#شؤون إسرائيلية

برهوم جرايسي – هل الحكومة الإسرائيلية الحالية واقعة تحت وطأة سياسة اليمين الاستيطاني؟

برهوم جرايسي *- 14/9/2021

هزّت عملية تحرّر الأسرى الفلسطينيين الستة من سجن جلبوع، الأكثر تحصينا من بين سجون الاحتلال، المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة برمتها، وكانت في حالة إرباك شديد وحرج على مدى ما يقارب خمسة أيام، حتى بدأت بالقبض مجددا على الأسرى. لكن يبدو أن هذه القضية، برغم حدتها على المستوى الإسرائيلي الداخلي، لا تؤثر على مستقبل الحكومة الحالية، خاصة وأنها حديثة العهد، وسيتم دحرجة المسؤوليات على الجهاز التنفيذي في سلطة السجون، وخاصة في السجن ذاته.

ولوحظ أن أطراف الحكومة السياسية التزمت الصمت، ولم تسجل حملة اتهامات متبادلة، ولا حتى من المعارضة الأساسية، الممثلة بحزب الليكود، الذي غادر أروقة الحكومة لتوّه نسبيا، وإذا هناك خلل في الجهاز التنفيذي فإن هذا سيتحمل مسؤوليته من ترك المناصب المسؤولة قبل أقل من ثلاثة أشهر، من يوم عملية سجن جلبوع.

ومن المتوقع أن تقر الحكومة لجنة فحص أولية، حول ما جرى في سجن جلبوع، لتقرر لاحقا ما إذا ستقيم لجنة تحقيق بموجب الأنظمة، تفحص مجمل العمل في السجن، ومختلف السجون، بالإضافة إلى البنى التحتية فيها.

ومع تقدم عمل الحكومة، التي كان الرهان بأن لا تصمد لبضعة أسابيع، يظهر أكثر أن أطراف الائتلاف يدركون أن أي خلل في الحكومة قد يؤدي إلى إسقاطها، وحينها فإن جميع الشركاء سيخرجون من الحكومة خاسرين، من حيث موازين الربح والخسارة الحزبية، وفق تركيبة الكنيست الحالية. إلا أن هذا الهدوء لا يعني أن الحكومة في حالة شلل سياسي، بل إن كل المؤشرات تدل على أن السياسة الطاغية هي سياسة اليمين الاستيطاني، في ما يتعلق بالاستيطان، والسياسات تجاه المناطق المحتلة منذ العام 1967، بينما الكتل التي من المفروض أن تعترض، أو تطلب لجما ما، تلتزم الصمت. والحديث أساسا هو عن كتلة ميرتس التي تعود للحكومة بعد 20 عاما، وأيضا إلى حد ما عن كتلة حزب العمل، نظرا لتركيبتها الحالية التي فيها ميل أكثر نحو ما يسمى “اليسار الصهيوني”، وكذا بالنسبة لكتلة القائمة العربية الموحدة، الذراع البرلماني للحركة الإسلامية- الجناح الجنوبي.

وعدا ما نشر في الأسابيع القليلة الأخيرة عن مشاريع استيطان مختلفة، نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية في الأسبوع الماضي أن رئيس الحكومة نفتالي بينيت تعهد في أول لقاء له كرئيس حكومة مع رؤساء مجالس المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة بأن لا يتوقف عن البناء الاستيطاني في الضفة المحتلة. وقالت قناة “كان” التلفزيونية، إن بينيت بلغ رؤساء المستوطنات بأنه لن يتوقف عن التوسع الاستيطاني، “لكن لن يكون هناك قرار ضم”. وهذا ما قاله بينيت أيضا في مقابلة نشرت في صحيفة “نيويورك تايمز”، خلال زيارته إلى واشنطن قبل أكثر من أسبوعين.

ليبرمان ما بين السياسة والأجندة الاقتصادية

منذ أن ظهر أفيغدور ليبرمان في واجهة السياسة الإسرائيلية، في العام 1996، مديرا عاما لمكتب رئيس الحكومة، واستحواذه على صلاحيات غير مسبوقة، ولكن بالذات منذ أن شكّل حزبه “إسرائيل بيتنا”، تمهيدا لانتخابات العام 1999، والتي من خلالها دخل إلى الكنيست على رأس كتلة صغيرة من أربعة نواب حينها، برز بكونه الشخص الأكثر تحريضا على الفلسطينيين في إسرائيل، إلى جانب رفضه للمفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وإقامة دولة فلسطينية. وفي كل واحدة من الجولات الانتخابية البرلمانية على مدى عقدين قاد خطابا تحريضيا، أولا وأساسا ضد العرب، ولكن في السنوات القليلة الأخيرة، عمّق خطابه العلماني، وضد قوانين الإكراه الديني، وبالذات ضد الأحزاب التي تمثل جمهور المتدينين المتزمتين الحريديم.

وارتكز ليبرمان في بداية خوضه الانتخابات البرلمانية، على جمهور المهاجرين الجدد من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وطرح مطالبهم، بالذات في قضايا الزواج المدني، والاعتراف بيهودية مئات الآلاف منهم، وغيره من المطالب، التي رفعها طالما كان في صفوف المعارضة، ولكنه لم يسع لها في كل حكومة شارك فيها.

في السنوات الأخيرة، تعمّق أكثر انخراط جمهور المهاجرين الجدد (ممن هاجروا منذ العام 1989 ولاحقا)، في مختلف الاتجاهات السياسية، ولوحظ أكثر الابتعاد عن دائرة ليبرمان، الذي سجل في العام 2009 ذروة بحصوله على 15 مقعدا، وهبط إلى 11 في انتخابات العام 2013، وفي الجولات الانتخابية الأربع الأخيرة تراوح تمثيله بين 6 إلى 7 مقاعد.

وعرف ليبرمان أنه بات مطالبا بأن يموضع ذاته في اتجاهات أخرى، لضمان ثباته على الساحة السياسية، فرسم لنفسه شخصية “السياسي المسؤول الذي يتمسك بتعهداته”، وفق مفاهيم الشارع الإسرائيلي، بأن عارض طيلة الوقت الانخراط في حكومة يترأسها بنيامين نتنياهو، وفي حكومة يفرض الحريديم عليها إملاءاتهم.

طبيعة ليبرمان، التي أثبتها على مدى السنين، بعيدة عن “الأخلاقيات والمبادئ”، بل ما يوجهه هو احتياجات المرحلة التي تبقيه على الساحة السياسية. فمثلا، اعتراضه على استمرار حكم نتنياهو ليس متعلقا بكونه متورطا بقضايا فساد، ويحاكم بسببها، فقد سبقه ليبرمان بذلك، حتى ولو انتهت قضيته بإفراغها من مضمونها، وبحكم إداري هش، لم يمنع استمرار انتخابه. وأيضا في حزب ليبرمان تورط العشرات بقضية فساد متشعبة، وصدرت فيها أحكام بالسجن لسنوات. قضية ليبرمان مع نتنياهو أخذت أكثر طابعا شخصيا، حينما عرف، حسب ما نشر، أن نتنياهو يحفر من تحته ويحاول ايقاعه بقضايا فساد.

أما في مواجهته للحريديم، فإن ليبرمان رأى أن الارتكاز على قاعدة علمانية والتشدد بها، هي لوح الإنقاذ الباقي له في نهر السياسة الهائج، كي يمسك به، ويبقيه في الحلبة السياسية.

وفيما يتعلق بتحريضه على العرب، فقد برز ليبرمان وحزبه بالمبادرات لمشاريع قوانين عنصرية شرسة، مثل قانون منع إحياء النكبة، من خلال مؤسسات تتلقى ميزانيات رسمية، أي المجالس البلدية والقروية ومؤسسات ثقافية؛ وهو الحزب الأول الذي حاول سن قانون منع الآذان، ولم ينجح، وهو الحزب الأول الذي بادر إلى قانون يخفف قيود فرض حكم الإعدام على المقاومين الفلسطينيين. وفي الولاية البرلمانية الـ20 (2015- 2019)، التي سجلت ذروة في مبادرات القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، كان حزبه رأس حربة في هذه المشاريع، ونذكر بالذات النائب عوديد فورير، الذي بادر لعشرات القوانين في تلك الولاية البرلمانية، وهو اليوم يتولى حقيبة الزراعة في الحكومة الجديدة.

بحذر شديد، ولأن ليبرمان وحزبه لم يخرجا للحظة من خانة اليمين الاستيطاني المتطرف، نلاحظ في العام الأخير لجما ما في خطابه العنصري المباشر منه ومن زملائه في الكتلة، مقارنة مع مستويات هذا الخطاب في السنوات السابقة. واللافت أيضا أنه في حصيلة مشاريع القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، في الدورة الصيفية الأولى للكنيست في ولايته الـ 24، كان نواب “إسرائيل بيتنا” شبه غائبين، وهذا ليس لأنهم انخرطوا في الائتلاف الحاكم.

لتوضيح هذه الجزئية، نوضح أن الولاية البرلمانية الـ 24 الحالية، بدأت في الأسبوع الأول من شهر نيسان، وفي تلك الأيام يسارع النواب إلى تقديم مشاريع قوانينهم لإدارة الكنيست، ومنها لقسم الاستشارة القضائية، حسب التخصصات، وبدأت عملية تسجيل مشاريع القوانين رسميا باسم النواب يوم 3 أيار الماضي. وفي كل هذه الفترة، لم يكن يعرف النواب ماذا ينتظرهم بشأن الائتلاف الحكومي، وبالذات حزب ليبرمان، الذي واصل معارضته لاستمرار حكم نتنياهو، ولهذا فإن المنطق يقول إن نواب “إسرائيل بيتنا” سيطرحون مجددا مشاريع قوانينهم السابقة، أو مشاريع قوانين النواب السابقين من ذات الحزب، ولكن في مشروع رصد القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، القائم في مركز “مدار”، لم نلحظ تدفق قوانين كهذه من هؤلاء النواب.

وهذا المشهد لا علاقة به بتشكيل حكومة ترتكز على قائمة عربية ضمن الائتلاف- القائمة العربية الموحدة، وتشكلت رسميا بعد الانتخابات بـ 84 يوما. وليس في هذا بالتأكيد، استنتاج بأن ليبرمان وفريقه غيروا جلدهم اليميني الاستيطاني المتطرف، ولكن هي عملية عرض مشهد قائم، وطرح أسئلة حوله.

في المقابل رأينا أن ليبرمان وحزبه، خلال المفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة، وضعا ثقلهما في الجانب الاقتصادي، فحصل ليبرمان على حقيبة المالية، وفي ذات الوقت هدد بعدم الدخول إلى الحكومة في حال لم يحصل على حقيبة الزراعة، التي هي ليست في هذا المستوى من الأهمية، حتى تحسم مصير حكومة، وكان هذا التنافس على هذه الحقيبة مع حزب “أزرق أبيض” غريبا نوعا ما على سياقات تشكيل الحكومات الإسرائيلية. إلا أن المسألة الاقتصادية سرعان مع ظهرت تفسيراتها، بعد تشكيل الحكومة الجديدة بأيام، إذ سارع وزير المالية الجديد للإعلان عن سلسلة إجراءات ينوي اتخاذها تحت تسمية “إصلاحات”، إلا أن من وراء كل واحدة منها مشاريع اقتصادية، سيكون لها مستثمرون. وهذا الأمر برز بشكل خاص في قطاع الزراعة، الذي سعى ليبرمان للحصول على حقيبته الوزارية. وبضمن الإجراءات، رفع القيود عن استيراد أصناف غذائية عديدة، وبضمنها مزروعات، وأيضا فسح المجال أمام تعداد تصاريح الاستيراد للصنف الواحد، بزعم أن هذا سيوسع حلقة المنافسة في السوق، ويسعى إلى خفض الأسعار، وهي الصيغة التي ليس حولها إجماع بين خبراء الاقتصاد. وأثارت هذه الإجراءات بالذات غضبا في أوساط المزارعين، واضطرت الحكومة إلى سحب هذه الإجراءات من قانون التسويات الاقتصادية، المرافق لمشروع الموازنة العامة، على أن تقدمها الحكومة لاحقا ضمن قانون خاص مستقل، بعد إقرار الموازنة.

ومطلب فتح الأسواق الإسرائيلية بشكل أكبر أمام استيراد البضائع الغذائية قائم منذ سنوات عديدة، وخلالها تم فتح الأسواق جزئيا وتحت مراقبة أسعار، إلا أن الدعوات تواصلت، خاصة في وسائل الإعلام الاقتصادية، متهمة الحكومة بأنها تتسبب بزيادة كلفة المعيشة، بسبب الاحتكارات الكبرى في قطاع الأغذية على أشكالها.

ومن الواضح أن وراء هذه الحملة تقف أيضا جهات استثمارية كبرى، معنية بأن تكون لها حصة في سوق الأغذية، وجاء ليبرمان ليلبيها بأجندة اقتصادية واضحة. كذلك طرح ليبرمان فكرة إجراءات قاسية تحت غطاء تخفيف الازدحام في شوارع مركز البلاد، من خلال فرض رسوم مالية على كل سيارة تدخل إلى منطقة تل أبيب الكبرى في ساعات الصباح والمساء، عدا أهل المنطقة، إلا أن هذه الذريعة اصطدمت بفكرة مناقضة، وهي رفع الدعم الحكومي عن المواصلات العامة، في جميع أنحاء البلاد، والمتضرر الأساس هي المناطق البعيدة عن مركز البلاد، في الشمال والجنوب، لأن هذا سيعني مضاعفة أجرة الموصلات العامة، ودفع المواطنين نحو استخدام السيارات الخاصة أكثر. وأيضا هذه الإجراءات التي سعى ليبرمان لإقرارها بسرعة، اصطدمت بمعارضة في الشارع وأيضا في الحكومة، ما جعله يجمد الإجراءات، من ناحية، وتأجيل فرض رسوم الدخول لمنطقة تل أبيب الكبرى لثلاث سنوات.

إن هذا المشهد الحاصل في حزب “إسرائيل بيتنا”، الذي فيه صاحب القرار الواحد الوحيد، أفيغدور ليبرمان، إن كان بشقيه السياسي والاقتصادي، يدل على أن هذا الأخير يسعى لإعادة تعريف حزبه بالتعددية، رغم أنه لم يخرج من خانة اليمين الاستيطاني المتطرف، وهو أعلن مرارا أنه ليس لديه أي اعتراض للائتلاف مستقبلا مع حزب الليكود، ولكن بعد انتهاء رئاسة بنيامين نتنياهو له.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى