#شؤون إسرائيلية

برهوم جرايسي: تردّي الأوضاع الاقتصادية وتخصيص ميزانيات غير مسبوقة للحريديم وراء النقمة الجديدة للشارع الإسرائيلي

برهوم جرايسي 22-5-2023: تردّي الأوضاع الاقتصادية وتخصيص ميزانيات غير مسبوقة للحريديم وراء النقمة الجديدة للشارع الإسرائيلي

برهوم جرايسي
برهوم جرايسي

تتزايد في الأيام الأخيرة المعطيات السلبية للاقتصاد الإسرائيلية، التي باتت تتنبأ بحالة ركود اقتصادي قريبة، مع استمرار وتيرة التضخم المالي العالية، وارتفاع كلفة المعيشة، وتحذير الخبيرة الاقتصادية الرئيسية، في وزارة المالية الإسرائيلية، من عجز إضافي في الميزانية العامة، على ضوء الصرف الزائد للحكومة، الذي يتصدّره دفق الميزانيات الضخمة على مؤسسات وجمهور المتدينين المتزمتين، الحريديم، علاوة على الميزانيات الضخمة أصلا التي يتلقونها.

وكما يظهر، فإن هذا الصرف على الحريديم هو أحد أثمان تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو، التي ترى الشرائح الوسطى والميسورة، أنه يأتي على حسابها، لتتصاعد النقمة الشعبية، بموازاة استمرار الاحتجاجات الشعبية على سعي الحكومة لقلب قوانين جهاز القضاء لإضعافه، بسحب صلاحيات أساسية من المحكمة العليا، وسطوة الحكومة على آلية تعيين القضاة؛ وفي ظل كل هذا، تبدو الحكومة أكثر تماسكا، لأنه لا يوجد خيار آخر أمام كل واحد من أحزاب الائتلاف، في التشكيلة البرلمانية القائمة، ولهذا يُعد هذا الائتلاف هو الأمثل بالنسبة لكل واحد من هذه الأحزاب لتحقيق مكاسب سياسية ومالية وشعبية.

في هذا الأسبوع من المفترض أن يقر الكنيست بالقراءة النهائية الميزانية العامة، للعامين الجاري 2023، والمقبل 2024، إذا لم تحصل مفاجأة، لأن الموعد الأخير لإقرارها، هو يوم 29 أيار الجاري. ويبلغ حجم الميزانية للعام الجاري حوالي 432 مليار شيكل، وهو ما يعادل حاليا أكثر من 118 مليار دولار (سعر الصرف لدى نشر هذا المقال 3.65 شيكل للدولار)، وفي العام المقبل 2024 حوالي 453 مليار شيكل (أكثر من 120 مليار دولار). وتشمل الميزانية في كل واحد من العامين، ميزانية أخرى مسجلة على الورق، ليست للصرف الفوري، بقيمة 180 مليار شيكل، هي مشاريع مخططة للسنوات القريبة.

وسبقت أيام إقرار الميزانية العامة ضغوط، وصفتها مصادر حزبية لوسائل إعلام إسرائيلية، بأنها شديدة، من جهة كتلتي الحريديم، يهدوت هتوراه وشاس، اللتين طالبتا بالمزيد من الميزانيات لمؤسسات الحريديم، ورفع أكثر لمخصصات طلبة المعاهد الدينية، حتى مضاعفتها. كما كانت ضغوط من كتلة “عوتسما يهوديت”، تتضمن مطالب سياسية وبالأساس تشديد العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني، وصرف أكثر على مشاريع استيطانية وتهويدية.

ميزانيات للحريديم

وجاءت هذه الضغوط، على الرغم من أن الميزانية شملت تحويلات صرف غير مسبوقة لكتل الائتلاف الحاكم، تصرفها على بنود صرف استثنائية، بلغ حجمها الإجمالي في العامين الجاري والمقبل، أكثر من 13.7 مليار شيكل (ما يعادل أكثر من 3.75 مليار دولار)، في العام الجاري 5.4 مليار شيكل، وفي العام المقبل 2024 حوالي 8.3 مليار شيكل، بغالبيتها الساحقة ستتجه للصرف الزائد على جمهور ومؤسسات المتدينين المتزمتين (الحريديم)، الذين نجحوا في جوانب معينة، مضاعفة ميزانيات قائمة، ومنها المخصصات التي يتلقاها “طلبة” المعاهد الدينية.

لكن الحريديم طالبوا بعد إبرام الاتفاقيات بنصف مليار شيكل إضافي آخر، تصرف على مخصصات طلبة المعاهد الدينية، ما أثار نقمة أشد في الرأي العام الإسرائيلي، ومعها وسائل الإعلام، كون هذه أموالاً تصرف على أشخاص لا يعملون، بمعنى لا ينتجون، ولا يخدمون في الخدمة العسكرية الإلزامية، والأموال التي يحصلون عليها هي عبء كبير على الخزينة العامة، الممولة أساسا من الضرائب التي يدفعها الجمهور، وهذا هو محور الانتقادات في الشارع على هذا الصرف غير المسبوق من حيث مستواه.

وفي مقال تحت عنوان، “سلب ونهب”، يقول المحلل السياسي ناحوم برنياع في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، “إن الارقام مذهلة، 13.7 مليار شيكل مخصصة لأحزاب الائتلاف. معظمها إن لم تكن كلها، للحريديم والمستوطنين، ولمنظمات التديين، وللمقربين وللوسطاء. ستنقل الأموال في إطار الميزانية، في العامين الجاري والمقبل، وهي الميزانية الأولى للحكومة. إن الاموال السياسية هي مرض، سلب ونهب للخزينة العامة من أجل أقليات مميزة. وهذه الظاهرة قائمة منذ سنوات عديدة: ليس للساحة السياسية رغبة أو جرأة بوقفها. لكن هذه المرة يدور الحديث حول انقلاب حقيقي: لم يسبق أن كان حجم هذا السلب والنهب في كل سنوات الدولة، لا في حكومات اليمين ولا في حكومات اليسار. ولا في حكومات نتنياهو أيضا. المتظاهرون في تل أبيب يهتفون: ’العار، العار، العار’. يمكنهم أن يضيفوا إلى قاموس الاحتجاج ثلاثية إضافية: ’سلب، سلب، سلب’.

“850 مليون شيكل (سترتفع إلى مليار شيكل- المحرر) ستصرف في العامين الحالي والمقبل، على شكل قسائم غذائية. هذا الابتكار سائد في حكومات غير اجتماعية، فبدلا من إعطاء المحتاجين الأدوات لكسب المال، يوزعون عليهم قسائم طعام. التبذير كبير؛ وكذا التعلق بالمخصصات للعيش. آرييه درعي استورد هذا الابتكار في فترة كورونا”.

ويضيف الكاتب: “لقد خلق درعي علاقة بين استحقاق تخفيض ضريبة المسقفات البلدية (ضريبة الأرنونا حسب التسمية العبرية)، واستحقاق القسائم الغذائية. وهذا أبقى قسما كبيرا من المحتاجين الحقيقيين في الخارج، وأحسنَ وضعية اليهود ذوي العائلات كثيرة الأفراد، أي المصوتين لأحزاب الحريديم. ففي رسالة بعث بها كبار مسؤولي المالية، وردت المعطيات التالية: رغم أن 42% في المجتمع العربي يتم تعريفهم كعديمي الأمن الغذائي، فإن 17% فقط كانوا يستحقون قسائم الغذاء. أما في مجتمع الحريديم، فقد كان عدد متلقي القسائم أكثر بضعف ونصف الضعف من عدد عديمي الأمن الغذائي من العرب. واشترط حزب شاس تصويته تأييدا للميزانية بإقرار قانون القسائم. وعندما تعطّل الدفع قدما بالقانون، قاطعت كتلة شاس المداولات في لجنة المالية البرلمانية”.

معطيات اقتصادية سلبية

تزايدت في الأيام الأخيرة التقارير السلبية لوضعية الاقتصاد الإسرائيلي، ومنها تقارير رسمية تتعلق بالموازنة العامة، وأيضا على مستوى غلاء المعيشة، الذي يبدو سيكون خارج السيطرة هذا العام، رغم كرباج الفائدة البنكية، الذي لا يتوقف بنك إسرائيل المركزي عن استخدامه، بإدعاء أنها وسيلة للجم التضخم، ما يزيد الأعباء على الجمهور، ليس فقط في الحسابات والقروض البنكية، وإنما بشكل خاص على مستوى القروض الإسكانية، التي أدى ارتفاع الفائدة البنكية في العام الأخير إلى رفع أقساطها بآلاف الشواكل، بمجموع سنوي، للعائلة الواحدة.

ويصف المحلل في الملحق الاقتصادي لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، غاد ليئور، المشهد الاقتصادي، بقوله إن “غيوما سوداء تتجمع فوق الاقتصاد الإسرائيلي، وهذه هي الأسباب: غلاء المعيشة يستفحل، التضخم لا يتوقف، سلسلة من البيانات الاقتصادية المخيبة للآمال، وتقارير سيئة ووثائق تحذيرية من كبار المسؤولين في وزارة المالية، ويبدو أننا ندخل في حالة طوارئ اقتصادية، بينما وزير المالية ورئيس الحكومة ربما مشغولان بأمور أكثر أهمية”.

فقد ضجت الحلبة الاقتصادية، ومعها الحلبة السياسية، بالتقرير الدوري للخبيرة الاقتصادية الرئيسية في وزارة المالية، شيرا غرينبرغ، التي خفضت تقديرات النمو في إسرائيل إلى 2.7% فقط، بانخفاض 0.3% مقارنة بالتوقعات السابقة، وإلى 3.1% في عام 2024. بالإضافة إلى ذلك، حذّرت غرينبرغ من أن جباية الضرائب في العام الجاري 2023، ستكون أقل بمقدار 5.3 مليار شيكل من التوقعات التي تم إعدادها في كانون الثاني الماضي. كما أن حصيلة الضرائب في العام المقبل، 2024، ستكون أقل بمقدار 11 مليار شيكل، عن التقديرات الأولى، وهذا يعني أنه خلال أقل من عامين، سينقص الخزينة العامة 16 مليار شيكل، عدا الصرف الزائد الذي سيزيد العجز في الموازنة العامة، وهذا التقرير الرسمي الصادر عن مسؤولة كبيرة في وزارة المالية، فنّد مزاعم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي ادعى قبل أيام أن الميزانية العامة تشهد فائضا، وأن جباية الضرائب أكبر من التوقعات.

وفيما يتعلق بتأثير مخطط حكومة نتنياهو لتعديل قوانين الجهاز القضائي والمحكمة العليا، بما سيقلص صلاحياتها، وبحسب الوصف القائم في إسرائيل: الانقلاب على الجهاز القضائي، ذكّرت غرينبرغ بورقة تقدير الموقف التي نُشرتها منذ حوالي شهرين، وأكدت أن هناك تباطؤا إضافيا في استثمارات التكنولوجيا الفائقة (الهايتك) بسبب عدم اليقين الناشئ عن مبادرة الحكومة المذكورة، بالإضافة إلى التباطؤ الناشئ، بفعل عدة عوامل، منها خارجية أيضا.

وهذا يعني، حسب غرينبرغ، أنه إذا تحققت سيناريوهات المخاطر، فسيلزم هذا إجراء تخفيض إضافي في الميزانية العامة. وتضيف الخبيرة الاقتصادية الرئيسية أن هناك حاليا حالة من عدم اليقين في الاقتصاد، فيما يتعلق بمسألة تعديلات النظام القضائي، لدرجة أن السوق تنظر إلى هذه التعديلات على أنها تضر بقوة واستقلالية مؤسسات الدولة، لا سيما الجهاز القضائي، والتوازنات والضوابط بين أذرع الحكم والسلطات، ما يزيد من حالة عدم اليقين، ومن المتوقع أن يضر هذا بشكل كبير بالنمو والنشاط الاقتصادي الإسرائيلي، خاصة في الاستثمارات الأجنبية.

كما حذّرت غرينبرغ من بنود اتفاقيات الائتلاف الحاكم، الملحقة بموازنة الدولة، وزيادة تحويلات الأموال إلى جهات غير منتجة، مثل زيادة مخصصات طلبة المعاهد الدينية (الحريديم)، مما يشكل خطرا على الاقتصاد الإسرائيلي. هذه مبالغ غير مسبوقة، تصل إلى ما يقارب 14 مليار شيكل، لأغراض غير إنتاجية ولا تشجع على النمو، كل هذا يعرّض الاقتصاد الإسرائيلي للخطر على المدى الطويل، بحسب المحللين.

ويجري هذا كله بموازاة استمرار ارتفاع التضخم المالي، الذي سجّل في شهر نيسان الماضي ارتفاعا بنسبة 0.8%، وفي الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، بات التضخم 2%، كما أن التضخم في الأشهر الـ 12 الأخيرة، استقر عند نسبة 5%، وأنباء ارتفاع الأسعار الاستهلاكية لا تتوقف عن الصدور، ما يعني أن وتيرة التضخم في ارتفاع مستمر، وقد يكون إجمالي التضخم في هذا العام أعلى من التوقعات القائمة حاليا، وهي 3.9%. كما أن بنك إسرائيل من المتوقع أن يرفع الفائدة البنكية مجددا. وهذا يعني استمرار ارتفاع كلفة المعيشة، وكما قال أحد المحللين في الأسابيع الأخيرة، صحيح أن نسب التضخم في إسرائيل أقل مما هي قائمة في الدول المتطورة، وخاصة الأوروبية، لكن هذا التضخم في الاقتصاد الإسرائيلي يأتي على مستوى أسعار في البضائع والمواد الاستهلاكية، هي أعلى بمعدل 30% عن مستواها في الأسواق الأوروبية.

ويقول المحلل الاقتصاديسيفر بلوتسكر، في مقال له في صحيفة “يديعوت أحرونوت”: “إن وتيرة التضخم المالي العالية تجري عندنا، بينما في كل الدول المتطورة يتراجع التضخم المالي. فالأسعار العالمية للمواد الخام، والإنتاج الزراعي، والطاقة ونقل البضائع تنخفض جدا. أما عندنا فالعكس: ارتفاع جدول الأسعار في نيسان بنسبة 0.8%، وهذا ضعف نسبة ارتفاع جداول الأسعار للمستهلك في الولايات المتحدة، وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، وهو وضع لا يذكر مثله الاقتصاد الإسرائيلي في كل سنوات القرن الـ 21”.

ويضيف الكاتب بأن “صورة التضخم المالي خطيرة بشكل خاص، لأن ارتفاع الأسعار ليس محصوراً، مثلما كان في السنة الماضية، بالوقود والمياه والسكن، بل ينتشر إلى كل عناصر سلة استهلاك العائلة الإسرائيلية، مما يدل على أفق خطير من التوقعات، لمواصلة ارتفاع في الأسعار. فالاقتصاد يتقدم بخطى كبرى للدخول في الدائرة السحرية الشريرة للتضخم المالي”، التي من شأنها أن تفقد السيطرة على التضخم.

ويلفت بلوتسكر إلى أن “حكومة إسرائيل الحالية، وهذا بات واضحا كالشمس، لا يهمها التضخم المالي. هذه حكومة سيطرت عليها أحزاب متطرفة، حريدية ومسيانية، لا يعنيها المواطن ورفاهه. فبين الإدمان المثير للشفقة على تعديل قانون الجهاز القضائي، وبين تحقيق فكر ’أخطف قدر استطاعتك’، لا مصلحة للوزراء بأن يجتهدوا كي يوقفوا تسونامي الأسعار”.

ويقول المحلل الاقتصادي سامي بيرتس، في صحيفة “ذي ماركر” الاقتصادية، إن “الحكومة اتبعت حتى الآن بعض الحلول من أجل خفض غلاء المعيشة، عن طريق خفض الضريبة على المشروبات الخفيفة، التي فرضتها الحكومة السابقة، ودعم أسعار الوقود والكهرباء للجم ارتفاعها، وتأجيل جزء من ارتفاع أسعار الألبان. لكن الحديث يدور عن وسيلة مساعدة على ضوء معدل التضخم الذي يبلغ 5% سنويا، وارتفاع الأسعار الآخر قادم على الطريق… الصعوبة الكبيرة هي لمن حصلوا على القروض السكنية، بفعل ارتفاع الفائدة البنكية للجم التضخم، وفي أسعار المواد الغذائية.

“وفي ظل غياب حل سحري، فإن الضغط على الحكومة من أجل التخفيف على الجمهور سيزداد، الأمر الذي يستدعي المزيد من الأفكار لدعم الأسعار، لكن ليس بالضرورة إجراء إصلاحات هيكلية لخفض غلاء المعيشة”.

ويختم بيرتس كاتبا: “إن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يعتبر غلاء المعيشة موضوعاً يؤلم الجمهور، خاصة جمهور ناخبي ائتلافه، الذي يوجد لديه تمثيل مرتفع في الشرائح المتوسطة والدنيا. لكن باستثناء زيارة في الفرع الجديد لشبكة التسويق كارفور، والوعد بأن ’الأسعار ستنخفض بعشرات النسب المئوية’، فإن نتنياهو لم يقدم أي ردّ على هذا الألم. وفي المرحلة الحالية الألم لا يساهم في إخراج الناس إلى الشوارع، ولكن إزاء تركيز الحكومة في الأشهر الأولى لها على الانقلاب النظامي، وتجاهل غلاء المعيشة فإن هذا يمكن أن يتغيّر”، بمعنى أن نشهد لاحقاً حملة شعبية ضد غلاء المعيشة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى