انتخابية؛ ورئيس أركان الجيش السابق غادي أيزنكوت؛ كما يجري الحديث عن عودة الوزيرة السابقة تسيبي ليفني، التي لم تشارك في الجولات الانتخابية الثلاث. وحسب التقارير، فإن هذه الشخصيات الثلاث قد تكون مرتكزا لتحالف جديد يخوض الانتخابات، وقد ينضم له حزب “تلم” برئاسة موشيه يعلون، المتحالف حاليا مع حزب “يوجد مستقبل” برئاسة يائير لبيد؛ إلا أن يعلون أعلن في الأيام الأخيرة أن الأفضل هو فك الشراكة، ملمحا إلى أن هذا يجعله يجذب أصواتا من معسكر اليمين المتشدد أكثر. ولكن من السابق لأوانه الحكم على تقديرات يعلون، المعروف عنه بأنه لا يحظى بشعبية كافية، تجعله يتجاوز نسبة الحسم القائمة، من دون تحالفات.

في المقابل، فإن “تصريحات المصادر”، مجهولة الهوية، من حزبي “يوجد مستقبل” و”أزرق أبيض” حول احتمالات إعادة التحالف بينهما تتزايد يوما بعد يوم، ولكن يبقى السؤال من سيترأس هذا التحالف: لبيد الذي يظهر حزبه في استطلاعات الرأي بقوة تعادل ضعفي قوة “أزرق أبيض” أم بيني غانتس؟

وفي حين تمنح استطلاعات الرأي تحالف أحزاب اليمين الاستيطاني المتطرفة، المسمى “يمينا”، قوة كبيرة جدا، من 6 مقاعد اليوم إلى معدل 20 مقعدا، فإن هذا التحالف في حالته الآن ليس مضمونا أن يستمر، وقد يشهد انشقاقا؛ وفي خلفية هذا، خلاف حول التشدد الديني، الذي سيُبعد قطاعات مصوتين علمانيين في جمهور اليمين الاستيطاني.

كذلك فإن حزب ميرتس الذي تطمئنه استطلاعات الرأي بأنه سيتجاوز نسبة الحسم من دون تحالفات، بدأ هو أيضا يبحث في شكل خوضه الانتخابات. وحسب تقارير صحافية، فإن الجدل يدور حول أي قائمة ستكون لميرتس، هل للحزب وحده، الذي من المتوقع أن يحصل على ما بين 5 إلى 7 مقاعد، أم يتجه لتحالف جديد، في قائمة يهودية عربية، تهاجم القائمة المشتركة في معقلها الأساس، المجتمع الفلسطيني في إسرائيل. إلا أن استطلاعا للرأي بادر له ميرتس، أظهر أن أقل من 1% من مصوتي جمهور ما يسمى يسار- وسط يؤيد قائمة يهودية عربية، وكانت النسبة 0.7%. وهذا الجمهور يشكل في أعلى حالاته نسبة 34% من إجمالي المصوتين اليهود، وحسب تحليل للنتائج، نشرته صحيفة هآرتس، فإن الاستطلاع يقول إنه فقط ما بين 3 آلاف إلى 4 آلاف مصوت يهودي يؤيدون قائمة يهودية عربية.

والمبادرة لقائمة كهذه قامت بها شخصيات حزبية سابقة في أحزاب ميرتس والعمل وكديما. ومن أبرز الأسماء فيها رئيس الكنيست والوكالة الصهيونية الأسبق أبراهام بورغ، ورئيس بلدية حيفا السابق يونا ياهف وغيرهما، إلا أن حراك هذه الشخصيات الأساس يجري في الشارع العربي، وليس في الشارع اليهودي، وفق تقارير متعددة، ما يطرح علامات سؤال حول حقيقة هذه المبادرة، إذا لم يكن هدفها اختراق الشارع الإسرائيلي.

وأمام كل هذا، فإن الانشقاق يتهدد القائمة المشتركة، التي حازت على 90% من أصوات الفلسطينيين في إسرائيل في انتخابات آذار الماضي، على ضوء خلاف سياسي حاد بين ثلاثة أحزاب من جهة، وحزب “القائمة العربية الوحدة” المنبثقة عن الحركة الإسلامية (الشق الجنوبي) وبالذات مع عضو الكنيست منصور عباس، الذي كشف عن اتصالات متشعبة مع نتنياهو وحزبه الليكود. وبلغت الأزمة ذروتها، حينما لم يشارك نواب القائمة الأربعة في التصويت على حل الكنيست، خلافا لموقف الغالبية الساحقة في القائمة المشتركة لدعم حل الكنيست. وحسب تقارير، فإن الخلاف قائم أيضا بين نواب الحركة الإسلامية الأربعة حول نهج منصور عباس. وأيضا حسب التقارير، فإن قرار منصور عباس في خلفيته اتصالات مع فريق بنيامين نتنياهو، حول قضايا مدنية تتعلق باحتياجات المجتمع العربي.

اتضاح صورة الوضع ستحتاج لأيام لا أكثر، حتى يتقرر موعد الانتخابات، فاحتمال الاتفاق بين الليكود و”أزرق أبيض” في الدقيقة الـ 89 لتمرير ميزانية يبقى واردا، ما يدفع الانتخابات نحو شهر حزيران، ولا يمكن تحديد ما سيكون منذ الآن، فإن 16 يوما، هي “فترة طويلة” للمناورات الحزبية في الساحة الإسرائيلية.

وكل هذا يجري في الوقت الذي تغوص فيه إسرائيل أكثر في أزمتيها الصحية والاقتصادية.

أزمة موازنة غير مسبوقة

حل الكنيست والتوجه لانتخابات مبكرة، للمرّة الرابعة خلال عامين، سيضع الحكومة الإسرائيلية أمام قضية لم تشهد مثلها طوال السنوات الـ 72، إذ أنه سينتهي العام 2020 من دون إقرار ميزانية، فيما ميزانية العام 2021، ستقر في أحسن أحوالها في منتصف العام ذاته، أو أكثر.
وحسب القانون الإسرائيلي، إذا تم حل الكنيست وتعذر إقرار ميزانية وفق ما ينص عليه قانون الأساس، حتى اليوم الأخير من العام الذي سبق، أو حتى نهاية آذار من العام ذاته، فإن الحكومة تدير شؤونها المالية استنادا لآخر ميزانية تم إقرارها، وعلى أساس شهري. ولكن القانون لا يتطرق لحالة عدم وجود ميزانية لعامين.

فكل ميزانية جديدة، وقبل أن يتم تقليصها، يتم رفعها عن العام الذي سبق بنسبة 2% كحد أدنى، بموجب نسبة التكاثر السكاني، ولكن في أحيان كثيرة، تكون النسبة أعلى، استنادا لسلسلة معطيات، منها إذا كان النمو في العام المنتهي عاليا، وفي الموازنة السابقة فائض مالي، وغيرها من العوامل. ولكن عدم إقرار ميزانية 2020، يعني أن ميزانية العام 2021 ستكون على أساس العام 2019، رغم الفارق الكبير في الظروف، إذ أن إسرائيل غارقة بأزمة اقتصادية، وتراجع حاد في مداخيل الضرائب، كما أن ميزانية 2021 يجب أن تكون أعلى بنسبة 4% عن ميزانية 2019 كحد أدنى، وعدم توفير هذه الزيادة في الميزانية سيمنع الصرف على الكثير من النواحي، أو تقليص الصرف بما يتناسب مع الميزانية التي يتيحها القانون.

أكثر من هذا، إذا لم تقر ميزانية 2020 على الأقل، لن يكون بالإمكان رفع مخصصات اجتماعية للشرائح الفقيرة والضعيفة، وفق برنامج وضع قبل سنوات.

الواضح الآن أن إقرار ميزانية 2020 سيكون عمليا تثبيت مشهد الموازنة الحاصل طوال السنة في كتاب الميزانية، مع ما نتج من عجز مالي كبير، قد يكون في حدود 13% من حجم الناتج العام، وهو 4 أضعاف نسبة العجز التي كانت في العام 2019. ولكن في حال تم الاتفاق على إقرار موازنة 2020، فإن صرف ميزانية مؤقتة للعام المقبل، على أساس 2020، سيكون مؤلما للشرائح الفقيرة والضعيفة، التي ستكون محرومة من علاوات تحتاجها بسبب ارتفاع كلفة المعيشة، واتساع البطالة. كذلك فإن مشاريع بنى تحتية عديدة سيتأخر الشروع بها، كما من الممكن أن تتعرقل مشاريع قيد التنفيذ، وهذا سينعكس سلبا على وظيفة الحكومة في خلق أماكن عمل جديدة، ما يزيد من أزمة البطالة.

إلى جانب كل هذا، فإن المعطيات الاقتصادية، للعام 2020 ستخرج سيئة للغاية، وتعيد الاقتصاد الإسرائيلي عدة سنوات إلى الوراء، بحسب كل مقياس من مقاييس الاقتصاد، وهذا ليس حالة خاصة بالاقتصاد الإسرائيلي، بل هذه هي حال كل الدول تقريبا. إلا أن الدول الكبرى ذات الاقتصاد المتشعب الكبير، قادرة على الخروج من أزمتها الاقتصادية بشكل أسرع، بينما الاقتصاد الإسرائيلي، رغم كل ما تحقق فيه في السنوات الأخيرة، يبقى محدودا من حيث تنوعه، ومحركات النمو فيه أقل عدديا، مما هي في الدول المتطورة.

وهناك تقديرات بأن نسبة البطالة الفعلية سترتفع مع نهاية العام الجاري من 3.4% في نهاية العام الماضي 2019، إلى أكثر من 9% في نهاية 2020. وسيشهد الاقتصاد انكماشا يتراوح ما بين 5.5% إلى 6.5%، بينما كان التخطيط لنمو بنسبة 3.5%، بمعنى أن الاقتصاد سينكمش فعليا بنسبة 10% كما كان مخططا له. وسيرتفع حجم الدين العام من 60% من حجم الناتج العام في نهاية 2019، إلى 76% في نهاية العام الجاري، ويتوقع بنك إسرائيل أن يواصل الدين ارتفاعه في العام المقبل 2021 ليصل إلى 78% من حجم الناتج العام، وهذه النسبة التي كان عليها الاقتصاد الإسرائيلي في العام 2006.

وتنشغل الصحافة الاقتصادية كثيرا بسوء إدارة الاقتصاد، واستخدام بنيامين نتنياهو الميزانية كأداة سياسية ليتحكم بمصير الحكومة، وفق مصالحه الشخصية، التي تتطلب منه حل الحكومة كي لا يصل إلى تاريخ التناوب على رئاسة الحكومة، في خريف العام المقبل.

ولكن الأمر لم يتوقف عند حد أن الحكومة ستعمل عامين تقريبا من دون ميزانية مقررة، بل إن وزارة المالية شهدت هزة كبيرة، باستقالة كبار المسؤولين فيها، مثل مسؤول قسم الميزانيات، ومدير عام الوزارة، والمحاسب العام للدولة، وهي وظائف أساسية، وكل المغادرين استقالوا احتجاجا على نهج وزير المالية يسرائيل كاتس، الذي يطبق رغبات رئيس حكومته.

ويقول تقرير لصحيفة “كالكاليست” شارك فيه عدد من المحللين والمراسلين الاقتصاديين “إن أول أمر نجح فيه وزير المالية يسرائيل كاتس ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، هو تحويل وزارة المالية إلى شظايا وزارة، في غضون ستة أشهر، وهي فترة لا تصل حتى إلى رُبع ولاية برلمانية”. ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” سيفر بلوتسكر، إن الجدل القائم هو حول ميزانية العام 2021، في حين أن ميزانية 2020 انتهت دون إقرار، ولا يدور حول مبادئ اجتماعية، ولا حول سلم أفضليات بشأن شكل الصرف العام، ولا حول شكل تسديد النفقات الضخمة جدا على متضرري كورونا، ولا حتى حول توصيات بنك إسرائيل المركزي بعدم فرض ضرائب والإقدام على تقليصات في ميزانية 2021، وإنما حول الخلافات الحزبية بين الليكود و”أزرق أبيض”، وحول موعد تقديم الميزانية للحكومة.

ويحذر الكثير من المحللين من أن توجه إسرائيل إلى انتخابات برلمانية مبكرة، دون إقرار ولو ميزانية واحدة، سينعكس سلبا على إدارة الاقتصاد الإسرائيلي في السنوات القليلة المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى