#شؤون إسرائيلية

برهوم جرايسي – عطلة الكنيست “تريح” الحكومة الإسرائيلية

والاقتصاد يُراوح بين تضخم مالي مرتفع وأرباح قياسية للبنوك والشركات!

برهوم جرايسي *

بدأ الكنيست الإسرائيلي في منتصف الشهر الجاري، آذار، عطلة الربيع التي ستنتهي في أوائل أيار المقبل، وهي فترة تزول فيها الضغوط البرلمانية، رغم أن الائتلاف الحاكم يُظهر ثباتا بأغلبيته الهشة. وبينما تنشغل إسرائيل باستقبال آلاف المهاجرين الجدد من أوكرانيا أساسا، وأيضا من روسيا، فإن الاقتصاد الإسرائيلي سيغرق هذا العام، كما يبدو، في نسبة تضخم مالي لم يعرفها منذ ما يزيد عن 10 أعوام، وسط ارتفاع كلفة المعيشة للجمهور، في حين أعلنت البنوك الإسرائيلية الكبرى عن تسجيل أرباح غير مسبوقة، ومعها شركة النقليات البحرية الإسرائيلية، رغم دور كلفة النقل البحري في رفع الأسعار.

وقد ختمت الحكومة الدورة البرلمانية الشتوية، بسن قانون بصيغة جديدة لحرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل، بعد أن سقط القانون السابق الذي استمر 18 عاما، في الصيف الماضي، بناء على طلب الحكومة لتمديد سريان القانون المؤقت، ما جعل الحكومة تقدم قانونا بديلا، بالتنسيق مع كتل اليمين الاستيطاني المعارضة، وبالذات مع أكثرها تطرفا، كتلة “الصهيونية الدينية”، لتجيز لكتلتي ميرتس والقائمة العربية الموحدة معارضة القانون، وفي الوقت ذاته، تمسكت الكتلتان باستمرار الحكومة، وعدم السعي لإسقاطها بسبب هذا القانون.

والقانون الجديد، الذي نشره مركز “مدار” في الأسبوع الماضي مع ترجمة كاملة، يوضح لأول مرّة في بند أول جديد أن القانون في هدفه يرتكز على كون إسرائيل “دولة يهودية وديمقراطية”، وهذا ما لم يكن في القانون السابق الذي تم اقراره كقانون مؤقت لأول مرة في العام 2003، بذريعة “أسباب أمنية”، وكان يتم تمديده سنويا. كما أن القانون الجديد يهدف إلى تضييق الحالات الاستثنائية، التي تمنح لأحد الوالدين أو الأبناء ترخيصا بالمكوث في إسرائيل، إذ إن القانون يستهدف كل عائلة، أحد الزوجين فيها من الضفة الغربية وقطاع غزة، أو من دول سورية ولبنان والعراق وإيران.

كما نجحت الحكومة في تمرير عدد من القوانين التي سعت اليها في الأشهر الأخيرة، ومن بينها قانون يرفع مخصصات جنود الخدمة العسكرية الإلزامية، ورفع رواتب التقاعد للعسكريين، بتأييد كافة كتل الائتلاف الحاكم، بما فيها كتلة القائمة العربية الموحدة.

وخرجت الحكومة عملياً إلى فترة “استراحة” من الضغوط البرلمانية، لأنه حسب النظام القائم، فإنه خلال العطلة البرلمانية لا يمكن تقديم مقترحات حجب ثقة عن الحكومة، كما أنه لا تتم معالجة قوانين ذات إشكالية، لكن في شهر أيار ستعود الحكومة إلى معالجة ملفات ساخنة، من بينها الاستمرار في سن قانون فرض الخدمة الإلزامية على الشبان المتدينين المتزمتين (الحريديم)، كما أنه في شهر حزيران تنهي الحكومة عامها الأول، ومعها ينتهي مفعول بند الائتلاف الذي منع طرح مشاريع قوانين خلافية بين أطراف الائتلاف، في السنة الأولى للحكومة.

ورغم هذا، ليس مطروحا حتى الآن مشاريع قوانين من المستوى الذي يمكن لخلاف حول أي منها أن يقود إلى تفكيك الائتلاف. كذلك، فإن جميع كتل الائتلاف متفقة ضمنا على ضرورة استمرار الحكومة، لأن تفكيكها والتوجه إلى انتخابات جديدة، سيعود بخسائر على جميع الشركاء، إن كان على حجم التمثيل البرلماني، أو وهذا الأهم، على صعيد المكانة السلطوية التي تحظى بها كل واحدة من الكتل في الحكومة الحالية.

استيعاب آلاف المهاجرين

حسب تقارير وزارة الهجرة الإسرائيلية فإنه منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا، وحتى مطلع الأسبوع الجاري، وصل إلى إسرائيل أكثر من 14 ألف شخص من أوكرانيا، كما وصل من روسيا حوالي ألفي شخص. إلا أنه حسب ما يسمى “قانون العودة” الإسرائيلي، الذي يحصر العودة بأبناء الديانة اليهودية، وأبناء عائلاتهم من الدرجة الأولى، فإن أقل من 30% من الذين وصلوا في الأسابيع الثلاثة الأخيرة من أوكرانيا، تم تسجيلهم كمهاجرين يسري عليهم القانون.

أما الباقي، ما يعني 70%، فهم في إطار لاجئين مؤقتين في إسرائيل. كما أعلنت وزارة الهجرة، أنه منذ بدء الحرب غادر إسرائيل أكثر من ألف أوكراني، وكما يبدو غالبيتهم من العمال. ولم تعرض إسرائيل أعداد ذوي الجنسية المزدوجة، الذين منهم من غادر إلى وطنه الأم لينضم للجيش الأوكراني، إذ أن تقارير صحافية عدة وخاصة تلفزيونية، أظهرت أمثال هؤلاء الجنود.

وبحسب تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية، فإن كلفة استيعاب المهاجرين من أوكرانيا ستصل إلى 3.5 مليار شيكل، ما يعادل 1.1 مليار دولار.

وتتضارب التقديرات حول عدد أبناء الديانة اليهودية في أوكرانيا، الذين سيختارون الهجرة إلى إسرائيل بسبب الحرب، وحسب تقارير العام الماضي فإن عدد أبناء الديانة اليهودية في أوكرانيا تراوح ما بين 43 ألفا إلى 46 ألف شخص. ويتوقع بعض المختصين بأن قسما من الذين هاجروا إلى إسرائيل، كمهاجرين يهود وليسوا لاجئين، قد يختارون العودة إلى وطنهم الأم بعد انتهاء الحرب.

وكانت الحكومة قد شهدت جدلا ساخنا، حينما رفضت وزيرة الداخلية أييلت شاكيد، دخول من هم ليسوا يهودا، ولا يسري عليهم “قانون العودة” الإسرائيلي إلى البلاد، قبل أن تضطر الوزيرة للتراجع عن قرارها، أمام الضجة التي شهدتها وسائل إعلام إسرائيلية، ولكن كما يبدو كي لا تكون إسرائيل عرضة لانتقادات من حلفائها الأوروبيين والأميركان. إلا أن الأمر في الحكومة بلغ حد الحديث بطابع عنصري استفز وزيرة الهجرة، بنينا تمنو شاطا، وهي من أصل أثيوبي، إذ قال وزير ما يسمى “يهود الشتات”، نحمان شاي، من حزب العمل، في جلسة لحكومته، إن “الحرب في أوروبا مختلفة عن الحرب في أفريقيا”، وأضاف، بحسب صحف إسرائيلية “الحرب في أوروبا تعنيني أكثر من الحرب في أفريقيا”. فردت الوزيرة شاطا، ذات البشرة السمراء قائلة إن “هذه ازدواجية البيض. لم تتعاطوا هكذا مع الحرب في أثيوبيا”. وأضافت قائلة إنه كان على إسرائيل أن تستوعب يهودا في أثيوبيا أيضا ممن تضرروا من الحرب التي دارت هناك. وفي أعقاب المواجهة في الحكومة بين الوزراء، قالت شاطا أيضا: “توجد هنا ازدواجية الرجل الأبيض، أي أحد ممن رفع الصوت هنا لم يفتح فمه من أجل مستحقي حق العودة من أثيوبيا. ببساطة ازدواجية الرجل الأبيض. أنا أعمل بلا كلل من أجل مستحقي قانون العودة من أوكرانيا… سنستوعبهم جيدا… ولكني أطالب بإنقاذ عاجل لمستحقي قانون العودة من تيغراي وأثيوبيا، القابعين تحت طائلة الحرب منذ سنة”.

كما قالت الصحف الإسرائيلية إن وزير المالية أفيغدور ليبرمان تورط بتعبير شاذ ومحرج حين تناول استيعاب اللاجئين من أوكرانيا. ففي أثناء حديث وزيرة الداخلية شاكيد عن أن “رؤساء المدن يفضلون الأوكرانيين”، قال ليبرمان: “بعضهم يريد فقط الأوكرانيات”. فأثارت أقواله حرجا واضطر ليبرمان لأن يعتذر.

تضخم مالي متزايد

ظهرت في الأيام الأخيرة سلسلة من التقارير المالية، إن كانت حكومية، أو تلك الصادرة عن البنوك والشركات. فقد سجل التضخم المالي في شهر شباط الماضي ارتفاعا حادا نسبيا، بنسبة 0.7%، وفي الشهرين الأولين من هذا العام، ارتفع التضخم بنسبة إجمالية 0.9%، وهي نسبة غير مسبوقة منذ 16 عاما على الأقل، لهذه الفترة من كل عام. وقد سجل التضخم في الأشهر الـ 12 الأخيرة، ارتفاعا إجماليا بنسبة 3.5%.
وأبرز الأسعار التي ارتفعت في الشهر الماضي، كانت أسعار الخضراوات والفواكه الطازجة بنسبة 5.3%، وأسعار المواصلات بنسبة 1.9%، وصيانة البيوت بنسبة 1.1%، والمواد الغذائية بنسبة 0.6%.

وأمام ارتفاع أسعار الوقود في شهر آذار الحالي، وبدء ارتفاع الأسعار الموسمية، خاصة في قطاع الخضراوات والفواكه، وأيضا الملابس والأحذية، فإن وتيرة التضخم قد تسجل نسبة أعلى، ما قد يجعل بنك إسرائيل المركزي يسارع إلى رفع الفائدة البنكية، إذ من المتوقع أن يصدر قرار بشأن الفائدة في شهر نيسان المقبل.

ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة “ذي ماركر”، ناتي طوكر، إن توقعات المحللين المبكرة أشارت إلى ارتفاع التضخم في شهر شباط الماضي بنسبة 0.5%، ويعود ذلك أساسا إلى ارتفاع أسعار الوقود والسيارات والكهرباء.

ويتابع: “بدأت الضغوط التضخمية في العام الماضي في أعقاب أزمة كورونا. خلال الأزمة، اتبعت الحكومات والبنوك المركزية سياسة متساهلة للغاية، ما أدى إلى زيادة الأموال التي يحتفظ بها المواطنون وتسريع الاستهلاك. وقد زاد الطلب خاصة خلال هذه الفترة، في ظل وقف القيود المفروضة على النشاط التجاري وارتفاع معدل التطعيمات وتراجع معدلات الإصابة بالأمراض. في الوقت نفسه، أدى ارتفاع الطلب أيضا إلى حدوث إخفاقات في سلسلة التوريد العالمية، ما أدى إلى خلق ضغوط تضخمية على جانب العرض أيضا”.

وبحسب طوكر قد يؤدي ارتفاع التضخم العالمي إلى تسريع قرارات بنك إسرائيل المركزي برفع الفائدة، التي هي حاليا، ومنذ نحو عامين، 0.1%، وحسب تقارير، فإن القفزة الأولى للفائدة، سترفعها الى نسبة 0.25%، ولربما يتبعها رفع آخر حتى نهاية العام الجاري.

ويقول المحلل الاقتصادي سامي بيرتس في مقال له في صحيفة “ذي ماركر”، إن “إسرائيل تواجه الآن واقعا جديدا للجمهور والحكومة: ليس فقط ارتفاع كلفة المعيشة، بل إن الأسعار آخذة في الارتفاع أيضا. وهذا التغيير يزيد من حساسية الجمهور لأي حركة في الأسعار، ويزيد من الضغط على الحكومة لاتخاذ إجراءات من شأنها التخفيف من هذه الزيادات. ويُعد خفض التعريفات الجمركية على الأغذية والفواكه والخضروات أحد استجاباتها لهذه المشكلة، بينما تواجه أيضا معضلة بشأن التخلي عن جزء من ضريبة الوقود لمواجهة ارتفاع أسعار الوقود”.

ويضيف بيرتس أنه “حتى وقت قريب، كان بنك إسرائيل يرى أن التضخم مؤقت، ونجم عن صعوبات تنظيم العالم بعد أزمة كورونا، لكن الحرب في أوكرانيا أدخلت معيارا جديدا وهاما لهذه المعادلة، نظرا لتأثيرها على أسواق السلع. وهذا يتطلب من جميع المتنبئين تحديث توقعاتهم الخاصة بالتضخم، وأن تتعامل الحكومة مع ارتفاع تكاليف المعيشة في إسرائيل (من خلال الإصلاحات وخفض الرسوم الجمركية)، وأن يحوّل المستثمرون الاستثمارات إلى قنوات محمية من التضخم”.

فائض ضريبي وأرباح عالية

مقابل التضخم يستدل من تقرير وزارة المالية الإسرائيلية أنه لا يوجد عجز في الميزانية العامة، مع انتهاء الشهر الثاني من العام الجاري، إذ أن شهر شباط وحده سجّل فائضا بقيمة 4 مليارات شيكل (1.24 مليار دولار)، في حين أن الضرائب تسجل ارتفاعا حادا، مقارنة بالفترة ذاتها قبل عامين، أي قبل بدء موجة كورونا في البلاد.

ويتبين من التقرير أن الميزانية العامة سجلت في الشهرين الأولين من العام الجاري فائضا بقيمة 22.6 مليار شيكل، مقابل عجز في ذات الشهرين من العام الماضي بقيمة 11.2 مليار شيكل.

وقال تقرير آخر لسلطة الضرائب إن الشهرين الأولين من هذا العام سجلا فائضا كبيرا في مداخيل الضرائب.

فحتى نهاية شباط الماضي، تمت جباية ضرائب أكثر بقليل من 83 مليار شيكل (25.75 مليار دولار)، وهذا أكثر بنسبة 34% من مداخيل ذات الشهرين من العام الماضي 2021، إذ أن الإغلاق الاقتصادي انتهى في 7 شباط 2021.

كذلك فإن هذا المداخيل أعلى بنسبة تزيد عن 41% عن ذات الشهرين من العام قبل الماضي 2020، قبل بدء جائحة كورونا كليا في البلاد.

وعلى صعيد البنوك والشركات، فقد بدأت تقارير الأرباح عن العام الماضي تظهر تباعا، وكان أولها البنوك الخمسة الكبار، التي سجلت مجتمعة أرباحا بقيمة 18.3 مليار شيكل، (5.65 مليار دولار).

وكان أكثر البنوك ربحاً ليئومي، الذي يعد ثانيا من حيث حجمه بين البنوك الإسرائيلية، وبلغت أرباحه 6 مليارات شيكل، مقابل 2.1 مليار شيكل في العام 2020.
تلاه بنك هبوعليم، الأول من حيث حجمه، الذي سجل أرباحا بقيمة 4.9 مليار شيكل، مقابل ملياري شيكل في العام قبل الماضي.

ثم بنك مزراحي طفاحوت 3.2 مليار شيكل، وهذا ضعفا أرباحه التي سجلها في العام 2020 وبلغت 1.6 مليار شيكل.

وحلّ رابعا من حيث حجم الأرباح، بنك ديسكونت الذي بلغت أرباحه 2.8 مليار شيكل، مقابل 950 مليون شيكل في العام 2020.

وجاء خامسا بنك هبينوليئومي، الذي سجل أرباحا بقيمة 1.4 مليار شيكل، مقابل 750 مليون شيكل العام 2020.

وبعد البنوك، جاء تقرير أكبر شركة إسرائيلية للنقل البحري “تسيم” التي كانت حكومية حتى قبل بضع سنوات، وتمت خصخصتها، إذ سجلت أعلى أرباح في تاريخها، في العام الماضي، بقيمة 4.65 مليار دولار.

وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن شركة “تسيم”، كباقي شركات النقل البحري، استغلت جائحة كورونا لترفع الأسعار أضعافا عدة، فكلفة نقل حاوية بضائع كانت ألفي دولار، وبلغت في العام الماضي 16 ألف دولار.

يشار إلى أنه منذ بدء ارتفاع الأسعار في صيف العام 2020، كان الحديث وما زال أن من مسببات الغلاء ارتفاع كلفة النقل البحري وارتفاع أسعار الوقود، لكن تقرير شركة “تسيم” يعكس صورة أوضح، وهو أن الشركات استغلت الجائحة لترفع الأسعار، بما يزيد أرباحها بنسب غير مسبوقة.

مركز مدار للدراسات الاسرائيلية 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى