شؤون إسرائيلية

برهوم جرايسي – إسرائيل تحتاج إلى مليارات لتمويل الهجرة من أوكرانيا في ظل تردّي الأوضاع الاقتصادية- الاجتماعية!

برهوم جرايسي 3-04-2022

بدأت الحكومة الإسرائيلية في البحث عن مصادر تمويل بمليارات الشواكل لاستيعاب الهجرة المتدفقة من أوكرانيا أساسا، ولكن أيضا من روسيا بأعداد قليلة، إذ ليس واضحا ما هي أعداد المهاجرين الذين تحق لهم المواطنة الإسرائيلية بموجب “قانون العودة” الإسرائيلي، ومعهم لاجئون مؤقتون؛ فحتى مطلع الأسبوع الجاري وصل إلى إسرائيل قرابة 23 ألف شخص، أقل من 40% منهم يستحقون الهجرة والمواطنة الإسرائيلية. إلا أن هذا الصرف غير المتوقع للميزانية الإسرائيلية، يأتي في ظل تقارير تؤكد تردي الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، مع استمرار الغلاء وارتفاع كلفة المعيشة.

ولا تعرف المؤسسة الإسرائيلية الأعداد الكاملة التي ستتدفق على إسرائيل كمهاجرين يستحقون المواطنة، فمن أصل قرابة 23 ألف شخص وصلوا بغالبيتهم الساحقة من أوكرانيا، فإن نحو 9 آلاف شخص هم من اليهود والآخرين ليسوا يهودا ولكنهم أبناء عائلات يهودية، تحق لهم الهجرة بموجب “قانون العودة”، وكل واحد من هؤلاء تمنحه الحكومة ميزانية صرف خاصة، ومسكنا مؤقتا مدعوما، إلى حين ثباته في البلاد، وانخراطه في العمل.

وحسب تقديرات إسرائيلية، فإن كل مهاجر بموجب “قانون العودة” إياه، يكلف الخزينة الإسرائيلية بما بين 80 ألفا إلى 100 ألف شيكل، ما يعادل 25 ألفا إلى 31 ألف دولار. لكن هذه ميزانية تصرف على كل فرد في عائلة، بينما هناك صرف أعلى للمسنين، وذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يقع كل عبء الصرف على حياتهم على الخزينة العامة.

وبحسب التقديرات ذاتها، فإنه في حال وصل إلى إسرائيل ما بين 30 ألف إلى 50 ألف شخص ممن يستحقون الهجرة بموجب “قانون العودة”، فإن على الحكومة أن تضمن ما بين 4 مليارات إلى 5 مليارات شيكل كحد أدنى، أي 1.24 مليار إلى 1.55 مليار دولار.
لكن هذه الكلفة ليست وحدها، بل هناك الصرف على من هم في تعداد لاجئين مؤقتين، يحتاجون لصرف مباشر على إقامتهم من الخزينة الإسرائيلية.

والسؤال الأول الماثل أمام الحكومة هو مصدر التمويل، وحتى الآن فإن الميزانية العامة تسجل فائضا ماليا أكبر من احتياجات الصرف على المهاجرين الجدد، بفعل الارتفاع الحاد في مداخيل الضرائب، رغم أن بنك إسرائيل المركزي قال في تقرير له في الأسبوع الماضي، إن الفائض في مداخيل الضريبة ناجم عن عوامل مؤقتة ليست ثابتة، محذرا من احتمال انقلاب المعادلة، وتكون المداخيل أقل من المتوقع مع نهاية العام. إلا أن هناك من يرى أن تحذيرات بنك إسرائيل تقليدية في ظروف كهذه، بهدف منع الحكومة من صرف زائد.

لكن القضية لا تتوقف عند مسألة التمويل، وحسب تقرير للملحق الاقتصادي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، فإن من أبرز القضايا التي ستواجه إسرائيل هي قضية المساكن، فتدفق ما بين 30 ألف إلى 50 ألف شخص من أصحاب حق الهجرة بموجب القانون الإسرائيلي يعني أنهم سيحتاجون لآلاف البيوت، ما من شأنه أن يزيد الطلب على البيوت، وهذا سيؤدي فورا إلى ارتفاع آخر في أسعار البيوت، التي ارتفعت أسعارها في العام الماضي 2021 وحده، بنسبة ما بين 11% إلى 13%. وكان تقرير سابق قد تحدث عن أن الحكومة الإسرائيلية تستعد لإعادة تأهيل نحو ألف بيت من المساكن الشعبية، غير المؤهلة للسكن حاليا.

أما في ما يتعلق بسوق العمل، وحسب التقارير الإسرائيلية، فإن هذا لن يكون مشكلة، إذ تدعي التقارير الإسرائيلية وجود 150 ألف وظيفة شاغرة في مختلف القطاعات، رغم أن نسبة البطالة في إسرائيل أعلى من 5%، بما تشمل بقايا تأثيرات جائحة كورونا، وهذا يعني أكثر من 240 ألف شخص معطّل عن العمل.

إلى جانب كل هذا، فإن أحد الأسئلة التي تطرح تقريبا في كافة التقارير الإسرائيلية هو: كم عدد أصحاب المواطنة من المهاجرين الجدد، سيغادرون مجددا عائدين إلى وطنهم مع انتهاء الحرب واستقرار الأوضاع؟ لأنه معروف أنه حتى اندلاع الحرب كان في أوكرانيا نحو 45 ألف شخص من أبناء الديانة اليهودية، المعترف بيهوديتهم، عدا أشخاص ليسوا يهودا، ولكنهم أبناء عائلات يهودية وتحق لهم الهجرة إلى إسرائيل والتوطن فيها، ولكنهم من أصحاب مستوى معيشي عال نسبيا.

وكما هو معروف فإن في أوكرانيا آلافاً كثيرة ممن هاجروا سابقا إلى إسرائيل وعادوا إلى وطنهم الأم، حاملين الجنسية الإسرائيلية، ويقدّر عدد هؤلاء في روسيا وحدها بأكثر من 120 ألف شخص.

تردي الأوضاع الاقتصادية- الاجتماعية

تستمر موجة الغلاء في السوق الإسرائيلية بتسجيل ذروة بعد الأخرى، وهذا انعكس على وتيرة التضخم في الشهرين الأولين، اللذين عادة وفي السنوات الـ 12 الماضية يسجلان وتيرة تضخم هامشية، وحتى تراجعية، إلا أنهما هذا العام سجلا ارتفاعا قارب 1% في الشهرين معا، وسط مؤشرات لارتفاع أكثر في الشهرين الجاري والمقبل، على الأقل.

وحتى الآن، لا توجد ضجة في الشارع الإسرائيلي، لسببين مركزيين: الأول أن الانطباع السائد في الرأي العام، هو أن هذا غلاء ناجم عن موجة غلاء عالمية، زادت عليه تبعات الحرب في أوكرانيا، والعقوبات المفروضة على روسيا، وانعكاسها على الأسواق العالمية، في مجالي النفط والقمح، ومواد غذائية أخرى.

والسبب المركزي الثاني، هو الفجوة الكبيرة في الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، إذ أنه استنادا لتقارير الفقر الرسمية، فإن أكثر من 73% ممن هم دون خط الفقر، هم أساسا من العرب ومعهم المتدينين المتزمتين، الذين يشكلون بحسب التقارير الإسرائيلية نسبة تزيد عن 35% من السكان، بما يشمل القدس المحتلة والجولان المحتل.

بينما الفقراء الباقون هم من اليهود من دون الحريديم، ما يعني أن نسبة الفقر بين اليهود من دون الحريديم تقل عن 10%، وهي نسبة تشابه النسبة في غرب أوروبا. واليهود من دون الحريديم هم أصحاب الصوت الأعلى في الشارع، ولم تطالهم الأزمة بذات الوقع على الشرائح الفقيرة والضعيفة.

ونشر في الأسبوع الماضي استطلاع بحثي لمنظمة تعنى بالشؤون الاجتماعية، هي “بعمونيم” (أجراس). وبحسب تعريف صحيفة “يديعوت أحرونوت” لهذه المنظمة، فإنها خبيرة في الاستشارة والتدريب على الإدارة الاقتصادية للعائلات، وإنقاذ عائلات من أزمات مالية. وضمن برامجها إقامة دورات وحلقات ارشادية للعائلات. والاستطلاع الذي يرى القائمون عليه أنه جرى بمهنية عالية، فحص مستوى الحصانة الاقتصادية للعائلات، وارتكز على 6 عوامل، كل واحد منها، كانت له نسبة مئوية متساوية في المقياس العام، وهي: 1- القدرة على الصمود أمام هزة (تراجع) في مداخيل العائلة. 2- القدرة على تسديد صرف زائد غير متوقع، في نطاق حجم مداخيل العائلة الشهري. 3- وجود توفيرات. 4- الامتناع عن شراء مواد غذائية وأدوية بفعل الفقر. 5- مدى الشعور بالقدرة على إدارة اقتصاد العائلة. 6- وجود سحب زائد في البنك.

على أساس هذه العوامل، تبين أن نسبة الحصانة الاقتصادية للعائلات في إسرائيل بالمجمل 66%، ويقول القائمون على المنظمة إنها نسبة متدنية، ولم تُعرض تفاصيل توزيع هذه النسبة على الشرائح المختلفة، مثل الوضعية بين العرب والحريديم بشكل خاص.

العنوان الأبرز لهذا الاستطلاع أن 70% من العائلات في إسرائيل سيجدون صعوبة في تسديد صرف استثنائي زائد في إطار مداخيلها الشهرية، و22% من العائلات تختصر وحتى تمتنع في بعض الأحيان عن شراء مواد غذائية أو أدوية، بسبب قلة مدخولها، وهذه ظاهرة شائعة، وتكون النسب أكثر من الضعفين لدى العائلات الفقيرة. وقال 13% من المستطلعين إن عائلاتهم لديها سحب دائم مزمن في حساباتها البنكية الجارية. وقال 35% إنه لا توجد لعائلاتهم أي نوع من المدخرات. وقال 27% من المستطلعين إن الأوضاع الاقتصادية المتردية تنعكس سلبا على العلاقات العائلية، لتقفز هذه النسبة إلى 49% لدى العائلات العربية، وهذه النسبة الوحيدة، على أساس قومي، التي ظهرت في تغطية الاستطلاع في كافة وسائل الإعلام، في حين أن المنظمة لم تنشر كامل نتائج الاستطلاع في موقعها الإلكتروني. لكن ارتفاع النسبة لدى العرب يدل على اتساع دائرة الفقر، إضافة إلى عمق الفقر، الذي هو أشد مما هو قائم لدى الحريديم، رغم أن نسبة من هم دون خط الفقر بين الجمهورين متقاربة في السنوات الأخيرة.

ورغم أن الحديث عن استطلاع، إلا أنه يدل على ضائقة مستفحلة على ضوء الارتفاع المستمر لأسعار السلع الغذائية الأساسية والحياتية. وكما يبدو فإن الحكومة باتت تدرك حقيقة الأوضاع، ولهذا أبرمت مع اتحاد النقابات العامة، الهستدروت، صفقة تشمل رفع الحد الأدنى للرواتب، ولكن هذه الصفقة التي أبرمت في مطلع العام الجاري، سرعان ما اقتنع الموقعون عليها أنها لا تلبي الحاجة. وزيادة على هذا، فإن الصفقة لاقت معارضة في صفوف الائتلاف الحاكم وأيضا في المعارضة، مطالبين بتحسينها للجمهور.

وقد أدت هذه المعارضة إلى عدم بلورتها كمشروع قانون وطرحها على الكنيست قبل انتهاء دورته الشتوية في آذار الجاري، وتم تأجيل بلورتها بصيغة نهائية إلى شهر أيار المقبل.

والعنوان الأبرز للصفقة رفع الحد الأدنى للرواتب من 5300 شيكل اليوم، وهو قائم منذ عدة سنوات، إلى 6 آلاف شيكل، ولكن بشكل تدريجي حتى الشهر الأخير من العام 2025، وهذا لا يمكن أن يعوّض أصحاب رواتب الحد الأدنى عن تآكل قيمة رواتبهم الهشّة، خاصة وأن وتيرة التضخم المالي تسجل قفزات متلاحقة.

وفي تحليل لصحيفة “كالكاليست” الاقتصادية التابعة لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، بشأن المتغيرات في الرواتب في العقد الأخير، تبين أن راتب الحد الأدنى ارتفع منذ العام 2011 بنسبة 28%، بينما معدل الرواتب العام ارتفع في نفس الفترة بنسبة 34%، أما معدل الرواتب في قطاع التقنيات العالية، الهايتك، فقد ارتفع بنسبة 54%. وهذه فجوات مستمرة في الاتساع، طالما أن راتب الحد الأدنى مجمد، أو مخطط له الارتفاع بوتيرة متدنية.

ولذا فمن المتوقع أن يتم تقليص فترة رفع راتب الحد الأدنى من الأجر، وهذا ما بات يطالب به اتحاد النقابات.

الجانب الآخر الذي طرحته وزارة المالية، وخاصة وزيرها أفيغدور ليبرمان، هو تسهيل ضريبي للعائلات العاملة، التي لديها أولاد من عمر 6 إلى 12 عاما، إلا أنه في بحث في لجنة المالية البرلمانية، جرى خلال العطلة الصيفية في الأسبوع الماضي، اتضح أن المستفيد من هذا التسهيل الضريبي أساسا هم من يتقاضون أعلى من معدل الرواتب العام. بينما الشرائح الفقيرة وتلك التي تتقاضى رواتب ما دون معدل الرواتب، لن تستفيد إطلاقا من التسهيل الضريبي.

وتقول وزارة المالية إنها ستزيد نطاق تطبيق ما يسمى “الضريبة السلبية”، وهي عمليا مدفوعات لأصحاب الرواتب المتدنية، إلا أن تجربة السنوات الأخيرة أثبتت أن هذا نمط غاية في التعقيد، وغالبية الذين من المفترض أن يستفيدوا من هذه الأموال، لا يحصلون عليها.

وحسب التقديرات، فإن الحكومة ستكون أمام ضغوط من الائتلاف الحاكم وأيضا من المعارضة لتحسين الخطة الاقتصادية، كي تكون ملموسة بشكل مباشر لدى الجمهور الواسع.

في هذا المجال أشار تقرير جديد لمنظمة التعاون والتنمية بين الدول المتطورة OECD، إلى أن إسرائيل ما تزال دولة متخلفة نسبيا، مقارنة مع الدول المتطورة، في الصرف على الرفاه الاجتماعي، إذ حلت إسرائيل في المرتبة 29 من أصل 35 دولة أعضاء في OECD، إذ أن إسرائيل تصرف ما يعادل 16.3% من حجم الناتج العام لديها، على قضايا الرفاه.

وفي حين أن كل الدول المتطورة ترفع باستمرار الصرف على قضايا الرفاه، فإن ما جرى في إسرائيل في السنوات العشر الماضية كان العكس تماما، إذ انخفض الصرف على الرفاه من 18% من حجم الناتج العام في العام 2011 إلى نسبة 16.3% في العام الماضي، 2021.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى