شؤون إسرائيلية

برهوم جرايسي يكتب – أجواء انتخابية : منافسة مبكرة على خلافة نتنياهو وأخرى على رئاسة “يوجد مستقبل”

برهوم جرايسي *- 8/9/2020

ظهرت في الأيام الأخيرة، بشكل أكبر، رياح الانتخابات البرلمانية المبكرة، رغم أنها ما تزال “السر المكتوم” لدى بنيامين نتنياهو. ففي حزب الليكود، ظهرت ما يمكن تسميتها منافسة متسترة على خلافة نتنياهو، الذي لا يبدو أنه سيغيب عن زعامة الليكود والحكومة في المدى المنظور. وفي المقابل، ظهرت منافسة ليست متوقعة بإعلان النائب عوفر شيلح منافسته ليائير لبيد على رئاسة حزب “يوجد مستقبل”، الذي ما يزال حزبا برلمانيا من دون تنظيم حزبي ملموس.

ويبدو أن أجواء الانتخابات التي تخيّم على الساحة السياسية جعلت العديد من الأحزاب تتحرك مبكرا، كي لا تقع فريسة لمفاجأة سريعة يُقدم عليها نتنياهو، ولا تكون بمستوى الجاهزية لانتخابات كهذه، خاصة القوائم التحالفية، أو قوائم تفككت وتحولت أحزاب فيها إلى فتات. كما أن القلق انتشر في صفوف حزب الليكود، الذي كما ذكر من قبل، سيشهد انتخابات داخلية لقائمة مرشحيه للكنيست، وهذا يعني أن 40% بالمعدل من النواب الحاليين، سيجدون أنفسهم خارج الكتلة، بفعل النظام الانتخابي لليكود، وهذا عدا المقاعد التي تتوقع استطلاعات الرأي أن يخسرها الحزب.

وهذا ساهم في ضغط الكتلة، نوابا ووزراء، على نتنياهو ليقبل باتفاق تسوية، يؤجل الأزمة الائتلافية رسميا إلى حتى 23 كانون الأول المقبل، ولكن أزمة كهذه قد تنشب في كل لحظة. والتوقعات الجديدة حاليا أن نتنياهو لن يبادر إلى تفجير في الائتلاف قبل التوقيع على اتفاق التطبيع مع دولة الإمارات المتحدة في واشنطن، في شهر أيلول الحالي، كي يكون هذا أحد المشاهد الانتخابية لدونالد ترامب، الذي يسعى ليبث لأنصاره، خاصة من الطائفة الأفنجيلية، بأن له حضوراً على الساحة الدولية، ويضغط في اتجاه مصالح حكومة إسرائيل. بمعنى أن نتنياهو لن يذهب للتوقيع مع الإمارات وهو يقف على رأس حكومة انتقالية. كذلك فإن الاتفاق قد يتم عرضه على الكنيست لإقراره، رغم أن هذا ليس ملزما، طالما أنه ليس مطلوبا من إسرائيل انسحابات جغرافية وغيرها.

المنافسة والحراك في الليكود

ظهرت في الأيام الأخيرة مناكفة حادة في وسائل الإعلام، بين وزير المالية يسرائيل كاتس، الذي حلّ في المكان الأول في قائمة الليكود بعد بنيامين نتنياهو، وبين من كان رئيسا لبلدية القدس، نير بركات، الذي حلّ في المكان التاسع في القائمة. وفي خلفية هذا منافسة شديدة بين الاثنين، اللذين يطمحان لخلافة نتنياهو في رئاسة الحزب، بعد أن يتنحى الأخير بإرادته أو بقرار قضائي.

وفي الحملة الانتخابية لانتخابات آذار 2020 الأخيرة، قيل إن نتنياهو وعد بركات بتولي حقيبة المالية، وعلى هذا الأساس بدأ يظهر في الإعلام كمن يطرح برامج اقتصادية، علقت عليها الصحافة الاقتصادية كثيرا. ولكن بعد ظهور نتائج تلك الانتخابات، وما حملته من تعقيدات في تركيبة الائتلاف، وعدم قدرة الليكود على الحصول على حقائب وزارية ذات مستوى بعدد كاف، اضطر نتنياهو لتغيير قراره، وكلّف الشخص الثاني في قائمة الليكود، يسرائيل كاتس، بتولي حقيبة المالية، الحقيبة الأرفع من بين حقائب الليكود.

قرار نتنياهو بتكليف كاتس يعود إلى أن الأخير صاحب نفوذ قوي في قواعد حزب الليكود، وهي قواعد مناصرة لنتنياهو، ولكنها في ذات الوقت تؤيد أن يبقى كاتس في صدارة قائمة الحزب، ولذا رأينا في كل الانتخابات البرلمانية في السنوات العشر الأخيرة أن كاتس كان يتنقل في المراتب الأربع الأولى في قائمة الحزب بعد نتنياهو.

وعلى مدى 11 عاما، تولى كاتس حقيبة المواصلات، التي جعل منها ما يشبه إمبراطورية خاصة به، على ضوء مشاريع البنى التحتية الضخمة التي شهدتها إسرائيل في العقد الأخير، لتطوير شبكات الشوارع في كافة أنحاء البلاد، فحولها أيضا استثمارا سياسيا له. لذا فإن نتنياهو ما كان يستطيع أن يدحر كاتس إلى حقيبة هامشية، وأن يُسند المالية لنير بركات، الذي وصل لتوّه إلى الكنيست، وإلى صفوف الليكود، بمعنى منذ انتخابات نيسان 2019، وهو لم يحقق بعد قواعد انتخابية داخل الليكود، ولكنه يطرح نفسه كمن هو معني بالتنافس على رئاسة الحزب، بعد نتنياهو، كما يصر على التأكيد دائما، لذا وقف إلى جانب نتنياهو في المنافسة على رئاسة الحزب التي فرضها غدعون ساعر في نهاية العام 2019، وحصل فيها ساعر على 28% من أصوات الليكود.

وبعد أن تلقى كاتس حقيبة المالية قرر بركات عدم تولي أي حقيبة وزارية أو منصب برلماني، دون أن يشن هجوما على نتنياهو، بل التزم الصمت، آخذا بالحسبان ما يخطط له في الليكود.

ويُعد نير بركات السياسي الأغنى ماليا من بين السياسيين الحاليين، وبلغ حجم ثروته الشخصية، وليس العائلية، حتى نهاية العام الماضي 2019، حوالي 500 مليون شيكل، ما يعادل بسعر صرف الدولار الحالي حوالي 147 مليون دولار.

وانتقد بركات في الأيام الأخيرة “غريمه” كاتس بسبب شكل إدارته لوزارة المالية، وشكل توزيع المصروفات، رغم أنه حسب كل التقارير، فإن كاتس ليس “الحاكم بأمره” في الوزارة، بل كل خطوة يُقدم عليها تكون بموافقة مسبقة لنتنياهو، الذي غالبا ما يتجاوز كاتس ويعلن عن مشاريع صرف جديدة، في ظل الأزمتين الصحية والاقتصادية الحالية.

ولم يبق كاتس مكتوف اليدين، فقال عن بركات إنه كان رئيس بلدية فاشلا على مدى عشر سنوات في القدس، وأنه لا يحق له الحديث عن الإدارة المالية للدولة.

هذه منافسة مبكرّة جدا، لأنه إذا جرت الانتخابات حتى منتصف العام المقبل، ولم تحدث أي مفاجأة غير منظورة، بالنسبة لمستقبل نتنياهو السياسي، فإنه باق على رأس حزبه أيضا في الانتخابات المقبلة، ولذا فإن كاتس وبركات يتنافسان على الموقع المتقدم أكثر في قائمة الليكود، خاصة وأن كاتس الآن سيخوض منافسة داخلية أسهل، بعد أن تم استبعاد الوزير السابق صاحب الشعبية في قواعد الليكود، غلعاد أردان، الذي “نفاه” نتنياهو ليتولى مندوب إسرائيل الدائم في الأمم المتحدة، وبعد عام من الآن، سيصبح سفير إسرائيل في واشنطن.

والحصول على مواقع متقدمة في قائمة الليكود هو من ناحية إثبات قوة في القواعد الانتخابية، ومن ناحية أخرى ترشيح للحصول على حقائب وزارية ذات وزن، رغم أن هذا لم يلعب دورا عند نتنياهو في توزيع الحقائب الأخيرة، إذ لم تُسند لغدعون ساعر الحاصل على المقعد الرابع بعد نتنياهو في القائمة أي حقيبة وزارية أو منصب برلماني.

منافسة أم مسرحية في “يوجد مستقبل”؟

على غفلة، إن صح التعبير، أعلن النائب عوفر شيلح الشخص الثاني في حزب “يوجد مستقبل” الذي يترأسه يائير لبيد، نيته المنافسة على رئاسة الحزب، في الانتخابات الداخلية التي ستجري في حال تقرر التوجه لانتخابات مبكرة. وحسب تصريح شيلح فإنه يريد انتخابات مفتوحة لرئاسة الحزب في وقت مبكر، حتى قبل الإعلان عن انتخابات مبكرة.

وتقريبا لم يخل أي تقرير صحافي عن إعلان شيلح، من فرضية أن يكون الأمر مجرد مناورة منسقة بين لبيد وشيلح، من أجل تعظيم مكانة الحزب، وإظهاره كحزب ديمقراطي، رغم أن أوساطا في “يوجد مستقبل” تتوقع أن لا تجري انتخابات مفتوحة كهذه.

وكان لبيد قد أسس حزب “يوجد مستقبل” في نهايات العام 2012، تمهيدا لانتخابات الكنيست الـ 19 التي جرت في مطلع العام 2013. وكان واضحا أنه حزب قائم على شخص، ولكنه ليس وحده، إذ أن تقارير عديدة في ذلك الحين أظهرت أن أصحاب رؤوس أموال كانوا داعمين لإنشاء هذا الحزب، وأن لبيد تلقى ضمانات مالية بنكية بمساعد 78 ثريا وميسورا، كي يموّل حملته الانتخابية الأولى.

وعلى مدى السنوات الثماني الأخيرة، منذ تم الإعلان عن الحزب، فإن “يوجد مستقبل” حزب مقرون باسم يائير لبيد، صاحب القرار في الحزب، الذي لم يؤسس نفسه تنظيميا، وإنما ما زال حزب انتخابات برلمانية، وفي العامين 2013 و2018 خاض في بعض المدن الكبرى انتخابات المجالس البلدية. ومن يقرر قائمة الحزب للانتخابات البرلمانية هو لبيد، بعد مشاورات مع حلقته الضيقة، التي فيها أيضا شخص عوفر شيلح. والأسماء المطروحة لا تأتي بعفوية، بل هم أشخاص إما جاؤوا من خلفيات عسكرية أو اقتصادية، أو تمثل شرائح طائفية في المجتمع اليهودي الإسرائيلي. وعند تأسيس الحزب، تم وضع دستور يقضي أحد بنوده بأن يكون لبيد رئيسا للحزب في السنوات الثماني الأولى، دون إجراء انتخابات لهذا المنصب. ويدعي شيلح في الأيام الأخيرة أنه جرى تعديل الدستور دون التشاور مع الكتلة البرلمانية، بشكل يمدد للبيد رئاسة الحزب، وكما يبدو بسبب تكرار الانتخابات في العام ونصف العام الأخيرين.

السيناريو الأول، هو أن شيلح جاد في مسعاه، وقال في بيانه لوسائل الإعلام إن الحزب يجب أن يُحدث تغييرا، كي يكون قادرا على الظهور كحزب بديل لحكم الليكود، وأن الأمر يحتاج لفتح أبواب الحزب لانتسابات عامة، تشارك في الانتخابات لرئاسة الحزب ولتشكيل قائمة الحزب للانتخابات المقبلة. ما يدعو له شيلح، وفق البيان، يعني سحب البساط من تحت لبيد، صاحب السيطرة على الحزب، وهذا ما قد لا يقبل به لبيد. ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مصادرها في “يوجد مستقبل” قولها إنه ليس واردا فتح أبواب الحزب للانتسابات المفتوحة، لأن في هذا فرصة لسيطرة جهات خارجية على الحزب. ويقول أحدهم: يكفي أن يرسل نتنياهو 3 آلاف منتسب لـ”يوجد مستقبل” كي يشكلوا مركز قوة ويقرروا بمجريات الحزب الداخلية. وهذا احتمال وارد.

أما السيناريو الثاني، فهو أن كل ما نشهده مجرد مناورة، لإثبات حضور “يوجد مستقبل” كحزب، وليس كحركة “يملكها شخص واحد”، كي يكون بديلا للحكم، خاصة وأن استطلاعات الرأي تتنبأ بقفزة جدية للحزب في الانتخابات المقبلة، سوية مع الحزب الحليف الصغير “تلم” برئاسة موشيه يعلون، الذي تسيطر عليه آراء اليمين الاستيطاني المتشدد. بمعنى أن القصد من الاتفاق الافتراضي بين لبيد وشريكه وصديقه شيلح، هو خلق حراك واهتمام جماهيري حول الحزب، من أجل زيادة وزنه النوعي في الحلبة السياسية، خاصة بعد انهيار كلي لحزب العمل برئاسة عمير بيرتس، الذي تتنبأ له الاستطلاعات أن يحصل على أقل من 2% من الأصوات، فيما نسبة الحسم للتمثيل البرلمانية 3,25%. وقسم من أصوات حزب العمل التقليدية قد تتجه إلى “يوجد مستقبل”، رغم أن استطلاعات الرأي تُظهر أن حزب ميرتس سيحصل على 7 مقاعد، وهو عدد المقاعد التي حصل عليها في انتخابات آذار، بتحالفه مع حزب العمل وأيضا مع حزب “غيشر” الذي ترأسه النائبة أورلي ليفي- أبكسيس، والتي لم تقدم أي وزن ذي شأن لذلك التحالف، وفق التقديرات.

أيا تكن الحال في حزب “يوجد مستقبل”، وبحسب كل التقديرات، فإن عوفر شيلح ليس باستطاعته أن يطيح بلبيد من رئاسة الحزب الذي أسسه، ويُرجّح أن يبقى المشهد هناك كما هو عليه اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى