شؤون إسرائيلية

برهوم جرايسي – هدوء في حزب العمل ولا تلوح أي عواصف في الأفق!

مركز مدار * – بقلم برهوم جرايسي  – 29/10/2019

منذ صدور النتائج النهائية لانتخابات أيلول الماضي، لم يصدر صوت في حزب العمل، فيما غابت قيادته المتبقية عن واجهة وسائل الإعلام، وهذا يحدث لأول مرّة، فقد “عوّدنا” هذا الحزب الذي بات يبعد خطوة أو أكثر عن نهايته، على الأقل بحلته الحالية، على أنه بعد كل هزيمة انتخابية، تستل السيوف على رئيس الحزب، “الذي قاد للفشل”، فهذا ما كان بعد انتخابات نيسان الماضي، ولكن هذا لم يحدث بعد انتخابات أيلول.

وكما يبدو هذا مؤشر إلى إحباط من تبقوا في الحزب، والاستسلام لواقع الحزب، الذي لا يتسبب به رئيسه وحده، بل إنه نتائج سيرورات تراكمية بدأت بشكل خاص في النصف الثاني من سنوات التسعين وتراكمت لاحقا.

ففي انتخابات نيسان الماضي، تلقى حزب العمل ضربة قاصمة، بأن انهار تمثيله المباشر في الكنيست من 19 مقعدا حققها في انتخابات 2015، ضمن تحالف “المعسكر الصهيوني”، إلى 6 مقاعد في انتخابات نيسان، وكان الحزب برئاسة آفي غباي، الذي اعتزل السياسة بعد تلك الانتخابات، إذ وجهت له اتهامات بأنه قاد الحزب من دون تحالف، إذ رفض غباي التحالف مع حركة ميرتس.

وقادت الانتقادات إلى انتخابات لرئاسة الحزب فاز بها عمير بيرتس، الذي انقلب على موقفه من قبل الانتخابات، ورفض هو الآخر التحالف مع ميرتس، واختار التحالف مع النائبة أورلي ليفي- أبكسيس، التي لم تنجح في اجتياز نسبة الحسم في انتخابات نيسان، ولكنها حققت قوة تعادل مقعدين برلمانيين. وواجه بيرتس انتقادات في الحزب، تبعتها استقالات، ومن أبرز الاتهامات أنه اتجه إلى خيار طائفي يهودي شرقي، بدلا من خيار تقارب سياسي مع ميرتس.

وتلقى حزب العمل ضربة أشد في انتخابات ايلول، بأن حصل تحالفه على 6 مقاعد، منها 5 مقاعد لحزب العمل مباشرة. فقد زاد عدد الأصوات التي حصل عليها في أيلول بنحو 22 ألف صوت، إلا أن هذه الزيادة ثبّتت له المقعد السادس مع فائض طفيف.

ورغم هذه النتيجة، لم تقم ضجة على عمير بيرتس في صفوف الحزب، ولا مطالبات باستقالته، كما جرت العادة بعد كل انتخابات برلمانية، وباتت أشبه بطقوس ثابتة في حزب العمل الذي خلال 24 عاما تناوب على رئاسته 12 رئيس حزب، من بينهم ثلاثة رؤساء تم انتخابهم مرتين، في فترات متباعدة، وهم شمعون بيريس، وإيهود باراك، وعمير بيرتس.

وهذا الهدوء ليس هدوء ما قبل العاصفة، لأنه كما يبدو لم يبق في الحزب من يثير عاصفة كهذه، فالشخصيات المركزية التي عرفتها الساحة السياسية على مر السنين تلاشت، إما رحلت عن الدنيا، أو اعتزلت الحياة السياسية، أو أنها اختارت لها مأوى سياسيا آخر.

وحزب العمل اليوم سيكون أمام ورطة مالية ستكبده عشرات الملايين، وسيضطر للتخلي عن الغالبية الساحقة من جهازه التنظيمي الوظيفي، وليس من المستبعد أن يستكمل عملية تصفية أملاك له، وهي عملية كان قد بدأها إيهود باراك في العام 2007، لتقليص العجز الحاصل في ميزانية الحزب، التي حصة الأسد منها كانت من التمويل الرسمي من الكنيست، ومن ثم مداخيل من اشتراكات عضوية ومن تأجير عقارات.

والأمر الثاني، أن حزب العمل وأمام تمثيله الهزيل، في مقابل ما كان يتمثل به في عقود مضت من 40 إلى 48 مقعدا، لم يعد عنوانا مغريا لشخصيات جديدة، تعتزم خوض الحياة السياسية، كون الحديث ابتداء من هذا العام يجري عن حزب صغير هامشي، لا يمكنه أن يكون مرشحا لقيادة السلطة، ما يعني أنه لن يتمثل بحقائب وزارية، ووظائف برلمانية ذات قيمة.

وكانت هذه نتيجة معروفة لحزب العمل الذي تلقى الضربات تلو الضربات في كل الانتخابات التي جرت في سنوات الألفين، باستثناء انتخابات العام 2015، التي أبرم فيها تحالفا مع حزب “الحركة” بزعامة تسيبي ليفني، وحقق التحالف 24 مقعدا، منها، كما ذكر، 19 مقعدا لحزب العمل الذي كان يومها برئاسة إسحاق هيرتسوغ، الذي تم انتخابه في صيف العام الماضي 2018 رئيسا للوكالة اليهودية الصهيونية.

ولكن حزب العمل لم يستثمر هذه القفزة، التي جاءت بعد مسلسل من التراجعات، بل واصل اتباع السياسة الضبابية، ولم يطرح نفسه بديلا حقيقيا لحزب الليكود في السلطة، في كافة المجالات، وأولها المجال السياسي، إذ سجل الحزب تراجعا كبيرا في برنامجه السياسي في مطلع العام 2016، وشطب من برنامجه حل الدولتين، وطرح برنامجاً كان يطرحه اليمين قبل سنوات، بأن يكون هناك حل مرحلي مع الجانب الفلسطيني، يرتكز على الانسحاب من جانب واحد، من مناطق في الضفة، وتحويل المدن الكبرى ومناطقها إلى كانتونات مغلقة، وفقط بعد مرور سنين سيتم فحص إمكانية التفاوض على دولة.

مستقبل حزب العمل

ما من شك، بعد نتائج جولتي انتخابات، أن حزب العمل سيكون ماثلا أمام احتمال عدم اجتياز نسبة الحسم في أي انتخابات مقبلة، إذا ما استمر على حاله هذا. وحتى الآن لم يُعلن في الحزب عن أي مساع لإحداث انقلاب في الوضع القائم.

ولكن حتى الآن، اجتاز العمل اختبارا سياسيا ليس قليلا، إذ أن الحزب كان ضمن سيناريوهات إقامة حكومة ضيقة من 61 نائبا برئاسة بنيامين نتنياهو بمعنى أن ينضم الحزب إلى حكومة يمين استيطاني متطرف. ورغم أن هذا تم التداول به في وسائل الإعلام، إلا أنه لم تظهر له مؤشرات، مثل عقد جلسات مفاوضات مع الليكود ونتنياهو.

وحاليا يُعد حزب العمل الشريك الفوري لتحالف “أزرق أبيض”، ومن مصلحة المكلف بتشكيل الحكومة بيني غانتس، أن يضمن إلى جانب كتلته، كتلة حزب العمل، وحتى كتلة “المعسكر الديمقراطي”، التي في صلبها حركة ميرتس، وللكتلة 5 نواب، رغم أنه من الصعب رؤية ميرتس تنضم إلى حكومة واسعة مع الليكود، وباقي أحزاب اليمين الاستيطاني.

وفي حال تشكلت حكومة برئاسة غانتس، فإن حزب العمل سيحظى بمكانة فيها، وستكون أمامه فرصة لمحاولة إعادة ترتيب أوراقه، كي يتدارك احتمال الزوال كليا عن الخارطة السياسية.

ولكن في المقابل، يكثر الحديث عن احتمال جدي لتوجه إسرائيل لانتخابات ثالثة؛ وفي ظل المنافسة الشديدة بين تحالف “أزرق أبيض” والليكود، فإن خوض العمل الانتخابات بذات التحالف الذي خاض به انتخابات أيلول الماضي، يضعه أمام خطر عدم اجتياز نسبة الحسم، وهذا ما يفرض عليه البحث عن خيار آخر.

وعمليا، على ضوء الوضع القائم في الخارطة الحزبية الإسرائيلية، أمام حزب العمل خيار واحد ووحيد، إذا أراد الحفاظ على الحزب، وهو التحالف مع حركة ميرتس، التي هي أيضا في وضع لا أقل حرجا، إذ أن تحالفها مع حزب “إسرائيل ديمقراطية” برئاسة إيهود باراك لم يحقق لها زيادة، لا بل إن تمثيل الحركة المباشر انخفض من 4 مقاعد في انتخابات نيسان إلى 3 مقاعد في انتخابات أيلول ضمن كتلة ضمت 5 نواب؛ ما يعني احتمال خوض الانتخابات في قائمة تحالفية بين الحزبين، وأيضا مع شركائهما في القائمتين اللتين خاضتا انتخابات أيلول.

وهذا يبقى على الصعيد الانتخابي، من أجل بقاء الأنف فوق سطح الماء، ومنعا للغرق، أما على المستوى الأبعد، فإن حزب العمل قد أنهى دوره التاريخي في الساحة الإسرائيلية، ولذا سيكون عليه أن يبحث عن تغيير استراتيجي عام في بنيته، وبضمن ذلك فحص احتمال انصهار حزب العمل وحركة ميرتس في إطار سياسي واحد، قد تكون له كتلة ذات وزن في الساحة السياسية والبرلمانية.

في مقال له في صحيفة “غلوبس” الاقتصادية الإسرائيلية، يقول القيادي البارز الأسبق في حزب “العمل” عوزي برعام، إن حكومة إسحاق رابين في العام 1992، كانت “جيدة في التعامل مع القضايا المحلية وتطوير البنية التحتية في جميع القطاعات، بما في ذلك القطاع غير اليهودي (يقصد العرب). وخلقت عملية أوسلو تصدعات في الرأي العام، وضد رابين كان هناك تحريض خطير انتهى باغتياله. ثم كان فشل شمعون بيريس في انتخابات 1996 ضد نتنياهو خطوة حاسمة”.

ويضيف: “ولكن بعد ذلك جاء فوز إيهود باراك الكبير على بنيامين نتنياهو في انتخابات عام 1999. وكان فوز باراك مخالفاً للتنبؤات في تلك الأيام، لكنه اتضح أنه انتصار باهظ الثمن، بسبب فقدان قدر كبير من ثقة كوادر حزب العمل. فإيهود باراك أثار الكثير من الآمال لكنه فشل في إدارة حكومته وظل لفترة طويلة نسبيا من دون أغلبية برلمانية”.

ويقول برعام “إن فشل مؤتمر كامب ديفيد في العام 2000 سارع بانهيار اليسار الصهيوني. أتذكر أن باراك ظن أنه إذا استطاع التوصل إلى اتفاق مع عرفات، حتى لو كان ذلك يشمل تقسيم القدس، فإنه سيفوز بالأغلبية في استفتاء مستقبلي. ولكن بعد الفشل، أعلن أن المفاوضات أثبتت أنه لا يوجد شريك للسلام. وكان هذا التصريح بمثابة ضربة قاسية لليسار الإسرائيلي”.

وحسب برعام، بذلك انهار المرتكزان اللذان جعلا حزب العمل بديلاً حقيقياً في آن واحد، الأمل في سلام محتمل في إطار أوسلو، وكذلك انهيار اتحاد النقابات العمالية “الهستدروت”.

ويختم برعام مقاله: “لقد شهدنا منذ ذلك الحين عملية تقهقر مستمرة. لقد تراجعت الثقة بالسلام، وانهار تقريباً، في حين بدأ يغيب النضال في القضايا الاجتماعية، وبهذا فشل حزب العمل في أن يكون بديلاً قيادياً لليكود”. ويضيف “كانت الانتخابات الأخيرة، التي أجريت في 17 أيلول الماضي، بمثابة رقم قياسي لفشل حزب العمل في الحصول على أصوات كبيرة من المعسكر اليميني والقطاع العربي. كان كلا الحزبين اليساريين الصهيونيين في خطر الانقراض (يقصد ميرتس أيضا). وتعتمد احتمالات المستقبل على تجديد وتبني سياسات تتحدث إلى جماهير متنوعة، على الرغم من الأوقات الصعبة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى